أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بذكرى استقلال بلاده    القيادة تهنئ رئيس جمهورية ألبانيا بذكرى استقلال بلاده    "اليونسكو": 62٪ من صناع المحتوى الرقمي لا يقومون بالتحقق الدقيق والمنهجي من المعلومات قبل مشاركتها    انخفاض أسعار النفط وسط زيادة مفاجئة في المخزونات الأميركية وترقب لاجتماع أوبك+    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الاستسقاء في جامع الإمام تركي بن عبدالله    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    محافظ صبيا يؤدي صلاة الإستسقاء بجامع الراجحي    في «الوسط والقاع».. جولة «روشن» ال12 تنطلق ب3 مواجهات مثيرة    الداود يبدأ مع الأخضر من «خليجي 26»    المملكة تشارك في الدورة ال 29 لمؤتمر حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    «الدرعية لفنون المستقبل» أول مركز للوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا    مصير غزة بعد هدنة لبنان    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي ل«الأرابوساي»    27 سفيرا يعززون شراكات دولهم مع الشورى    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    أمير تبوك يستقبل رئيس واعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمانة القصيم تنجح في التعامل مع الحالة المطرية التي مرت المنطقة    شخصنة المواقف    النوم المبكر مواجهة للأمراض    النضج الفكري بوابة التطوير    برعاية أمير مكة.. انعقاد اللقاء ال 17 للمؤسسين بمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    الملك يضيف لؤلؤة في عقد العاصمة    الموارد البشرية توقّع مذكرة لتأهيل الكوادر الوطنية    أنا ووسائل التواصل الاجتماعي    وزير الرياضة: دعم القيادة نقل الرياضة إلى مصاف العالمية    نيمار يقترب ومالكوم يعود    الذكاء الاصطناعي والإسلام المعتدل    الشائعات ضد المملكة    وفاة المعمر الأكبر في العالم عن 112 عامًا    التركي: الأصل في الأمور الإباحة ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    في الجولة الخامسة من يوروبا ليغ.. أموريم يريد كسب جماهير مان يونايتد في مواجهة نرويجية    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من أمير الكويت    دشن الصيدلية الافتراضية وتسلم شهادة "غينيس".. محافظ جدة يطلق أعمال المؤتمر الصحي الدولي للجودة    "الأدب" تحتفي بمسيرة 50 عاماً من إبداع اليوسف    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    ورحل بهجة المجالس    إعلاميون يطمئنون على صحة العباسي    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    احتفال السيف والشريف بزواج «المهند»    يوسف العجلاتي يزف إبنيه مصعب وأحمد على أنغام «المزمار»    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هؤلاء هم المرجفون    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة الأرحام : لا عقم بعد اليوم

مشكلة العقم التي كانت ومازالت تشغل بال البشر منذ آلاف السنين، أصبحت أمرا قابلاً للعلاج ، ولم تعد ذلك الهاجس الذي يقض مضاجع المتزوجين المحرومين من نعمة الانجاب .
"الوسط" تقدم عرضا لأخر الانجازات في "ثورة الارحام".
حقق الطب في الفترة الأخيرة انجازات كبيرة في مجال علاج عقم الرجال والنساء. وخطت تقنيات أطفال الأنابيب خطوات واسعة على طريق الحل الشامل لمشكلة العقم، وأصبح في الامكان معالجة أية حالة مهما بلغت درجة تعقيدها، وإتاحة الفرصة أمام آلاف الأزواج الذين حرموا نعمة الانجاب سنوات طويلة ليحققوا أمنية العمر ويباشروا بناء الأسرة التي كانوا يحلمون بها.
ولا تقتصر أهمية تقنيات أطفال الأنابيب على تكوين الجنين وتحقيق الحمل فحسب، بل انها تتيح المجال للأطباء كي يتعمقوا في درس تطور الأجنة منذ بداية تكوينها، واستنتاج الحلول التي تساعد على فهم الكثير من الأمراض الوراثية التي يمكن تصحيحها مثل أمراض "الثلاسيميا" و"الهيموفيليا" و"فقر الدم المنجلي" و"الحثل العضلي" وغيرها... لهذا لا يمكن التعامل مع موضوع أطفال الأنابيب على أنه وسيلة للقضاء على العقم فحسب بل وسيلة لعلاج الأمراض الوراثية أيضاً.
إن أهمية بناء الأسرة في مجتمعنا العربي تدفع المتزوجين الى السعي وراء الانجاب وبذل كل ما أمكن لازالة أية عقبات تحول دون ذلك. كما أن الترابط الوثيق بين أفراد العائلة العربية وضرورة نموها وتكاثرها يؤكدان أهمية متابعة موضوع العقم والافادة من تطورات علاجه.
تطورات علاج العقم
في أواخر السبعينات كان علاج العقم محدوداً جداً، ولم تكن هناك وسيلة ناجعة تعطي نتائج مشجعة ومميزة الى ان أجرى الجراح البريطاني الشهير باتريك ستبتو والبروفسور روبرت أدواردز أولى عمليات أطفال الأنابيب. منذ ذلك الوقت حصل تقدم كبير في مجال علاج عقم الرجال والنساء على حد سواء. فبعدما كان علاج عقم الرجال يقتصر سابقاً على استخدام فيتامينات "سي" و"إي" وهورمون التستوستيرون وغيرها من المواد العلاجية غير المحددة التي لا يمكنها تحسين نوعية أو كمية الحيوانات المنوية، أصبح في الامكان علاج أي رجل عقيم أياً كانت نوعية حيواناته المنوية ومهما صغر عددها أو ضعفت حركتها. إذ يكفي وجود حيوان منوي واحد لتحقيق عملية التلقيح خارج الرحم ثم إعادة البويضة الملقحة الى رحم المرأة لمتابعة حملها في صورة طبيعية من زوجها العقيم. ويعود الفضل في ذلك الى تطوير تقنية المعالجة المجهرية لعملية حقن الحيوانات المنوية في البويضة Sperm micromanipulation.
وتتم عملية الحقن هذه بطريقتين: الأولى تعرف باسم "سوزي" Subzonal Sperm Insertion SUZI التي ابتكرها الدكتور سايمون فيشيل في أواخر الثمانينات، عن طريق حقن الحيوانات المنوية في الفراغ الموجود تحت الطبقة الخارجية للبويضة. ولم تتعد نسبة نجاحها 2 في المئة آنذاك. ثم تم تحسينها وتطويرها في شكل شامل فتجاوزت نسبة نجاحها 25 في المئة نظراً الى التقدم الحاصل في طرق تحضير الحيوان المنوي والبويضة المراد تلقيحها وايجاد البيئة الملائمة لعملية التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب.
