مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزحف اللاتيني يغير وجه أميركا وهنتنغتون يرفع لواء الوطنية البيضاء
نشر في الحياة يوم 02 - 08 - 2004

ماذا يمكن أن يحدث إذا اختفى 13 في المئة من سكان الولايات المتحدة في أحد الأيام؟
حسب فيلم "يوم من دون مكسيكي" فإن كارثة يمكن أن تقع!
فهذا الفيلم الذي عرض قبل أسابيع قليلة للمخرج الأميركي من أصل مكسيكي ألفونسون آرو، كناية عن سلسلة أحداث متخيلة تصور حال ولاية كاليفورنيا، التي يسكنها 14 مليون لاتيني، في يوم يستفيق فيه سكانها ليجدوا أن جميع اللاتينيين فيها اختفوا بشكل غامض ما يجعل المدينة تغرق في فوضى شديدة. القمامة تتكدس في الشوارع ولا أحد ينظف المنازل أو يغسل السيارات، والفاكهة تتعفن على الأغصان وموظفو وكالات الهجرة طردوا من وظائفهم إذ لم يعد لديهم أي عمل باختفاء المهاجرين.
لقد حاول هذا الفيلم، وبقالب كوميدي، أن يتطرق إلى قضية الاعتماد على العمال من أصل لاتيني من جهة واضطهادهم من جهة أخرى. ففي كاليفورنيا، ثالث أكبر الولايات الأميركية والتي تفخر بأنها تملك خامس أكبر اقتصاد في العالم، يعمل المهاجرون اللاتينيون، وجلّهم من المكسيكيين، في مهن ذات مداخيل متدنية. وخلال التجول في الولاية وزيارة مطاعمها ومزارعها من المستحيل عدم ملاحظة الطغيان المكسيكي في أوساط غاسلي الأطباق والطباخين والمزارعين. ففي كاليفورنيا تعتبر الزراعة المورد الاقتصادي الأول، ويشكل العمال الزراعيون اللاتينيون ما نسبته 88 في المئة من العمال. وبقدر ما يتنافس الكاليفورنيون البيض على الأعمال الراقية، فإن الولاية تستقبل موجات كبيرة من المكسيكيين واللاتينيين المهاجرين الباحثين عن عمل، حتى ولو كان في المهن المرفوضة والمتدنية الأجر.
في العام 1994 برز اقتراح يقضي بأن يتم استثناء المهاجرين غير المسجلين من الخدمات الاجتماعية العامة في كاليفورنيا بما في ذلك التعليم، وسط مخاوف السكان البيض من زيادة معدلات البطالة والضغط الهائل الذي يسببه هؤلاء المهاجرون على الخدمات الاجتماعية. ودفع هذا الاقتراح الذي لم يطبق بالمخرج آرو لأن يعمل على فيلمه "يوم من دون مكسيكي"، بهدف أن يتنبه صناع القرار الأميركي الى أهمية الدور الذي يلعبه اللاتينيون في الولايات المتحدة ومدى اسهامهم في رفاهية كاليفورنيا وولايات أخرى ينتشرون فيها، مثل فلوريدا وتكساس. فكما يحتاج اللاتينيون في كاليفورنيا إلى ثلاثة بلايين دولار سنوياً من الخدمات الاجتماعية فهم يساهمون بحوالي 100 بليون دولار سنوياً من خلال عمالتهم الرخيصة.
وفيما يشكل المكسيكيون نسبة 77 في المئة من اللاتينيين في كاليفورنيا فإن الكوبيين يشكلون الجزء الأكبر من اللاتينيين في فلوريدا، الولاية التي تتركز فيها جيوب صغيرة لجماعات المهاجرين اللاتينيين القادمين عبر الحدود. من "هافانا الصغيرة" في قلب ميامي حيث يتجمع الكوبيون الهاربون من نظام فيدل كاسترو، إلى "كاراكاس الصغيرة" في ضواحي ميامي حيث القادمون من فنزويلا، عدا عن تجمعات كولومبية وجيوب غواتيمالية.
