"القتل من دون استتابة" هذا هو مضمون الفتوى التي أصدرها الشيخ حمود بن العقلاء الشعيبي، أستاذ العقيدة السابق في جامعة الإمام محمد بن سعود، والتي قضت بتكفير المطرب الكويتي عبدالله الرويشد وقتله، وأن يتولى هذا الأمر ولي الأمر في بلده. ونزل الأمر كالصاعقة على رأس الرويشد وأربك حياته وجعله يضطرب جراء شعوره، كما يقول ل"الوسط"، بأنه لم يرتكب ذنباً ولا إثماً، بل ان كل ما فعله كان محاولة ضمن جهوده لإحياء التراث الموسيقي الشرقي الأصيل، من دون أن يتخيل أنه يتلو في غنائه آية قرآنية على الاطلاق. يقول الرويشد ل"الوسط": "انني معروف بالتدين وحب الله ورسوله، وأنا سعيد بحالتي الايمانية المستقرة، ولم يعرف عني التهتك في الغناء، بل أحرص على كل ما هو محترم وراقٍ، فإذا كانت الحال هذا، فهل يعقل أن أورط نفسي بالهزء من كتاب الله... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". بدأت القصة في سهرة مع تلفزيون الكويت، كان الرويشد يؤدي ترنيمات منفردة على العود وحاول أن يدمج "زهيرية" مع أغنية مشهورة له في الكويت عنوانها "يا بو ناصر واعذاب الليل". و"الزهيرية" في الكويت والخليج نمط زجلي من سبعة قوافي على طريقة المواويل في مصر أو "المعنّى" في بلاد الشام ضمن فنون الزجل. وخلال أدائه - يقول الرويشد - "استذكرت زهيرية للمرحوم عبدالعزيز الدويش وكان من الفنانين المشهورين قبل عقود، حيث توفي عام 1965 وهو كتب هذه الزهيرية منذ نحو خمسين سنة، وتقول كلماتها: الحمد لله رب العالمين إياك نعبد وإياك نستعين إياك نتبع طريق الهدى والرزق ويّاك لا تعامل بسوّ بسوء تبي تريد زود زيادة مالك يوم الصحف تنتشر تبي عمل مالك احذر جهنم وحارس بيتها مالك احذر عن عمل الرّدى وايّا الرّدي إياك ثم ينطلق إلى اغنيته بالقول: يا بو ناصر واعذاب الليل... الخ. بعد يوم أو يومين من اذاعة الأغنية في التلفزيون كتب رجل دين في إحدى الصحف المحلية مستنكراً ما حدث. ويبدو أن الحديث حول الأمر وصل إلى الشيخ ابن العقلاء معززاً بشريط مسجل يتضمن أداء الرويشد، فصدرت الفتوى "بالقتل من دون استتابة"، الأمر الذي أثار ردود فعل كثيرة، منها تصريحات لعميد كلية الشريعة الدكتور محمد عبدالغفار الشريف، دعا فيها إلى استفتاء علماء الدين بعد توفير الأدلة الكاملة وتحفظ عن موضوع "القتل من دون استتابة". عند صدور الفتوى كان الرويشد موجوداً في الكويت، أو هو حضر، كما يقول، من سفر وكان يستعد لآخر، فأمضى في الكويت ليلة واحدة غادر بعدها إلى الولاياتالمتحدة حيث كان مرتبطاً بحفل خاص، وهو ما بدا وكأنه اختفاء أو توار عن الأنظار، الأمر الذي ينفيه الرويشد: "فلديّ عقود وارتباطات لا بد من تنفيذها فهناك ما يمكن أن اؤجله ولكن الحفلات الخاصة أو الأعراس التي أنا مرتبط باحيائها لا يمكنني تجاهلها، وأنا حريص على اقتناص أي وقت لرؤية عائلتي وأولادي". ويؤكد الرويشد أن ما غناه كان "تحمداً إلى الله وتقرباً إليه، وكثيرون من رجال الدين يفضلون هذه الطريقة من الغناء وليس المقصود اطلاقاً غناء القرآن، فهذه كبيرة من الكبائر وأنا حريص جداً على عدم الوقوع فيها... وكثير من الغناء العربي القديم ومواويل البحر تتضمن الشكر لله والحمد له والثناء على الرسول الكريم والدعاء والتقرب، وهي أهازيج شعبية دارجة". الشيخ ابن العقلاء بعد الضجة التي ثارت على فتواه، دافع عنها وزاد من ايضاحاته حولها، فهو يؤكد "ان لديه شريطاً للرويشد يغني فيه سورة الفاتحة وأنه تلقى تأكيدات عدة من جهات موثوقة تفيد أن المطرب غنى عدة سور أخرى من القرآن، مما يعتبر اساءة بالغة لكتاب الله ولجميع المسلمين تستوجب قتله من دون استتابة" أي أنه لا يمكن أن يتوب بعد أن ارتكب هذا الذنب العظيم. وأبدى الشيخ ابن العقلاء دهشته لرفض من يطلق عليهم "تيارات إسلامية كويتية" هذه الفتوى، وقال: "إن أي مسلم غيور على دينه لا يمكن ان يرفض هذه الفتوى تحت أي مبرر، ويجب على كل المسلمين التكاتف لتنفيذ هذه الفتوى حتى لا يكون القرآن الكريم معرضاً للاستهزاء من مطربين آخرين ينتمون إلى الإسلام ولكنهم يسيئون إليه". لكن الشيخ ابن العقلاء نبه إلى أنه لم يصدر فتوى بإهدار دم الرويشد وهو ما يعني قتله بواسطة أي مسلم وفي أي مكان، "لكن فتواه نصت على قتله بواسطة ولي الأمر في البلد الذي ينتمي إليه". وحسمت أقوال إمام الحرم المكي الشيخ الدكتور صالح بن حميد لدى وصوله إلى الكويت يوم الأربعاء الماضي الموقف عندما صرح بأن الفتوى "غير ملزمة من الناحية الشرعية، باعتبارها فتوى خاصة وليست حكماً شرعياً أو أمراً قضائياً". وقال: "الفتوى غير رسمية وكل متكلم مسؤول عن كلامه"، في حين أكد الشيخ الدكتور خالد المذكور، رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية في الكويت، على "أن لا يكون الاستفتاء في هذا الموضوع فردياً"، مشيراً إلى "ضرورة الاجتماع في إدارة الافتاء في وزارة الأوقاف والاستماع إلى الشريط وكل ما كتب وثبت وما يتعلق بالموضوع لامتلاك القدرة على الافتاء فيه". ويؤكد الرويشد أنه بعد انجلاء هذه المحنة سيؤدي العمرة، وهو ما كان فعله عشرات المرات، كما أنه سيؤدي فريضة الحج مرة أخرى بعدما أداها قبل سنوات. ويشدد على أنه تعلم درساً مهماً في حياته سيكون عليه أن يستلهم منه العبر، مشدداً على أنه "مسلم أباً عن جد عن أصل ممتد"، وشاكراً كل من أبدى التعاطف معه، ومعرباً في الوقت نفسه عن احترامه لعلماء الدين الأفاضل كافة