كانت تسمع عن قصص إهانة المرأة وظلمها، لكنها لم تكن تتوقع أن تعيش هذه الإهانة وتجرب مرارة الظلم، لم تتوقع أن تُضرب، وتُطرد من منزل والدها. لم تتوقع أن يقف ضدها أشقاؤها بما فيهم صغيرها، لم تتوقع ان تَخذلها والدتها لأن «البنات يُضربن ولا يشتكين»، لم تتوقع أن تصبح جانية بدلاً من مجني عليها! أرادت الحماية فأُلقي القبض عليها، أُخذت بصماتها، جُردت من ملابسها للتفتيش، وأُودعت السجن بتهمة لم يصدر فيها حكماً، فقضت ليلة سوداء بين جدرانه تحاول أن تعرف الذنب الذي ارتكبته ولماذا عوملت كالمجرمات والمطلوبات أمنياً! هذه امرأة بالغة من العمر 47 عاماً، باحثة وأكاديمية. هي المرأة ذاتها التي احتجزتها شرطة العزيزية بمنطقة مكةالمكرمة وحولتها لهيئة التحقيق والادعاء العام فحبست بتهمة «العقوق»، وبعد اتصال هيئة حقوق الإنسان بهيئة التحقيق والادعاء، أصدرت الأخيرة أمراً بإطلاق سراحها وعدم قبول قضية العقوق لأن لها قضية سابقة تشتكي فيها من العنف، (الحياة، 14 أكتوبر 2011). هذه القضية وغيرها من القضايا التي تناولها الإعلام في الأشهر الماضية كقضية طبيبة المدينة التي ما زالت تطالب بحقها في الزواج من عشر سنوات، وقضية سمر التي حبست لشهور لأن والدها اتهمها بالعقوق رداً على مطالبتها باسقاط الولاية بسبب العنف والعضل، وغيرها من القصص التي تنشر من دون أسماء، تعبر عن واقع المرأة الذي يعاني من مشكلات مركبة ومعقدة. تبدأ من سلطة مطلقة لولي الأمر، من الميلاد حتى الممات، تمكنه من التصرف في كل شؤون حياتها سواء كان زوجاً أم أخاً أم أباً أم حتى ابناً. سلطة تجعل من المرأة إنسانة ناقصة الأهلية وتمنعها من ممارسة حياتها بحرية وكرامة، وتجردها من حقوقها الإنسانية التي يفترض أن تكفل لها حق الزواج والعمل والتنقل والعلاج والهوية وغيره من دون شرط أو قيد. يدعم هذه السلطة ثقافة دينية متشبعة بمفاهيم اجتماعية تؤكد على قوامة الذكر في الأسرة والمجتمع، وتحدد دور المرأة كتابعة للرجل يمكنه تأديبها، ومنجبة لأبنائه، ومطيعة لأوامره، في ظل غياب قوانين للأحوال الشخصية تحفظ حقوقها، وعدم إقرار قوانين مجرِّمة للعنف. لنفترض أن هذه المرأة لم تلجأ لناشطة حقوقية والتي بدورها استنجدت بهيئة حقوق الإنسان، هل كان سيفرج عنها في اليوم التالي؟ لنفترض أن هذه المرأة ليس لها عم، أو لها أي قريب آخر يرفض التدخل، هل كانت «ستُسلَّم» إلى خصمها من جديد؟ أم ستحول لسجن من نوع آخر لأنها لا تستطيع أن تستقل بحياتها مهما كان عمرها ووضعها الاجتماعي؟ ماذا لو لم تكن لديها قضية سابقة تشتكي فيها من العنف، كم من الأيام كانت ستوقف بتهمة «العقوق» المزعومة؟ كم مثل هذه المرأة موجود داخل السجون وغيرها إما كعقاب عن ذنب لم ترتكبه أو لعدم وجود من «يستلمها»؟ وكم منهن متعايشات مع أوضاعهن حتى لا يزرن السجون ويجربن سوادها؟ «أريد حياة أشعر فيها بقيمتي كإنسانة بعيدة عن الذل والامتهان، أريد الحرية والكرامة»، هذا هو مطلبها كما عبرت عنه في نهاية حديثنا! وللأسف ما زالت الأسماء تتبدل والقصص تختلف، والواقع نفسه لا يتغير... فنعيد ما كتبنا، ونكرر ما طلبنا، والوضع باق كما هو عليه وعلى المتضررة حتى الآن اللجوء للدعاء! [email protected] twitter | @DaliaGazzaz