رحلة نفسيّة في السفر الجوّي    العمل عن بُعد في المستقبل!    العلاقات السعودية الأمريكية.. استثمار 100 عام!    أميركا خارج اتفاقية «باريس للمناخ»    السواحه: المملكة تقود التحول نحو اقتصاد الابتكار بإنجازات نوعية في الذكاء الاصطناعي والتقنية    ما أحسنّي ضيف وما أخسّني مضيّف    السياسة وعلم النفس!    غزة.. لم يتبق شيء    رئاسة على صفيح ساخن:هل ينجح جوزيف عون في إنقاذ لبنان    "خالد بن سلطان الفيصل" يشارك في رالي حائل 2025    كل التساؤلات تستهدف الهلال!    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    الثنائية تطاردنا    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    تمديد فترة استقبال المشاركات في معسكر الابتكار الإعلامي «Saudi MIB» حتى 1 فبراير 2025    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    نقل العلوم والمعرفة والحضارات    خلال زيارته الرسمية.. وزير الخارجية يلتقي عدداً من القيادات اللبنانية    وزير الخارجية يلتقي رئيس وزراء لبنان المكلف    قرار في الهلال بشأن عروض تمبكتي    «حرس الحدود» بجازان ينقذ مواطناً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح المؤتمر الدولي ال 12 لتطبيقات الإشعاع والنظائر المشعة الأحد القادم    مانشستر سيتي: مرموش كان بمقدوره تمثيل منتخب كندا ويعتبر محمد صلاح قدوته    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    نائب وزير البيئة والمياه والزراعة يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته ل4 سنوات    سرد على شذى عطر أزرق بمقهى "أسمار" الشريك الأدبي في أحد المسارحة    «حرس الحدود» بعسير يحبط تهريب 795 كيلوغراماً من القات    هيئة الفروسية تناقش مستقبل البولو مع رئيس الاتحاد الدولي    فعالية "اِلتِقاء" تعود بنسختها الثانية لتعزيز التبادل الثقافي بين المملكة والبرازيل    إنجازات سعود الطبية في علاج السكتة الدماغية خلال 2024    فرص تطوعية إسعافية لخدمة زوار المسجد النبوي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثانية عشرة لمساعدة الشعب السوري    ترمب يعيد تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"    هطول أمطار متفاوتة الغزارة على معظم مناطق المملكة.. ابتداءً من اليوم وحتى الاثنين    ولي العهد للرئيس الأمريكي: توسيع استثمارات السعودية مع الولايات المتحدة ب 600 مليار دولار    اتحاد بنزيما «شباب وعميد»    مجلس أكاديمية الإعلام يناقش الأهداف الإستراتيجية    1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة    أفراح آل حسين والجحدلي بزواج ريان    أمير الشرقية يستقبل الفائزين من "ثقافة وفنون" الدمام    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي ينهي معاناة مراجع مع مضاعفات عملية تحويل المسار بجراحة تصحيحية نادرة ومعقدة    وصية المؤسس لولي عهده    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    ندوة الإرجاف    المجتمع السعودي والقيم الإنسانية    ثقافة الابتسامة    وزير العدل يلتقي السفير الصيني    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    الدرونز بين التقنية والإثارة الرياضية    نموذج الرعاية الصحية.. الأثر والرعاية الشاملة !    مستشفى الملك فهد الجامعي يجدد اعتماد «CBAHI» للمرة الرابعة    فرص للاستثمار بالقطاع الرياضي بالمنطقة الشرقية    "ملتقى القصة" يقدم تجربة إبداعية ويحتضن الكُتّاب    اختتام المخيم الكشفي التخصصي على مستوى المملكة بتعليم جازان    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطة الاميركية لاسقاط صدام تتأرجح بين خيارات كثيرة . اغتيالات وعمليات سرية قبل الهجوم الكبير!