ميامي هي أكبر مدينة ذات تجمع لاتيني في الولايات الاميركية وإليها يصل باستمرار قادمون جدد كثيرون من جنوب أميركا ومن الكارايبي الذين يحقنون الحياة في فلوريدا والولايات المتحدة عموماً بدم جديد يتجلى بوضوح في الأماكن التي ينتشرون فيها بحيث أن حضورهم الثقافي واللغوي والاقتصادي هو ظاهرة بارزة في المدن الأميركية.
فعلى شاطئ ميامي تنتشر المحلات التي تقدم الطعام البيروفي ومراكز تعليم فنون القتال البرازيلي ومحلات البقالة الأرجنتينية، والأهم من هذا النوادي الليلية الكثيرة التي تقدم أشهر الرقصات اللاتينية من السالسا إلى المامبو. في ميامي تطغى الأجساد السمراء اللامعة على مشهد المدينة البحرية التي يدفع مناخها الاستوائي السكان إلى الاكتفاء بملابس خفيفة هي غالباً شورت ومايوه للتجول في الشوارع المحاذية للشاطئ والتي تبقى الحياة فيها صاخبة على مدار اليوم. الموسيقى اللاتينية تنبعث من كل مكان واللغة الهسبانية بلهجاتها الكوبية والمكسيكية والبيروفية هي الطاغية بحيث بات هؤلاء المهاجرون روح الولاية ونكهتها.
وقد قاد المهاجرون الكوبيون النمو الاقتصادي لميامي بعدما امتنعوا عن الاستثمار في بلادهم بسبب معارضتهم نظام كاسترو وركزوا نشاطاتهم الاقتصادية على ميامي ما جعل المدينة تنتعش بشكل غير مسبوق لتصبح من أكبر اقتصادات دول أميركا اللاتينية بأكملها.
ويصف المحامي روبيو، وهو كوبي متزوج من كولومبية ويعيش في ميامي، ابنتيه أماندا ودانييلا بأنهما "كولومباناس" أي نصفهما كوبي ونصفهما كولومبي "لكنهما أميركيتان مئة في المئة. إن أي لاتيني يعيش في ميامي سيأخذ حتماً من كل الثقافات اللاتينية الموجودة فيها وتصبح ثقافته هي ثقافة ميامي. لطالما كانت أميركا تأخذ الأفضل من ثقافات العالم".
لكن يبدو أن ملاحظة الدور الذي يلعبه الأميركيون من أصل لاتيني في الولايات المتحدة أصبح هاجساً يتعاظم لدى كبار منظري اليمين الأميركي المحافظ. فهؤلاء يستشعرون خطراً من القوة المتزايدة للمهاجرين ذوي البشرة البنية في المجتمع الأميركي الأبيض. فالأميركيون من أصول لاتينية من مكسيكيين وكوبيين وجنسيات أخرى من أميركا الجنوبية باتوا يشكلون أكبر أقلية في الولايات المتحدة. وارتفعت نسبتهم 13 في المئة من العام 2000 وحتى 2003 ليصبح تعدادهم حوالي 40 مليون نسمة. وسيساهم التدفق المستمر للمهاجرين إلى أميركا في زيادة معدل اللاتينيين بحيث يتوقع أنهم وبحلول العام 2050 سيمثلون 25 في المئة من السكان الأميركيين.
يروي جيمنيز الشاب من أم بورتوريكية، والفخور بأنه تعلم الاسبانية وهو مراهق في بروكلين في نيويورك، كيف أنه صدم حين صرخ في وجهه حلاقه الذي اعتاد أن يقص شعره عنده على مدى ست سنوات حين تحدث بالاسبانية مع شخص في محل الحلاقة: "قال لي ليس لك الحق في أن تتحدث بتلك اللغة ويجب أن أعود من حيث أتيت. لم أستطع أن أصدق ما حدث. أنا أميركي لكن إذا أردت أن أتحدث بالاسبانية فلي الحق في ذلك".
