أصبحت أسواق النخاسة وتجارة الرقيق الأبيض، من بين أكثر "المهن" رواجاً في منطقة البلقان، اثر التصاعد السريع الذي عرفته خلال السنوات العشر الأخيرة، ويعود ذلك لأسباب عدة منها: التدهور الاقتصادي نتيجة الخصخصة الارتجالية السريعة التي أحدثت خللاً كبيراً في الانتقال من اقتصاد مركزي مخطط له الى اقتصاد السوق، ما أثار فوضى أدت الى فقدان نسبة كبيرة من العاملين، خصوصاً النساء، لوظائفهم وتقلص مجالات العمل المتوافرة للجيل الجديد وتوقف المساعدات الاجتماعية للعاطلين عن العمل. المآسي الحاصلة عن تفكك العلاقات الاجتماعية والأسرية وكثرة الطلاق وانتشار المعاشرة الوقتية بدلاً من الزواج، نتيجة الحروب والصراعات العرقية والتشرد والمصاعب المالية. الانهيار المفاجئ للأنظمة القائمة وما أسفر عنه من ضعف السلطات الحكومية وفسادها وعدم اهتمامها بالقوانين والتقاليد والمتطلبات الشعبية المستقبلية. الوجود الكبير للأجانب القادرين على دفع "ثمن المتعة" في المنطقة، وبينهم العسكريون الدوليون الذين يملكون الحصانة من أي اعتقال او ملاحقة قضائية محلية، ما ساهم في تفشي "البغاء" بأشكال مختلفة. وعلى رغم المواضيع اليومية التي تنشرها وسائل الاعلام حول الحوادث الخطيرة عن شيوع الدعارة وتجارة الرقيق الأبيض، او ما تطلق عليه "بيع الأجساد وتبييض الأعراض" الا ان هذه الوسائل، وبما فيها الصحف السياسية والحزبية، فإنها في الوقت نفسه، تشجع هذه الظاهرة وتساعد على الانزلاق فيها، من خلال استغلالها عدم وجود ضوابط وقوانين تحد من التمادي في نشر صور فاضحة لكلا الجنسين، وبشكل لافت من الألوان والمكان البارز والحجم الكبير وكأنها تشير الى ان هذه الصور ضرورية لها بعدما أصبحت تقليداً متبعاً كاحدى وسائل المنافسة في كسب القراء، وان رواجها يعتمد على الجنس غير المقيد الذي صار يعم المجتمعات البلقانية ويسيطر على اهتماماتها الحياتية. وتعج الصحف البلقانية، بالاعلانات المرفقة بصور صارخة لمحلات "تسهيل العلاقات الجنسية" و"ممارسة الجنس عبر - ما يسمونه - الخطوط الهاتفية الساخنة" ناهيك عن الأفلام والبرامج الجنسية التي تعرضها التلفزيونات المحلية من دون التقيد بالوقت، ليلاً ونهاراً. ويبدو القضاء في البلقان وكأنه غير معني بهذه الجرائم، ونادراً جداً ما ينظر في قضية تخص الدعارة والاتجار بالرقيق الأبيض، واذا ما حصل ذلك، فإنها لن تتعلق أساساً بها، وانما تكون بسبب حوادث جرمية أخرى ناتجة عنها، مثل المشاجرات والقتل واستخدام السلاح وتزوير الجوازات وتأشيرات الدخول والاعتداء على فتيات بأدلة وشهود. المحطة المقدونية ينتشر البغاء بشكل شبه علني في مقدونيا، اذ ان من بين ما نشرته الصحف عن ذلك، ان وكالة سياحية أبرمت اتفاقاً مع شركة سويسرية، تقوم الوكالة المقدونية بتوفير 30 فتاة بين أعمار 19 - 35 سنة، بحسب أوصاف تم الاتفاق عليها، بينها إجادة اللغتين الانكليزية والألمانية "مستعدات لتوفير الخدمات المتنوعة التي يريدها السياح السويسريون". وأصدرت الشركة السويسرية - بناء على الاتفاق - اعلاناً بعنوان "استراحة جنسية" أوضحت فيه ان "الفتيات اللواتي توفرهن الوكالة المقدونية، يمكن تبديلهن يومياً". وحسب المعلومات التي تنشرها الصحف المقدونية، فإن شبكات واسعة تنتشر امتداداً من روسيا الى بلدان