نشر في الحياة يوم 01 - 07 - 2002

إذا استطاع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بعد خطابه حول الشرق الأوسط والدولة الفلسطينية الموقتة، أن يهدئ الشارع الفلسطيني ويدفع بعجلة المفاوضات السلمية الى أمام، فانه يكون قد مهد الطريق وخطا خطوة مهمة نحو إسقاط الرئيس صدام حسين، بعدما رفض جميع القادة العرب الذين زارهم نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، قبل ثلاثة اشهر، التعاون مع الإدارة الأميركية ضد العراق في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حرباً ضارية ضد الفلسطينيين، لذا حاول الرئيس الأميركي تهدئة الساحة الفلسطينية ليتفرغ لتحقيق مهمة إسقاط الرئيس العراقي.
فهل سيبدأ العد العكسي الآن لعملية إسقاط صدام؟ وهل تكتسب الجهود الرامية لتحقيق ذلك جدية أكبر؟
لا يخفى أن المحاولات التي تبذلها الإدارة الأميركية لتغيير النظام العراقي منذ فترة واجهت بعض الشكوك حول مدى عزمها وقدرتها على تنفيذ القرار المعلن بتغيير النظام، فقد كرر الرئيس بوش أكثر من مرة، عدم وجود خطة جاهزة على مكتبه للحرب ضد العراق. ونفى وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد أن يكون البنتاغون وضع نظرية للضربات الوقائية، كما رفض تأكيد عزم واشنطن شن هجوم وقائي لقلب الرئيس صدام. وترددت معلومات عن أن بوش قد يختار اللجوء الى ضغوط ديبلوماسية أو عمل سري لإضعاف صدام، خصوصاً ان بعض كبار القادة العسكريين الأميركيين يفضلون تأجيل عملية غزو العراق الى السنة المقبلة، وربما عدم القيام بها إطلاقا، لأنها ستتطلب حشد قوات لا تقل عن 200 ألف جندي، لذلك فانهم يريدون التركيز على العمليات الاستخباراتية السرية. وبناء على ذلك قال وزير الدفاع الألماني ردولف شاربينغ انه لا يعتقد بإمكان القيام بعملية عسكرية ضد العراق في الوقت الراهن، وانه يتمسك بتعهد الرئيس الأميركي أثناء زيارته لبرلين بعدم وجود خطط عسكرية على مكتبه للهجوم على العراق.
ولكن ومن جهة أخرى أشارت معلومات الى عزم الإدارة الأميركية على تنفيذ خطتها لإطاحة الرئيس العراقي، فقد قال مساعد وزير الدفاع الأميركي دوغلاس فيث، للتنظيمات العراقية الأربعة المعارضة، التي اجتمع معها في واشنطن، إن كل شيء يجري ضمن خطة أميركية معدة لإسقاط الرئيس صدام. وطلب منهم عدم الاكتراث بما يقال عن غياب برنامج محدد لتنفيذ توجيهات الرئيس بوش. فيما توقع مستشار في وزارة الدفاع الأميركية أن تقوم الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد العراق في شهر أيلول سبتمبر المقبل، وأكد أن قضية إزاحة الحكومة العراقية من الحكم هي من أولويات الرئيس الأميركي في الفترة الأولى لرئاسته.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" كشفت في منتصف الشهر الماضي عن إصدار الرئيس الأميركي، في بداية العام الحالي، أوامره الى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بتنفيذ عمليات عسكرية ضمن برنامج شامل لإسقاط الرئيس صدام، بما في ذلك التصريح للوكالة باستخدام العنف المميت للقبض على الرئيس العراقي حيا، أو قتله إذا ما جاء ذلك في سياق الدفاع عن النفس. وأوضح مسؤولون أميركيون أن ال"سي. اي. ايه" والبنتاغون يكثفان جهودهما لإطاحة صدام سعيا الى تجنب عملية واسعة لاجتياح العراق. وأن هذه الاستراتيجية ستنجز على الأرجح في آب أغسطس، وقال معاونو بوش إنهم يعملون على تفاصيل هذه السياسة للتأكد من أن الولايات المتحدة تتمتع بخيارات تتجاوز التدخل العسكري.