وساهم الطبيب اللبناني بول سرحال، رئيس قسم أمراض العقم والأبحاث في مستشفى جامعة لندن ومدرس أمراض النساء والولادة في الجامعة، في عملية التطوير هذه. أما الطريقة الثانية فجاءت نتيجة لتطور تقنية المعالجة المجهرية لعملية حقن الحيوانات المنوية تطوراً ثورياً فأصبح في مقدور الأطباء حقن الحيوان المنوي داخل حشوة البويضة مباشرة. وأطلقت على هذه الطريقة تسمية "إكسي" Intracytoplasmic Sperm Injection ICSI لتمييزها عن طريقة "سوزي". وتبلغ نسبة النجاح بهذه التقنية 80 في المئة. وكان الدكتور أندريه فان شتيرتيجيم والدكتور جيانبيرو باليرمو من جامعة "فري" في العاصمة البلجيكية بروكسيل نشرا نتائج أبحاثهما في مجلة "لانست" الطبية الشهيرة في العام الماضي إثر نجاحهما في اخصاب بويضة بعد تلقيحها بحيوان منوي واحد مستخدمين هذه الطريقة الفريدة.
إن هذا الانجاز في مقاومة عقم الرجال سيتيح المجال أمام الكثيرين ممن حُرِموا نعمة الأبوة ليتمتعوا بتكوين عائلاتهم التي يصبون اليها من دون اللجوء الى طرق ووسائل غير مشروعة تحرّمها الأديان.
ومن الانجازات في حقل عقم الرجال أيضاً التمكن من معالجة ما يعرف بحال انعدام وجود الحيوانات المنوية في سائل المني نتيجة لانسداد أو تلف الأنابيب التي تنقل الحيوانات المنوية من الخصيتين Obstructive Azospermia. فقد أصبح في الامكان استخدام تقنية تعرف باسم "ميسا" Microepididymal Sperm Aspiration MESA التي يفتح خلالها الأطباء خصية الرجل ويسحبون منها خزعة من النسيج الحاوي على الحيوانات المنوية، ثم يحقنون البويضة بأحداها وينقلونها بعد اخصابها الى رحم المرأة لتتابع فترة الحمل. ونجح خبير أمراض العقم في مستشفى ليستر في لندن، الطبيب العربي معين فضة في سحب 3 حيوانات منوية من خصية مريض يعاني من تلك الحالة، ثم حقنها في 3 بويضات من زوجة المريض أعيدت بعد اخصابها وانقسامها الى رحم الزوجة لمتابعة عملية الحمل.
ومن الانجازات المهمة الأخرى "تشخيص ما قبل الزرع" وهي طريقة تسمح للأطباء بتشخيص الأمراض الوراثية الموجودة في الجنين عن طريق فحص المادة الوراثية والكروموسومات لاختيار الجنين الخالي من تلك الأمراض وزرعه تالياً في رحم المرأة كي ينمو نمواً طبيعياً سليماً معافى. وسيتيح هذا الأسلوب لآلاف العائلات التي تعاني من هذه الأمراض أو تحملها، فرصة ممتازة للتثبت من سلامة الجنين قبل أن تحمله أمه داخل رحمها، وبذلك يولد الطفل خالياً من الأمراض الوراثية كالثلاسيميا والهيموفيليا وفقر الدم المنجلي وداونز وغيرها...
أطفال الأنابيب
أما بالنسبة الى عقم النساء، فإن عملية التخصيب خارج الرحم IVF أو ما يعرف بتقنية أطفال الأنابيب هي عملية خاصة في الدرجة الأولى بعلاج انسداد الأنابيب الفالوبية، إذ تؤخذ بويضة المرأة وتلقح بالحيوان المنوي للزوج ثم يعاد زرعها داخل الرحم لتجاوز مشكلة انسداد الأنابيب. وتستخدم هذه الطريقة أيضاً في علاج حالات عدم الاخصاب التي لا يمكن تفسيرها أو ايجاد مبرر لها، وفي علاج مشكلة التهاب بطانة الرحم وانقطاع الدورة الشهرية الطمث عند النساء في فترة مبكرة من حياتهن أو مواجهة سن اليأس عند بلوغ سن الأربعين فقط. ويمكن معالجة حالات عقم النساء التي لا يمكن تفسيرها بأسلوب التخصيب الخارق المرافق للتلقيح داخل الرحم. وقد نشر الدكتور بول سرحال، الخبير في أمراض العقم في لندن نتائج أبحاثه في هذا المجال في مجلة "الخصوبة والعقم" الصادرة عن الجمعية الأميركية للخصوبة عام 1988.
أما في حالات العقم التي لا تكون فيها الأنابيب الفالوبية مسدودة فيمكن إجراء عملية تعرف باسم "جفت" Gamete Intra-Fallopian Transfer GIFT فتسحب البويضات بالمنظار بعد تخدير عام يختار خلاله الطبيب 3 بويضات ويخلطها مع حوالي 100 ألف حيوان منوي ثم يضع المزيج داخل الأنبوب الفالوبي مباشرة. أما نسبة نجاح هذه العملية فتعادل نسبة نجاح عملية الاخصاب داخل أنابيب الاختبار IVF. وتمتاز عملية IVF عن GIFT في أنها لا تحتاج الى منظار لسحب البويضات لأنها تسحب مباشرة من المهبل مع مراقبتها بالسونار.
مضاعفات عمليات أطفال الأنابيب
من المضاعفات الخطيرة التي يمكن أن تسببها تقنيات أطفال الأنابيب أو عمليات الاخصاب خارج الرحم IVF:
1- الحمل المتعدد واحتمال ولادة توائم عدة.
2- فرط الاباضة الناتج من حقن المرأة بالهورمونات المنشطة للمبيض. وهذه حالة نادرة تصيب النساء اللواتي تكون مبايضهن مفرطة الاستجابة أو متعددة الكيسات. ويمكن السيطرة عليها بمراقبة انتاج البويضات بأجهزة السونار فتخفف جرعات الهورمونات أو توقف موقتاً لإعادة استعمالها لاحقاً. وتعاني النساء خلالها من انتفاخ المبيض والتقيؤ والإسهال واستسقاء البطن أو الرئتين.
