من المؤكد أن تشبث ورفض نوري المالكي، التنازل عن رئاسة الحكومة العراقية، رغم المطالبات بتخليه عن السلطة، سيعمق الأزمة العراقية المستفحلة أصلا، وسيعمل على توسيع قاعدة الخلافات المتجذرة وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية طاحنة لا يعلم أحد بنتائجها الدامية. وليس هناك شك في أن العراق يواجه في هذه المرحلة، أحد أخطر التحديات في تاريخه سواء في الجانب الأمني المتمثل بسيطرة داعش والمجموعات المسلحة والعشائرية على مساحات شاسعة من العراق، فضلا عن الاحتراب الطائفي والتدخلات الإقليمية في الشان الداخلي، وهو الأمر الذي أوصل العراق إلى هذا المستنقع الدموي الإرهابي. إن تهميش استمرار نظام المالكي لمكونات المجتمع العراقي وخاصة السنة، ورفضه لتشكيل حكومة وحدة وطنية تحظى بقبول الجميع وتشبثه بالسلطة، سيؤدي إلى تكريس الفكر الطائفي المقيت وتقسيم العراق، خاصة أن مسعود البارزاني لوح أخيرا بورقة الانفصال وطالب برلمان كردستان الإعداد لاجراء استفتاء على الاستقلال الكردي. إن اتفاق الكتل السياسية على تشكيل حكومة إنقاذ وطني لمواجهة الأوضاع الراهنة الخطيرة بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية تعمل على الوصول إلى هذه الحكومة لإنقاذ العراق وانتشاله من الأوضاع الصعبة والمزرية التي يمر بها حاليا والشروع فورا في بناء عراق جديد يختلف عن عراق المالكي الطائفي الذي دمر العراق ونهب ممتلكاته وحرق مكتسباته، والعمل على إعادة هيكلة بناء منظومة الدولة العراقية التي دمرت ولم تعد هناك دولة بل نظام طائفي يحكم لتحقيق أهدافه الشخصية والضرب بتطلعات الشعب العراقي بالحائط وتجاهل احتياجاته. ومن المؤكد أن تمسك المالكي بمنصبه ليس نهاية الختام، فالمالكي الذي أهلك النسل العراقي وعاث في بلاد الرافدين الفساد، لا يرغب في الاستفادة من أخطائه السابقة وبناء الدولة على أسس المواطنة واحترام القانون، وتفعيل مشروع المصالحة الوطنية بالانفتاح على جميع القوى السياسية ومكونات المجتمع العراقي لتحقيق طموحات جميع العراقيين وتحقيق آمالهم، بل يريد تحقيق مآربه الشخصية وأجندة الأطراف الإقليمية، لأن المالكي هو الذي أسس لنظام حكم طائفي محض في العراق تربع على قمته وأقصى جميع الأحزاب والتيارات غير الطائفية بل عمل على محاربتها بكل الوسائل، ونسف الديموقراطية العراقية من جذورها ومارس سياسة العزل والإقصاء والتهميش وجاءت النتيجة ثورات عارمة ضده، ونظام حكمه. وليس أمام المالكي إلا التخلي عن السلطة قبل أن يتم خلعه وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتحقيق المصالحة الوطنية، وإصلاح الخلل في العملية السياسية لكي يعود العراق إلى وضعه الطبيعي ويتنهي الانهيار السياسي والأمني الذي يعيشه العراق حاليا، والذي يتحمل مسؤوليته المالكي منظر الفكر الطائفي الذي يتبناه كعقيدة للحكم، مما أدى إلى عزل العراق عن محيطيه الإسلامي والعربي. عراق المالكي أصبح عراقا ممزقا فاسدا استبدل الهوية الوطنية الجامعة بهوية طائفية محضة، وقضى على كل الآمال بإمكانية التعايش بين الطوائف العراقية.