وفي هذا السياق جاءت زيارة وزير الدفاع الأميركي الى المنطقة وإلقاؤه خطابا عنيفا في الجنود الأميركيين في الكويت، وكذلك لقاءات مساعد وزير الخارجية الأميركي في الشهر الماضي مع مجموعات المعارضة العراقية الحزبان الكرديان والمجلس الأعلى وحركة الوفاق، والتعهد بعقد مؤتمر كبير للمعارضة العراقية خلال هذا الصيف، إضافة الى التحضيرات الميدانية العسكرية في كردستان العراق، وهو ما يفترض بدء العد العكسي لعملية الهجوم على العراق والاقتراب منها أكثر فأكثر.
خطة من مرحلتين
وتقول تقارير غربية إن خطة إسقاط النظام العراقي تنطوي على مرحلتين:
الأولى: يتم خلالها الاعتماد على أساليب "منخفضة الكثافة" حسب تعبير خبراء البنتاغون، أي العمليات السرية ودعم المعارضة وتصفية بعض وحدات الحرس الجمهوري، واغتيال مسؤولين عراقيين كبار بواسطة مجموعات من المعارضة تدعمهم بصورة غير مباشرة وحدات القوات الخاصة الأميركية، ونسف أنابيب النفط بين كركوك وبانياس، فضلا عن الاتصال بمسؤولين عراقيين لكسبهم الى جانب خطة إسقاط صدام، وتوزيع كميات ضخمة من المنشورات، ونسف مواقع حكومية عسكرية وتدمير جسور وطرق من المحتمل أن تستخدمها القوات العراقية في حال شن حرب ضد بغداد، وتفجير مخازن للأسلحة.
أما المرحلة الثانية، فيبدأ تنفيذها إذا أخفقت الأولى، وتقضي بشن عمليات عسكرية شاملة على العراق بهدف تحقيق الهدف ذاته، أي اطاحة صدام حسين.
ونفت مصادر في وزارة الدفاع الأميركية أن تكون هناك "مواعيد جامدة" لانتهاء المرحلة الأولى وبدء الثانية. وقالت إن أفضل وقت من حيث ملاءمة الظروف الطبيعية لبدء عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد بغداد، ينحصر في الفترة من أيلول المقبل حتى آذار مارس من العام المقبل.
ومن المتوقع أن تشهد الجبهات العراقية تحركات ساخنة خلال الأشهر القليلة المقبلة، ليتضح بعدها ما إذا كانت واشنطن ستطبق المرحلة الثانية من خطتها، أم ان المرحلة الأولى وحدها ستفي بالغرض. وقال الزعيم الكردي جلال طالباني إن النظام العراقي "لن يصمد طويلا في حال شنت الولايات المتحدة هجوما عليه، وإنه سيسقط خلال أيام قليلة".
إلا أن "واشنطن بوست" نقلت عن مدير ال"سي. آي. ايه" جورج تينيت قوله انه أبلغ الرئيس بوش وأركان حربه أن عمليات ال"سي. آي. ايه" وحدها من دون حملة عسكرية وضغط اقتصادي وديبلوماسي لا تملك سوى فرص قليلة من النجاح. وهذا ما يؤكده مرور ستة أشهر على إصدار بوش أوامره للاستخبارات المركزية من دون تحقيق أي شيء حتى الآن. لذلك شكك بعض النواب الديموقراطيين والجمهوريين في قدرة ال"سي. آي. ايه" على إنجاز المهمة، وقال السيناتور الجمهوري جون ماكاين إن فرص النجاح عبر نشاطات سرية فقط ودعم المعارضة الداخلية ضئيلة جدا.
ومن هنا يتجه تفكير المخططين الاستراتيجيين في البنتاغون الى تنفيذ خطة الجنرال المتقاعد واين داونينغ، التي قدمها قبل أربع سنوات، وتتلخص في مهاجمة العراق باستخدام توليفة من ضربات جوية وهجمات تشنها قوات خاصة انطلاقا من الكويت أو حاملات طائرات في مياه الخليج أو من شمال العراق الذي يسيطر عليه الأكراد، بالتنسيق مع مقاتلين عراقيين مناهضين لصدام، واستهداف الرئيس العراقي نفسه.
