يصر المجتمع البدوي - العريض جداً - في السعودية على أن إكرام الضيف يتم بصيغة واحدة، (صحن دائري من معدن يحتضن طبقة سميكة من الأرز، يجثو فوقهما جسد كامل لذبيحة من الأنعام، لا ينقص منها شيء إلا جلدها وقرنيها)، أما ما عدا ذلك فإنه يعتبر نقصاً في الضيافة، ويندرج ضمن مسمى «أبو اصحينات». من هو «أبو اصحينات»؟ هو: كل كريم يقدم واجب الضيافة من دون وجود الوصف أعلاه، أما لفاقة ونقص، أو تحرراً من اعتناق نفاق اجتماعي طال توارثه. إذا أخذنا تطور أساليب الضيافة كمؤشر لتطور المجتمع، فإن وقوفه دهوراً عند نقطة «الذبيحة» يعطي دلالات كثيرة منها: أولاً: غابات الأسمنت لا تزال خياماً من حديد وطوب. ثانيا: ملايين الشهادات العلمية تلتصق بالجدران أكثر من التصاقها بالعقول. ثالثاً: إذا تم تصنيف «الذبيحة» كأحد أنواع الإيديولوجيات، فكل إيديولوجية سابقة لتأسيس الدولة السعودية الثالثة باقية. مارست «الذبيحة» دوراً اسطورياً في مواجهة جوع «بدو رحل» في صحاري معزولة عن العالم ثقافياً واقتصادياً تحت سماء عرش الرجل المريض في اسطنبول، ونزاعات قبلية سحقت حتى أطلال طرق التجارة القديمة، كانت مصدر الأمن الغذائي الوحيد، القادر على التكيف، التنقل، التكاثر، وانتظار السكين. وتستمر «الذبيحة» حالياً في أداء أدوار توسعية تمتد من إنهاك الدولة بموازنات دعم أسعار الشعير، مروراً بوجود «مافيا» متخصصة في استخراج وإعادة بيع فسوحات استيراد ماشية من الخارج، محققين أرباح يحسدهم عليها تجار المخدرات. يستورد السعوديون أدوات كرمهم الباذخ من بلدان يتضور معظمها جوعاً، فالسودان وجيبوتي مصدران هامان لملايين الأغنام سنوياً، بينما وجود منجم المجاعة «الصومال» ضمن بلدان ناشطة جداً في تصدير الأغنام إلى السعودية يزيد من فرص تشبيه «الذبيحة» بالمخدرات، فمصدرهما دوماً دول ذات قلاقل أمنية. يقتات على صناعة «الذبيحة» في السعودية أطياف تجارية خاضعة لسيطرة عمالة أجنبية، تبدأ في أسواق الماشية والحطب، ثم مسالخ تتخصص في الذبح والتقطيع، يليها مطابخ للطهي والتوصيل، بينما السعودة تكون متكاملة فقط في «كروش» متمرسة، وعقول لا تطرح أسئلة عن كيفية إدارة فائض قادم من ملايين «الذبائح» وقادر على سد ثغرة كبيرة من دائرة جوع يواجهها يومياً بليون نسمة. يتورط السعودي بخسارة جزء كبير من دخله السنوي هروباً من وصف «أبو اصحينات»، فكل «ذبيحة» وملحقاتها تعني طبخ 1500 ريال على الأقل «يعادل 400 دولار»، ويحدث أن يتم ارتكاب «جريمة» أو أكثر في الشهر الواحد. يترادف مع «الذبيحة» قواميس وأخلاقيات مهنية يتصدرها وجود «رأسها» في منتصف الصحن، لتأكيد فعل الذبح بنية خالصة، مع تقديم الشكر للضيف لأنه منح صاحب الدار شرف إكرامه، مصحوبة باعتذار عن عدم قدرته ذبح كل ماشية الكرة الأرضية له. يحقق إسقاط «الذبيحة» من يوميات السعودية وفراً في موازنات دولة وشعب، إلغاء نفاق اجتماعي يسيطر بعنف، تجاوز عصبية قبلية، تقليص عمالة أجنبية، ومؤشراً على أن كل ما تم بذله لتطوير الأمة بات قابل للقراءة بوضوح. [email protected] twitter | @jeddah9000