وضعت الكاتبة الاميركية توني موريسون التي دخلت في القضايا النضالية لأميركا السوداء في صميم اعمال روائية وقصصية حصدت اهتماماً نقدياً واسعاً، ووثقت تشريحاً للحياة العامة والخاصة للأميركيين من اصل افريقي، خصوصاً من النساء. وقفت موريسون مندهشة، لا تصدق ما تراه على صفحات المجلات، التي تعرض صور الذل والعنف والارهاب النفسي الذي يمارسه الجنود الاميركيون في العراق. واصابتها حالة غضب بسبب الفرح والنشوة الباديتين على وجوه الجنود والمجندات، وهو، حسب تعبير موريسون، يعني ان تعذيبهم للأسرى لم يكن ناتجاً عن عامل غضب أو انتقام، بل لمجرد اذلالهم... وكان الجنود سعداء لمشاهدة رجال يتعرضون الى أقصى انواع الإذلال. واعادت هذه الصور، الى ذاكرتها أفعال عصابات الكوكلوكس كلان العنصرية، غير ان الفارق الوحيد، في الحالة العراقية، ان القلنسوة تغطي رأس الضحية. هذه المرأة المميزة البالغة من العمر الثالثة والسبعين والحائزة على جائزة نوبل للآداب عام 1993، والتي تتباهى دائماً بقدرتها على تلبس شخصيات أبطال رواياتها، والدخول في أعماق نفوسهم، خصوصاً النساء اللواتي يرتكبن اعمالاً منافية للاخلاق كالسرقة والقتل... شعرت امام صور التعذيب العراقية ان الجنديات الأميركيات المنتشيات بإذلالهن الجنسي للرجال، قد تفوقن على أبطال قصصها، في ابتكار العنف والذل واقعياً، ولم تعتقد ان هذا النوع من "الفرح المريض" موجود في اعماق شابات وشباب مجندين للدفاع عن حرية الانسان، كما يدعي دائماً بوش وادارته. وموريسون التي عايشت الحروب العديدة مثل الحرب العالمية الثانية، وحربي كوريا وفيتنام، لم تشاهد اعمالاً في مماثلة لجنود نظاميين "حاربوا من أجل تحرير بلاد ما، فإذا بهم يستعبدون انسانها ويذلون انسانيته". هكذا أعلنت توني موريسون غضبها. وعلى رغم ذلك فهي تشتعل حباً واعجاباً ببلادها، وتأمل بانتهاء عهد بوش والتخلص من ادارته التي تفرض على كل مواطن "ما عليه ان يفعل". وتتمنى فوز المرشح الديموقراطي جون كيري في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنها تتخوف من التلاعب في عمليات فرز الأصوات على غرار ما جرى عام 2000. ما يميّز سيدة القصة الأميركية السوداء التزامها بقضية شعبها ومنها تنطلق في نصوصها لتصوّر الحياة والأحاسيس، وتستعرض التصادم بين الأشخاص والقيم، وتشرح الشعور الإنساني بكل تعقيداته وتداخله في كل فترة تاريخية في حياة ذلك الشعب، وتطرح في كتبها مشاكل وهموم أميركا السوداء، عبر تقديمها علاقات إنسانية تتسم بالنضال والحب الطاغي والكثير من الكراهية، كما سطرته في كتابها الأخير "حب". وتتطرق دوماً إلى مسائل يخجل منها المجتمع، كالعلاقات المحرمة وقتل الأطفال والموت العنيف، متسائلة عن الأسباب والدوافع وصولاً إلى الحقيقة، ما يعطي للحياة قيمة. تمثل المرأة دور البطولة في رواياتها، وغالباً ما تحمل شخصيتها الطابع المأسوي، إذ تعمد الكاتبة إلى فهم واستيعاب تصرّف المرأة العادية. وهي عندما ترى العنف والضغط الذي تتعرض له الأميركية - الافريقية كل يوم، تعي مدى القوة والإرادة التي تملكها وتجعلها قادرة على الاستمرار في الحياة، وهو أمر جدير بالاحترام. كما تصوّر موريسون الصداقة بين النساء في أروع أشكالها وتكشف مدى عمقها. أما التزامها فهو واضح، وفي كل كتاب يناضل الأبطال لتحقيق مطالب لسود أميركا. لكنها أيضاً تنتقد المجتمع الأميركي الذي حوّل الفتاة الصغيرة إلى امرأة قبل الأوان من خلال ادخالها في مسابقات جمال وابتكار تصاميم ازياء مغرية للصغيرات، إضافة إلى أدوات التجميل والماكياج... كما تنتقد أميركا اليوم التي لا تترك مجالاً للطفولة كي تكتمل بانتظار النضج والمراهقة، وعندما يتزوج رجل كبير بالسن فتاة تصغره بأكثر من ربع قرن، فالمجتمع لا يتهمه بالانحراف الجنسي وتفضيل الصغيرات هذا ما تشرحه في كتابها الأخير "حب" حيث يتزوج رجل في السادسة والخمسين من طفلة في الحادية عشرة. نضال مأسوي درست توني موريسون وهي ابنة عامل في منطقة اوهايو وحفيدة جيل من العبيد، الآداب في جامعة هوارد وكانت يومها مخصصة فقط للزنوج. وهي أول أميركية زنجية تحتل