لم تبدأ التحالفات السياسية لتشكيل الحكومة العراقية اليوم، بل إن السجال السياسي ما زال مستمراً منذ العام 2003 حول أطر الدولة العراقية الحديثة التي تعد الحكومة مدخلاً جوهرياً لتأسيسها. والانتخابات العراقية الأخيرة التي أفرزت 4 كتل سياسية شاركت باختلاف أشكالها ووجوهها وأسمائها في التأسيس للعملية السياسية العراقية، عكست في جانب من معطياتها نمطاً مخففاً من الاستقطاب الطائفي لمصلحة تفتت القوى التي ارتكزت الى المنظومة المذهبية والقومية في التأسيس لوجودها. لكن الانتخابات طرحت إشكالية جديدة تتعلق بموازنة تبدو مستحيلة بين ضمان التمثيل الطائفي والعرقي من جهة وإنهاء المحاصصة الطائفية التي اعتبرتها جميع الكتل من دون استثناء سبباً مباشراً في إعاقة تقدم العملية السياسية في العراق ورفعت جميعها شعارات انتخابية مناهضة لها. ويبدو"الفصام"في صميم البعد"الشعاراتي"للطبقة السياسية العراقية واضحاً بعد ايام من نهاية يوم الانتخابات عبر حديث شخصيات سنّية عن"حقوق السنّة"وشخصيات شيعية عن"حقوق الشيعة"والامر ينطبق على الاكراد أيضاً. وواقع الحال ان محاولات التملص من الالتزام بشعار إنهاء المحاصصة بعد أيام من توجه نحو 62 في المئة من الناخبين العراقيين الى صناديق الاقتراع وإفشال مراهنات التنظيمات المتطرفة لثنيهم عن ذلك، يبدو مكشوفاً، لجهة انه يضعف فرص الحراك السياسي في العراق لتجنب قدر استنساخ التجربة السياسية السابقة. لكن دلالات أخرى للسلوك السياسي العراقي الذي يدفع بالبلاد مجدداً الى حضن المحاصصة، يمكن وصفها بفشل الطبقة السياسية العراقية في إدراك قيمة الرسالة التي وجهها العراقيون يوم السابع من آذار مارس الجاري. رسائل أولية فرضت النتائج الأولية للانتخابات العراقية تقدم المالكي في 8 محافظات عراقية منها بغداد والبصرة، مقابل تقدم اياد علاوي في خمس محافظات منها الموصل وكركوك، فيما حلت قائمة تحالف القوى الشيعية التقليدية ثانية في معظم المحافظات الجنوبية، وتقدم"التحالف الكردستاني"في مدن إقليم كردستان تليه قائمة"التغيير". وباختلاف الحسابات حول عدد مقاعد كل كتلة فإن حقائق أساسية فرضتها النتائج على الواقع السياسي ينبغي تأملها من اكثر من زاوية: أولاً: ان غالبية كبيرة من سنّة العراق انتخبوا علاوي"الشيعي العلماني"أملاً في التغيير السياسي فيما غاب رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي عن المدن السنية على رغم انه خاض الانتخابات فيها بمرشحين سنّة، ما يحتم على أي حكومة وأي جهة سياسية تتبنى التأسيس للانتخابات المقبلة بعد أربع سنوات، قراءة هذه النتيجة من زاوية أكثر مسؤولية، لجهة حاجة تلك المدن ومواطنيها الى إجراءات رسمية اكثر تسامحاً ومسؤولية. ثانياً: ان استمرار تقدم المالكي في بغداد ومدن الجنوب الشيعية يظهر تمسك شيعة العراق بمنهج دولة المواطنة لا دولة الطوائف، وهو الشعار الذي طرحه المالكي نفسه، فالمالكي كان خياراً شيعياً لمرحلة ما بعد الأحزاب الإسلامية، على رغم انه لم ينجح في تحقيق هذا الهدف عملياً. ثالثاً: ان وجود قائمة علاوي العلمانية منافسة في جميع مدن العراق ومن ضمنها المدن الشيعية وإن بدرجات اقل من"ائتلاف دولة القانون"و"الائتلاف الوطني العراقي"على رغم الحملة الكبيرة التي تعرضت لها القائمة قبيل الانتخابات عبر إجراءات الاجتثاث