أوروبا الشرقية ووصولاً الى منطقة البلقان، تتولى مهمة اغراء الفتيات لولوج ميدان "العمل بأجور جيدة" في البلقان، وغالبيتهن من مولدافيا ورومانياوروسيا وروسيا البيضاء وبلدان اخرى تمتد من بلغاريا الى البوسنة. وتتم الطريقة الرئيسية للحصول على الفتيات، من خلال مكاتب تشغيل وشركات خدمات ووكالات سياحة لها ارتباطات بأشخاص مؤثرين في الأجهزة الحكومية، او عن طريق نشر اعلانات "مغرية" في وسائل الاعلام تطلب فتيات بمواصفات معينة للعمل في دول أوروبية، خادمات في البيوت او مربيات أطفال او عاملات في المطاعم، ويجري نقلهن الى احدى المحطات الرئيسية وغالباً ما تكون مقدونيا، ويتم تشغيلهن فيها او في كوسوفو والبوسنة، حيث تنتشر محلات البغاء من فنادق ومطاعم ونوادٍ ليلية وعلب ليل، بسبب العدد الكبير من الجنود والموظفين الدوليين، اضافة الى بروز طبقات محلية "غير اخلاقية" اكتسبت الثراء الفاحش والنفوذ الكبير بسبب الحروب التي وقعت في البلقان. ففي قرية "فيليستا" المقدونية قرب الحدود مع ألبانيا وحدها 12 محلاً للبغاء. والبلدة من الأمثلة على مدى كثرة هذه المحلات وعملها الوفير. وتقول مصادر الشرطة، انه بالنظر الى العدد الكبير لهذه الفتيات، الزائد عن حاجة منطقة البلقان، فإنه يجري تزويد بلدان أوروبية غربية بالآلاف منهن، بوسائل رتبتها شبكات تجارة الرقيق الأبيض في ألبانيا والجبل الأسود وهنغاريا وكرواتيا وسلوفينيا. وبشكل عام تأخذ الشبكات جوازات سفر الفتيات عند وصولهن الى المناطق التي يتم تشغيلهن فيها. لقد أدت الفضائح التي انتشرت حول ارغام الفتيات على ممارسة الدعارة والاعتداء عليهن، الى تحركات المهتمين بحقوق الانسان وبالقضايا الانسانية، فتشكلت هيئات لمساعدة الراغبات منهن للتخلص من معاناتهن، ومنها "اللجنة الانسانية لإنقاذ الفتيات المرغمات على الدعارة" التي ترأسها المحامية المقدونية ناتاشا كربينوسكا التي تحدثت الى "الوسط"، فقالت ان "غالبية هؤلاء الفتيات بين 17 - 20 سنة، وتم شراؤهن لمدة سنة بمبلغ يتراوح بين ألف وثلاثة آلاف دولار، دفع لهن من أجل الاغراء كأجر سنوي ومتطلبات السفر، على أساس العمل كخادمات في البيوت والمطاعم. وبالنسبة الى مقدونيا فإنهن أرغمن على الدعارة، اما في المدن الرئيسية وضواحيها والمناطق الألبانية، او المنتجعات السياحية، خصوصاً "اوخريد" و"ستروغا" حيث تعمل أكثر من ألفي فتاة أجنبية، اضافة الى آلاف المحليات، والأرقام في زيادة متواصلة". وأشارت الى ان مهمة الهيئة التي ترأسها تتركز في تعقيب ما يتسرب من أخبار هؤلاء الفتيات وتسجيلها في قضايا لدى الشرطة وتعقيبها بمتابعة محامين، حيث تم انقاذ العشرات منهن واعادتهن الى بلدانهن. وتتعرض هؤلاء الفتيات الى صنوف الاستغلال، فقبل فترة أرغم جنود ألمان في القوات الدولية فتاة بلغارية 16 سنة بالاتفاق مع صاحب بيت دعارة تعمل فيه في مدينة تيتوفو غرب مقدونيا، على القبول بتصويرها في أشرطة "فيديو" اثناء عمليات جنسية، وتم بيع الأشرطة في أوروبا. شهادات مأسوية لقد نشرت الصحف المحلية المئات من شهادات "العاهرات" التي تظهر فداحة المأساة التي وقعن فيها، من بينها: تانيا 24 سنة من مولدافيا، ذكرت انها غادرت بلادها هرباً من الفقر قبل سنة ونصف السنة، بمساعدة امرأة تدعى نينا كيسينوف، وعدتها