الخوف الأبيض
هذا الواقع جعل اللاتينيين اليوم في خضم تيار الخوف الأبيض. في العام 1993 نشر الأكاديمي في جامعة هارفرد صامويل هنتنغتون مقاله الشهير الذي تحول في العام 1996 إلى كتاب بالعنوان نفسه "صدام الحضارات"، حذر فيه من أن الخطر الأكبر على الاستقرار العالمي هو الإسلام، فأثار نقاشاً عالمياً واسعاً لم ينته بعد. واليوم يجادل هنتنغتون بأن المهاجرين اللاتين في الولايات المتحدة يدمرون طريقة العيش الأميركية.
ففي كتابه الجديد "من نحن؟ تحدي الهوية الأميركية"، الذي نشر أجزاء منه في مجلةForeign Policy ، يتحدث هنتنغتون عن صعود الوطنية البيضاء في أميركا محاولاً تقديم الحجج والمبررات لنظريته، فبحسبه فإن أعظم حافز للوطنية البيضاء سيكون الخطر الثقافي واللغوي الذي يستشعره البيض من القوة المتعاظمة للاتينيين في المجتمع الأميركي، معتبراً أن هناك حلماً أميركياً واحداً هو ذاك الذي صاغه المجتمع الأنكلو بروتستانتي، "إن التدفق المتواصل للمتحدرين من أصول أميركية لاتينية يهدد بتقسيم الولايات المتحدة إلى شعبين وثقافتين ولغتين. فعلى عكس المجموعات المهاجرة الأخرى في الماضي، فإن المهاجرين المكسيكيين والمهاجرين اللاتينيين الآخرين، لم يندمجوا في التيار الرئيس للثقافة الأميركية، بل إنهم شكلوا بدلاً من ذلك جيوبهم السياسية واللغوية الخاصة بهم - من لوس أنجليس إلى ميامي - ورفضوا منظومة القيم الأنكلو - بروتستانتية التي بنت الحلم الأميركي. إن تجاهل الولايات المتحدة لهذا التحدي ينطوي على مخاطرة بالنسبة إليها".
مقالة هنتنغتون القائمة على احصاءات واستنتاجات عدة، أثارت جدلاً لم يحسم بعد حول تأثير المهاجرين اللاتينيين في تركيبة المجتمع الأميركي. وأثارت آراء هنتنغتون اهتماماً عالمياً يكاد يماثل بل ربما يفوق ما أثاره البروفسور في جامعة هارفرد حين ألف كتابه "صدام الحضارات". وذكرت مجلةForeign Policy أنها أفردت مساحة للردود على مقاله هنتنغتون في عددها الأخير يتضمن أطول قسم من الرسائل الموجهة إلى المحرر والمخصصة للحديث عن مقال واحد في تاريخ المجلة البالغ 34 عاماً، وهي رسائل اكتفى هنتنغتون بالردّ عليها بقوله إنها تثبت صعوبة الدخول في جدل عقلاني وعلمي حول مستقبل أميركا كثقافة وأمة.
