أهوفا، تعتبر واحدة من بنات الهوى التائبات. فبعد ثلاث سنوات من الضياع في أحضان رجال الاعمال اليابانيين قررت ان تترك أقدم صنعة في التاريخ، وتعود الى اسرائيل حاملة رسالة "وطنية" هي: "اذا لم نخرج رؤوسنا من الرمال، ولم نفتح عيوننا جيداً ونتخل عن سياسة الغطرسة، فان المجتمع الاسرائيلي سيتدهور الى الحضيض المدمر. فنحن لم نعد ذلك المجتمع القوي المتماسك. والمرض الخبيث يتغلغل في جسدنا كما السوس في الخشب". ولم تكتف اهوفا بالقاء النصائح التائبة، بل قررت ان تأخذ على عاتقها ادارة معركة باسم "جميع الفتيات الاسرائيليات اللواتي تدهورن الى هذا الحضيض". وأعلنت عن سعيها لاقامة جمعية جديدة تناضل "ضد اسباب هذا التدهور". عنوان معركة أهوفا، كما تقول، هو: "الحكومة، بكل رجالها ونسائها. من رئيسها ووزير دفاعها ووزير شرطتها الذين يستعرضون عضلاتهم ويستقوون على الفلسطينيين الضعفاء، الى وزير المالية الذي يتشاطر على اليهود الضعفاء، وحتى وزيرة المعارف التي تهمل شؤون التعليم وتنشغل في تعزيز مواقف اليمين المتطرف في اسرائيل". وتضيف: "الشعب ينهار مع الانهيار الاقتصادي والامني والاجتماعي، والحكومة غارقة في الحروب". أهوفا هذه ليست الأمل الذي تنتظره قوى السلام الاسرائيلية لانقاذ المنطقة من حروب شارون والمستوطنين. فهي في نهاية المطاف وعلى رغم توبتها ورسالتها الايجابية، تبقى في نظر المجتمع "بنت هوى" عملت طويلا في الدعارة. لكن قصتها تعكس حالة من حالات المجتمع الاسرائيلي الخفية، التي تدل على عمق الازمة الاجتماعية الحادة الاخذة بخناقه. فاذا اعتمدنا على احصاءات الشرطة فان اسرائيل شهدت، العام 2003 ارتفاعا في نسبة الجريمة بشكل عام بلغت 4.2 في المئة. وينسحب هذا الارتفاع على شتى مجالات الحياة وينعكس أثره بالطبع على كل شيء تقريباً، بما في ذلك الدعارة نفسها التي تنقسم الى أنواع ومستويات عدة . فهناك دعارة الفيلات والقصور وهناك دعارة الشارع، وبينهما دعارة الاستعباد المبنية على خطف الفتيات من خارج البلاد، وفي بعض الاحيان من البلاد نفسها والتعامل معهن كعبيد جنس لدى السماسرة، او بيعهن كما تباع المواشي في سوق خاص، وهكذا. لكننا نتحدث اليوم عن دعارة لم تكن لافتة للنظر بشكل كبير في الماضي، وأصبحت الآن على رأس العناوين وهي: الدعارة الاسرائيلية في اليابان. ولنعد الى قصة أهوفا. "انا لست من عائلة فقيرة ولدت في الشارع، ولست مريضة جنس تبيع جسدها وتتمتع. بل انني ابنة عائلة كانت ذات يوم ميسورة الحال، بل يمكن القول انها عائلة فوق المستوى المتوسط. ولكن فجاة، ابلغنا والدانا ان الوضع الاقتصادي المتدهور ضرب العائلة، وانهما مضطران لاعلان الافلاس. وان علينا نحن الاولاد، بنتين وصبياً، ان نتأقلم مع الوضع الجديد. فنكف عن الصرف والتبذير، وننتقل الى التوفير والتقنين. كان وقع هذا الكلام صعباً جداً علينا. ولكن الاصعب هو ترجمته الى لغة الفعل. ولم نعد نستوعب ماذا جرى لنا. في البداية توقعنا ان يخرج