لم ترتفع حتى الآن في القاهرة لافتة "رحم للايجار" ولم تعرض سيدة مصرية أرملة أو مطلقة أو حتى متزوجة رحمها للتأجير تسعة أشهر حتى الولادة، لكن الجدل حول الأرحام المستأجرة تفاعل بشكل مثير، وتحولت القضية من المربع "الطبي" الى المربع "الديني" مع تطاير اتهامات من قبيل: الردة وتعطيل الحدود ومخالفة صريح الدين وتحليل الحرام وتحريم الحلال. واللافت تحفظ الاطباء عن الدخول في تلك المعركة وقال الدكتور محمد ابو الغار استاذ امراض النساء والتوليد في جامعة القاهرة: "نحن في الانتظار حتى يتفق المشايخ". تحفظ الاطباء لم يمنع انفجار القضية برمتها بشكل اختلط فيه الدين بالطب ودفع العلماء الى البحث في حقائق طبية، واتهامات وملاسنات شخصية كلها تدور على أرضية الصراع المعلن قاهرياً منذ خمس سنوات بين المؤسسة الدينية الرسمية الأزهر والأخرى المناهضة التي تمثلها جبهة علماء الازهر التي تقف على أطراف اصابعها في انتظار أي هفوة للإمام الأكبر او أي من أتباعه او المحسوبين عليه أو المحسوبين على الدولة لتبدأ الهجوم والجدل الذي ينتهي دوماً في المحاكم . هذه المرة قرر الدكتور طنطاوي الخروج من القضية ونصب نفسه حكماً بين أطرافها ودعا مجمع البحوث الإسلامية للتباحث في قضية "تأجير الأرحام"، وبعد ساعات طويلة من المناقشات الفقهية بين صاحب الفتوى الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين وأعضاء المجمع انتهى المجمع أكبر هيئة فتوى في مصر الى تحريم تأجير الأرحام تماماً، لتضع فتوى المجمع حداً للخلاف الذي استعر بين الجبهة وبيومي. وبالأسلحة "التكفيرية" نفسها بدأ بفكرة أدهشت العامة والخاصة قال فيها الدكتور بيومي بإمكان تطبيق فكرة استئجار الارحام، مؤكداً أنه لا موانع شرعية تمنع وجود رحم بديل أم بديلة وهي هنا أقرب لحضانة الاطفال المبتسرين المولودين قبل الولادة. واضاف ان لهذه الأم صاحبة الرحم ان تطلب اجراً مثل المرضعة تماماً. قطع بيومي الشوط إلى آخره واشترط توثيق عقد الايجار وبشكل قانوني يمنع النزاعات التي قد تنشأ بحيث ينسب الطفل للأب الاصلي والأم الاصلية ويوثق هذا في الشهر العقاري! والغريب ان بيومي كان يتوقع ما قد تثيره فكرته فوصفها بأنها "صادمة شأنها شأن كل الافكار الجديدة" ولكنه قال مستدركاً "إن للفقهاء افتراضات أغرب من هذه"، وشبه فكرته بأنها مثل دخول الكهرباء الى مصر مع الحملة الفرنسية التي وصفها البعض بأنها "سحر" وفي تحدٍ صارخ قال إن أفكاره ستعيش كما عاشت أفكار الشيخين محمد عبده ومحمود شلتوت، وكانا مثله، افكارهما وفتاواهما تصيب كثيراً من علماء الازهر بالصدمة. ما توقعه الدكتور بيومي الذي يُعد اقرب أصدقاء شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي الى قلبه وتربطهما صداقة قوية حدث بالفعل ووقع ستون عالماً من علماء الازهر من داخل وخارج الجامعة بياناً اعتبروا فيه ما صدر عن الدكتور بيومي "لا يلتئم مع الحق، واتبع فيه غير سبيل المؤمنين وحاد فيه الله ورسوله ثم شاقق الرسول صلى الله عليه وسلم"، واضاف البيان إن القول باستئجار الارحام في غير محل النكاح وعقود الزواج يحمل الى جانب معالم الردة! دناءة التدليس والكذب وأنه - اي بيومي - أوغل في الضلال وأسباب الارتداد، وأنه بفتواه تلك فتح ابواباً للفاحشة لا تسد وسعى لإبطال عدد من حدود الله في حق من تظهر عليها إمارات الزنا بعد انقضاء عدة الوفاة أي تحمل من دون نكاح، واذا سُئلت تقول أجرت رحمي للغير. ولفت البيان أيضاً الى ان "الفتوى ضيعت حقاً من حقوق الله في التركة والمواريث هل يرث الولد أمه المستأجرة أم أمه الجنسية أم كلاهما؟ وعمل على اختلال الأنساب بتلويث الارحام". ومضى البيان الذي لم يذكر اسم الدكتور عبدالمعطي بيومي صراحة وإن وصفه بأنه عميد كلية من أشرف المعاهد العلمية في الازهر كلية اصول الدين وعضو من اعضاء مجمع البحوث الاسلامية ومجلس الشعب المعينين "هذا أصل الحرام وأصل الحلال، وقال في دين الله بما لم يأذن به الله". اعتبرت الجبهة افكار الدكتور عبدالمعطي "منحرفة". وطالبت العلماء بالتصدي مؤكدة في بيان لها تشكيل لجنة لإعداد مذكرة تقدم للجهات المسؤولة في حق مثير تلك "الفتنة" وحق من سكتوا عنها. ملف بيومي وما لم يقله البيان وعلمت به "الوسط" من مصادر في الجبهة أن لجنة من الدكتور عبدالله عبدالحي عميد كلية الدراسات الاسلامية فرع بني سويف والدكتور عزت علي عيد عطية قسم الحديث في كلية اصول الدين والدكتور عبدالحي الفرماوي استاذ التفسير وعلوم القرآن بالكلية فضلاً عن المستشار مصطفى الشقيري بمحكمة استئناف القاهرة ذهبت لثني الدكتور بيومي عما يقول به ومعهم أحد اساتذة أمراض النساء والتوليد، إلا أن الدكتور بيومي تمسك بموقفه بل ونفى ل"الوسط" ان يكون التقى تلك اللجنة من الاساس وقال: "جرى حوار ودي بيني وبين المستشار الشقيري فقط وليس مع لجنة موفدة من الجبهة التي بدأت التصعيد، ويجري حالياً إعداد ملف للدكتور بيومي، وحسب مصدر بالجبهة سيتضمن مواقفه وأفكاره البعيدة عن صحيح الدين والتي من بينها أنه قال "إن الشهور الهجرية جاهلية"، وطالب بإبطال حج التطوع وإن "صدقة جارية خير من حج التطوع" وطالب بإبطال قواعد الفقه القديمة، وقال إن "فلسطين دار السلام لإسرائيل". كما علمت "الوسط" ايضاً انه سيجري تعميم الملف وارساله الى جهات عليا كرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلسي الشعب والشورى وشيخ الازهر للتأليب عليه، واعتباره منحرفاً دينياً مرتداً حسب ما جاء في بيان الجبهة. ويرد الدكتور بيومي بأن البيان "مزور"، ودليله ان أحد الموقعين عليه الدكتور عبدالعظيم المطعني أنكر أنه رأى هذا البيان، وقال ايضاً ان عدداً من الموقعين موجود خارج القطر تحديداً الدكتور محمود مزروعة على رغم ان البيان يقول إنه جرى التوقيع عليه داخل الازهر الشريف، وفي المقابل أكد الدكتور يحيى حبلوش ان البيان سليم وان التواقيع سليمة "وهناك تفويضات بالتوقيع لدينا من البعض". "كود" اخلاقي الجدل الذي بدأ طبياً وانتهى - كالعادة - أزهرياً لم يرض اساتذة الطب النسوي في مصر، وحسب الدكتور حمدي بدراوي استاذ امراض النساء والتوليد في جامعة الازهر فإن الجدل غير مفهوم، خصوصاً أن القضية محسومة. الأزهر منع كل هذه العمليات، وقرارات مجمع البحوث الاسلامية تحرّم ذلك وحتى لو توافرت لدينا كل مقومات تلك العمليات، وإن ابدى البعض استعداده لإجرائها فالأمر هنا ديني بحت. وقال"ربما كانت هناك حاجة طبية لدى البعض رغبة في الإنجاب، ولكن الازهر طالما قال ان هذه العمليات لا تجرى فلن تجرى". وحول إمكان دخول الاطباء طرفاً قال"حتى الآن العلماء لم يصلوا الى قرار وبالتالي فالاطباء ممتنعون عن أي أحاديث في هذا السياق وإن استدعونا للمشورة فأهلاً وسهلاً". وطالب الدكتور بدراوي بضرورة "ان يقول العلماء والاطباء رأيهم لأن المريض المصري حتى في حال اطفال الانابيب يأتي ليسأل اولاً هل هذا حلال أم حرام، ولا نستطيع نحن كأطباء في مجتمع اسلامي ان نتجاوز هذا المانع الشرعي". ولفت بدراوي إلى ان ما يسمح به الازهر حالياً هو ان تكون النطفة من زوج حي والبويضة من زوجة حية ورحم الزوجة نفسها مع استخدام أي تكنولوجيا لوضع تلك النطفة في رحم الزوجة وليس غيرها. ولم يختلف الدكتور محمد ابو الغار في قليل أو كثير عن رأي بدراوي ويضيف اليه انه "بعيداً عن الدين والجدل المثار فإن هناك بُعداً اخلاقياً او كوداً اخلاقياً معمول به في الغرب. هذا الكود الاخلاقي يجعلني في موقف الرافض لتلك الفكرة، صحيح انه لا يوجد اختلاط أنساب، ولكن السيدة التي حملت لتسعة أشهر، هذا الوليد ابنها هي أم بالحمل لتسعة اشهر، وهناك أم أخرى تسمى الأم الجينية، فلمن ينسب هذا الطفل وكيف أنحي بعواطف الامومة عن التي حملت وأعطيها لمن لم تحمل؟