الجدال الذي يدور بين الحكّام والنقاد الرياضيين حول ما تقوله اللقطات المصورة لأحداث رياضية مثيرة للخلاف، يبدو اليوم كأنه يعود بنا إلى السؤال الأبدي: من الأجدر بالتصديق: عين الكاميرا، أم عين الضمير البشري؟ ثمة دائماً من يرى في «شهادة» اللقطة التلفزيونية دليلاً أكيداً لا يمكن دحضه، لأن الكاميرا كما يقول لا تنحاز إلى أحد، هي لا ترغب، وأيضاً لا تستطيع. لكن هذه الثقة الكاملة والنهائية، لا تقنع الآخرين بالصمت والتسليم، فثمة أيضاً من سيذهب بالأمر نحو تخوم أخرى لا تخلو بدورها من وجاهة حين يرمون في ساحة الجدال بسؤال ماكر: هل هناك حقاً تطابق بين الصورة (فوتوغرافية أو متحركة) وبين الواقع؟ بكلمات أخرى هل تستطيع الصورة أن تدّعي أنها الواقع من دون أية فوارق أو اختلافات؟ حين ننتقل بالكلام من حيّزه النظري إلى ساحات الواقعية يقدم أصحاب تلك الأسئلة قراءات جدلية تنطلق هي الأخرى من فكرة صائبة تقوم على عدم التشكيك بعين الكاميرا، لكنها تومئ إلى زوايا التصوير، وما يمكن أن تحمله من «مراوغة»، تجعل اللقطة المثيرة للخلاف أبعد من أن تكون مجرّد صورة واضحة، أو لنقل مجرد صورة نهائية لا يمكن التشكيك في دلالاتها الأحادية، بما يجعلها قابلة لتوليد حكم مبرم في هذا الاتجاه أو ذاك. إنه سؤال العلاقة بين حدقة البشر والكاميرا، أي أنه بمعنى ما سؤال الاختلاف الأبدي، الذي نعتقد أنه سيظل قائماً في الملاعب وخارجها من الأروقة الرياضية، بل في دروب الحياة كلها. ولأنه على هذا النحو من التعقيد سيظلُ سؤال «النسبية» قائماً وحاضراً في كل الخلافات والاختلافات القائمة: هل الرياضة بأنواعها كلها معادلة رياضية يمكن الركون إلى نتائج حساباتها بدقة؟ كل الألعاب الرياضة – إذ تحتاج إلى محكّم إنسان – إنما تشير بذلك إلى انتمائها لعالم الإبداع، بما هو عالم زئبقي، مراوغ، وغير محكوم بكليته للقوانين العلمية وأدواتها بما فيها الكاميرا، أي أنها كألعاب يمارسها البشر تحمل إبداعاتهم الجميلة، لكنها تحمل أيضاً أشكال تحايلهم على الحكام، وأيضاً على «الكاميرا الخفية» لحكام آخرين لا يراهم اللاعبون عادة.