فبحسب هنتنغتون فإن التحدي الأبرز والأهم للهوية التقليدية الأميركية يتمثل بالهجرة المتواصلة والمكثفة من أميركا اللاتينية اضافة إلى معدل النمو السكاني المرتفع في أوساط المهاجرين مقارنة بالبيض والسود الأصليين. يقول هنتنغتون: "إن تراكمات النجاحات الماضية لن تتكرر على ما يبدو مع استمرار التدفق المعاصر للمهاجرين من أميركا اللاتينية". ومن الأمثلة الكثيرة التي يستشهد بها هنتنغتون حكاية النجاح الكوبي واللاتيني بشكل عام في ميامي وغلبة المهاجرين الثقافية والاقتصادية فيها. وعن ذلك يقول: "السيطرة الكوبية واللاتينية على ميامي جعلت الانكلوساكسونيين كما السود يشعرون بأنهم أقليات خارجية يمكن تجاهلها بصورة غالبة، بسبب عدم قدرتهم على التخاطب مع مسؤولي حكومة المدينة وكذلك بسبب التمييز ضدهم من قبل الذين يعملون في محلات التبضع بدلاً عن الانكلوساكسونيين". وكان أمام الأنكلوساكسونيين واحد من ثلاثة خيارات: اما قبول وضعهم كأقلية تابعة خارجية، واما تبني أخلاقيات وعادات اللاتينيين ولغتهم والانصهار في الجالية اللاتينية، "الانصهار الثقافي المعكوس" كما وصفه الباحثان اليخاندرو بورتيز وأليكس ستيبيك، واما مغادرة ميامي، وهو ما اختار القيام به 140 ألفاً منهم في الفترة بين 1983 و1993. وقد تم التعبير عن هذا الرحيل الهائل في أحد ملصقات السيارات الذي يقول "هل لآخر الأميركيين الذين يتركون ميامي أن يحضر معه العلم".
ان الردود التي تواترت على مقالة هنتنغتون ومن يجاريه في هذا الرأي أعادت طرح مسألة عدم مقدرة العديد من الأميركيين على إدارة نقاش هادئ وموضوعي وناضج في شأن سياسات الهجرة وكيفية صياغة الأفضل منها إذ يعتقد هؤلاء بأن المشكلة ليست في نوعية السياسة بل في نوعية المهاجرين. فأشخاص مثل هنتنغتون يجادلون بأن الكثير من التنوع والتعددية يمكن أن يكون مدمراً وأن الخطر هو في رفض اللاتينيين تعلم اللغة الانكليزية وأنهم لا ينظرون لأنفسهم كأميركيين بل كمجموعة إثنية. هناك قلق من أن الأميركيين أصبحوا شعبين و ثقافتين. كما هناك قلق من النمو السكاني المرتفع لدى اللاتينيين. وهناك قلق من أن معظم الوافدين هم في غالبيتهم من بلد واحد هو المكسيك. لكن القلق الأكبر يتمثل في أن الثقافة الانكلوبروتستانتية لم تعد كما كانت وأن اليوم الذي لن تعود فيه هذه الثقافة طاغية قادم لا محالة إذا لم تتم مواجهته.
إنها ليست المرة الأولى التي يعيش فيها المحافظون الأميركيون هذا النوع من الخوف، فقد حدث ذلك في السابق، ومقولة أن مهاجري اليوم ليسوا كمهاجري القرون الماضية حدثت مع الإيرلنديين والألمان والإيطاليين. وسبق للأميركيين أبدوا قلقهم من أن يصبحوا أمة بلغتين حين كان كثيرون يتحدثون الانكليزية والألمانية. كما أن المخاوف من معدلات الخصوبة العالية ظهرت قديماً مع قدوم دفعات كبيرة من المهاجرين الإيطاليين ومعظمهم من الكاثوليك الذين يرفضون استخدام وسائل منع الحمل. أما الخوف من الولاء المزدوج فقد عانى منه اليابانيون الأميركيون خلال الحرب العالمية الثانية ودفعوا ثمنه بأن تم تجميعهم في معسكرات خاصة.
