تحولت فرنسا عشية الحرب على العراق واثناءها الى صديقة حقيقية للعرب والمسلمين بسبب موقفها الرافض للحرب من دون موافقة الأممالمتحدة. لكن هذه "الصداقة" سرعان ما هددتها قضية منع الحجاب في المدارس والمؤسسات الرسمية الفرنسية. وبعدما كانت فرنسا حامية الحريات، أصبحت بنظر مسلمين كثيرين منتهكة لهذه الحريات. وتحول الرئيس جاك شيراك من "زعيم عربي" تهتف التظاهرات باسمه الى "معتد" على الحرية. لكن بعدما كان منع الحجاب موضوع خلاف بين المسلمين والحكومة الفرنسية، تحول الى خلاف في قلب "المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية" في وقت كان وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي يلتقي شيخ الأزهر الذي أصدر فتوى تؤكد ان من حق فرنسا ان تصدر قانوناً بمنع الحجاب وان على المسلمين الفرنسيين ان يلتزموا هذا القانون. لكن موقف شيخ الأزهر واجه اعتراضات كثيرة. ومن المستوى الديني انتقلت قضية الحجاب الى المستوى السياسي، فتدخل الرئيس الايراني محمد خاتمي داعياً الرئيس شيراك الى صرف النظر عن اتخاذ مثل هذا القرار على أمل ان تبقى فرنسا صديقة للعرب وللمسلمين، ومع ان "لجنة الحكماء" هي التي اشارت على الرئيس شيراك باتخاذ مثل هذا التوجه، إلا ان العاصفة التي قوبل بها المشروع الفرنسي اكدت ان المسألة لن تمرّ بسهولة. لكن أغرب ما في الأمر، هو اتهام فرنسا بأنها تخوض معركة غيرها في هذا المجال، واستدراجها لخوض حرب مجانية ظلت بمنأى عنها طويلاً، أو دفعها الى موقف تقع تبعاته عليها ايضاً وحشرها في معركة حضارية استكمالاً لشعار "صدام الحضارات" ولو من حيث الشكل وليس الجوهر، خصوصاً بعدما ارتفعت اسهمها في العالمين العربي والاسلامي اثر موقفها الرافض للحرب على العراق. "الوسط" حاورت ثلاث شخصيات فرنسية مسلمة: دليل بوبكر رئيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية وعميد جامع باريس، ومفتي مرسيليا صهيب بن شيخ، وإمام جامع الاصلاح في مرسيليا، ومراد زرفاوي، والثلاثة يعبرون عن ثلاثة تيارات في أوساط المسلمين في فرنسا. دليل بو بكر هو رئيس "المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية" وعميد جامع باريس ويعتبر من الاصوات المعتدلة. ومع ان تياره لم يحصل على الغالبية داخل المجلس الا ان التوافق تم عليه رئيساً. هل استشارتكم الحكومة الفرنسية قبل اتخاذها قرار منع الحجاب في المدارس والمؤسسات الرسمية؟ - الحكومة سألت جميع الشخصيات الإسلامية وأعضاء من الجالية الإسلامية وأيضاً رؤساء المساجد في فرنسا، لكنها لم تسأل المجلس بشكل مباشر وكمجلس تمثيلي. هل ستدعون أو ستشاركون في التظاهرات التي تدعو إليها جمعيات إسلامية؟ - نحن لا نتظاهر ضد القانون، أنا شخصياً لن أنزل إلى الشارع للتظاهر، وأنصح جميع اخواني المسلمين بعدم التظاهر. فالتظاهرات باسم الدين خطيرة بسبب إمكان حصول لغط، وهذا قرار المجلس، ولكن لكل منظمة الحق بأن تقوم بما تريد، نحن كمجلس طلبنا عدم التظاهر، لأن الأثر سيكون سلبياً، إذ سيخيف المجتمع الفرنسي من الإسلام وقد يؤدي إلى حدوث مشاكل. أما بقية المنظمات، كاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، الذي يدعو إلى التظاهر، فلها منطقها، ولها الحق بأن تتبعه وتطبقه كما تراه مناسباً. نحن إذاً كمجلس، لن نتظاهر ولكننا لا ندين التظاهرات ولا ندين من يتظاهر. أثار قرار الرئيس جاك شيراك معارضة شبه شاملة في البلدان الإسلامية، فهل تتوقعون أن يتراجع الرئيس الفرنسي عن موقفه تحت هذه الضغوط؟ - طبعاً تأثير الدول الإسلامية له وزن وقيمة وسمعة عند الرئيس شيراك، ففي التاريخ معروف أن هناك صداقة تربط الرئيس شيراك والعرب والمسلمين، ثم جاءت قضية العراق وأثبت شيراك صداقته بوقوفه ضد حرب العراق. الرئيس شيراك يظن أن الدول الإسلامية لم تفهم هذا القرار، فالهدف هو ليس منع الحجاب بشكل عام، ولكن منعه في المدارس فقط. وحتى هنا يُطرح سؤال: ما معنى ذلك؟ هل المنع سيكون في الصف؟ في الملعب؟ أين؟ طبعاً نحن في كل مناقشاتنا سنبحث هذه الأمور، وشيراك باتصالاته الرسمية سيُفهم الجميع أن هذا القانون ليس ضد المسلمين والمسلمات، لكنه فقط لتخفيف مصادر الضغط وعدم احياء العنصرية. فهذا القانون سيفتح الأبواب بين المسلمين والنواب والوزراء لبحث كل المشاكل، فالمسألة مسألة حوار، وشيراك يفضل الحوار على الصراع. هذا القانون ليس ضد الإسلام والمسلمين، فشيراك يعتبر نفسه صديق المسلمين والدول الإسلامية. برأيكم هل يتعارض الحجاب مع العلمانية؟ - حسب ما أظن، أن الحجاب أو اللباس ليس له تأثير على العلمانية، فالقصة ليست قصة قطعة القماش هذه، ولكن العلمانيين يرون أن هذا المظهر يذكّر الفرنسيين بزمن الاستعمار، حيث كانوا يرفضون الاستعمار ويسمون جميع النساء المسلمات: فاطمة. وهذا سيعود بهم إلى ذكريات أخرى قديمة وقصص الصراع بين المسلمين والمسيحيين والحروب الصليبية. المجتمع الفرنسي تطور كثيراً ، والمدارس لا علاقة لها بالأديان: المسيحية واليهودية والإسلامية. كان لشيخ الأزهر رأي مؤيد للقرار الفرنسي بمنع الحجاب، بعد لقائه وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، فما هو موقفكم حيال ذلك؟ - نحن في فرنسا، ورأينا يجب أن يبقى في بيتنا، لا نقبل أن يعطينا أشخاص من الخارج رأيهم في أمورنا، "فأمرهم شورى بينهم"، نحن نعرف رأيه، والأزهر استقبلني بصفة أخوية، ولكن ليس هناك أي تدخل في أمورنا هنا في فرنسا. نحن نعيش هنا، والحال هنا هي الحال الإسلامية في فرنسا، رأي الأزهر سواء كان طيباً أو سيئاً، لا يؤثر بنا ولا في رأي المسلمين في فرنسا. الحجاب واجب إسلامي وقرآني، وهذا أمر ليس فيه شك، فهو أمر إلهي ولكن من ينفذه فهو حر ومن يرفضه فهو حر والحساب سيكون مع رب العالمين. ولكن إذا قررت الدولة عكس ذلك بأن تمنع الحجاب، فهنا نقول إن القانون سينفذ، فنحن مواطنون فرنسيون وننفذ قوانين فرنسا ونحترمها، وهذه هي الديموقراطية. هل للمجلس الذي تترأسون رأي موحد في موضوع الحجاب؟ - كلا، لا يوجد رأي موحد. بل هناك خلافات، فمنهم من هو مع القانون ومنهم من هو ضد القانون، ولكل منهم حججه ومنطقه. برأيكم، هل يؤكد هذا القرار أن المسلمين في فرنسا هم فعلاً من "الدرجة الثانية" كما قال الوزير ساركوزي؟ - المسلمون هم مواطنون من الدرجة الثانية، هذا أمر حقيقي وملموس، إنما بالطبع أولادنا ورجالنا هم من الدرجة الثانية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً... على كل المستويات. فأولادنا لا يعملون ولا يخدمون. نعم هناك تأخر وفجوة عميقة سياسة واقتصادية واجتماعية بين الفرنسيين والفرنسيين المسلمين. للأسف هذه هي أوضاع المسلمين في فرنسا، ولكن على المستوى الاجتماعي بدأنا منذ فترة قصيرة جداً نلمس تقدماً، والآن أولوية الأولويات هي العمل والخدمة. أنا شخصياً لا اعتقد بأن هذا القرار يؤكد ذلك، ولكن نحن نقبل بكل الأسباب المتعلقة بمنع الحجاب، ونحن نظن أن كل هذه المسائل الدينية ما هو إلا رد فعل على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا. ماذا سيكون رد فعل المجلس إذا صدر هذا القانون وأصبح قيد التنفيذ؟ - إذا صدر القانون طبعاً سينفذ، فنحن تحت القانون ولسنا فوقه، ولكن هذه أمور عبادة، فالناس كانت لهم الحرية، والآن نغلق الأبواب بوجه هذه الحرية، فهذا غير معقول، فهل الدولة العلمانية لها الحق بأن تتدخل في عقيدة الناس؟ إن حرية الإنسان في المعتقد معروفة ولا مكان للقوة هنا. فاستعمار الناس واستعمار الحقوق غير مقبول. إضافة إلى أن قانون منع الحجاب يجب أن يكون واضحاً، فأين سيكون هذا المنع؟ وكيف؟ في الصف؟ في حرم المدرسة؟ في الملعب؟ حتى 100 متر بعد بوابة المدرسة؟ وما هي العقوبة عند المخالفة؟ وإذا مُنع الحجاب، لماذا لا تستطيع الفتيات ارتداء البديل، مثل العصبات على الرأس، خصوصاً أن الفتيات، في ما يتعلق باللباس والمظهر الخارجي، لهن مخيلة واسعة جداً. لنفترض أن القانون صدر، فبرأيكم هل الفتيات المحجبات سيلتزمن خلع الحجاب؟ وماذا سيفعل المجلس لحل هذه المشكلة؟ - نحن لا نعرف ماذا سيحصل في المستقبل، لا استطيع التنبؤ من الآن، ولكن نحن تحت القانون ولسنا فوقه إذا صدر القانون، فنحن سنقوم بتنفيذه، فنحن مواطنون فرنسيون وعلينا تطبيق القانون والخضوع له