، أنا لا اوافق على هذه العمليات". ولفت الدكتور ابو الغار الاشهر في مجال النساء والتوليد الى أن "المتحكم في الكود الاخلاقي في الغرب ليس رجال الدين، ولكن عندنا المتحكم هم رجال الدين وهناك إجماع في مصر والسعودية ودول عربية على تحريم هذه العمليات، حتى الكنيسة المصرية لا تقرها وموقف البابا شنودة بطريرك الأقباط الارثوذكس مناهض لها". ولفت الى أن كل مراكز اطفال الانابيب ملتزمة بهذا المنع، ولم تتم أي عملية استئجار رحم في أي من البلاد العربية. وقال "إذا كان الجدل من الناحية الفلسفية قائماً ومسموحاً به فإن "الحرمة" موضوع فقهي ديني يصعب التدخل فيه طبياً، لذا هذا الموضوع متروك لعلماء الدين الى أن يتفقوا". الطبيبات في مجال النساء والولادة يرفضن صراحة هذه العمليات. وحسب الدكتورة منى السيد شعيرة اخصائية أمراض النساء والتوليد فإن هناك امتناعاً كاملاً عن الخوض في تلك العمليات لدى أطباء هذا التخصص لأنه معروف بحرمته كما أنه يؤدي لاختلاط الأنساب وهو أخلاقياً، لا يجوز نسب طفل ظل في جنين أمه تسعة شهور كاملة لأم لم تعرف معنى الأمومة، ثم إن الأمومة لا تُستأجر فهي ليست سيارة أو شقة مفروشة، فالإسلام يحترم آدمية البشر وإنسانيتهم وهذا التأجير يهين المرأة أقصى إهانة ممكنة. أما الدكتور سعد نجيب استاذ الطب الشرعي في كلية عين شمس، فيرى أن "الجنين سيأخذ من الأب والأم الاصليين كل الخصائص الجينية كلون الشعر والعينين، ويأخذ من الأم البديلة كل الأمراض كالإيدز والفيروسات والإدمان وغيرها لاختلاط دمه بدمها ولارتباط جهازه المناعي بجهازها، وهذا يعني ببساطة أنه في حال الاختلاف ينسب الطفل للأم الأصلية ولكن لماذا لا ينسب للأم التي حملت وأرضعت وتألمت؟، هذا متروك للعلماء والفقهاء". ذكور واناث المعركة اجتذبت اطرافاً آخرين خارج دائرة الازهر والاطباء، ويحذر المستشار مصطفى فرغلي الشقيري رئيس محكمة استئناف القاهرة من تلك الافكار المستوردة والدخيلة على ديننا وقيمنا، وذكر بالآية الكريمة "يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور او يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير" ويقول "علينا أن نأخذ بالآية دون تحوير أو جدل". وحدد مداخلته في نقاط عدة: الأولى: أن صفة الأم لا تطلق إلا على التي حملت الطفل في رحمها من زوجها بعد زواج شرعي صحيح ثم أرضعته واطلاق اسم الأم المرضعة التي ارضعت الصغير لا يُطلق دون قيد، بل أنها أم له في الرضاعة وليست أمومة حقيقية. الثانية: لا يجوز قياس الأم التي حملت الجنين في رحمها واختلط دمه بدمها واصبح جزءاً منها حتى ينفصل عنها بالولادة، لا يجوز قياسه على الحضانة التي هي جهاز يوفر للجنين درجة حرارة معينة حتى يقوى وذلك بالنسبة للأطفال المبتسرين. الثالثة: من المعروف طبياً انه اذا كانت فصيلة دم الأم من النوع السالب وفصيلة دم الجنين من النوع الموجب تكونت في جسم الأم أجسام مضادة للفصيلة الموجبة التي تخللت في دمها عن طريق الجنين ولذلك تحقن الأم في هذه الحالة بعد الولادة وخلال اربع وعشرين ساعة بمضاد للأجسام الموجبة التي تكونت في جسمها وإلا بعد ذلك اذا حملت مرة أخرى فلا يستقر الجنين في رحمها او يصاب بأنيميا حادة، وتحلل كرات الدم اذا كانت فصيلته موجبة، كما لا يجوز قياس وضع النطفة الملحقة في رحم بديل على عملية الإرضاع التي يقتصر دور المرضعة على تغذيته من لبنها. اخيراً، وحسب المستشار الشقيري، فإن هذه القضية ستثير مشاكل معقدة للغاية في حال حمل الأم البديلة من زوجها والجنين الذي في رحمها من نطفة غير نطفة زوجها. وما قيل من حلول في هذا السياق أمر يدعو للغرابة والدهشة مثال أن على الأم البديلة ألا يقربها زوجها خلال فترة الحمل الاجنبي، أو لا تضع النطفة إلا بعد التأكد من خلو رحمها من البويضات