بالعمل في ايطاليا، لكن ذلك لم يحصل حيث أرغمت على البقاء أولاً في بلغراد لدى رجل كانت في شقته أربع فتيات أخريات للدعارة، وبيعت عشر مرات وكأنها "سلعة"، بين الحانات ومحلات الدعارة مع فتيات أخريات، حتى وصلت الى مقدونيا، قبل ان تتمكن من الهرب والوصول الى سكوبيا، وقالت: "كنا نتعرض طوال الوقت للضرب والاهانة والاذلال وعبارات مثل "لا تنسوا أنكن مجرد عاهرات" أمام الزبائن، وبينهم جنود ألمان من حلف شمال الأطلسي". وأفادت مولدافية أخرى تدعى إيفا انها كانت تعمل مع زميلة لها في حانة يسمونها "شي رامي" قرب غوستيفار غرب مقدونيا وتمكنتا من الهرب إثر معركة بين مسلحين داخل الحانة بعد منتصف الليل، وتقول "اغتنمنا البلبلة التي حصلت وهربنا الى مركز للشرطة المقدونية وطلبنا نقلنا الى سكوبيا". أما أولغا 20 سنة من أوكرانيا، فلها قصة طويلة تقول فيها: "لي طفلان تركتهما لدى الأقارب، بعدما أغراني وسطاء بالعمل خادمة في اليونان، لكن عند وصولي الى مقدونيا أخذني مرافقي الى منتجع "ستروغا" حيث سلمني مع جواز سفري الى شخص حجزني في بيت وأرغمني على العمل عاهرة، واستمريت على ذلك ثلاثة أشهر حتى استطعت الهروب من دون جواز سفري او أي مكافأة من آلاف الدولارات التي حصل عليها ذلك الشخص من خلال العمل الذي أرغمني عليه". وتعتبر الأوكرانية ماغدالينا ايدونيك 19 سنة نفسها محظوظة بالنسبة الى غيرها، وتقول: "لأن الذي يملكني كان طيباً، فقد دفع لي بانتظام ثلث 20 دولاراً ما يدفعه الزبون 60 دولاراً عن كل ساعة متعة معي". واستناداً الى صحيفة "دنيفنيك" الصادرة في سكوبيا، فإنه "يمكن بسهولة الحصول على فتاة حسب الطلب، حتى بعمر أقل من 15 سنة، في مقدونيا، حيث يتجول القوادون المراهقون بين الفنادق والمقاهي والمحلات التي يرتادها الأجانب، خصوصاً من الجنود الدوليين، ويعرضون صور الفتيات ليختار الأجنبي ما يناسب مزاجه". وازاء هذا الوضع اقترح نواب في البرلمان المقدوني انشاء "بيوت بغاء" في انحاء مقدونيا، تكون تحت رقابة أمنية وصحية، لكن الاقتراح لم يجد دعماً من غالبية النواب، الذين اعتبروه "صعب التحقيق عملياً وغير مجد في الحد من الانتشار الواسع للدعارة في الظروف الراهنة". ولا تخفي الإدارة الدولية لكوسوفو، ان البغاء منتشر "بشكل فظيع" في أنحاء الاقليم، بحيث أصبح "المهنة الرئيسية" التي يزداد عدد العاملين فيها وتتفاقم أسواقها باستمرار. واستناداً الى الشرطة الدولية في كوسوفو، فإن الصرب والألبان "لا يهتمون بصراعاتهم العرقية عندما يزاولون الدعارة" وأن المدخول الشهري للقواد الواحد قد يصل الى 40 ألف دولار "اذا كان عمر فتاته أقل من 18 سنة واذا كانت جميلة ومرحة في التعامل مع الزبائن". وحاول مسؤول الإدارة الدولية في كوسوفو، الألماني ميخايل شتاينر، بعد تسلمه منصبه مطلع العام الحالي، مكافحة الدعارة في الاقليم، فأصدر قرارات بتشكيل فرق خاصة من الشرطة الدولية لملاحقة سماسرة الرقيق الأبيض واحالتهم الى القضاء، وتم احتجاز حوالي 120 فتاة أجنبية، لكن الحملة لم تستطع تحقيق سوى جزءٍ يسير من هدفها، لأن المستفيدين من الدعارة هددوا بقتل الصحافيين والأشخاص الذين ينشرون او يقدمون معلومات للجهات الدولية التي تتولى مكافحة الدعارة. ويبدو ان سبب هذا الفشل يعود، أيضاً، الى ان