حوالى 3 آلاف حالة واكثر من 100 وفاة، واكثر من 17 بلداً هذه هي المعلومات الاخيرة حتى العاشر من الشهر الجاري المتعلقة بمرض التهاب الرئة القاتل الذي بات يشكل تهديداً صحياً للبشرية جمعاء كلهم في جميع انحاء الكرة الارضية حسب رئيس منظمة الصحة العالمية غروهارلم بروتلاند. وقد اصدرت المنظمة تحذيراً طارئاً للمسافرين خصوصاً الى البلدان التي اندلع فيها الالتهاب وهي الصينوهونغ كونغوفيتناموسنغافورة، واعلنت حال الطوارئ في مطارات العالم كلها لتطويق هذا الوباء الذي ينتشر وينتقل بسرعة عن طريق ركاب الطائرات، والدليل على ذلك الاعلان عن وجوده في اربع قارات، وقد تكون الخامسة على الطريق. وقصة التهاب الرئة القاتل بدأت في دهاليز احد مستشفيات هانوي في فيتنام في شهر شباط فبراير الماضي، حيث لاحظ الدكتور الايطالي كارلو اورباني مسؤول منظمة الصحة العالمية مظاهر غريبة على رجل اعمال اميركي أدخل المستشفى، فكان بذلك اول من يتعرف على المرض. والواقع ان المرض ظهر قبل ذلك بأشهر عدة في شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي في اقليم جوانغ دونغ جنوبالصين الا ان السلطات الصينية تجاهلت الموضوع وطلبت من الصحافيين عدم ذكر شيء عنه ومارست تعتيماً اعلامياً فاضحاً على وجود المرض ومدى انتشاره الى درجة انها منعت فريقاً من منظمة الصحة العالمية من زيارة الاقليم الذي تفشى فيه الداء للمرة الاولى بحجة ان السلطات الصحية تحكم قبضتها على المرض. وامام هذا اللف والدوران من قبل المسؤولين الصينيين المخالف للحقيقة والواقع، وجهت منظمة الصحة العالمية انتقادات عنيفة اليهم لاخفائهم الحقيقة ولاستهتارهم في الاعلان عن الاصابات لديهم. لكن الحكومة الصينية اضطرت مكرهة للاعتراف وقدمت اعتذارها الى الصينيين والعالم اجمع لتقاعس دوائرها وصحافتها عن قول الحقيقة، وهو اعتذار اقبح من ذنب. ولا شك في ان الحكومة الصينية مذنبة، فهي مسؤولة اولاً واخيراً عن انتشار التهاب الرئة القاتل، فهي حاولت السيطرة على الفيروس في الخفاء، لكنه أفلت من يديها وعاث في الارض فساداً. والمضحك المبكي ان وزير الصحة الصيني اعلن ان كل شيء على ما يرام في الصين. وان السفر اليها لا خطر منه داعياً الاجانب لزيارة البلاد من دون خوف ولا جزع وذلك في الوقت نفسه الذي اصدرت فيه منظمة الصحة العالمية تحذيراتها من خطر التوجه الى المناطق الموبوءة ومنها الصين. في السطور الآتية نحاول القاء آخر الاضواء على مرض التهاب الرئة القاتل الذي اثار الرعب في العالم، خصوصاً في المطارات والمستشفيات. ما هو مرض التهاب الرئة القاتل؟ - انه مرض جديد يسمى علمياً ب"متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد" Severe Acute Respiratory Syndrome ظهر للمرة الاولى في جنوبالصينوهونغ كونغوسنغافورةوفيتنام. وبعد ذلك ظهرت حالات مبعثرة هنا وهناك في العديد من البلدان، منها اسبانيا واستراليا وكندا والبرازيل وفرنسا وايطاليا وماليزيا ورومانيا وسويسرا وتايلندا والولاياتالمتحدة وايرلندا. ما سبب المرض؟ - هناك آلاف الباحثين الذين يعملون على قدم وساق للوقوف على السبب الفعلي للمرض وعلى رغم ذلك فهناك العديد من علامات الاستفهام حول اصل المتهم. كل الدلائل يشير الى ان المتهم هو فيروس ولكن حتى الآن لم يجمع العلماء على اعطاء هوية واحدة له، وبهذا الخصوص هناك فرضيات عدة، الاولى تقول ان المتهم فيروس ينتمي الى عائلة "باراميكسوفيردي" التي تشمل فيروسات معروفة مثل فيروس الحصبة وفيروس ابي كعيب، هذه الفرضية ينادي بها علماء هونغ كونغ. اما الفرضية الثانية التي يميل اليها علماء مركز الأمراض والوقاية في اتلانتا اميركا وعلماء معهد باستور الفرنسي، فتقول ان الفيروس يمت بقرابة الى عائلة "كورونا فيروس" CORONAVIRUS المسؤولة عن الرشح، فحسب هؤلاء فان الفيروس المسؤول عن الوباء هو فيروس جديد طرأت عليه تغيرات وراثية جعلت منه فيروساً شرساً يخرج عن نطاق المعروف. اما الفرضية الاخرى فتقول ان الفيروس قد يكون مصدره الحيوان بحيث حدثت فيه على الفيروس تبدلات مكّنته من القفز الى الانسان، وذلك على غرار فيروسات اخرى مثل فيروس "ايبولا" الذي جاء من القرد. ومن يدري فقد لا يكون هناك متهم واحد فقط بل متهمون! ما هي مظاهر المرض؟ - ارتفاع الحرارة اكثر من 38 درجة مئوية. - السعال الجاف. - صعوبة التنفس. - عوارض اخرى مثل: الارتعاش، التعب العام، الصداع، نقص الشهية على الطعام، الدوخة، اندفاعات جلدية، الاسهال. ان العوارض والعلامات المذكورة آنفاً ليست نوعية ولكن قد تتبعها في بعض الحالات صعوبة واضحة في التنفس الامر الذي قد يحتاج الى دعم اصحابها بالتنفس الاصطناعي. كيف ينتقل المرض؟ - وفقاً لخبراء منظمة الصحة العالمية، فإن التهاب الرئة القاتل ينتقل من شخص الى آخر بشكل مباشر عن طريق استنشاق الرذاذ الملوّث الذي ينفثه المصاب بالعطاس والسعال. أيضاً هناك دلائل تشير الى أن الفيروس المسبب قد يطال الناس بشكل غير مباشر لأنه قادر على البقاء حياً لمدة 3 الى 6 ساعات، من هنا امكان انتشاره عن طريق الرذاذ والمفرزات العالقة بالأشياء العادية التي نلمسها يومياً سماعة التلفون، قبضة الباب وغيرهما، وهناك من الخبراء من لا يستبعد انتقال الفيروس بالهواء وهذا ما يجعله اكثر قابلية للانتشار. ومن باب العلم بالشيء فإن الالتهاب يمكن أن يأتي من أشخاص حاملين للفيروس وذلك على رغم عدم معاناتهم من أي عارض أو علامة تشير الى اصابتهم بالمرض. من هم الأكثر تعرضاً لخطر الاصابة بالمرض؟ - أكثر الأشخاص التقاطاً لالتهاب الرئة القاتل هم أولئك الذين على تماس مباشر مع المصاب، أي الأطباء والعاملون الصحيون والأقرباء، والدليل على ذلك ان الطبيب الايطالي أورباني مكتشف المرض ومساعده الدكتور الفرنسي اضافة الى الممرضة التي أشرفت على العناية، كلهم انتقلوا الى العالم الآخر لاصابتهم بالالتهاب الذي انتقل اليهم من رجل الأعمال الأميركي الذي كانوا على تماس مباشر معه. ما هو علاج المرض؟ - ليس هناك أي علاج نوعي فعال ضد التهاب الرئة القاتل، ومع ذلك فإن بعض الأطباء ينصح باعطاء مضادات الفيروس المعروفة مثل ريبافيرين. ويقول طبيب من هونغ كونغ ان بعض مرضاه استفاد من مصل مأخوذ من مرضى اصيبوا سابقاً بالتهاب الرئة وتماثلوا للشفاء منه. في كل الأحوال ان العلاج الأساسي للمرض يقوم على تحسين حالة المصاب ودعمه بالاوكسيجين عند اللزوم. ان الحجر الصحي على المريض أو على المشتبه به أمر اجباري حتى شفاء المريض أو اثبات براءة المشتبه به. وعلى المصاب ان يستعمل الكمامة وكذلك الأشخاص الذين على تماس مباشر معه من أجل الحد من انتقال المرض وانتشاره. ما هي خطورة المرض؟ - ان التهاب الرئة الفيروسي مرض خطير لأنه يسبب الوفاة في 3 الى 5 في المئة من المصابين. ما هي سرعة انتشار العدوى بالمرض؟ - وفقاً لخبراء منظمة الصحة العالمية فإن العدوى بفيروس التهاب الرئة القاتل هي أقل من العدوى بفيروس الكريب، وهو ليس معدياً اذا تم اتخاذ الخطوات الصحية الضرورية للوقاية منه. ويؤكد المسؤولون الصحيون في هونغ كونغ ان الفيروس يقتل بسهولة بالماء أو بماء جافيل. هل يوجد لقاح ضد المرض؟ - لم تتحدد بعد هوية الفيروس المسبب بدقة، وحتى لو استطاع العلماء التوصل الى ذلك فهم يحتاجون الى سنوات عدة لايجاد اللقاح اللازم. كيف يتم تشخيص المرض؟ - ان التشخيص الأول لالتهاب الرئة يقوم على توافر الشروط الآتية: 1- اذا كان الشخص قادماً من احدى المناطق الموبوءة بالمرض. 2- اذا كان الشخص على تماس مع آخر يعاني من المرض. 3- اذا كان الشخص آتياً من مستشفى أو شركة أو مؤسسة أشيع عن وجود اصابات فيها. 4- اذا كان المريض يعاني من عوارض الحمى وضيق التنفس والسعال واللهاث. 5- اذا كانت صورة الصدر تدل على وجود علامات التهابية. يقال ان هناك حالة مشتبه بها وأخرى محتملة، فما الفارق بينهما؟ - الشخص المشتبه باصابته بالتهاب الرئة القاتل هو الشخص الذي يتوافر لديه أحد شرطين: الأول: المعاناة من الحمى اضافة الى واحد أو أكثر من العوارض التنفسية التالية مثل: السعال، اللهاث، صعوبة التنفس، وذلك في الأيام العشرة الأولى التي تلت رجوعه من منطقة يعج فيها المرض. الثاني: الاحتكاك المباشر بشخص مصاب أو محتمل اصابته خلال الأيام العشرة التي أعقبت التماس المباشر معه. - أما بالنسبة الى الشخص المحتمل اصابته بالمرض فهو يشبه الشخص المشكوك بإصابته، إلا ان العوارض تكون اشد وأدهى، وفي بعض الحالات تبدي صورة الرئة بالأشعة علامات التهابية غير نموذجية. أخيراً، يبدو ان الفيروس المسبب للالتهاب ينتقل عن طريق الصراصير حسب مديرية الصحة في هونغ كونغ. فالصراصير نشرت المرض من مبنى الى آخر بانتقالها في التمديدات الصحية التي تربط الأحياء السكنية ببعضها بعضاً. اذاً يجب على كل شخص ان يضع في ذهنه ان التهاب الرئة القاتل ينتقل بالرذاذ والسعال والعطاس والتماس المباشر... وبالصراصير ايضاً محطات في مسيرة التهاب الرئة في 