منصباً مهماً في جامعة برنستون، والزنجية الأولى التي تنال جائزة بوليتزر عام 1987 عن روايتها "الغالي" Beloved، وهي أم لشابين ولدا في الستينات من أب جامايكي الأصل. ومنذ حصولها على جائزة نوبل للآداب، أصبحت موريسون رمزاً وطنياً للاميركيين الأفارقة، هي التي لم تكن على وفاق مع اميركا السوداء، خصوصاً عند ظهور أول قصة لها "العين الأشد زرقة" TheBluest Eye حيث فوجئت يومها بالغضب الكبير الذي واجهها به بعض قرائها السود. وهي الروائية الزنجية الأولى التي تنال جائزة نوبل للآداب والثامنة بين الأديبات اللواتي نلن الجائزة القيمة في الأدب. ولدت موريسون في 18 شباط فبراير 1931 في أوهايو وحملت اسم كلويه انتوني بدفورد لعائلة عمالية تركت الجنوب الاميركي هرباً من العنصرية وبحثاً عن عمل أفضل في الشمال. ومنذ صغرها أظهرت ولعاً شديداً بالمواد الأدبية، وتعرفت على الفولكلور الخاص بمجتمع الزنوج في الجنوب الاميركي، خصوصاً موسيقى الجاز التي لها حضور كبير في رواياتها كافة. وورثت عن والدها الوعي بهويتها السوداء وبالعلاقة الصعبة والمعقدة بين الاميركي الابيض والزنجي، وعن هذا الوالد تقول: "كان أبي انساناً متعصباً. وفي طفولته بجورجيا، تأثر كثيراً بتصرف الرجل الابيض، كان يشعر طيلة حياته ان عليه البحث عن سبب لاحتقاره للرجل الأبيض، بينما لا يحتاج هذا الأخير لأي سبب كي يحتقره كزنجي". أنهت توني دراستها الثانوية بامتياز والتحقت بجامعة هوارد في واشنطن عام 1949، وكانت من أفضل الجامعات الخاصة بالزنوج في الولاياتالمتحدة. وفيها غيرت كلويه اسمها ليصبح توني وذلك بسبب صعوبة لفظه من قبل رفيقات الدراسة واعتمدت اسمها المصغر في ما بعد. وبعد نيلها شهادة الماجستير دخلت جامعة كورنيل حيث أنهت دراستها عام 1955. وقامت بتدريس اللغة الانكليزية في جامعة تكساس بهيوستن لمدة عامين ثم تزوجت عام 1958 من المهندس الجامايكي هارولد موريسون. في بداية الستينات، بدأت التحركات التي تناضل من أجل الحقوق المدنية لزنوج اميركا. وتعرفت توني على مجموعة من المناضلين ورافقتهم، أمثال أندرو يونغ، الذي عمل مع مارتن لوثر كينغ واصبح في ما بعد رئيساً لبلدية اتلانتا، وستوكلي كارومايكل المناضل الشهير في منظمة "الفهود السود" وبعد ولادة طفلها الاول في عام 1961 واصلت التدريس حتى عام 1964 حيث حصلت على عمل كناشرة لكتب مدرسية، ثم التحقت بدار النشر النيويوركية المعروفة "روندوم هاوس" وأخذت تنشر كتباً للمشاهير من الاميركيين الافارقة، أمثال محمد علي كلاي والمناضلة المعروفة انجيلا ديفيز واندروويونغ وغيرهم.. وفي الوقت نفسه اخذت تعمل على تحويل قصة كتبتها منذ سنوات الى رواية ونشرتها عام 1970 وكانت اولى روايتها "العين الاشد زرقة" التي لاقت استحساناً نقدياً كبيراً وغضباً اكبر من قبل بعض القراء الزنوج لكن الكتاب لم يدر الربح التجاري المتوقع. وتوج الزنوج الاميركيون موريسون رمزاً وطنياً بعد نيلها جائزة عالمية لكنها في كتبها توجت المرأة السوداء الاميركية كرمز وطني لحياة شعب بأكمله، ناضلت على طريقتها من اجل حقوق الانسان الاميركي الحقوق المدنية والانسانية وجعلت من معاناة التاريخ الماضي رمزاً لحرية جديدة. اما الجائزة الادبية الاولى التي نالتها فكانت الجائزة الوطنية للنقد "اوارد" عن روايتها الثانية "سولا" التي تحمل اسم بطلة الرواية. اما كتابها الثالث "انشودة سليمان" فقد حصل على جائزة المعهد الاميركي للفنون والآداب كما خصصت مجلة "نيوزويك" الاسبوعية غلافاً لموريسون مع عدد من صفحاتها، كما استحق كتابها "الغالي" جائزة بوليترز عام 1988 وبعد حوالي عشر سنوات تحول الكتاب الى فيلم سينمائي وفي عام 1993 نالت سيدة القصة الاميركية السوداء جائزة نوبل للآداب. وتؤكد موريسون ان كل كاتب وفنان حقيقي هو انسان ملتزم بقضية او فكرة ما اما هي فتتساءل دائماً: هل سيأتي اليوم الذي استطيع فيه الكتابة عن الاميركيين الافارقة من دون ان اضطر للقول انهم سود البشرة، تماماً كما يكتب اي كاتب ابيض عن الاميركي ذي البشرة البيضاء من دون ان يضطر للتأكيد بأن اشخاص قصته هم من الاميركيين البيض؟