استطاع الدكتور شادي عاشور مؤلف ومخرج مسرحية “الزئبق الأحمر” التي عُرضت يومي الأربعاء والخميس الماضيين على قاعة مركز الملك فهد الثقافي بالرياض أن يوظف خبرته ككاتب مسرحي متميز وكطبيب نفسي، في اقتناص ردة الفعل لأول عرض سينمائي في المملكة وما صاحبها من لغط بين مؤيد ومعارض، وتحويل هذه الأحداث إلى عرض مسرحي يحمل الكثير من الإسقاطات والمواقف الكوميدية. وقد نجح عاشور في مزج قضية السينما في السعودية بقضية شائعة الزئبق الأحمر التي انساق خلفها الملايين من البشر، متسائلا إن كان للزئبق الأحمر وجود في الحياة أم هو أسطورة من الأساطير كأسطورة إكسير الحياة التي ليس لها وجود. كما تناولت المسرحية (التي أخذت طابع السيكودراما المعروف عند شادي)، من خلال إيجاده للمريض النفسي الذي كان جزءاً من المسرحية، وإسقاطات قضية السفر خارج الحدود من أجل مشاهدة فيلم سينمائي وما يصاحب ذلك من ممارسات خاطئة وتصرفات سلبية عند بعض الشباب الذين يشوهون صورة المجتمع السعودي من خلال تصرفاتهم اللامسؤلة وحالات الفوضى التي يحدثها بعض هؤلاء الشباب عند دخولهم لقاعات السينما أو المسارح في الخارج، مما يؤكد الحاجة لتكريس ثقافة مشاهدة الأفلام السينمائية وتعلم آداب دخول صالات العرض المختلفة، وأمنية الكثير من الجمهور بوجود مسرح وسينما في المملكة، وهو ما أومأ إليه المؤلف عندما أسقط في مسرحيته قصة شاب مثقف وعاطل عن العمل يستغل خبر افتتاح أول صالة سينما في حي العليا ويقوم بعملية نصب تتمثل في إقامته لعرض سينمائي مزيف في الصالة نفسها لكن قبل يوم من افتتاحها الرسمي يدخل هذا الشاب مع رواد الصالة في جدال فكري يدور حول قضية السينما وإشكالية وجودها في المملكة، لتظل السينما من الأماني القائمة في المجتمع، عندما يقول (المفروض نشوف مثل هذا العرض كل يوم.. بس للأسف ما راح يكون في السعودية.. لأن السعودية ما فيها سينما.. وكل ما تقوله الآن وهم في وهم، ثم يطرح السؤال القنبلة عندما يقول:0 ( فهل يا ترى ستظل السينما في السعودية أيضاً وهم).. تاركاً السؤال بلا إجابة!!. وقد استخدم المؤلف كوميديا الموقف ونجح في المزج بين قضايا المسرحية كما حصل مع قضية الزئبق الأحمر ومكائن سنجر التي اجتاحت المجتمع قبل فترة وجيزة حتى وصل سعرها بآلاف الريالات، وبين قضية السينما والمسرح التي من خلالها يتم معالجة مثل هذه القضايا التي أسقط عليها المخرج بعض ممارسات الشباب الخاطئة، مثل الغزل والملابس الخادشة للحياء مثل طيحني وبابا سامحني والكدش التي أشار إليها بعبارة “بدل ما تربي شعرك.. ربي شعورك”. المسرحية جمعت أسماء عدداً من النجوم المسرحيين مثل علي إبراهيم ومطرب فواز وعلي الهويريني وخالد الحربي وخالد الرفاعي وأسامة خالد، إضافة إلى عدد من الوجوه الشابة التي أثبتت وجودها في المجال المسرحي، وهو ما جعل المسرحية تصاب بنوع من تخمة النجوم على خشبة المسرح، وعموماً المسرحية كانت قوية في طرحها ومضمونها، وتعامل معها المؤلف بعقلية احترافية.