يعتبر جو فيغين الباحث في قضايا العنصرية في أميركا في جامعة فلوريدا أن العنصرية متجذرة في التاريخ الأميركي، "دائماً كان ينظر إلى كل موجة من المهاجرين من قبل من سبقهم بأنها غير مقبولة، لكنني أعتقد بأن ذلك قائم على عدم الفهم". وبحسب فيغين فإن السبب الأكبر للعنصرية تجاه المهاجرين هي اللغة: "في أميركا العديد من الأميركيين تغضبهم فكرة سماع أشخاص يتحدثون لغة أجنبية، لكن في أوروبا تعتبر مثقفاً إذا تحدثت بأكثر من لغة". في خطاب له الشهر الماضي أمام جمعية للمتحدرين من أصول أميركية لاتينية أثنى الرئيس جورج بوش على مشاركة اللاتينيين في الحرب على العراق لافتاً إلى أن أكثر من مئة من هؤلاء قتلوا في الحرب في حين جرح 400 آخرين، وقال: "أمتنا لن تنسى تضحيتهم في سبيل أمننا وحريتنا". ولم ينس بوش أن يثني على الجنرال الأميركي من أصل مكسيكي ريكاردو سانشيز الذي كان صاحب أعلى رتبة في الجيش الأميركي في العراق على مدى أكثر من سنة. وفي الخطاب نفسه قال بوش: "حين أفكر في قصة ريك سانشيز فإني أتذكر أن أميركا هي أمة أبوابها مفتوحة ويجب أن تبقى كذلك".
لكن على عكس دعوة بوش في إبقاء أبواب الولايات المتحدة مفتوحة، يسوق هنتنغتون عدداً من الأبحاث والمصادر ليروج لقضية الخطر اللاتيني وليقول إن اللاتينيين مترددون في أن يعتبروا أنفسهم أميركيين. ويرى أن هؤلاء يفتقدون إلى حسّ الواجب الوطني تجاه أميركا. لكن يبدو أن هنتغتون لم يلاحظ أن قائد القوات الأميركية في العراق على مدى أكثر من سنة كان مكسيكياً أميركياً ولم يلحظ الأعداد الكبيرة للاتينيين الذين سقطوا في العراق. بل لم يلحظ كم أن الجيش الأميركي يتطلع إلى اجتذاب أعداداً أكبر من اللاتينيين لضمهم الى صفوفه، بمن فيهم عشرات الآلاف من المهاجرين الذين لا يحملون جنسية أميركية. لكن سعي البنتاغون لجذب هذه الطبقات الشابة المهاجرة ليس قائماً على مدى جدية ولاء هؤلاء لأميركا بل على وفرة العدد وتدني الكلفة، إذ يعتبر مسؤولون كبار في البنتاغون أن اللاتين هم أكثر فئة عرقية واعدة يمكن أن يتم توظيفها في الجيش بسبب النمو السريع لأعدادهم. بل إن جهود التوظيف في الجيش الأميركي توسعت لتشمل غير المواطنين الذين وعدتهم إدارة بوش بأنهم يستطيعون التقدم للحصول على الجنسية الأميركية فور انخراطهم في الجيش عوضاً عن الانتظار لسنوات، هذا اضافة إلى تقديم مغريات في التعليم والتأمينات الاجتماعية.
بل أن جهود التوظيف تجاوزت الحدود الأميركية ووصلت إلى المكسيك للبحث عن الحاصلين على أوراق الإقامة الأميركية لإقناعهم بالانضمام إلى الجيش. والهدف من هذه الجهود، حسب البنتاغون، هو زيادة عدد اللاتينيين في الجيش الأميركي من 10 في المئة إلى حدود 22 في المئة.
لكن فيما يثني الرئيس بوش ومسؤولون أميركيون آخرون على رغبة المكسيكيين وغيرهم من اللاتينيين في الانخراط في الجيش تستنكر الجماعات المناهضة للحرب هذه الاستراتيجية باعتبارها استغلالاً للشباب الفقراء الذين يصطفون ليكونوا ليس أكثر من حراس مدفعية. وحسب دراسة لمركز Pew Hispanic Center فإن اللاتينيين يقومون بأعمال خطيرة على الجبهات بأعداد غير متكافئة. ففيما هم غير ممثلين بشكل كاف في الجيش مقارنة بنسبتهم العامة من السكان وهي 13.4 في المئة فهم ممثلون في أعمال تتعلق باستعمال الأسلحة مباشرة بنسبة 17.7 في المئة.