وتعرف هذه الخطة الآن ب"السيناريو الأفغاني"، وهي تقتضي على الأقل تعاون الأكراد أو "قوات بدر" التابعة ل"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"، بقيادة السيد محمد باقر الحكيم، لكنها تصطدم بعقبة رفض الأكراد التعاون العسكري مع أميركا خوفا على ضياع منجزاتهم وفقدان الحكم الذاتي الذي يتمتعون به الآن. فقد استبعد مسعود بارزاني زعيم "الحزب الكردستاني الديموقراطي" أية مشاركة للأكراد في أية عملية سرية لإطاحة صدام، وقال: "سأكون صريحا في ما يتعلق بهذا الأمر. نحن الأكراد لا نساند أي عملية عسكرية سرية، والأكراد سيبقون على الهامش إذا قادت الولايات المتحدة أي محاولات لإطاحة صدام". وأضاف: "إن أي اتفاق سياسي بشأن مستقبل العراق وحقوق الأكراد يجب التوصل اليه قبل تحديد الأكراد لموقفهم".
كذلك قال الزعيم الكردي الآخر جلال طالباني انه لا يشجع على حرب تشارك فيها أطراف من الخارج وانه يفضل حصول تغيير في حكومة بغداد عن طريق ديموقراطي بمساعدة المعارضة العراقية. أما "المجلس الأعلى" فان أميركا نفسها ترفض السماح له بالمشاركة في أية عملية عسكرية واسعة ضد بغداد خوفا من تضخم دوره في المستقبل، ولا يبدو أيضا أن المجلس أو المعارضة الشيعية المتواجدة في إيران مستعدة للعب دور مساند للهجمة الأميركية على العراق، خصوصاً بعد تحسن علاقات إيران مع العراق، وخوفها من قيام نظام ذي ميول أميركية على حدودها الغربية.
وتحدث طالباني في حوار مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية عن تغيير حصل أخيرا في السياسة الأميركية تجاه ثلاث نقاط رئيسية لها علاقة بالأزمة العراقية هي: الموقف من المعارضة العراقية ومن الشيعة في البلاد ومن الهدف النهائي للأكراد.
وإذا كان قصد بالنقطة الأولى الانفتاح الأميركي على المعارضة العراقية خارج إطار "المؤتمر الوطني"، فهذا صحيح، وإذا كان قصد بالهدف النهائي للأكراد، الاستقلال أو ضمان تسليم حقول البترول في كركوك، فهذا غير مؤكد، وإذا كان يعني بالنقطة الثانية حصول تغير جذري أميركي حيال شيعة العراق فهذا لا توجد عليه أية أدلة حتى الآن.
إن المشكلة الرئيسية التي تواجه هذا المخطط هو انقسام الإدارة الأميركية نفسها بين جناح الخارجية الداعم للتعددية في التعاون والاتصال بمختلف أطراف المعارضة العراقية والالتفاف على المؤتمر الوطني، وجناح البنتاغون الذي يصر على إبقاء المؤتمر قناة أساسية للتشاور والتعاون في مرحلة يعتقد أن واشنطن عازمة فيها على الإطاحة بنظام صدام. فاضافة الى انفتاح الخارجية على الأطراف الأربعة الحزب الكردستاني الديموقراطي، والاتحاد الديموقراطي الكردستاني، والمجلس الأعلى وحركة الوفاق الوطني خارج المؤتمر، تحاول الخارجية تشجيع طرف خامس يضم جناح اللواء حسن النقيب المتحالف مع مدنيين عراقيين من أصول سنية على رأسهم حاتم مخلص. وقد وصلت علاقاتها برئيس المؤتمر أحمد الجلبي الى طريق مسدود، حيث علقت عقد مؤتمر كبير للمعارضة يمهد للضربة الأميركية.
ولا يبقى أمام الإدارة الأميركية من أجل إسقاط نظام صدام حسين، إلا القيام بعملية غزو كبرى للعراق، لكن هذه العملية محفوفة بمخاطر كثيرة وتواجه رفضا من أطراف متعددة. فمن جهة قام قادة الأركان في الجيش الأميركي، في شهر أيار مايو الماضي برفع مذكرة الى الرئيس بوش، أعلنوا فيها رفضهم لها، بعدما عرضوا مجمل السيناريوهات العسكرية المحتملة لعملية إسقاط النظام العراقي واستندوا الى المعطيات الآتية:
أولا: من الصعب جدا زعزعة النظام وإسقاطه عن طريق الغارات الجوية المكثفة، حتى لو أدى ذلك الى تدمير البنية التحتية وإحراق الثكنات العسكرية. ومن المتوقع أن يستغل النظام حال الدمار والخراب لتأليب الشعب العربي والإسلامي ضد المصالح الأميركية.
