لو دخلت تجارة اللذة الممنوعة في اسرائيل ضمن المهن المشروعة، لجاءت في المرتبة الرابعة من حيث المدخول الذي يتأتى لاسرائيل بالعملات الصعبة، تالية لمنتجات التكنولوجيا المتقدمة والصادرات العسكرية وصناعة المجوهرات. إذ إن التقديرات الرسمية لارباح البغاء في اسرائيل تصل الى نصف مليار دولار في السنة! ليس ذلك فحسب، فهذا الرقم على ضخامته لا يشمل تجارة الجنس عبر القنوات الفضائية والشرائط المرئية. فقد تطورت خلال السنوات الماضية صناعة الافلام الاباحية التي تباع بوجه خاص في دول شرق اوروبا وشرق آسيا ودول العالم الثالث ومن خلال مواقع اباحية على شبكة الانترنت، وتصل ارباح هذا الفرع وحده من تجارة البغاء الى حوالي 100 مليون دولار تضاف الى المبلغ السابق. وأضحى تنامي هذه التجارة-الصناعة يثير قلقاً في اسرائيل، الى درجة أن نواباً في الكنيست أثاروه في البرلمان، وكونت لجنة برلمانية خاصة لمعالجته. وصارت تجارة البغاء مشكلة تهدد علاقات اسرائيل مع روسيا ومصر ودول عدة في اوروبا الشرقية واميركا اللاتينية. ويبحث عدد من نواب الكنيست إمكان سن تشريعات تكافح هذه الظواهر الخطيرة وتنزل العقوبات الرادعة بمرتكبيها. والواقع أن البغاء - المعروف بإنه من أقدم المهن في تاريخ البشرية- ليس حديثا في اسرائيل، غير أنه ظل محدوداً حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ثم بدأ يخرج عن نطاق السيطرة. في البداية اشتغلت به فتيات ونساء يهوديات من اصل شرقي، ضحايا الفقر والضائقة الاقتصادية والاعتداءات الجنسية. وكانت هناك نسبة محدودة من العربيات العاملات والعاملين فيها. وتم توريط فتيات ونساء من الضفة الغربية وقطاع غزة فيها بعد حرب 1967. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبدء الهجرة الروسية الى اسرائيل حوالي مليون روسي هاجروا الى اسرئيل من سنة 1989حتى 2000، اتخذ البغاء منعطفا حادا وتحول تجارة مزدهرة. حاولت الشرطة الاسرائيلية مكافحته، لكنها عجزت، فقد تولّت امر هذه التجارة عصابات المافيا الروسية. ونجح هؤلاء في اختراق الشرطة وتجنيد بعض ضباطها للتعاون معهم من خلال الوسائل المعروفة: رشوة جنسية ومالية، ثم شراكة في نسبة مئوية من الارباح. ولذلك افلت رسن هذه التجارة ولم يعد بالامكان السيطرة عليها. وتدخل القنصل الروسي في القدس كانتشيه اوروف لدى الحكومة الاسرائيلية ليشكو رسمياً "ضباط شرطة عديدين يستغلون الفتيات الروسيات ويدفعونهن الى سوق البغاء". وطلب تعاون الحكومة الاسرائيلية مع الشرطة الروسية لمكافحة هذه الظاهرة. تقليدي وحديث يتضح من ابحاث اللجنة البرلمانية التي كلفها الكنيست درس هذا الموضوع ان تجارة البغاء تتخذ اشكالاً عدة في اسرائيل، وذلك على النحو الآتي: -بغاء تقليدي في الشوارع الخاصة والمواخير: وهذه الممارسة بدات تنقرض في اسرائيل بوجه منافسة "بيوت" شبه علنية تستقبل مرتاديها "في ظروف افضل". - لا توجد بيوت بغاء مرخص لها في اسرائيل. ولا تزال المحاولات التي تقوم بها اوساط وجمعيات طبية عدة لجعلها مشروعة بهدف اخضاعها للمراقبة الطبية تواجه بالرفض، مع ان هناك ادراكا متزايدا في اسرائيل بضرورة هذا التشريع. فالمراقبة الطبية تخفف من اخطار الاصابة بمرض الايدز وغيره من الامراض الجنسية المعدية. وامام