في العراق كانت الإصابة الأولى في الجيش الأميركي من نصيب لاتيني غير أميركي هو خوسيه غواتيريز وهو شاب يتيم من غواتيمالا عاش في لوس أنجليس. وحتى نهاية شهر حزيران يونيو الماضي كان عدد اللاتين الذين قتلوا في العراق 104 في حين قتل 111 جندياً أسود و592 من البيض. أما فيما يتعلق برتبهم في الجيش الأميركي فإن احصاء وزارة الدفاع الأميركية عام 2002 أظهر أن 4.1 في المئة من الضباط العاملين المسجلين في الجيش الأميركي هم لاتينيون مقارنة ب8.5 في المئة من السود. أما الجنرال ريكاردو سانشيز فهو اللاتيني الأرفع منصباً في الجيش الأميركي بل إنه تاسع جنرال لاتيني في تاريخ الجيش الأميركي. وسانشيز نفسه شكل حكاية نجاح حاكت مخيلة الكثير من الشباب المكسيكي واللاتيني في الولايات المتحدة، وقد أفردت مجلات ناطقة بالاسبانية في الولايات المتحدة مقالات لسيرة هذا الجنرال الذي أمضى طفولته على بعد ميلين من الحدود المكسيكية في مدينة ريو غرانادا في مقاطعة ستار في تكساس والتي لا تزال حتى اليوم أفقر مقاطعة في الولايات المتحدة. لقد مثل سانشيز الذي ساعد أمه في جمع القطن قبل أن يكمل تعليمه وينخرط في الجيش حكاية نجاح دفعته لأن يصرح بأنه يعتبر نفسه مثالاً للشباب اللاتيني في الولايات المتحدة. لكن التاريخ الحديث لسانشيز وحقيقة مدى تورطه في فضائح تعذيب سجن أبو غريب جعلت كثيرين اللاتينيين يستاؤون من المَثَل الذي قدمه لهم هذا الرجل الذي تحول من طفل مكسيكي فقير إلى مشرف على نظام تعذيب في سجون بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد
أرقام عن اللاتين
أكثر من نصف الأميركيين اللاتينيين يعيشون في كاليفورنيا وتكساس ونيويورك كما إنهم ينتشرون بشكل مكثف في فلوريدا وإلينوي. وفي العام 2000 كان معدل الفقر لديهم يزيد ثلاث مرات عن البيض، اذ بلغ 23 في المئة مقارنة ب21 في المئة لدى الأميركيين السود. وحسب الدراسات فإن الشركات التي توظف لاتينيين تدفع لهم ما بين 7 و8 دولارات في الساعة فيما تدفع للأميركيين للعمل نفسه 12 دولاراً. وعلى رغم تزايد فرص العمل لا تزال أجور اللاتينيين متدنية. أما من حيث الانتشار فإن خمسين في المئة من اللاتينيين يعيشون في المدن الكبرى ولديهم أعلى معدلات بطالة وأدنى معدلات تعليم، فهناك 57 في المئة فقط أكملوا دروسهم الثانوية مقارنة ب88 في المئة على مستوى البلاد، كما أن عنصر الشباب يطغى على اللاتينيين، إذ أن متوسط الأعمار لديهم هو 27 فيما هو 34 عند السود و40 عند البيض. كما أن معدلات اليأس والإحباط مرتفعة لدى اللاتينيين وحالات الانتحار بينهم هي في تزايد، خصوصاً بين سن العاشرة والخامسة والثلاثين. وبسبب الفقر وسكنهم المناطق الفقيرة فإن 7 من بين 10 لاتينيين يتنفسون هواءً ملوثاً بحسب المعايير الأميركية الفيديرالية للتلوث، وهم يواجهون خطر التلوث 16 في المئة أكثر من بقية الأميركيين بسبب تلوث المناطق الصناعية التي يسكنونها.