3- الحمل داخل الأنبوب الفالوبي Ectopic Pregnancy وهي حالة نادرة أيضاً تهدد حياة المرأة الحامل إذا انفجر الأنبوب الفالوبي مع نمو الجنين.
ويذكر أن تقدم الطب في حقل علاج العقم وتقنيات أطفال الأنابيب كفيل بأن يتجاوز كل المضاعفات قبل وقوعها لتحقيق ولادة سليمة تفرح قلب الأب والأم.
وأشار الدكتور ريتشارد هاول الاستشاري في أمراض النساء والولادة والمسؤول عن عيادة أطفال الأنابيب في مستشفى سان بارثولوميو في لندن، الى أن عمليات أطفال الأنابيب تعتبر أقل كلفة وأقل إزعاجاً من العمليات الجراحية لتسليك الأنابيب الفالوبية المسدودة، وان نسبة نجاحها أكبر.
الحمل والانجاب بعد سن اليأس
ومع تطور تقنيات أطفال الأنابيب، تمكن عدد من المتخصصين في علاج العقم في أنحاء مختلفة من العالم من مساعدة نساء تجاوزن سن اليأس على الحمل والانجاب. وأكدت هذه الأحداث المثيرة أن الأطباء والعلماء ما زالوا يجهلون العمر أو الحد الزمني الذي يتوقف فيه رحم المرأة عن توفير بيئة ملائمة لزرع الجنين ونموه. وكانت الأنباء المتناقلة عن انجاب سيدة بريطانية عمرها 59 سنة لتوأمين في لندن بعد اجراء عملية اطفال الأنابيب في عيادة البروفسور الايطالي سيفيرينو أنتينوري في روما أثارت ضجة اعلامية واسعة دفعت وزيرة الصحة البريطانية فيرجينيا بوتوملي الى مطالبة وزراء الصحة في المجموعة الأوروبية باتخاذ اجراءات صارمة للحد من تلك الممارسات في المستقبل. وانتقد الدكتور أريك سايمون الاستشاري في أمراض النساء والولادة ومدير مجموعة كرومويل لعيادات أطفال الأنابيب في بريطانيا، وزيرة الصحة لانفعالها وعدم مراعاتها مشاعر تلك المرأة وظروفها واستغلال حالتها لغايات سياسية قبل الاطلاع على الظروف القاهرة التي دفعتها الى المطالبة بالانجاب في تلك السن المتأخرة.
وصرّح الدكتور سايمون بأن عياداته تلتزم أصلاً حداً أقصى من العمر لا يتجاوز 50 سنة للمرأة التي ترغب في الانجاب. وانتقد الدكتور جون ماركس الرئيس السابق لمجلس الجمعية الطبية البريطانية محاولة الانجاب بعد سن اليأس، مشبهاً إياها بعمليات الدكتور فرانكشتين!
وإزاء تلك الحملة اضطر البروفسور انتينوري الى الرد على الادعاءات القائلة انه يعالج النساء البريطانيات بغرض الدعاية، وان عمله غير أخلاقي وغير طبيعي، موضحاً أن البروفسور إيان كرافت أحد كبار خبراء العقم في بريطانيا والمسؤول عن "مركز لندن للاخصاب" كان أحال عليه المريضة البريطانية التي أثار موضوعها تلك الضجة، لأن القيود الصحية في المملكة المتحدة لا تسمح بإجراء مثل تلك العمليات هناك.
وكان انتينوري تمكن من تحقيق الحمل لامرأة ايطالية بلغ عمرها 61 سنة، يتوقع أن تلد في حزيران يونيو 1994 عند بلوغها 62 سنة لتكون بذلك أكبر إمرأة تنجب طفلاً في هذا الزمن. وبلغ عدد الذين حقق البروفسور الايطالي أحلامهم في الانجاب منذ عام 1988 حوالى 1000 زوج وزوجة. وهو يستعد حالياً لنشر كتاب عن أعماله وانجازاته وتجاربه بعنوان "نالت النساء كفايتها".
وتجدر الاشارة ان الدكتور سرحال كان من الرواد الأوائل الذين نشروا نتائج أبحاثهم وتجاربهم ونجاحها في تحقيق الحمل والانجاب لنساء تجاوزن سن اليأس بعد تلقيهن بويضات من متبرعات يصغرهن سناً، وذلك في مجلة "لانست" الطبية الشهيرة عام 1989. وأكد الدكتور مارك سُوار وباحثون في قسم أمراض النساء والولادة في جامعة ساوث كاليفورنيا في الولايات المتحدة ما قام به الدكتور سرحال في دراسة مشابهة أجروها على مجموعة من النساء تتراوح أعمارهن بين 50 و59 سنة، اذ نجحت تلك التجارب في تحقيق الحمل والانجاب عند بعض النساء. ونشرت نتائج تلك الدراسة في مجلة "لانست" أيضاً عام 1993.
فرنسا وأميركا
وفي فرنسا أتاح الدكتور جورج فلتر لإمرأة عمرها 51 سنة الانجاب في عيادة خارج باريس، مستخدماً بويضات تبرعت بها امرأة مجهولة. واعترض فلتر على الذين ينتقدونه، بمن فيهم وزير الصحة الفرنسي فيليب دوست بلازي، متهماً إياهم باعتماد سياسة المعايير المزدوجة في ما يتعلق بانجاب النساء في سن متأخرة، اذ يبتهج أولئك النقاد ويتفاخرون بقدرة الرجل على الانجاب في عمر يصل الى 70 سنة بينما تراهم يعترضون على السماح للمرأة بالانجاب بعد تجاوزها سن اليأس. وكان وزير الصحة الفرنسي أبدى معارضته عمليات الانجاب هذه لأن المرأة التي تحمل وهي في سن الستين لا يمكنها متابعة مسؤولية الأمومة لفترة زمنية كافية بسبب فارق السن بينها وبين مولودها.
أما في الولايات المتحدة فتمكنت امرأة عمرها 53 سنة من انجاب حفيد لها بعدما وافقت على حمل بويضة ملقحة من ابنتها العاقر. مع العلم بأن معظم عيادات أطفال الأنابيب والتلقيح الاصطناعي في الولايات المتحدة الأميركية يرفض اجراء عمليات أطفال الأنابيب للنساء اللواتي يتجاوز عمرهن 43 سنة.