الجنود والموظفين الدوليين في كوسوفو، أنفسهم متورطون في تجارة البغاء، الى حد ان رئيس العرفاء الأميركي في قوات "كفور" فرانك رونجي ثبت ارتكابه عمليات اغتصاب وقتل وتشويه الفتاة الألبانية ميريته شابيو 11 سنة ولأنه أميركي يتمتع بحصانة خاصة تحول دون اعتقاله ومحاكمته في كوسوفو، جرى تسليمه الى الولاياتالمتحدة لتتولى هي أمره حسب قوانينها. صار شائعاً في كوسوفو، خصوصاً بين الألبانيات، ما يعرف باتفاق "تأجير الرحم" بواسطة جنود أوروبيين يمارسون الجنس معهن ويبيعون المولود الى الراغبين بالتبني في الدول الأوروبية. وتصف الروسية آنا 19 سنة الجماعات الألبانية الضالعة في البغاء في كوسوفو بأنها "شرسة جداً"، لأن طريقة ترويضها الشابات تتسم بالعبودية والوحشية، اذ يتعمد أفرادها اغتصاب الفتيات وضربهن مرات عدة يومياً لفترة قد تدوم شهراً، من أجل ارغامهن على الخضوع الكامل للقواد وتنفيذ كل ما يطلب منهن، واذا ظهر اصرار من احداهن على التمرد على الأوامر فيتم بتر أحد أعضائها أولاً، وإذا لم يؤد ذلك الى خضوعها فإنها تقتل أمام أعين زميلاتها لتكون عبرة لهن. يوجد في بلغراد أكثر من 50 وكالة مسجلة لغايات متنوعة، لكنها في الحقيقة تركز عملها في ميدان البغاء الذي يوفر لها موارد أكثر من أي عمليات تجارية أخرى. وتقدر الناشطة في حقوق المرأة الصربية ييليتسا راياتشيتش عدد العاهرات "المكشوفات" في صربيا بحوالي عشرة آلاف فتاة محلية، بينهن طالبات في الدراسة المتوسطة وما فوق، عدا العاهرات الأجنبيات. وأوضحت ان الدعارة "تكاد تكون حرة" في صربيا، لعدم وجود قانون يكافح هذه "المهنة" اذ كان صدر قانون "مؤثر الى حد ما" أواخر أيام النظام الاشتراكي، لكن مع التحولات الديموقراطية جرى اهماله، من الشرطة والقضاء معاً، على أساس انه "لا يحق لأي جهة في الأنظمة الديموقراطية ان تمنع شخصاً من ممارسة الجنس اذا كان الطرفان القائمان بالعملية موافقين عليها، او لا يوجد من يرفع قضية ذات مخالفات جنائية في شأنها، وهذا يتطلب اثباتات وشهوداً من الصعب توافرها". ويقول وزير الداخلية الصربي دوشان ميخائيلوفيتش ان الحكومة ترى "ان الوقت لا يزال غير مناسب لإصدار قانون بخصوص الدعارة". وتعج الفنادق والمرافق والمنتجعات السياحية الواقعة على ساحل جمهورية الجبل الأسود على البحر الأدرياتيكي ببنات الهوى، الى حد ان ادارات السياحة في الجمهورية لا تخفي ان "فتيات الحب والترفيه، يمثلن جانباً مهماً في تدفق السياح على المنطقة، ويشكلن أيضاً مورداً مالياً مهماً يزيد من دخل السياحة الذي هو المجال الاقتصادي الرئيسي للجبل الأسود". واللافت ان "أماكن البغاء" موجودة خلال الليل في أي حديقة كثيفة الأشجار في بلغراد او منتجعات الجبل الأسود، حيث تجلس الفتيات في مواقع معروفة بشكل دائم، ولا وجود للشرطة في هذه الحدائق التي يبدو انها غير معنية بما يجري فيها. البوسنة مثالية تعتبر البوسنة "أعرق" مناطق الدعارة الحديثة في البلقان، نظراً الى الفترة الطويلة التي استغرقتها حربها، وعدم قيام سلطة محلية موحدة وقوية فيها منذ 11 عاماً، ما جعلها مكاناً "مثالياً" لازدهار عصابات الجريمة المنظمة خصوصاً تجارة الرقيق الأبيض. وتنتشر النوادي الليلية ومحلات الدعارة في أنحاء البوسنة، ففي ساراييفو وحدها عشرة منها، وجميع