16 تشرين الثاني نوفمبر 2002 ظهرت الإصابة الأولى بالتهاب الرئة القاتل في اقليم جوانغ دونغ جنوبالصين، واشتبه الاطباء بانتقال المرض من الحيوان الى الانسان. في 11 شباط فبراير 2003 شهدت الصين تزايداً ملحوظاً في عدد الإصابات الى درجة ان القنصل الفرنسي في مقاطعة كانتون أمر بإغلاق المدرسة الفرنسية حتى اشعار آخر. في 26 شباط أعلن رسمياً عن أول حالة بالتهاب الرئة القاتل في مستشفى هانوي من دون ان يعرف شيء عن السبب المؤدي اليه. في 12 آذار مارس كشف النقاب عن 42 اصابة بالتهاب الرئة القاتل في مستشفى هانوي. المريض الأول الذي تم التعرف على المرض لديه رجل اعمال اميركي نقل الى هونغ كونغ حيث لاقى حتفه، اثر ذلك سارعت منظمة الصحة العالمية الى اصدار تحذير طارئ يتعلق بالمرض الذي اطلق عليه اسم متلازمة الإلتهاب التنفسي الحاد. في 15 آذار، تم اكتشاف مئة حالة في هونغ كونغ، و16 حالة في سنغافورة و7 حالات في كندا. اثنان منهم فارقوا الحياة. في 19 آذار أعلن علماء من هونغ كونغ ان الفيروس قد يكون سبب المرض وأنه ينتمي الى عائلة الفيروسات "باراميكسوفيروس". في 21 آذار وصل عدد الإصابات في هونغ كونغ الى 165 حالة. في 23 آذار سجل الفرنسيون أول اصابة بالتهاب الرئة القاتل لدى طبيب عمل في مستشفى هانوي. في 23 آذار ارتفع عدد الإصابات في هونغ كونغ بشكل لافت ليصل الى 242 حالة. في 24 آذار أعلن الباحثون في مركز مراقبة الأمراض والوقاية في ولاية اتلانتا الاميركية عن توصلهم الى معرفة الفيروس المسبب للالتهاب وقالوا انه ينتمي الى عائلة الفيروسات المعروفة باسم "كورونا فيروس" خلافاً لرأي الباحثين في هونغ كونغ الذين رجحوا كفة انتساب الفيروس الى عائلة "باراميكسوفيروس". في 27 آذار نشرت المعلومات المتعلقة بالتهاب الرئة في مقاطعة كانتون الصينية: 800 حالة و34 وفاة، وفي اليوم نفسه احصت الولاياتالمتحدة 51 حالة، وتايلندا 4 حالات وتايوان 6 حالات. في 30 آذار، سجلت منظمة الصحة العالمية 1600 حالة و58 وفاة من بينها الدكتور الايطالي كارلو أورباني مكتشف الالتهاب. في 1 نيسان ابريل 2003 استطاع شخص واحد مصاب بالتهاب الرئة ان ينقل المرض الى عشرات آخرين يقطنون في المبنى نفسه في هونغ كونغ، ما جعل الباحثين يغيرون نظرتهم حول آلية انتشار الفيروس، فهو على ما يبدو ينتقل بسهولة اكثر مما توقعها العلماء. في 2 نيسان سمحت السلطات الصينية لوفد من منظمة الصحة العالمية بالدخول الى مقاطعة كانتون معقل المرض. في 4 نيسان قفز عدد الإصابات الى 2353 حالة و84 وفاة شملت 16 بلداً. في 7 نيسان وصل عدد الاصابات الى 2601 حالة و98 وفاة وامتد الوباء الى 17 بلداً. وحتى كتابة هذه السطور، فإن عدد حالات التهاب الرئة القاتل تجاوز 2600 حالة، وعدد الوفيات بسببه تخطى عتبة المئة، والتقديرات المتشائمة تتوقع ان ربع سكان الكرة الأرضية سيلتقطون المرض. فلنرفع ايدينا الى الله كي يذهب الوباء الى غير رجعة ولتسقط تقديرات المتشائمين