من جهة أخرى يؤيد الدكتور سرحال التلقيح الاصطناعي والحمل للنساء اللاتي تجاوزن سن اليأس شريطة الانتباه الى المضاعفات الاجتماعية والصحية. إذ لا يمكن مقارنة حالة الحمل بعد سن الخمسين بتلك الحاصلة في سن الثلاثين أو أدناه، لأن نتائج التجارب التي أجراها عام 1989 تدل على أن حالات الحمل الحاصلة بعد سن اليأس قد تعرض المرأة الحامل لمرض "طليعة الشنج النفاسي" Preeclampsia، وهي حالة يمكن علاجها عند المرأة الحامل في سن الصبا لكنها ربما تسببت في السكتة الدماغية أو الموت عند المرأة الحامل في الستين. وفي بعض الحالات تصاب المرأة بنزف حاد بعد الولادة تخسر فيه ما بين ليتر أو 3 ليترات من الدم. وهذه الحالات يمكن السيطرة عليها عند المرأة الشابة، أما المرأة المسنة فقد تتعرض لنوبة قلبية أو ما شابه.
لذلك يؤيد الدكتور سرحال حمل النساء اللواتي لا يتجاوز عمرهن 50 سنة مع التشديد على ضرورة التزام المراكز المختصة بعلاج العقم بحدود العمر هذه، لأن هناك الكثير من النساء اللواتي يتمتعن بصحة جيدة في هذه المرحلة من العمر. كما لا بد من التفكير في مصلحة الطفل المولود والحرص عليها. إذ أن المرأة في سن الستين تبدو كأنها جدة للطفل تعجز عن مسايرة نموه الطبيعي.
الانجاب من بويضات الأجنة المجهضة
ومن التطورات الحديثة المثيرة للجدل في علاج العقم أيضاً ما أنجزه الدكتور روجر غوسدن وباحثون في جامعة أدنبرة اسكتلندا اذ نجحوا في استخدام نسيج من مبيض أجنة فئران مجهضة غني بالبويضات وتمكنوا من مساعدة فئران عقيمة على الانجاب بعد زرع البويضات المخصبة مخبرياً داخل أرحامها. وأثارت هذه التجارب حفيظة النواب في مجلس العموم واعتبرها بعضهم وسيلة لسرقة الأرحام. فاستخدام نسيج من مبيض الجنين المجهض وبويضاته يعني انجاب أطفال من أمهات لم يولدن بعد، من دون الحصول على إذنها أو موافقتها. ويخشى العلماء أن تقود هذه الطريقة العلاجية الى كثرة الاجهاض ونشوء تجارة غير شرعية للأجنة في المستقبل.
من جهة أخرى أكد رئيس لجنة الأخلاقيات الطبية في الجمعية الطبية البريطانية الدكتور ستيوارت هورنر ان أعضاء اللجنة لم يجدوا أي سبب رادع يمنعهم من التوصية بالموافقة على مثل هذا الأسلوب العلاجي الجديد. وانه من المتوقع أن توافق الجمعية الطبية البريطانية عليه في الشهر المقبل. إلا أن ذلك لن يعني السماح لعيادات أطفال الأنابيب بممارسة العلاج الجديد الذي لم يثبت نجاحه على الانسان بعد، وذلك لأن هيئة التخصيب البشري وعلم الأجنة البريطانية HFEA المسؤولة عن الترخيص لتلك المؤسسات ربما أمرت بمنع ممارسته.
وأشار لدكتور سرحال الى أهمية احترام الجنين لما يمثله ويرمز اليه، فلولا الأبحاث الجارية منذ سنوات على الأجنة ودورها العلاجي لما تمكن الأطباء من اكتشاف لقاح شلل الأطفال في الخمسينات إثر استخدامهم لخلايا من كلى الجنين. لذلك يرى الدكتور سرحال ان لا ضرر من استخدام الأنسجة المستمدة من الجنين المجهض في مراحل تكوينه الأولى، إذا كانت الغاية هي اجراء دراسات علاجية مهمة كزرع أنسجة البنكرياس لعلاج مرض السكري أو زرع خلايا الدماغ لعلاج مرض باركنسون. أما زرع المبيض والخصى فهو مقبول وممكن من الناحية الأخلاقية لأنه يختلف عن زرع البويضات أو الحيوانات المنوية. لهذا ان لاستخدام أنسجة الأجنة المجهضة فوائد علاجية هائلة لا يمكن تجاهلها، شريطة أن يحسن الانسان استخدامها ويحرص على الاشراف عليها بصدق وأمانة.
نسخ أو استنساخ الأجنة
أثار نجاح الدكتور روبرت ستيلمان والدكتور جيري هول من المركز الطبي لجامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة باستنساخ أجنة بشرية، عاصفة من الاحتجاج في الأوساط الطبية والدينية. وأبدى المسؤولون عن أخلاقيات المهن الطبية خشيتهم من أن يؤدي هذا الانجاز الطبي الى ولادة أطفال تستخدم أعضاؤهم كقطع غيار لمن يحتاج اليها من المرضى في المستقبل.
وحذّر الفاتيكان العلماء من عدم التوغل في نفق الجنون. بينما أكد الدكتور ستيلمان، مدير برنامج التخصيب في جامعة جورج واشنطن ان الهدف الأساسي من التجارب التي أجروها كان محاولة ابتكار وسيلة جديدة لتوفير عدد من الأجنة التي يمكن استخدامها لمساعدة النساء الضعيفات الخصوبة على الانجاب من دون الحاجة الى حقنهن بالهورمونات المنشطة للمبيض التي تسبب أعراضاً صحية جانبية غير مرغوب فيها.
وتعهد الدكتور ستيلمان والدكتور هول عدم متابعة أبحاثهما في هذا المجال الى حين موافقة المجتمع عليها، وذلك لعدم وجود هيئة رسمية تنظم أبحاث الأجنة في الولايات المتحدة.
أما في بريطانيا واستراليا فإن السلطات الصحية تحظر عمليات استنساخ الأجنة وترفض الترخيص لعيادات أطفال الأنابيب التي ترغب في ممارستها. وأكد استطلاع للرأي العام الأميركي أن الغالبية الساحقة من الناس تعارض أسلوب استنساخ الأجنة البشرية باعتباره أمراً مخالفاً لقوانين الطبيعة والشرائع السماوية.