ثانيا: لكي تنجح خطة إسقاط النظام العراقي تحتاج عملية الاقتحام الى 250 ألف جندي، شرط أن تدعمهم معارضة من أطراف البلاد، خصوصا في الشمال والجنوب. ولكن هذا الاجتياح يتطلب إنشاء قواعد انطلاق في الكويت أو الأردن أو تركيا، وبما أن هذه الدول تحفظت عن استخدام أراضيها لشن الهجوم، مبررة ذلك بأسباب داخلية، فان عملا عسكريا يفتقر الى المساندة المحلية يمكن أن يتحول الى مغامرة فاشلة.
ثالثا: في حال تم تجاوز كل هذه المعوقات اللوجستية فان المقاومة الأرضية يمكن أن تتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا، وفي إطالة أمد الحرب في حال تلقت قوات صدام مساندة خارجية من متطوعين ومتعاطفين.
رابعا: ليس هناك قائد بديل جاهز يستطيع أن يجمع شعب العراق حول هدف مشترك، الأمر الذي يدخل البلاد في دوامة الفوضى والمنازعات الأهلية.
لذلك طالب القادة العسكريون بتأجيل عملية الغزو الى السنة المقبلة أو عدم القيام بها على الإطلاق.
ومن جهة أخرى فالعملية مرفوضة من قبل المعارضة العراقية، إذ اتفق ممثلو الفصائل الأربعة الذين زاروا واشنطن، جميعا على رفض خطة الغزو الأميركي للعراق، وقال ممثل المجلس الأعلى الدكتور حامد البياتي إن المجلس يرفض عملية غزو كبيرة للعراق لأنها ستؤدي الى تدمير البنية التحتية للبلاد. وان بقية الفصائل أعربت للمسؤولين الأميركيين عن ضرورة أن يقوم العراقيون بتغيير النظام بأنفسهم وبقوتهم الذاتية.
ومن جهة ثالثة حذر الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، من أن تتصرف الولايات المتحدة بمفردها، ودعا بوش الى تعلم درس من زيارة تشيني الى المنطقة في آذار مارس الماضي، وعدم تأييد أية دولة حتى الكويت لضرب العراق، كما دعاه الى تغيير أولوياته بالتركيز أولا على تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي الاطار نفسه فإن أي هجوم مفاجئ على العراق قد يثير ضجة كبيرة في المجتمع الدولي والعالم الإسلامي ويعرض بوش لانتقادات داخل الولايات المتحدة، خصوصا إذا اضطرت القوات الأميركية الى البقاء في عراق ما بعد صدام مدة طويلة. وقد أبدت فرنسا قلقها من السياسات الأميركية، لا سيما بعد مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي الذي طلبت فيه واشنطن من أوروبا أن تتحول الى حليف ينفذ ما يطلب منه بلا حق المشاورة أو المشاركة أو الفيتو، كما هي الحال في حلف الناتو.
ولكن كل هذه الاعتراضات والانتقادات الموجهة للسياسة الأميركية لا تعني أن واشنطن ستأخذها بالاعتبار، فالسياسة الأميركية في عهد بوش، خصوصاً بعد أحداث أيلول 2001 متجهة قدما في استراتيجية شن الحرب العالمية المتنقلة من تنظيم الى آخر، ومن دولة الى أخرى وتحت حجج واهية. وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في 17 من الشهر الماضي ان بوش طلب من كبار المسؤولين الأمنيين في الولايات المتحدة وضع عقيدة للتحرك الوقائي ضد دول ومجموعات إرهابية تسعى الى تطوير أسلحة دمار شامل في مقدمها العراق. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو، مشجعا بوش: "ينبغي الآن إلحاق الهزيمة بالأنظمة الإسلامية، والمطلوب من الولايات المتحدة لعب الدور الرئيسي في عملية يجب ألا تقتصر على إطاحة صدام، بل ينبغي أن تبقى قوات في العراق وتشرف على عملية تحول وتغيير شبيهة بما حصل في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية". بينما كتب ايهود باراك في "واشنطن بوست" قائلا إن على واشنطن أن تبدأ بإسقاط صدام حسين في العراق، الأمر الذي يفتح المجال لخلق عالم عربي جديد وقيادة فلسطينية جديدة.