العاملات فيها من غير البوسنيات، اللاتي جرى شراؤهن لفترة معينة او يتم تشغيلهن بأجر زهيد، ونقلت صحيفة "فيتشر" المقدونية عن مصادر بوسنية انه "يوجد في البوسنة اكثر من 10 آلاف عاهرة أجنبية ومحلية معروفة". وتهتم الصحف البوسنية بنشر أخبار ما يجري في هذه المحلات من أمور غير قانونية وحوادث مأسوية، فتقول ألونا 23 سنة من رومانيا: "كنت أعمل نادلة في بلغراد، وأغراني أحد الأشخاص بعمل مماثل براتب أكبر في البوسنة ووافقت على عرضه، وأخذني ذلك الشخص مع زميلتين لي الى مبنى صغير في غابة في البوسنة، وعلمنا اننا وقعنا في الفخ ولكن بعد فوات الأوان. وكانت البداية ان أخذ صاحب المبنى جوازات سفرنا، ثم أمرنا بخلع ملابسنا باستثناء الداخلية منها، قائلاً: "يجب ان تجالسوا الزبائن بهذا الوضع". وعندما اعترضنا بأن الاتفاق هو ان نعمل نادلات، ضربنا وهددنا بالموت، وبقينا على هذه الحال ثلاثة أشهر حتى تمكنا من التسلل أثناء غياب صاحب المبنى ووصلنا الى مركز للشرطة وأبلغناه بحالنا، وطلبنا ترحيلنا الى بلغراد". ورغم وجود تعتيم اعلامي محلي على كل يتعلق بالمسؤولين والقوات الدولية في البوسنة، باستثناء ما تقدمه وتسمح به جهاتهم الاعلامية، فإن المعروف والشائع ان أحد الأسباب الرئيسية للبغاء يعود الى الوجود الدولي، ليس فقط في النوادي والمحلات، وانما ايضاً لعلاقات أقامتها مجموعات من أفراد القوات الدولية مع أشخاص بوسنيين لتوفير الفتيات لها. ومما انكشف عن هذه المجموعات، عن قيام جنود في قوات حفظ السلام سفور من وحدات ايطالية وبرتغالية وفرنسية مرابطة في ساراييفو، باستخدام فتيات بوسنيات تقل أعمارهن عن 18 سنة، من خلال عصابة بوسنية اسمها "زانيار". ألبانيا تقول دراسة أعدتها جمعية انسانية ترأسها الناشطة الألبانية في حقوق الانسان سيفيم ارباما، ان أكثر من 14 ألف ألبانية يعملن غانيات في بلدان أوروبية، وأن ما بين 30 و40 في المئة منهن جرى خطفهن بوسائل مختلفة من قبل عصابات الرقيق الأبيض، وأجبرن على هذه الممارسة في الخارج، وان حوالي نصفهن قاصرات. وأحصت الجمعية ما بين 8 - 9 آلاف غانية ألبانية في ايطاليا وأكثر من خمسة آلاف في اليونان و250 في النمسا وحوالي 200 في فرنسا، اضافة الى عدد آخر من الغانيات الألبانيات في ألمانيا وبريطانيا وسويسرا وبلدان أوروبية أخرى. ويبدو ان هذا الوضع سيتواصل، اذ نوقشت اخيراً في البرلمان الألباني مسألة تجارة الرقيق الأبيض، واتهم مسؤولون كبار بالضلوع فيها، بينهم المدعي العام للدولة أربين رقيبي، الذي قدمت معلومات ضده تفيد انه "شارك في بيع نحو 30 ألف شابة ألبانية الى شبكات الدعارة الأوروبية، وغرق ما لا يقل عن 400 منهن في مياه البحر الأدرياتيكي أثناء تهريبهن الى ايطاليا في طريقهن الى بلدان أوروبية أخرى". وتفيد تقارير نشرت في تموز يوليو الماضي، ان مسؤولين في الأممالمتحدة ومنظمة التعاون والأمن في أوروبا، أكدوا، ان دول الاتحاد الأوروبي تتحمل جزءاً من المسؤولية في "العبودية الحديثة" التي تذهب ضحيتها عشرات الآلاف من النساء اللواتي يلقى بهن في براثن الدعارة عبر دول البلقان. وتشكل ايطاليا مثالاً لتجارة الرقيق الأبيض، اذ تشير معلومات الى ان "جماعات اجرامية منظمة"، غالبية أفرادها من الألبان، أجبرت آلاف الفتيات من منطقة