والاتهامات والمنشورات والتحريض، رسالة بالغة الدلالة عن ضرورة إحداث التغيير السياسي في العراق لضمان إنهاء مرحلة الإلغاء السياسي والإقصاء والتوجه الى المصالحة الوطنية الحقيقية، وبالتأكيد استعادة ثقة الشارع الشيعي عبر معالجة الخلل المنهجي في صميم عمل الوسط السياسي الذي يوصم شعبياً بالفساد. رابعاً: ان نسب المشاركة المرتفعة في الانتخابات على رغم"حظر التجوال"و"التهديدات"التي أطلقها تنظيم"القاعدة"خصوصاً، تمثل ميلاً حاسماً لإقصاء الفكر المتطرف الذي حاولت"القاعدة"غرسه في ارض الرافدين، وتأكيداً على الوسطية الدينية التي عرف بها العراقيون، لكنها من طرفها الأكثر إشراقاً تمثل نضجاً حقيقياً في الإيمان بخطورة وقيمة الصوت الانتخابي وقدرته على إحداث التغيير، وبالتأكيد ان تحول الانتخابات الى مناسبة لتغيير الواقع العراقي سيكرس الثقافة الديموقراطية ويجذرها، فيما سيكون عجز الطبقات السياسية العراقية عن إنتاج هذا التغيير خلال السنوات المقبلة نكسة حقيقية على مستوى التداول السلمي للسلطة وأيضاً جرحاً غائراً في إيمان العراقي بالديموقراطية كحل للتعايش. خامساً: ان تجسير الهوة بين الخيارات السياسية على أساس البرامج لا الانتماءات الاثنية والطائفية وهو ما عكسته الانتخابات الأخيرة، مسؤولية مصيرية يتطلبها مستقبل التعايش العراقي، والأداء السياسي خلال السنوات المقبلة وهو سيكون حاسماً في التأسيس لمشاريع سياسية عراقية دائمة بالمعنى الوطني خارج الطائفة والمذهب والقومية، أو الذهاب الى الاعتراف بالمذهبية والعرقية بمعنى تمركز الممثليات الطائفية والاثنية، ما يعني نزع جميع الأطراف الأقنعة الوطنية التي لبست خلال مرحلة الانتخابات الأخيرة. في ازمة التأسيس بغياب المنهجية الواضحة حول شكل الدولة، وأسلوب عملها، وآلياتها، وتداخل الشعارات بالوقائع، والخطابات بالسلوك السياسي الفعلي، حضرت في جوهر العملية السياسية العراقية"أزمة التأسيس"، تلك الأزمة استمرت وتعاظمت مع بروز الازدواجية وانعدام الصراحة وربما سوء التقدير حول المقاصد بالنسبة الى من يمكن وصفهم ب"المؤسسين"الجدد، الذين يمثلون الطبقة السياسية العراقية منذ عام 2003 وأيضاً عبر سياسة تأجيل البحث في مشكلة التأسيس العراقية. ويبدو منطقياً ان تكون مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة شاقة وماراتونية وان تنتج تداعيات ارتدادية، في ضوء غياب التوافق على شكل الحكم وتوزيع المسؤوليات وآليات إدارة البلاد، وأيضاً وصف الدولة باعتبارها دولة مواطنة أم دولة مكونات؟ والمنطقي أيضاً أن تستمر الشكوك المتبادلة سياسياً حول إعادة إنتاج الديكتاتورية أو استئثار مكون أو حزب أو شخص بالسلطة وإقصاء الآخر، على خلفية عدم اتضاح النيات وتبدل الشعارات وسهولة انتقال السياسيين بين الخنادق. وأمام الاطراف السياسية الرئيسة التي وصلت الى البرلمان اليوم خياران اساسيان سيكون لهما اثر بالغ في مستقبل العراق ربما لسنوات طويلة مقبلة وهما كما يبدو مثار بحث كما تسرب المعلومات. الخيار الأول: هو الاتفاق على منهجية التأسيس عبر آليات محددة تبعد الحكومة عن نظام المحاصصة الطائفية وتحيل الأوزان السياسية والممثليات العرقية الى البرلمان او الى مجلس آخر يحفظ توازن المكونات ما يلغي التقسيمات الحالية للمناصب على أساس المذهب والدين. وعلى