ضغط هذه الاوساط تغض الشرطة الطرف عن بيوت الدعارة وتقلل من مداهمتها. ويقدر عدد هذه البيوت في اسرائيل بحوالي خمسة آلاف بيت، تنتشر في كل مدينة. وتنشر اعلانات في الصحف اليومية والاسبوعية بشكل صريح وعلني على النسق الآتي: "وصلتنا مجموعة جديدة من الفتيات الروسيات الفاتنات"... أو"فتيات جميلات الى بيتك او فندقك"... أو"نستقبلك بسرية تامة وبمستوى رفيع جدا". هذه هي بيوت البغاء التي يمكن أن توصف بأنها "شعبية". - بيوت بغاء بمستوى "خمس نجوم" خاصة بالمقتدرين من ذوي المراكز الرفيعة والثراء. وهذه تعمل بمنتهى السرية. ولا يوجد احصاء لعددها ومكان وجودها او لائحة اسعارها. وهي توفر لعملائها الفتيات ليس في اسرائيل فحسب، بل لمرافقة الراغبين الى خارج اسرائيل إذا أرادوا. يقدر عدد بنات الهوى العاملات في هذا المجال من اسرائيل نفسها بحوالي 40 الفا. وهن يعملن في ظروف استعباد شرسة لدى القوادين وعصابات المافيا، بدءا من مباشرة العمل، اذ يتم جرهن الى حضيض الدعارة بعد عمليات اغتصاب متكررة، وحتى العمل اليومي لمدة 365 يوما بلا رحمة ولا عطلة، حتى لو كانت البغي مريضة أو تمر بفترة الطمث! ويقبضن عادة جزءاً ضئيلاً من الاجر ، ويعشن في ظروف حياة قاسية:عمل... نوم... فعمل فنوم... وهكذا. وفي كثير من الاحيان يجبرن على قطع الصلة بذويهن. وعلى رغم ذلك الشقاء والبؤس، فإن ظروف هؤلاء المومسات الآتيات من داخل الكيان الاسرائيلي أفضل ألف مرة من المومسات "المستوردات"! تجارة العبيد ان اكثر فروع تجارة البغاء في اسرائيل ربحاً وازدهارا الاتجار بالفتيات. وسنكون دقيقين اكثر اذا سميناها تجارة العبيد، تماما كما كان عليه الوضع زمن تجارة الرقيق. فهناك اكثر من 4000 فتاة في اسرائيل تم شراؤهن بالمال، بما يتراوح بين 1500 و2000 دولار للفتاة! ويجري التعامل معهن كإماء بكل ما في الكلمة من معنى. وهناك شبكة عملاء في هذه التجارة تبدا في اسرائيل وتصل الى اوروبا الشرقية ثم تعود الى اسرائيل مكوّنة ارباحا طائلة. وهكذا تدور العجلة: شركاء ووكلاء المافيا الروسية-الاسرائيلية الذين يعملون في دول اوروبا الشرقية، ينشرون اعلانات في الصحف يطلبون فيها "فتيات جميلات لعمل مغر في اسرائيل براتب عال". واختيار اوروبا الشرقية ليس مصادفة، فالمعروف ان سكان هذه الدول لا يحتاجون الى تأشيرة دخول لمصر. واختيار مصر لم يأت مصادفة أيضاً، فهي الوحيدة من جيران اسرائيل التي يمكن للاسرائيليين اختراق حدودها. عندما تسجل الفتيات يخضعن لاختيار صوري يكون الهم الاساسي فيه التاكد من ان الفتاة شابة وجميلة. ويترك لديها انطباع بان هناك عملا جديا حقاً بانتظارها. وفي كل فترة بعض الاحيان اسبوعيا وفي احيان اخرى يوميا يتم ارسال الفتيات في مجموعات صغيرة 3-5 فتيات الى مصر. اذ يقال لهن انه لم يكن بالامكان الحصول على تاشيرة دخول الى اسرائيل. وهذه حجة صحيحة، اذ ان السلطات الاسرائيلية لا تستقبل احدا من دون تأشيرة دخول سوى اليهود. ولليهود نظام اجرائي خاص تتولى مسؤوليته الوكالة اليهودية والمخابرات الاسرائيلية. لذلك ينقلن الى مصر. وهناك يتولى امرهن المهربون المحترفون الذين يهربون المخدرات وغيرها بين مصر واسرائيل. ياخذونهن الى سيناء لانتظار اللحظة المناسبة لعبور الحدود. حتى هذه المرحلة