وسألت "الوسط" الدكتور سرحال، عن رأيه في موضوع نسخ أو استنساخ الأجنة البشرية فأشار الى ضرورة التعامل مع هذا الموضوع بطريقة تبرز الفوائد والأخطار. فنجاح عمليات أطفال الأنابيب بتحقيق الحمل محدود نسبياً لا يتعدى 30 في المئة، الأمر الذي يتطلب عودة الزوجين الى العيادة لتكرار المحاولة بكل تفاصيلها وتحضيراتها 3 مرات أو أكثر الى أن يتحقق الحمل. أما عملية الاستنساخ فانها تسمح بأخذ جنين واحد من المرأة ونسخ أجنة عدة منه ثم تثليجها أو تجميدها لاستخدامها لاحقاً في حالة فشل عملية الحمل. وبالطبع فإن هذا الأسلوب يوفر على المرأة مشقة التعرض لمحاولات اضافية لأخذ جنين منها.
من هذا المنطلق لا يرى الدكتور سرحال أي خطأ أخلاقي في ذلك. إلا أن خطورة عملية النسخ وعدم جوازها تكمن في تكرار عملية الحمل والولادة عن طريق استخدام أجنة تحمل المادة الوراثية ذاتها على نحو يؤدي الى ولادة أطفال متشابهين في المظهر والملامح والأفكار والتركيب الوراثي العام بكل تفاصيله. فإذا كانت الغاية من القيام بعملية النسخ هي انقاذ المرأة من تكرار عمليات أطفال الأنابيب فلا ضرر في ذلك.
أما اعادة توالد الأطفال من الجنين ذاته، فإنه عمل خاطئ وخطير وغير أخلاقي. لذلك يتوقع الدكتور سرحال عدم السماح بتطبيق عملية استنساخ البشر في المستقبل. أما استنساخ النبات والحيوان فيمكن الاستفادة منه لتغطية حاجات الانسان الغذائية شريطة عدم استغلاله استغلالاً يخل بالتوازن الطبيعي للبيئة.
اختيار جنس الجنين
بعد نجاح الطب في تحديد جنس الجنين عن طريق أخذ عينة من مشيمة المرأة الحامل أو سحب جزء من ماء رحمها وفحصه بعد مرور 3 أشهر على الحمل، ومع تطور أجهزة السونار ومساهمتها في ذلك النجاح أيضاً، تمكن الباحثون حديثاً من تحقيق انجازين مهمين في هذا المجال:
الانجاز الأول يكمن في القدرة على تحديد جنس الجنين في الأيام الأولى من الحمل، وذلك عن طريق فحص عينة من دم المرأة الحامل ودرس خلاياها الجينية. أما الانجاز الثاني فهو القدرة على فصل الحيوانات المنوية الذكرية عن الأنثوية وتحديد جنس الجنين من خلال حقن الحيوان المنوي المطلوب في البويضة خارج الرحم ثم نقله الى الرحم لينمو جنيناً ذكراً أو أنثى حسب الاختيار. وكان الدكتور معين فضة الخبير في أمراض العقم في مستشفى ليستر في لندن صرّح بهذه المعلومات الى "الوسط"، مشدداً على أن مسألة اختيار جنس الجنين تخضع لاعتبارات وقيود قانونية وأخلاقية تمنع ممارستها في غير مراكز الأبحاث التي يمكنها الاستفادة منها في حالات نادرة بعد التعرف الى الأمراض الوراثية التي تصيب الذكور والاناث.
من جهة أخرى، أكد الدكتور سرحال ل "الوسط" خطورة هذا الموضوع والقيود الشائكة التي تحيط به، مشيراً الى تأييده اختيار جنس الجنين إذا كانت الغاية منه تفادي الأمراض التي لها علاقة بالجنس، كمرض الناعور الهيموفيليا الذي ينتقل غالباً الى الذكور ومرض الحثل العضلي وغيره. هذه الأمراض يمكن تفاديها عن طريق فحص عينة من الجنين في أنابيب الاختبار قبل أن يتجاوز عمره 24 ساعة لتدرس المادة الوراثية ويتم اختيار الجنس الذي لا يحمل المرض. أما إذا كانت الغاية هي محض اجتماعية فلا بد من توخي الحرص لعدم الاخلال بالتركيب الديموغرافي للمجتمع، لذلك فإن من الأفضل ترك موضوع اختيار جنس الجنين للطبيعة، مع اعطاء بعض الحالات الوراثية أو الاجتماعية النادرة الاهتمام الذي تستحقه.
تثليج الحيوانات المنوية والأجنة
من التقنيات الحديثة التي يمكن الإفادة منها في تطوير علاج العقم وتسهيل اجراء عمليات أطفال الأنابيب، تقنية تثليج الحيوانات المنوية والأجنة وخزنها ليمكن استخدامها لعلاج العقم على مدى 5 أو 10 سنوات.
وتوفر هذه التقنية فرصة ذهبية للرجال الذين يكتشفون أنهم مصابون بأمراض خطيرة كالسرطان، وان علاجهم بالأدوية الكيماوية وتعرضهم للمعالجة الاشعاعية سيؤثر في سلامة خصاهم ويشوه حيواناتهم المنوية، وكذلك الرجال الذين يضطرون الى اجراء عمليات إزالة غدة البروستاتا، ما قد ينجم عنها من مضاعفات خطيرة كالعجز الجنسي والاصابة بالعقم. إذ يمكنهم الآن تثليج حيواناتهم المنوية قبل مباشرة العلاج واستخدامها لانجاب أطفال معافين من زوجاتهم بواسطة تقنية أطفال الأنابيب.
وينطبق هذا الحال أيضاً على النساء المصابات بأمراض السرطان وغيرها من الأمراض الخطيرة التي يؤثر علاجها في سلامة المبيض والأجنة ويهدد بتشويهها. كما يوفر حفظ الأجنة على النساء مشقة أخذ أجنة جديدة منه كلما احتجن الى تكرار عملية أطفال الأنابيب.
وأكد الدكتور سرحال والدكتور فضة أهمية هذا الانجاز الطبي لمثل هذه الحالات. إلا أنهما حذرا من القيود والعقبات الاخلاقية والقانونية والاجتماعية التي تحيط بتقنية تثليج الأجنة والحيوانات المنوية وأبديا تخوفهما من سوء استغلالها.