رغم ان هذا الخيار يبدو للوهلة الأولى وكأنه خطر على الخصوصية الاجتماعية والدينية والقومية للمكونات، وقد يرده بعض السياسيين الى الدفاع عن تلك الخصوصيات، غير ان واقع الحال ان التمثيل الطائفي والعرقي في الحكومات التي تعاقبت منذ عام 2003 لم يحقق لأي مكون خصوصية مضافة عن غيره. فوجود الشيعة في رئاسة الحكومة لم يسهم بتقديم أية خدمة حقيقية الى المناطق الشيعية، ووجود السنّة في منصب رئاسة البرلمان لم يقدم خدمة حقيقية للسنّة، والحال ينطبق على الأكراد أيضاً. فجوهر القضية هو في ان مجرد تسلم رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة والبرلمان لمناصبهم يعني نظرياً تمثيل البلد بكامل مكوناته، وبعكس ذلك فإن عليهم الاكتفاء بخدمة الطوائف التي يمثلونها! والجدال الأخير هو الذي أثير بين العرب السنّة والأكراد حول منصب رئاسة الجمهورية من هذه القماشة، حيث تبرز الإشكالية بين تمثيل المكونات وقيادة البلد. وبدا لافتاً ان سنياً أو كردياً لا يمتلك الجرأة للحديث عن ترشحه لمنصب رئيس الوزراء، في نطاق الإيغال في الازدواجية بين الشعار والتطبيق، وبين التأسيس وتأجيل التأسيس، على رغم ان إعلان سنّي أو كردي رغبته بتولي المنصب يمثل كسراً للتابوهات السياسية التي يتم التجذير لها عرفاً، والواقع نفسه ينطبق على امتناع أي سياسي شيعي عن طرح نفسه لرئاسة الجمهورية او البرلمان. والدستور العراقي كما هو معلوم لا يشير الى توزيع طائفي وعرقي للمناصب الحكومية، وبالتأكيد لم تتمكن التجربة العراقية ما بعد عام 2003 من التأسيس لعرف برلماني أو سياسي. ويبدو التساؤل محيراً في حال كان الاعتراف بواقع المحاصصة وإعادة بناء الدولة وفق هذا الواقع، وهل من الممكن ان يشكل خياراً تأسيسياً هو الآخر؟ في نطاق الطروحات التي عرضها نائب الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن عام 2007 عن دولة المكونات. الخيار الثاني: ويمثل امتداداً للواقع العراقي منذ تأسيس مجلس الحكم عام 2003، عبر مقاربة لغوية الطابع بين مفاهيم"المحاصصة"و"التوافقية"و"الشراكة"لا تنسجم في واقع الحال مع نظام آليات الحكم التي تؤطر العملية السياسية والتي شابتها ثغرات عملاقة سمحت بإطلاق مخاوف حقيقية من"الاستئثار"و"إعادة إنتاج الديكتاتورية"في حقبة المالكي. فحكومة المالكي التي بدأت عام 2006 كحكومة"وحدة وطنية"مكونة من"الائتلاف الوطني العراقي"و"جبهة التوافق"و"التحالف الكردستاني"و"القائمة العراقية"سرعان ما تحولت الى حكومة طوائف مع انسحاب القائمة العلمانية منها في العام ذاته، ثم أصبحت حكومة تحالف بين الشيعة والأكراد بعد انسحاب السنّة منها، وتحولت الى حكومة الشيعة بعد ظهور بوادر خلافات بين بغداد واربيل وانتهت الى حكومة حزب"الدعوة"مع انسحاب"تيار الصدر"و"الفضيلة"وتحول"المجلس الإسلامي الأعلى"و"التوافق"بعد عودتهم عن الانسحاب و"الأكراد"الى معارضين للحكومة من داخلها! وواقع الحال ان خللاً تأسيسياً يغلف كل تلك المراحل التي مرت بها حكومة المالكي، فهي من ناحية مرتبطة مفصلياً بنظام محاصصة طائفي وعرقي لا يتعلق بما هو داخل الحكومة فقط بل يمتد الى ما هو خارجها كرئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة مجلس القضاء، وهي من ناحية أخرى في وسط فراغ دستوري وقانوني وعرفي يؤطر شكل اتخاذ القرار السياسي في العراق، ويسمح لأي رئيس حكومة بالتوجه نحو القرار الفردي وسط تضارب الإرادات وخلافات على المناهج في اكثر القضايا حساسية. فإذا كان النظام العراقي فيه من الثغرات ما يسمح لرئيس الحكومة بالتحول الى"ديكتاتور"على خلفية الاتهامات التي سيقت الى حكومة المالكي من معارضيها، لماذا المحاصصة إذاً؟ قال أحد السياسيين رفيعي المستوى ل"الحياة"قبل أسابيع بهذا الصدد إن الوسط السياسي الذي اختار المالكي عام 2006 لرئاسة الحكومة كان يراهن على انه شخصية مغمورة .... ولم يتوقع ان يتحول الى رمز سياسي ويسير نحو الاستئثار بالسلطة!. وبالطبع ان الاعتماد في بناء بلد على تقديرات لطبيعة الشخصية التي تتولى رئاسة الحكومة لا لآليات هذه الحكومة، هي كارثة حقيقية تعكس في أضعف أوصافها انعداماً للمسؤولية التاريخية التي تتصدى لها الطبقة السياسية العراقية الحالية. سناريوات الخريطة الجديدة عدد كبير من السيناريوات يطرح نفسه في ظروف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة في ضوء انتخابات لم تكن نتائجها بعيدة من أزمة التأسيس العراقية بل انها جاءت استجابة لها. ويتكون البرلمان العراقي من 325 مقعداً 8 منها للأقليات الدينية المسيحيون والصابئة والشبك والايزيديون و 7 مقاعد ستحسب في نطاق ما يسمى"القاسم الوطني"بمعنى الأحزاب التي حققت أعلى نتائج على المستوى الوطني، و 310 مقاعد موزعة على 18 محافظة عراقية اكبرها بغداد 69 مقعداً ثم الموصل 31 مقعداً والبصرة 23 مقعداً وأصغرها المثنى 7 مقاعد. ومن تقديرات النتائج الأولية التي أعلنت عنها المفوضية المستقلة للانتخابات فإن"قائمة المالكي"ستحصد ما بين 80 الى 90 مقعداً، و"العراقية"بين 75 الى 85 مقعداً و"الائتلاف الوطني"بين 65 الى 75 مقعداً و"التحالف الكردستاني"من 40 الى 50 مقعداً. وهناك كتل صغيرة أخرى ستحضر في البرلمان العراقي المقبل على ان يتراوح حضورها بين 5 الى 15 مقعداً مثل قائمة"التوافق"السنّية و"التغيير"الكردية و"وحدة العراق"بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني، إضافة الى حضور من مقعد الى خمسة مقاعد ل"الحزب الشيوعي"و"أحرار"و"الوحدة الوطنية"و"الاتحاد الإسلامي الكردستاني"وغيرها. وسيكون على البرلمان العراقي المقبل اختيار رئيس البرلمان ونائبيه ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة. وجرى اختبار هذا النظام في عام 2006 حيث استمرت مفاوضات تشكيل الحكومة شهوراً عدة وكانت تحتاج الى صفقة متكاملة لاختيار جميع تلك المناصب دفعة واحدة بأسلوب تقاسم المناصب بين المكونات ما يشمل المناصب السيادية ثم الوزارات السيادية ثم الوزارات غير السيادية. وتحتاج تلك الصفقة اليوم الى غالبية 209 من اعضاء البرلمان يمثلون ثلثيه. والغالبية المطلوبة بحسب النتائج المتوقعة تتطلب تحالف 3 قوى رئيسية على الأقل واجتذاب عدد من الشخصيات والأحزاب الصغيرة مع دفع القوة الرابعة الى المعارضة، أو تحالف القوى الأربع الكبيرة ودفع القوى الصغيرة الى المعارضة. وباستعادة أسئلة التأسيس ذاتها، ستكون أمام اللاعبين الكبار مواجهة التحدي الذي طرحه العرب السنّة في العراق عبر انتخاب شيعي كزعيم لهم!. والخيار الأقرب لإعادة إنتاج سيناريو الحكم في عام 2006 هو تفتيت الكتلة"العراقية"من الداخل واجتذاب القادة السنّة فيها الى