تمر العلاقات التشادية - الليبية بأزمة صامتة يحرص الجانبان على احتوائها إعلامياً كي لا تتحول مواجهات علنية ليست على ما يبدو في مصلحة أحد، خصوصاً ان العقيد معمر القذافي يطرح نفسه كرائد لدول الاتحاد الافريقي وكرجل المصالحات التاريخية فيها وبالتالي كحكيم جديد للقارة. لكن هذا الواقع لم يمنع كل طرف من توجيه "ضربات" محددة للطرف الآخر آملاً في أن تؤثر في نفوذه ومصالحه في المنطقة. في هذا السياق، أسر الرئيس التشادي ادريس ديبي، لنظيره الفرنسي جاك شيراك على هامش القمة الفرانكوفونية التي عقدت في لومي، بأن العقيد القذافي عاد الى عاداته القديمة في التدخل في شؤون تشاد، وأن قواته تدعم المتمردين "التيو" المتمثلين ب"الحركة من أجل الديموقراطية والعدالة في تشاد" التي يقودها وزير الدفاع السابق يوسف توغوي - مي، كما ان مستشفيات طرابلس الغرب تستقبل جرحاها. ومن باب التحريض أيضاً، قال ديبي لشيراك ان القذافي يعد لاختراق حدود شريط أوزو الذي تنازلت عنه ليبيا عبر اتفاق موقع مع تشاد، مما وضع حداً للنزاع بين البلدين. وبناء عليه طلب ديبي مساعدة اقتصادية ولوجستية وحتى مساندة من القوات الفرنسية في حال تجاوز القذافي الخطوط الحمر. لكن الرئيس الفرنسي لم يتجاوب مع مطالب ديبي، مكتفياً بتقديم مساعدة مالية في اطار كلفة تنظيم الانتخابات الرئاسية التي جرت أخيراً وأسفرت عن إعادة انتخاب ديبي بنسبة 67.35 في المئة من الأصوات، كما أفهم شيراك نظيره التشادي بأن ليبيا ليست في وارد تكرار الوقوع مجدداً في رمال تشاد المتحركة، كما أنه ليس لدى القذافي أدنى نية باستفزاز فرنسا. فالموقف الفرنسي هذا نابع من قناعة بأن ديبي يريد اللعب على تناقضات الجميع في افريقيا ليحسن شروط بقائه في السلطة. ولم تغفر باريس لديبي بعد مناوراته التي انتهت باعطاء تراخيص التنقيب عن النفط في محيط منطقة دوبا لشركات غير فرنسية. على أية حال، ان التوتر الحاصل في العلاقات الثنائية بين طرابلس وانجامينا، ليس وليد الساعة ولا هو مجرد رد فعل آنٍ، فهو كان على الدوام كأسنان المنشار. الليبيون يعتبرون ديبي بمثابة "بهلوان" يحاول اللعب على كل الحبال، وأنه "عديم الوفاء" للذين ساعدوه على الوصول الى السلطة والبقاء فيها وهو الذي ينتمي الى أقلية عرقية "الزغاوا"، وها هو اليوم ينقلب عليهم بعد ظهور بشائر بوجود كميات من النفط في بلاده. وتنظر ليبيا الى ديبي باستياء كونه يحاول استمالة الأميركيين الى جانبه وهو الذي نسي انه لولا النصائح المجدية المشتركة التي قدمها له الفرنسي لويك لوفلوك بريجان الرئيس السابق لشركة إلف اكيتان و"تيجاني تيام" مستشار شركة لافيكو الليبية، لما عرف كيف يتصرف حيال العروض التي قدمت له لاستكشاف حقول نفطه. من ناحيته، يرى ديبي ان الليبيين خانوه. ففي حين يحاول إبعاد المسؤولية في ذلك عن العقيد القذافي شخصياً حفاظاً على خط الرجعة معه، إلا أنه يتهم مدير مكتبه بشير صالح والعميد مسعود وكلاهما من أصول تشادية عائدة لقبائل التبو، اللذين يمسكان بالملف التشادي، بتحريضه عليه. كما يوجه الاتهام ايضاً للدكتور محمد أحمد الشريف، أمين عام جمعية الدعوة الاسلامية الليبية التي تملك إمكانات مالية كبيرة، بالتدخل في الشؤون الداخلية التشادية عبر "الزاويات" والجمعيات الاسلامية في تشاد.