ثلاث تراتيل طويلة للشاعرة الاردنية زليخة ابو ريشة، يتضمنها ديوان جديد بعنوان "تراتيل الكاهنة ووصايا الريش" منشورات وزارة الثقافة في دمشق. ثلاث تراتيل تنحت من خلالها الشاعرة موضعاً لكلامها في خارطة الشعر العربي. وهذه "الكاهنة" لا تمل الاقامة في البادية بمشاعر البادية وسطوتها، على رغم خروجها المتكرر الى اليونان وفرنسا ولبنان وبريطانيا. بقيت وفية للغتها الاولى، لمكانها الاول بإلفته ونصاعته وفرادته. والشاعرة على امتداد مجموعتها تحاول ان تخترع طريقاً لغوياً صعباً يصيب القارئ في مقتل القراءة المفهومة. انها تتجاوز أمجد ناصر في بدويته بعيداً عن المقارنة الشعرية، وكذلك سليم بركات في فتوحاته اللغوية: "اين الفتى سرحان في صيف المشيئة رتّب اللاءات بالترتيب كي تطفو وتدفع بالكلام اللازورد والسندلوس الأحمق المجرور"! ص66. انها حرب على الكلام وحرب على اللغة ووضوحها. تعج المجموعة بمثل هذا الوصف الثقيل جداً على القارئ. اذ انه لا يستطيع ان يلاحق هذا الشعر، المتوالدة جمله من بعضها البعض، الذي يُكنّى بالقصيدة المدوّرة، والذي يميل نحو الأداء الصوتي العالي، بحيث لا يعود ممكناً لهذا القارئ ان يلتقط انفاس وجماليات النص، وأن يجد الوقت في التلذذ بقراءته. يتخلى هذا الشعر عن البساطة والايضاح في الاحاطة بنبرة الشعر الهادئة الصخب، ليعزز فكرة نخبوية الشعر. اذ ان الشعر يبدو انه كتب تحت وطأة الفكرة والتعبير عنها، ولصعوبة الاختيار نجد وصفاً مكرراً بمرادفات كثيرة كان يمكن الاستغناء عنها من دون المساس بعمارة النص وتأويلاته. هناك ايضاً، في المجموعة، استفادة من التراث الديني والاساطير. وهناك حسرة الانثى والأم تحول حبيبها ووليدها من الحيّز الخاص نحو عمومية التملك. وعلى رغم كل هذا فإن الشاعرة لم تتخلص من فتنة الانوثة، والتعبير عن اسرارها: فقصيدة مثل "عصافير 95 تطير في كل اتجاه" تبدو كأنها مكتوبة في جو آخر بعيد عن اجواء بقية القصائد، وهنا نجد الحميمية والبساطة والتعيين الملموس لعالم القصيدة: "سأكون الغربال حتى أراك من ثقوبه. النجوم لتجمعها كفّاك. العربات لتنقلك الى فراغ المعنى. ... الشرفات لترفع عينيك الى أعلى. الصوت لتلتفت".