البلقان وأوروبا الشرقية، اللواتي تم تهريبهن بطرق غير قانونية بحراً، على ممارسة البغاء في نوادي الجنس وعلب الليل والبيوت الخاصة والشوارع ومراكب تتحرك بين الموانئ والجزر الايطالية. وتقدر السلطات عدد الأجنبيات العاملات في الدعارة في ايطاليا بنحو 40 ألف فتاة، وتحصل الشبكات منهن على دخل بحوالي 200 مليون دولار شهرياً. ونقل برنامج تلفزيوني ايطالي، يقدمه الصحافي اينزو بياجي، عن مرغمات على الدعارة انه "توجد مجموعات من الأثرياء الأميركيين تشتري غلماناً وفتيات تتراوح أعمارهم بين 9 - 12 سنة، بهدف ممارسة الجنس معهم وتغذية سوق دعارة القاصرين في أوروبا وأميركا، بعد الاستغناء عن خدماتهم". ومعلوم ان تقديرات الأممالمتحدة تشير الى ان الأرباح التي تجنى من تجارة الرقيق الأبيض في العالم تصل الى 12 بليون دولار سنوياً، وان هذه التجارة في ازدهار متواصل أرقام دولية يبلغ عدد الفقراء في العالم 2.1 بليون شخص، 70 في المئة منهم، من النساء اللواتي لا يتلقين أي مساعدة اجتماعية. وتشير الاحصاءات الى ان خمسة في المئة فقط من النساء اللواتي يمارسن الدعارة، امتهنها طوعاً، وان 95 في المئة الباقي جرى اجبارهن عليها. ويقول تقرير لوزارة الخارجية الأميركية صدر في حزيران يونيو الماضي، ان ما يصل الى 4 ملايين شخص جرى شراؤهم وبيعهم العام 2001. وذكرت الوزارة انه "في هذا الشكل الجديد من الرق المعروف باسم "تجارة البشر" يستخدم "المهربون التجار" التهديد والارهاب والعنف لإجبار الضحايا على القيام بممارسات جنسية "لامداد شبكات الدعارة الدولية والسياحة القائمة على الجنس والخدمات الجنسية التجارية اضافة الى العمل القسري". وبحسب الشرطة الدولية الانتربول فإن كل واحدة من الرقيق الأبيض في البلقان، تدر على زعيم شبكة العصابة حوالي 12 ألف دولار شهرياً. ويقدر مراقبون ان 200 ألف امرأة وفتاة يتم تهريبهن من جنوب شرقي أوروبا وشرقها كل عام، نصفهن تقريباً من روسيا، وترسل حوالي 150 ألفاً منهن الى دول أوروبا الغربية و50 ألف الى الولاياتالمتحدة، الا ان نشطاء في منظمات حقوق الانسان يرون ان هذه الأعداد لا تظهر الحقيقة كاملة، لأن غالبية النساء يفضلن الصمت وعدم الاعلان عن مأساتهن. وتفيد التقارير الدولية ان أكثر من 700 ألف طفل هم حالياً سلعة تجارية عبر العالم، ويستخدم معظمهم لأغراض جنسية. وتبذل جمعيات حقوق الانسان في دول البلقان وأوروبا الشرقية، أنشطة جماهيرية وإعلامية "لتحذير النساء، خصوصاً الشابات، من مخاطر الوقوع في براثن الرق والعبودية الجنسية والتحول الى عاهرات بالسخرة من خلال ايهامهن بالعمل السهل المريح". ففي روسيا، مثلاً، ترأست الناشطة فالنتينا جورجاكوفا تجمعاً مكوناً من 43 جمعية نسائية "يسعى الى زيادة الوعي عند الروسيات، خصوصاً الفقيرات جداً القادمات الى المدن من الأرياف، ووضعهن في اطار الحقائق الفعلية لتجنب الوقوع في مكائد قوادين ومهربين بوعود جذابة مخادعة، يستغلون سذاجتهن وجهلهن بنوعية المخاطر التي يمكن ان يجرجرن اليها". وتعترف المشاركات في هذه الحملة الروسية، بأن المبادرة "لن تمنع استمرار ظاهرة استرقاق النساء، لأسباب معقدة، لكنها يمكن ان تسهم في جعل الروسيات أكثر وعياً للتفكير في الوعود التي تقدم، حول أعمال وهمية غير واضحة الحقائق لهن".