يتم التعامل معهن باحترام. الا انهن يعانين الحر وظروف الانتظار. ففي بعض الاحيان ينتظرن اياماً عدة. وفي احيان اخرى ينتظرن ساعات في صهاريج معدة لنقل الماء. وعندما تمر الدورية الاسرائيلية وتبتعد يتم نقلهن الى الطرف الاسرائيلي من الحدود. وعلى رغم الخبرة الكبيرة للمهربين المصريين وشركائهم الاسرائيليين، فان هذا العبور خطر جدا عليهن. هناك حقول الغام واسلاك كهربائية ممغنطة. وهناك احتمالات ان يطلق الجنود الاسرائيليون النار عليهن. واذا تجاوزن هذا الخطر بسلام، يصلن الى الجحيم الاسرائيلي. وتكون البداية مصادرة جواز السفر وكل الوثائق الشخصية، ثم جريمة اغتصاب يقوم بها اصحاب العمل انفسهم او كبار موظفيهم. وبعدها يتم عرضهن للبيع في "مزاد علني" يقام عادة في "فيللات" محاطة بسرية وحراسة مشددة. ويتحكم في "السعر" العرض والطلب و"نوع البضاعة". ويقوم المشتري بفحص الفتاة بتفصيل مذل ومهين لكرامة المرأة ... تماماً مثلما يحدث في سوق بيع المواشي! وعند صاحب العمل الجديد تتم عمليات الاستغلال الجنسي الفاحش: دعارة يومية مع نحو 10-12 زبونا كل يوم، الا اذا كان نصيبها مرافقة الزبون يوما كاملا حسب طلبه. وتمر شهور، وفي بعض الاحيان سنة او سنتان، حسب قدرة الفتاة على التحمل، وحسب التغيرات التي تتم في مظهرها الخارجي. فاذا ما شحبت الفتاة وذابت نضارتها، فإن صاحب العمل يعمد الى التخلص منها. وقد يتم بيعها الى صاحب عمل ثان وثالث ورابع، ثم تُرسل الى الشرطة الاسرائيلية لكي تبعدها الى وطنها في حال يرثى لها، وقد تحمل معها مبلغا هزيلا من المال. ولا تجرؤ الفتاة على ابلاغ الشرطة بتفاصيل مالكها او بائعيها، اذ يهددها هؤلاء بالقتل حتى لو عادت الى وطنها اذا ادلت باي معلومات عنهم. وفي معظم الاحيان تلتزم الضحية هذا العهد، لانها تخاف بطشهم. وهي تعرف جيداً مدى قدرتهم على الانتقام منها. وكما يبدو فان العديدات منهن دفعن حياتهن ثمنا وكن عبرة لزميلاتهن. في السنة الماضية قدرت الشرطة الاسرائيلية عدد الفتيات اللاتي وصلن من روسيا وبيلاروسيا ومولدافيا واوكرانيا بحوالي 4 آلاف فتاة. وبلغ عدد اللواتي قامت الشرطة بترحيلهن 150 فتاة. وهناك فتيات من بلدان اخرى حوالي عشر منهن من المغرب والاردن. لا يمكن لهذه العملية ان تتم بسهولة من دون تعاون بعض رجال القانون الاسرائيليين. وفي ايار مايو الماضي القي القبض على ضابطة سابقة في المخابرات الاسرائيلية بعدما فتحت بيتاً للبغاء عملت فيه اكثر من 20 فتاة. تعاونت في البداية مع المافيا, لكنها استقلت بنفسها. وتمكنت من اغراء فتيات ونساء اسرائيليات، بينهن معلمة وامراة متدينة وفتاة من عائلة غنية. واعترفت الضابطة انها ربحت في الشهر اكثر من 15 الف دولار. وتساءلت ساخرة: "اي وظيفة يمكن ان تحقق لي ربحا كهذا"؟ اعتبرت الشرطة هذه الحادثة مؤشراً خطيراً جدا، اذ انها المرة الاولى التي يكشف فيها عن بيت بغاء تديره امراة لا تنتمي أصلاً الى "العالم السفلي"، بل الى جهاز الامن. لم تستطع الشرطة الجزم بان هذا هو بيت الدعارة الوحيد الذي يعمل على هذا المستوى. اما الضابطةالسابقة فقالت إنها ذهلت من عدد النساء الجميلات المحترمات اللاتي ابدين استعداداً للعمل لديها. ولذلك توقفت عن "استيراد" الفتيات الاجنبيات "وشرائهن"!