ومن الأمثلة الحية على بشاعة استغلال هذه التقنية ما قام به بعض بنوك الحيوانات المنوية في الولايات المتحدة، اذ اختار عدداً من العلماء والأدباء الحائزين جائزة نوبل الشهيرة وأقنعهم بالتبرع بنماذج من حيواناتهم المنوية، ثم راح يعرض هذه النماذج على من ترغب من النساء في انجاب أطفال عباقرة، على رغم عدم وجود أية أدلة علمية تثبت امكان انتقال الذكاء من الأبوين الى الأطفال بالوراثة.
وفي الولايات المتحدة أيضاً أنجبت رسامة الصور المتحركة الشهيرة كيم كفالي طفلاً من حيوانات منوية مثلجة لزوجها بعد مضي سنتين على وفاته.
وفي فرنسا أجاز القانون للنساء حق استخدام الحيوانات المنوية المثلجة التي يتركها أزواجهن بعد وفاتهم، إذا رغبن في الحمل. أما في بريطانيا فإن القانون لا يعترف بشرعية تبعية الطفل الذي يولد بهذه الطريقة لأبيه المتوفي وذلك تفادياً للمشاكل المتعلقة بالإرث.
ولا تخلو عملية تخزين الحيوانات المنوية من المشاكل نظراً الى احتمال هلاك 50 في المئة منها أثناء عملية التثليج والذوبان. ومن حسن الحظ ان الأدلة تشير الى أن الحيوانات المنوية التي تهلك هي في معظمها غير طبيعية أو مشوهة، ما يقلل من عدد الأطفال الذين يحتمل أن يولدوا بتشوهات خلقية. كما تؤدي عملية تثليج الأجنة الى احتمال هلاك 40 في المئة منها أثناء تعرضها للذوبان، وهذا ما دفع بعض المعارضين لتقنيات أطفال الأنابيب الى اعتبارها وسيلة لقتل الأطفال.
وسألت "الوسط" الدكتور سرحال عن رأيه في احتمال ولادة أطفال الأنابيب بتشوهات خلقية نتيجة التلقيح الاصطناعي، فأجاب ان هذا الاحتمال لا يتعدى ما يمكن وقوعه في حالات الحمل الطبيعية. أما عن احتمال انتقال عدوى الايدز الى الجنين نتيجة لاستخدام أجنة أو حيوانات منوية من متبرعين مجهولين، فأشار الى أن جميع المتبرعين والمتبرعات بالحيوانات المنوية أو الأجنة يخضعون لفحوص شاملة لكشف الأمراض الجنسية والتناسلية بما فيها أمراض الايدز والتهاب الكبد.
ما يجيزه الشرع وما يحرمه ... وترفضه الأخلاق
يواكب هذه الانجازات الطبية جدل واسع حول أحكام الشرع في قضايا أطفال الأنابيب والحمل بعد سن اليأس و"النسخ" أو "الاستنساخ" للاطفال واختيار جنس الجنين. التقت "الوسط" عدداً من علماء الدين الاسلامي لجلاء هذا الموضوع.
يقول الدكتور احمد عمر هاشم نائب رئيس جامعة الأزهر ورئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري: "ان مسألة اطفال الأنابيب مرفوضة شرعاً لأنها قد تتسبب في خلط الأنساب. ولوضع ضوابط لشرعية هؤلاء الأطفال لا بد من التأكد من ان الماء ماء الزوج، والبويضة بويضة الزوجة، وانه ليس هناك أدنى لبس أو شك، ثم يكون ذلك في الرحم إما لمرض وإما لضعف وإما عذر قهري".
وعن رأي الشريعة الاسلامية في موضوع "نسخ" أو "استنساخ" الأطفال قال: "هذا تشويه لخلقة الله، وغير جائز شرعاً، وعلى الانسان الا يتدخل في ما اراد الله من خلقه، لذلك لا يمكن شرعاً ان تتدخل كي تنسخ طفلاً مثل آخر".
وأضاف: "ان تدخل بعضهم في مسألة تحديد جنس الجنين امر غير جائز، اذ قال تعالى "لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء اناثاً ويهب لمن يشاء ذكوراً أو يزوجهم ذكراناً واناثاً ويجعل من يشاء عقيما".
ورأى هاشم "ان محاولة المرأة بعد سن اليأس الانجاب عن طريق عملية جراحية غير جائز ايضاً والأفضل ان يترك الأمر بالنسبة الى الرجال أو النساء والولادة وغير ذلك الى تقرير الله سبحانه وتعالى والا يتدخل الانسان نفسه لأن تدخله يفسد الأمر".
وأكد "ان وجود بنوك للحيوانات المنوية لانجاب أطفال ذوي طبيعة خاصة أمر غير جائز شرعاً وخطأ لما يترتب عليه من الفساد واختلاط الأرحام وفي ذلك شبه زنا، فكيف تستخدم امرأة الحيوان المنوي لرجل غريب عنها؟".
وذكر الدكتور أحمد صبحي منصور المفكر الاسلامي والاستاذ السابق في جامعة الأزهر "ان اطفال الأنابيب لا تحريم فيها اذا كان الأب معروفاً وأخذ منه الحيوان المنوي لادخاله في الزوجة، أي انه نقل من مكان الى مكان في اطار شرعي، وذلك بقصد عدم الزنا ولظروف خاصة بأحد الزوجين، وما دام لا يؤثر في نسب الطفل الى ابيه فلا تحريم. أما موضوع "نسخ" او "استنساخ" الأطفال، فاعتقد انه لا يصح علمياً لأن الحيوانات المنوية التي تعد بالملايين تحمل صفات مختلفة للانسان. ولكي يتشكل السلم الوراثي للجنين لا بد من اختلاف الحيوانات المنوية، وقرأت ان هناك ملايين الاحتمالات لملامح الجنين من طول وحجم ولون، وان الله يختار احتمالاً واحداً فقط، وقال تعالى "هو الذي صوركم في الأرحام كيف يشاء". وبذلك لا يستطيع الانسان التدخل في نوع الجنين أو ملامحه علمياً وشرعياً".