والدنا من الازمة، كما عودنا. وفي أحاديثنا مع بعضنا البعض، نحن الاولاد، كنا على قناعة بأن والدتنا ستتدخل الى جانب الوالد في المسألة وبأن مشكلتنا موقتة ومحدودة. لكن انتظارنا طال. واعلن الافلاس بطريقة أسرع مما توقعنا". وتضيف أهوفا في رواية قصتها، قائلة: "قررت ان أؤجل دراستي الجامعية، وأبحث عن عمل. فبدأ يدب اليأس فيّ، لأنني لم اجد عملا طيلة خمسة اشهر. ثم طلبت مساعدة من محام يعتبر صديقاً للعائلة، فوظفني سكرتيرة في مكتبه في نصف دوام. وبعد شهرين، طلب مني ان تصبح وظيفتي فقط في المساء. ومن الليلة الاولى اكتشفت قصده. اذ تحرش بي جنسياً. فتركته ورحت أفتش عن عمل آخر، وكابوس هذه الاخلاق الساقطة يخيم فوق رأسي. وأصبح كل رجل في نظري وحشاً شرساً. فتوجهت الى حوانيت بيع الملابس والزينة والعطور لعلي أجد وظيفة لدى احدى النساء. لكنني لم أجد عملا لدى أي منها، ليس فقط في هود هشارون بلدة قرب تل ابيب حيث أسكن، بل في المدن والبلدات الاخرى القريبة. وعشت أيام سوداء طويلة، لم يكن معي مليم في جيبي. وفي بعض الأحيان لم نجد طعام الغذاء. وفي أحد الايام جمعتنا والدتنا وقالت لنا ان والدنا أخبرها بأنه قد يلجأ الى الانتحار اذا لم تحل المشكلة. فزاد هذا من خوفنا ومسؤوليتنا. فقررت ان اشرك في همي هذا بعض صديقاتي ليؤازرنني بالنصيحة. فأنا أحب والدي ولا أريد ان اخسره". وجمعت أهوفا ثلاثاً من صديقاتها واخبرتهن بما يحدث لعائلتها. واذا باحداهن تقترح عليها: "تعالي نذهب الى اليابان". وأخذتها فعلا وسافرت معها، بعد ان أخبرتها ان صديقات لها سافرن الى هناك وانهن يكتبن لها باستمرار عن ذلك العز الذي يعشن فيه. وقالت لها الصديقة انها ستتبرع لها بنصف راتبها، حتى تعينها على حل مشكلة والدها. وبعد اسبوعين، كانت الطائرة تحط بهما في مطار طوكيو. "مدينة اسرائيل" في طوكيو لم يكن "العمل" المعروض على أهوفا سراً. انما هي مهنة علنية سجلت في عقد العمل الرسمي الذي وقعت عليه هي وصديقتها، وتسمى بالعربية "بنت هوى". ترتدي ملابس فاحشة. وتستقبل الزبائن. وتصب لهم الخمرة. وتتمرغ على اجسادهم. وقد تغادر معهم الى بيت او فندق. والراتب معروف: 150-200 دولار في الليلة، عدا البقشيش. والنوادي الليلية في المدن اليابانية مركزة في أحياء خاصة، احدها يعتبر اسرائيلياً. بل يعرف في نظر العديد من اليابانيين على انه "مدينة اسرائيل". "عرفت كل ما يجب ان أعرفه، قبل السفر. ولم يخدعني أحد. ولم افاجأ بشيء. فهمت انني سأعمل في مهنة الدعارة. وعرفت ان الدعارة هي الدعارة. فلا توجد فيها مستويات، كما يعتقد بعضهم. وساعدتني كثيراً انني عشت هناك اجواء اسرائيلية. اذ عرفت المئات من الاسرائيليات اللواتي يعملن مثلي، وان هناك الوف الداعرات اللواتي قدمن الى اليابان للغرض نفسه. بعضهن عملن في الدعارة في اسرائيل، ولكنهن لم يصمدن امام منافسة الروسيات، وبعضهن دفعت بهن الحاجة الى المال، مثلي. وبعضهن ارغمن على ذلك. وبعضهن بحثن عن الجنس لمجرد