مهما اختلفت التفاصيل في قضايا المرأة في مجتمعنا، نجدها تخرج من منابع محددة تجعل العناوين العريضة للقصص متشابهة ولكن بأحداث مختلفة. ففاطمة تلوح لها ظلمة السجن الموحشة، لأنها اختارت أن تعيش مع والدتها المطلقة، وساعد تدخل الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وكفالة عمها في الإفراج عنها موقتا،ً بعد حبسها ثلاثة أشهر، لتسوية الخلاف مع والدها الذي يرفض كل سبل الصلح، ويصر على سجنها وعضلها، كما حكت. تعمل فاطمة ممرضة في مستشفى حكومي، ولها ابنة تعيش في حضانتها بتراض مع طليقها. تسكن مع والدتها وإخوانها وتساعدهم في المصاريف وتقوم برعاية شؤونهم. اصطدمت مع والدها عندما طالبت بحقها في الزواج، فطردها من منزله بتهديد السلاح، ثم أبلغ عنها الشرطة بتغيبها عن المنزل، واستمر في قضيته حتى وصلت إلى المحكمة. رفضت الإقامة معه لسوء معاملته، وضيق منزله، وكثرة المقيمين فيه من زوجة وأبناء وأحفاد. ووفقاً للمستندات التي قدمتها فلقد صدر حكم «ببقائها مع والدها»، رفعته للتميز فطُلب إعادة النظر فيه بناء على أن «البالغ لا ولاية عليه من حيث الإقامة، ولا دليل من الكتاب والسنة يلزم الأنثى بالمسكن مع أبيها، والأصل عدم الإلزام»، ولكن القاضي أصر على حكمه مستشهداً بأن «الأنثى تبقى عند أبيها منذ أن يتم لها سبع سنين حتى يتسلمها زوجها، وفي سكنها مع والدتها ضرر لعدم وجود رجل تهابه، وقد ظهر عليها تبرج ولباس غير محتشم، وهي مطلقة، وتعمل في مستشفى وتخالط الرجال، وفي بعدها عن والدها ضرر». رفضت التنفيذ فصدر أمر بتوقيفها لشهر يجدد تلقائياً «حتى تذعن أو تتزوج». القضية معقدة ومتشعبة ولكن السؤال يلح: ما الذي يجعل امرأة تختار السجن عن الإقامة مع والدها؟ ولماذا تصل قضية عائلية هي أشبه «بقضية حضانة» لامرأة بالغة لهذا الحد؟ لماذا تدخل السجن مع المجرمات والموقوفات في قضايا جنائية وأخلاقية، لأنها رغبت في ممارسة حقها في الاختيار كإنسانة بالغة تعول نفسها وعائلتها؟ مطالبات إنسانية بسيطة يمكنها أن تسلب حرية امرأة لأنها تعيش في مجتمع ذكوري يفرض الوصاية عليها من الميلاد حتى الممات، في ظل غياب قوانين تحفظ حقوق أفراد الأسرة، وتنظم العلاقة في ما بينهما بعدل وإنصاف، بعيداً عن الاجتهادات الفردية والتوجهات الفكرية التي حكمت عليها لأنها تخالط الرجال في عملها ويظهر عليها التبرج، وهي أمور محل اختلاف. حُفظ حق الأب في الطاعة، وتم التغاضي عن حق الابنة في الرعاية والحماية من الإيذاء، وتعثرت الحلول الوسطية كما يحدث في كثير من قضايا العنف والعضل التي يتناولها الإعلام «بوصف مسكنات» لا تعالج المشكلة من جذورها. الوقت ينفد، والحكم واجب التطبيق، ولم يتبق أمامها إلا الرفع للمقام السامي متمنية إنهاء معاناتها قبل أن تعود سجينة خلف القضبان، وتحرم من حريتها وأمومتها! [email protected] twitter | @DaliaGazzaz