وعن رأي الشرع في مسألة تحديد جنس الجنين يقول الدكتور منصور: "هناك كثير من الناس يفهمون خطأ قوله تعالى "يعلم ما في الأرحام، فليس المقصود اذا كان ذكراً أو أنثى فقط بل هو معنى مطلق لكل ما في الرحم، ولذلك لا يمكن للانسان ان يهتك جدار المستقبل، ولو ان الله سبحانه وتعالى سمح للانسان بقدر من التدخل في اكتشاف ما سخره له ولكن في نطاق معلوم، وهذه مسألة خطيرة جداً وتحتاج الى دراسة وأبحاث كبيرة حتى تصدر فتوى شرعية بتحليل تلك المسألة أو تحريمها".
أما موقف الشرع من مسألة انجاب المرأة بعد سن الخمسين عن طريق الجراحة فأكد الدكتور منصور، "ان القرآن الكريم تعرض لذكر زوجة ابراهيم عليه السلام وهي عجوز عقيم لا تنجب وامرأة زكريا عليه السلام وهي عقيم في سن اليأس وقد انجبتا، وهذا مسموح به شرعاً، لأن الاباحة هي الأساس في الاسلام والتحريم هو الاستثناء".
ورأى "ان بنوك الحيوانات المنوية لاختيار مولود ذي صفات وطبيعة خاصة، محرم شرعاً، لأن الأساس في الزواج هو حفظ الأنساب، لذلك لا يمكن ان تستخدم انثى حيوانات منوية لرجل غريب عنها، لأن في ذلك ضياعاً للانساب".
التلقيح إهدار للكرامة
قضية التلقيح الاصطناعي تحدث عنها الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف في القاهرة، قال: "ان هذا الأمر محرم شرعاً لأنه ينطوي على اهدار لكرامة الانسان لجهة ما قد يسببه من اختلاط الانساب، وتفكك روابط العلاقات الانسانية. ومن الواضح في حالة التلقيح الاصطناعي انه يمكن ان تحدث اخطاء كثيرة وتختلط الحيوانات الذكرية بعضها مع بعض ولا يعرف أي الحيوانات تخص هذه البويضة، وأيها يخص الاخرى. وبذلك يفقد المجتمع بذلك كرامة هؤلاء الأبناء. اذن فالتلقيح الاصطناعي لا يقره الدين أياً كانت الظروف فهي حرام، حرام".
كما ان الفتاة التي تقبل لنفسها ان تلقح اصطناعياً تهدر بذلك كرامتها، لأنها تحمل بماء شخص لا تعرفه. ثم هي عندما تلد سيكون الولد مبتور الصلة لا يتعرف الى ابيه أو أعمامه وأخواله فيفقد كل مقومات الحياة، ويفقد حب الانتماء الى اسرة، كما يفقد الانتماء الى الوطن. وبذلك يكون الولد عاراً على امه التي انجبته وشقاء لها وتعاسة لمن حولها، لأنهم فرحوا بالحياة الدنيا ورضوا بها، ولم يقرأوا عواقب المستقبل وما يصيب الكيان الاجتماعي من وراء ذلك".
وتطرق الشيخ عبيد الى عمليات "نسخ" الأجنة، قال: "ان كل هذا اللون من الحمل حرام وكان ذلك معروفاً في الجاهلية بما يسمى "الاستبضاع" حيث كانت المرأة تذهب الى من يعجبها وتسمح له بمضاجعتها لتحمل منه، لكن الأمر اختلف الآن واصبح نقل الحيوانات المنوية يسري عليه حكم الزنا، لأن المرأة التي تفعل ذلك تضع في نفسها ماء رجل لا تعرفه، ويضاف الى ذلك تشويه صورة الجنين، بل اصابته بالأمراض منذ الصغر لأنه لم يرو بماء الأب، ولم يعرف له أصل أو فرع، لذلك فانني اؤكد ان ذلك حرام، واحذر من التعامل مع مثل هذا اللون من الأعمال لأنه يكون سبباً في قطع أواصر العلاقات الانسانية وانهيار القيم لدى الاسر".
الجنس والاستنساخ
وللدكتور عبدالستار أبو غدة عضو مجمع الفقه الاسلامي رأي في موضوع نسخ أو استنساخ البشر. ويقول: "إن الاقدام على تطبيق الاستنساخ في الانسان لا ينفك عن الوقوع في تجهيل الأنساب وانقطاع التناسل الذي ناط الله به القرابة بأنواعها، لهذا يعتبر الاستنساخ في مجال الانسان من مواطن الخطر، وأن ما يبذل في سبيل ذلك من جهود هي كذلك الا بالقدر الذي تطلبه أغراض العلاج والتداوي".
وفي موضوع التحكم بجنس الجنين بعد تشخيصه، يقول الدكتور أبو غدة ان ذلك يعتبر "من باب الاصطفاء لأحد الجنسين على الآخر، وأن هذا التحكم اذا تم بوسائل صحيحة فهو سائغ كما يسوغ الدعاء بطلب جنس معين. ومن المقرر أن ما يحرّم فعله يحرّم طلبه وأن من شروط الدعاء ألا يسأل أمراً محرماً. وقد سأل نبي الله زكريا عليه السلام ان يرزقه الله ذكراً ليصلح ولياً يرث من ميراث النبوة". وأضاف: "ان مثل هذا المسعى اذا جاء على نطاق فردي شخصي لا غبار عليه وهو بمنأى عن توهم منافاته لحصر العلم بالأرحام في جملة الأمور الخمسة التي استأثر الله بعلمها، فان ذلك العلم ليس حاصلاً بوسيلة ولا هو مسبوق بجهل ولا هو محفوف بظن".
ويقول الدكتور محمد علي البار استاذ الطب الاسلامي في جامعة الملك سعود "ان عدم الاخصاب او ندرته يعتبر مرضاً من الأمراض التي يندب اليها التداوي، وقد طلب الانبياء عليهم السلام من الله سبحانه وتعالى ان يهب لهم ذرية طيبة. قال تعالى وهو يصف نداء زكريا في طلب الذرية "كهيعص. ذكر رحمة ربك عبده زكريا. اذ نادى ربه نداء خفياً. قال ربّ اني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربّ شقياً. واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضياً". سورة مريم 1 - 6
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عباد الله تداووا، فان الله لم يضع داء الا وضع له شفاء غير داء واحد هو الهرم". والأحاديث في طلب التداوي والحث عليه كثيرة ولا خلاف عند المسلمين على طلب العلاج من ندرة الاخصاب - وهو ما يعرف باسم العقم - بشرط الا يؤدي ذلك الى اختلاط الأنساب وان يقع الاخصاب بين زوجين اثناء انعقاد الزوجية - والعقد غير منفصم بموت أو طلاق - ومن دون تدخل طرف ثالث في الانجاب.