الجنس، واخترن اليابان لأنه بلد غني ومزدهر اقتصاديا. وجميعنا، اخترنا هذه البقعة من الارض لأنها بعيدة عن أعين المعارف والأقارب. وجميعنا طمعن في كسب المال بكميات كبيرة، خصوصاً ان الجو هنا آمن. والناس مؤدبون. والاعتداءات قليلة". وتمكنت أهوفا من جمع بضعة آلاف من الدولارات، وأرسلتها من آن لآخر الى والدها، الذي فهم انها تعمل نادلة في مطعم. لكنها، على عكس كثيرات من الفتيات، كانت تشعر بأنها لم تأت الى المكان الصحيح. ظلت تعيش وحيدة حزينة: "كنت احتقر نفسي - تقول - وأحتقر جسدي. وأكره نفسي وعملي. غضبت من الرجال، جميع الرجال، بمن في ذلك الرجال اليابانيون المؤدبون. وطردت من عملي ست مرات، ورحت أتنقل من ناد ليلي الى آخر. كنت أحاول ان أقنع نفسي بأنني مرغمة على هذا العمل. وان ما أفعله ليس بعيداً عما تفعله فتيات كثيرات أخريات. ففي الجيش نحن نمارس الجنس بحرية وبافراط. وفي الجامعة ايضاً. وحتى في الثانوية. بل ان اهم اجهزة الامن في الدولة، الاستخبارات، يستخدم اجساد فتياته لمهمات وطنية، حينما يرسلهن للايقاع برجل من الاعداء او لابتزاز آخر. وقد ارسلوا فتياناً لهذا الغرض ايضاً الى اليابان في اطار التجسس الصناعي او الامني، والى بلدان اخرى في آسيا وغيرها". "ولكن، عند الممارسة، الجميع منا يكرهن انفسهن ويدخلن في حالة رهيبة من تعذيب الضمير واحتقار الذات الى درجة خطيرة قد تؤدي الى الانتحار. ولذلك قررت ان أتوقف. وان أثور ضد مجتمعنا الزائف الذي يوصلنا الى مثل هذا الوضع . وها أنا أعود غاضبة بشراسة على من تسبب لنا في هذه المحنة". مهنة الألوف ويتضح من كلام اهوفا وغيرها من اعضاء جمعيتها ان الاسرائيليات اكتشفن اليابان منذ مطلع الثمانينات، عندما استفحلت الأزمة الاقتصادية. وقد أصبح تعدادهن بالألوف في طول اليابان وعرضها، ويتركز بعضهن في احياء معينة اصبحت تعرف بأنها أحياء اسرائيلية. وحسب رأيها فان اليابانيين يحبون الاسرائيليات ويفضلونهن على الروسيات او بنات الهوى المحليات: "لأننا حملنا معنا نوعاً من الغطرسة التي يحبها الرجل الياباني. فنحن عادة متمنعات. ولا نسلم أجسادنا بسرعة كما تفعل بقية الزميلات او كما تفعل عادة النساء اليابانيات لازواجهن. وهذا يعجبهم. يستفز رجولتهم. فيشعرون بالتحدي، ويدفعون اكثر"، تقول أهوفا. وتقول حافا شاين الباحثة النفسية التي حققت في الظاهرة ووصلت الى نتائج مشابهه لما توصلت اليه أهوفا: "المسألة لم تعد مجرد حالات فردية، بل صارت ظاهرة اجتماعية تشترك فيها ألوف الفتيات والصبايا اليهوديات. ولهذا أنظر الى الموضوع بخطورة بالغة. لقد زرت هؤلاء الفتيات في النوادي وفي البيوت، وغضبت كثيراً، لأنني ادركت انهن لم يحضرن الى هنا بارادتهن الحرة المجردة. فهناك وضع اجتماعي، اقتصادي كارثي في اسرائيل، يؤدي الى تبعثر الناس، من جميع المستويات، وليس فقط من الداعرات. والكل يبحث عن طريق بيع الخبرات العسكرية ويتاجر بالسلاح. والصغار يفتشون عن ربح بطريقة اخرى، منها بيع