تأسيس جبهة سنّية مع مقاعد"الحزب الإسلامي"تتكون من نحو 60 نائباً 45 نائباً في البرلمان السابق في مقابل نحو 150 نائباً شيعياً يمثلون تحالفاً بين"دولة القانون"و"الائتلاف الوطني"130 نائباً في البرلمان السابق و 65 نائباً يمثلون ائتلافاً للأحزاب الكردية 56 نائباً في البرلمان السابق مقابل دفع المتبقي من كلتة علاوي والأحزاب الصغيرة الى المعارضة. ويبدو هذا الخيار متاحاً للوهلة الأولى لكنه صعب التحقيق، لأنه سيعني انتحار السياسيين السنّة معنوياً على مستوى جمهورهم على غرار مصير"جبهة التوافق"التي خاضت نظام المحاصصة للسنوات الماضية، مثلما يعني تنصل المالكي من تعهداته بعدم الاشتراك في حكومة محاصصة، وبالتالي الدفع بزخم حركته السياسية الى الخلف، فيما ان التوافقات الانتخابية التي جمعت"المجلس الأعلى"مع"تيار الصدر"و"الفضيلة"وتيار الجعفري والجلبي ليست عميقة كما تبدو بدليل تلميحات مبكرة لكتلة الصدر بإمكان مغادرتها، وهي معرضة لانشقاقات أخرى مع إطلاق حكومة مترهلة تتكون عملياً من 10 أحزاب سياسية شيعية لا يمكن ضمان تمثيلها حكومياً، في مقابل 4 أحزاب وتيارات كردية هي الأخرى من الصعب ان تحافظ على وتيرة تحالفاتها في بغداد فيما تتنافس بشدة في اربيل. وقائمة"دولة القانون"التي توصف بالأكثر تماسكاً، هي في واقعها من الكتل الهشة أيضاً فهي لا تستطيع التماسك إلا في الحكم، لأنها تعتمد على"حزب الدعوة"كدائرة قرار مغلقة يقف في قمتها المالكي شخصياً وعشرات الشخصيات التي لا يجمع الكثير منها ب"الدعوة"رابط إيديولوجي ويسهل تنقلها بين الكتل. السيناريوات الأخرى المطروحة التي تدفع مرة بالمالكي الى المعارضة ومرة بتحالف القوى الشيعية أو بالأكراد وجميعها تدور في الحلقة ذاتها، لكونها تتم على وفق إشكالية في صميم فلسفة الاتفاق على الأسس في العراق، ما يفتح المجال لتخصيب دعوات لم تنقطع لتحويل جميع مدن الجنوب أو بعضها الى إقليم للشيعة وتحويل مدن الشمال والغرب الى إقليم للسنة على وقع الإحساس بالإقصاء السياسي. وذلك يترك المتخاصمين أمام خيار تشكيل"حكومة وحدة وطنية"واسعة تبدو كأنها خيار اكثر أمناً، لكن مثل هذه الحكومة ستقوم على إشكالية كبيرة في التمثيل السياسي للمكونات في ضوء وجود ممثلين للشيعة وممثل شيعي للسنّة. ومع معضلة التمثيل في خيار"حكومة الوحدة الوطنية"يتم التداول على نطاق بعض النخب السياسية في إحياء مشروع حكومة التكنوقراط ومجلس الأمن السياسي. ويقوم المشروع على تحويل المجلس السياسي للأمن الوطني الى مؤسسة دستورية ذات صلاحيات تسمح لها بإدارة الأطر العامة لتوجهات الحكومة وامتلاك"فيتو"في قضايا محددة، تتشكل على وفق تمثيل معين ومتوازن للطوائف والقوميات وتعمل وفق آليات تتناسب مع هذا التمثيل، في مقابل السماح بتشكيل حكومة"تكنوقراط"من خارج التمثيل الطائفي والعرقي تقوم بإدارة البلاد بعيداً من الولاء الحزبي وتحت رقابة برلمانية لصيقة. وعلى رغم ان الطرح الأخير يبدو بعيداً من الواقعية السياسية كونه يطرح حكومة بلا تمثيل برلماني وحزبي يدعمها، فهو كما يقول بعض السياسيين يحتاج الى اتفاق سياسي واسع النطاق غير متوافر في ظل تحديات داخلية خطيرة مثل تعديل الدستور ومشكلة كركوك وتوزيع النفط ومستقبل الأقاليم الفيديرالية وغيرها. نشر في العدد: 17147 ت.م: 16-03-2010 ص: 32 ط: الرياض