والطرف الثالث الذي اقصده ينقسم الى: نطفة ذكرية من متبرع أو بأجر، نطفة انثوية بيضة من امرأة اخرى غير الزوجة، لقيحة جاهزة زايجوت مما هو معروف باسم الأجنة الفائضة من مشاريع اطفال الأنابيب، امرأة متبرعة أو بأجر برحمها لتحمل جنيناً وهو ما يعرف باسم "Surrogate Mother".
متي يجوز التلقيح
ويضيف الدكتور البار: "ان الفتاوى الصادرة عن دور الافتاء والمجامع الفقهية وكبار العلماء في العصر الحديث اتفقت على جواز التلقيح بماء الزوج وبيضة زوجته سواء تم ذلك التلقيح داخلياً أو خارجياً متى دعت الحاجة الى ذلك. ويمنع ما عدا ذلك من الطرق.
وقد نصت فتوى مجمع الفقه الاسلامي في الدورة الثالثة التي عقدت في عمان في 11 تشرين الأول/ اكتوبر 1986 على جواز ان تؤخذ نطفة زوج وبيضة من زوجته ويتم التلقيح خارجياً ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة، وان تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها ليتم التلقيح داخلياً. وأكد المجمع ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب أي خطأ أو لبس.
ونصت فتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الاسلامي في دورته الثامنة المنعقدة في مكة المكرمة 19 - 28 كانون الثاني/ يناير 1985 على بعض التفاصيل المهمة نذكر منها:
حكم التلقيح الاصطناعي:
1 - ان حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل، وحاجة زوجها الى الولد تعتبر غرضاً مشروعاً يبيح معالجتها بالطريقة المباحة عن طريق التلقيح الاصطناعي.
2 - ان الاسلوب الأول الذي تؤخذ فيه النطفة الذكرية من رجل متزوج ثم تحقن في رحم زوجته نفسها في طريقة التلقيح الداخلي هو اسلوب جائز شرعاً بالشروط العامة الآنفة الذكر، وذلك بعد ان تثبت حاجة المرأة الى هذه العملية من اجل الحمل.
3 - ان الاسلوب الثالث الذي تؤخذ فيه البذرتان الذكرية والانثوية من رجل وامرأة زوجين احدهما للآخر ويتم تلقيحهما خارجياً في انبوب اختبار، ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة هو اسلوب مقبول مبدئياً في ذاته بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تماماً من موجبات الشك في ما يستلزمه ويحيط به من ملابسات، فينبغي ألا يلجأ اليه الا في حالات الضرورة القصوى، وبعد ان تتوافر الشروط العامة الآنفة الذكر.
4 - وفي حالتي الجواز الاثنتين يقرر المجمع ان نسب المولود يصدر من الزوجين مصدري البذرتين، ويتبع الميراث والحقوق الأخرى ثبوت النسب. فحين يثبت نسب المولود من الرجل والمرأة يثبت الارث وغيره من الأحكام بين الولد ومن التحق نسبه به.
5 - اما الأساليب الأخرى من اساليب التلقيح الاصطناعي في الطريقين الداخلي والخارجي مما سبق بيانه فجميعها محرمة في الشرع الاسلامي لا مجال لاباحة شيء منها لأن البذرتين الذكرية والانثوية فيها ليستا من زوجين، او لأن المتطوعة بالحمل هي أجنبية عن الزوجين مصدر البذرتين.
ونظراً الى ما في التلقيح الاصطناعي عموماً من ملابسات حتى في الصورتين الجائزتين شرعاً، ومن احتمال اختلاط النطف واللقائح في أوعية الاختبار، خصوصاً اذا كثرت ممارسته وشاعت، فان مجلس المجمع الفقهي ينصح الحريصين على دينهم بألا يلجأوا الى ممارسته الا في حالة الضرورة القصوى وبمنتهى الاحتياط والحذر من اختلاط النطف او اللقائح.
وجاء في قرار مجمع الفقه الاسلامي 14 - 20 آذار/ مارس 1990 في جدة في شأن البيضات الملقحة الزائدة عن الحاجة ما يلي:
1 - في ضوء ما تحقق علمياً من امكان حفظ البيضات غير الملقحة للسحب منها، يجب عند تلقيح البيضات الاقتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة تفادياً لوجود فائض من البيضات الملقحة.
2 - اذا حصل فائض من البيضات الملقحة بأي وجه من الوجوه تترك من دون عناية طبية الى ان تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي.
3 - يحرم استخدام البيضة الملقحة في امرأة اخرى. ويجب اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البيضة الملقحة في حمل غير مشروع.
وقد منع المجمع ايضاً استخدام الغدد التناسلية المبيض والخصية لزرع الأعضاء. ويذكر ان المؤتمر الدولي الأول عن الضوابط والاخلاقيات في بحوث التكاثر البشري في العالم الاسلامي المنعقد في القاهرة 10 - 13 كانون الأول/ ديسمبر 1991 ذكر ان الأبحاث العلمية اكدت ان افضل النتائج في طريقة طفل الأنابيب هي عندما يتراوح عدد الأجنة المنقولة الى رحم المرأة ما بين ثلاثة وأربعة. ولهذا ينبغي الاقتصار على هذا العدد. بينما يمكن الاحتفاظ بواسطة التبريد باللقائح الفائضة، وهي ملك للزوجين، ويمكن ان تستخدم لنقلها الى الزوجة في دورة علاجية تالية عند فشل العلاج السابق، او عندما يريد الزوجان طفلاً آخر، وكل ذلك خلال فترة سريان عقد الزواج. كما انه يمكن الافادة منها في اجراء البحوث على طرق الحفظ شرط الحصول على الموافقة السابقة من الزوجين. ولا تنقل هذه العلقات الصواب اللقائح بأي حال من الأحوال الى رحم امرأة اخرى. وهو أمر رفضته المجامع الفقهية وندوة المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية في الكويت حيث منعت هذه المجامع تجميد الأجنة واجراء الأبحاث عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.