أما في السياسة العامة فإن تمثيل اللاتينيين محدود جداً. إذ لا أحد من بين المئة سيناتور أميركي هو من أصل لاتيني، وهناك 20 فقط كذلك من بين 435 من أعضاء مجلس الشيوخ. كما أن هناك عضو لاتيني واحد فقط في الحكومة.
الصوت اللاتيني
لا شك أن توقيت صدور مقالة هنتينغتون يستفيد من استحقاق مهم وهو الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، إذ تعكف الدوائر المعنية على درس ميول أصوات الجاليات اللاتينية.
تاريخياً فإن الناخبين اللاتين يصوتون للديموقراطيين باستثناء الكوبيين الأميركيين في فلوريدا الذين يميلون الى الجمهوريين المحافظين. إلا أن استطلاعاً أجري أخيراً في ميامي أظهر أن 58 في المئة من الناخبين اللاتينيين سيصوتون للمرشح الديموقراطي جون كيري في حين قال 33 في المئة أنهم سيصوتون للرئيس الحالي الجمهوري جورج بوش.
من بين 40 مليون لاتيني في الولايات المتحدة فإن سبعة ملايين ناخب أي 6.1 من الناخبين، بزيادة مليون صوت عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، سيكونون مخولين أن يدلوا بأصواتهم في نوفمبر المقبل. في انتخابات العام 2000 كان دعم الناخبين الأميركيين الكوبيين حاسماً لبوش لكن هناك مخاوف هذا العام جراء الاستقطاب الحاصل في الصوت اللاتيني إذ هناك العديد من الجاليات اللاتينية التي تعيش في تسع ولايات يعتبرها الخبراء ولايات متأرجحة لم تحسم خياراتها الانتخابية بعد.
هنتنغتون: على اللاتينيين أن يحلموا بالإنكليزية
إن تواصل هذه الهجرة الهائلة من دون حدوث عملية انصهار محسنة من شأنه أن يقسم الولايات المتحدة الى بلد بلغتين وثقافتين. إن عدداً كبيراً من الديموقراطيات المستقرة، مثل كندا وبلجيكا، تتبع هذا النمط نفسه أيضاً. لكن الخلافات في الثقافة في هاتين الدولتين تقارب تلك الخلافات الموجودة بين الولايات المتحدة والمكسيك، مع أن الخلافات اللغوية في هذين البلدين موجودة هي الأخرى. ليس هناك ذلك العدد الكبير من الكنديين الإنكليز، يتقنون الانكليزية والفرنسية بالدرجة نفسها، وكان على الحكومة الكندية أن تفرض عقوبات لحمل كبار العاملين في دوائر الخدمة المدنية لديها من أجل تحقيق هذه الطلاقة في اللغتين....
... إن تطور الولايات المتحدة إلى دولة كهاتين الدولتين لن يكون بالضرورة نهاية العالم لكنه سيكون نهاية أميركا كما عرفناها على مدى ثلاثة قرون. إن على الأميركيين ألا يسمحوا لهذا التغيير بأن يحدث، إلا إذا كانوا مقتنعين بأن هذا البلد الجديد سيكون بلداً أفضل.
إن مثل هذا التحول لن يثوّر الولايات المتحدة فحسب، بل ستكون له تبعاته الخطيرة بالنسبة الى اللاتينيين أنفسهم، الذين سيكونون في الولايات المتحدة، ولكنهم ليسوا منها. واذا كان سوسا ينهي كتابه "الحلم الاميركي" بتشجيع رجال الأعمال اللاتينيين، اذ يسأل: "الحلم الأميركي؟ إنه موجود، إنه حقيقي، إنه هناك لكي نتشاطره جميعاُ". لكن سوسا مخطئ. ليس هناك حلم أميركي لاتيني. إن هناك حلماً أميركياً خلقه المجتمع الانكلو بروتستانتي. المكسيكيون الأميركيون سيتشاركون هذا الحلم وذاك المجتمع فقط إذا حلموا بالانكليزية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.