وبما أن بوش يتطلع الى الانتخابات النيابية المقبلة وتجديد انتخابه للرئاسة، فانه لن يكون بمنأى عن ضغط اللوبي الإسرائيلي الذي يمسك بمفاتيح كثيرة في الكونغرس والبيت الأبيض، ولا بمنأى عن القيام بأية مغامرة في العراق
إعلان شيعة العراق
حرص الموقعون 122 على "إعلان شيعة العراق" الذي خصصوه لرفض التمييز الطائفي، على التأكيد على وحدة العراق وطنا وشعبا وتحقيق العدل والمساواة للجميع، في ظل الديموقراطية واللامركزية، وإزالة الظروف التي أوجدت الديكتاتورية في الواقع العراقي، والقضاء على الطائفية وعواملها ومسبباتها قضاء نهائيا، كضمانة من أجل منع عودة العراق الى الاستبداد والديكتاتورية.
وتحدثوا عن سياسة اضطهاد طويلة مورست من قبل الحكومات المختلفة بحق الشيعة وهم حسب تعريف الإعلان: الموالون لأهل البيت أو المنتمون لمذهبهم بالولادة أو الاختيار وطالبوا بإلغاء الممارسات الطائفية والتمييز بحقهم.
وفي حين طالبوا بضرورة التفريق بين التمايز المذهبي والتمييز الطائفي، أكدوا عدم تشكيل التمايز المذهبي أزمة اجتماعية أو فكرية أو سياسية في الواقع العراقي، وعلى حق كل فرد بالانتماء الى أي مذهب يؤمن به والاعتزاز بهذا الانتماء. وان المشكلة تكمن في التمييز الطائفي الذي يقسم المواطنين الى درجة أولى وثانية ويسبب الحرمان والاضطهاد.
ونص الإعلان على أن الديكتاتورية هي أحد الأسباب التي أدت الى ترسيخ سياسة التمييز الطائفي والعنصري، وان تبني الأسلوب النيابي واعتماد ضوابط نظرية من خلال الدستور، وتكريس عمل المؤسسات هي بمثابة الأسس لمعالجة سياسة التمييز الطائفي والعنصري.
وعلى رغم توقيع عدد من قيادات حزب "الدعوة الإسلامية" على البيان، إلا أن الحزب وجه رسالة خاصة الى الدكتور موفق الربيعي المشرف على صياغة البيان حرص فيها على تأكيد أن الإعلان الشيعي بما ورد فيه من مفاهيم والتزامات لا يعني الرغبة في تشكيل كيان سياسي خاص بالطائفة، لئلا يستغل المتربصون ذلك لضرب وحدة الشعب العراقي وكيانه السياسي بالدعوة الى تأسيس كيانات مختلفة، وتأكيد الوحدة الوطنية بما يقطع الطريق على أي طرح سياسي أو خطوة تحاول تجاوز الاستقلال الوطني للبلاد أو تعمل على تجزئته الى كانتونات طائفية أو قومية. والتعامل مع الأزمة على أساس وطني صرف وعدم معالجة المشكلة بإقرار الطائفية السياسية في العراق. وتأكيد حقيقة كون التيار الإسلامي هو التيار السياسي الفاعل في الوسط الشيعي وهو يعبر عن تطلعات هذه الشريحة وآمالها ضمن مجتمع إسلامي لا يؤمن بالتمييز بين الطوائف، وهي أطروحة سياسية إسلامية عامة لا تقر الطائفية ولا تدعو إليها.
وقد ترافق بيان "حزب الدعوة" مع مخاوف لدى بعض أبناء الطائفة الشيعية من تحول "الإعلان الشيعي" الى حركة سياسية جديدة تتحدث باسم الشيعة كطائفة، وتتجاوز الحركات الإسلامية الوحدوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.