الجسد" جريمة في كل دقيقة الدعارة، حلقة واحدة صغيرة في مسلسل التدهور الأخلاقي والاجتماعي في المجتمع الاسرائيلي الذي تحاول اوساط عدة انقاذه. وليس صدفة ان العاملين الاجتماعيين في اسرائيل، الذين يصطدمون يومياً ووجها لوجه مع ضحايا هذا التدهور، باتوا يربطون بينهم وبين سياسة العربدة العسكرية. ويقولون من خلال بحوثهم ولقاءاتهم اليومية مع العائلات المنهارة ان هناك رابطاً قوياً بين الأمرين. وينضمون الى انصار السلام، المطالبين بوقف الحرب وبالجنوح الى السلم. ومن أبرزهم رئيس "مجلس حماية الطفل"، اسحق كوهين الذي وجه نداء صارخاً قبل أيام يطالب فيه وزير الدفاع بالتنازل عن 10 في المئة من موازنة الوزارة وتحويلها الى الموازنات المخصصة لمكافحة الجريمة والفقر. وتورد احصاءات الشرطة الاسرائيلية المعطيات الآتية: - في كل دقيقة، تقوم الشرطة بفتح ملف اجرامي واحد. - في كل ربع ساعة يعتقل شخص للاشتباه به بارتكاب جريمة. - في كل اربع دقائق تنفذ عملية سطو. - في كل دقيقتين ترتكب عملية سرقة. - في كل ساعتين ونصف الساعة، يتم اعتداء جنسي. وفي كل يومين ترتكب عملية اغتصاب. - في كل يوم ترتكب جريمة او محاولة ارتكاب جريمة قتل. - في كل 13 دقيقة تفتح الشرطة ملفاً لاعتداء او جريمة ما يرتكبها فتية تحت السن القانونية. - كل10 دقائق تتم عمليه تتسم بالعنف. - كل 30 دقيقة تنفذ جريمة اعتداء داخل العائلة، يعتدي فيها الرجل على زوجته او ابنه او العكس. - في كل نصف ساعه يقع حادث سير مع وقوع اصابات. - في العام 2003 قتل 172 شخصاً في جرائم قتل، بينهم 9 اشخاص قتلوا من دون قصد، خلال عمليات تصفية بين رجال المافيا و19 شخصا من بينهم قتلوا داخل العائلة 16 امرأة و3 رجال. حملة يابانية لطرد الاسرائيليين الى جانب الفتيات الاسرائيليات اللواتي يصلن الى اليابان هناك المئات من الشباب الاسرائيلي الذين يرون في اليابان بديلاً اقتصادياً أفضل لهم من اسرائيل. لكن معظم هؤلاء يصل للعمل من دون تصاريح وبشكل غير قانوني مما اضطر اليابان الى تشكيل وحدة خاصة في الشرطة لملاحقة "الاجانب" وبشكل خاص الاسرائيليين . وبدأت ظاهرة الاسرائيليين تقلق السلطات اليابانية بعدما انتشر في شوارعها شبان اسرائيليون يبيعون الصور والحلي، اضافة الى الفتيات اللواتي تحدثنا عنهن. وتبين ان الغالبية العظمى من الاسرائيليين يصلون بشكل غير قانوني ويقضون فترات طويلة من دون تصاريح اقامة. وتتعامل السلطات اليابانية بجدية مع الموضوع إذ قررت تشديد الاجراءات ضد ظاهرة الاقامة بلا تصاريح ومعاقبة كل من يضبط بشكل غير قانوني باعتقاله وتغريمه مبلغ 30 الف دولار، ثم اتباع اجراءات طويلة ومهينة لطرده من اليابان ومنعه من الدخول لمدة عشر سنوات، في حين كان القانون يحدد الفترة بخمس سنوات. ولافساح المجال امام كثيرين لعدم دفع هذه الغرامة الباهظة افسحت السلطات اليابانية المجال أمامهم لتسليم أنفسهم على ان يتم طردهم بشكل فوري ويمنعوا من دخول اليابان لمدة سنة فقط.