يتفق كثيرون من العراقيين، بمختلف اتجاهاتهم، على نزاهة نوري المالكي الشخصية، والذي جاء من صلب المعارضة الوطنية العراقية للديكتاتورية، بكل ما جسدته هذه المعارضة من تضحيات وآلام ومآسٍ. لكن الأمر لا يتعلق بالنزاهة فقط على رغم كونها عملة نادرة هذه الايام، فالمالكي لم يفشل فقط في معالجة الأزمات الحادة التي تحيط بالدولة ومرافقها، وإنما فشل حتى في إدارة الدولة نفسها في الشكل الذي يمكنها من أداء المهام العادية المنوطة بها والمتعلقة بحياة المواطنين اليومية. اكثر من نصف الوزراء منسحبون او مستقيلون ووزاراتهم شبه مشلولة إن لم تكن مشلولة بالكامل، والمالكي يقف عاجزاً تماماً عن إشغال الفراغات حتى شكلياً، هذا إضافة الى عجز الحكومة عن تحقيق أي تقدم حقيقي يذكر في معالجة ملفات الأمن والمصالحة الوطنية وقانوني النفط والإدارة الفيديرالية وترسيم الحدود مع الجارة إيران وحل مشكلة كركوك التي رحلت الى عام قادم وربما الى اعوام، ويبدو الرجل والبقية الباقية من حكومته، وكأنهم مصممون على الاحتفاظ بكراسي السلطة مهما كلف الأمر من دون اي تقدير لتطلعات الشعب العراقي وحقه المشروع في ان تكون له حكومة قادرة على توفير الأمن والاستقرار والحياة الكريمة، ودمل جراح المجتمع العراقي والعمل على تكريس ثقافة التسامح والمصالحة مع الذات واحترام الآخر، والتخلص من الطائفية المقيتة وتحقيق مصالحة وطنية شاملة. حكومة قادرة على مكافحة التضخم والبطالة والهجرة الجماعية لمئات الألوف من العراقيين، حكومة تعيد بناء البنى التحتية اللازمة لإنعاش الاقتصاد العراقي الذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة. حكومة قادرة على حل مشكلة كركوك وفق الضوابط الدستورية المتفق عليها وبإجماع وطني قبل ان تؤدي الى اتفاق جزائر ثاني. نعم المجتمع العراقي في حاجة الى حكومة قادرة على التصدي بحزم لمشاكل البلاد المستفحلة غير الحكومة الحالية التي دخلت التاريخ كنموذج للفشل، اللهم الا في مجال التطبيل الإعلامي لنجاحات خيالية لا أساس لها في دنيا الواقع ويعرف حقيقتها كل مواطن عراقي. إن نظره سريعة إلى تركيبة ديوان رئاسة الوزراء العراقي الذي يشكل قمة هرم السلطة وأداتها التنفيذية الرئيسة، والذي تحوّل الى ديوان رئاسة حزب المالكي، كافية لمعرفة نوعية الفكر الذي يقود البلاد، وفي ما إذا كان هناك أقل أمل في أن يقود هذا الفكر المتزمت الى مصالحة وطنيه حقيقية، حجر الزاوية في أي محاولة جادة لإشاعة الأمن والاستقرار وإعادة الحياة إلى مشاريع الإعمار والتنمية التي يحلم بها المواطن العراقي. الطريق السليم والصحيح هو في العودة الى المرجعية الشرعية والقانونية المتمثلة بإرادة الشعب العراقي من خلال انتخابات مبكرة تُجرى على أساس الترشيح الفردي الذي يمكن المواطن من معرفة مرشحه وبرنامجه الانتخابي، لا على أساس القوائم الحزبية التي استغلت وببشاعة لا نظير لها، براءة المواطن العراقي وحبه اللامحدود للحرية والعدالة والديموقراطية، واحترامه الشديد للمراجع الدينية. الطريق السليم هو انتخابات جديدة، بعد إحصاء سكاني حقيقي، وتحت أنظار العالم ومؤسساته القانونية والحقوقية، لانتخاب برلمان يمثل شعب العراق بكل مكوناته وغناه الأثني والديني، قادر على تشكيل حكومة وطنيه بعيدة عن المحاصصة الطائفية والعرقية الكريهة، تنقذ البلاد من الوضع المأسوي الحالي. سربست بامرني - بريد الكتروني