تحزم "الواقعية" العربية حقائبها الى العاصمة الأردنية في المحاولة الثالثة والعشرين لجعل القمة العربية مؤسسة تنال رضا المواطن العربي وتدخل حسابات العالم من حولنا كقوة سياسية مؤثرة. فمنذ القمة العربية الطارئة في القاهرة في خريف العام الماضي والتي ولدت قمة عمان كأول انتظام مؤسسي دوري لاجتماعات القادة العرب، تحاول عواصم الضاد ان تتكلم بلسان واحد غير ذي خيال ولا يقترب من شعارات الماضي التي جعلت من اجتماعات القمم السابقة مجرد عدسات واضواء وخطب... وحبر على ورق. العواصم العربية شهدت خلال الأسابيع الثلاثة السابقة لمؤتمر القمة الدوري العربي الأول في عمان موفدين ورسائل ولقاءات على غير مستوى... واجتماعات لوزراء الخارجية والاقتصاد في كل من القاهرةوعمان تمهيداً لجدول الاعمال. والحوارات الساخنة هذه المرة جرت قبل القمة وليس في أروقتها... من مطالب بإدراج قضية الى مناضل ضد إثارة قضايا قد تفجر اللقاء. وجرى تكليف دولتين الأردن ومصر من أجل اعداد توصيات اقتصادية، وثلاث دول الأردن ومصر وقطر لإعداد أرضية محايدة للحوار حول قضية قابلة للانفجار سميت "الحالة" بين العراق والكويت. كل تلك الجهود تمخضت عن مشروع قرار تبدأ ديباجته بالاعتراف الصريح "بالضعف الذي أصاب الأمة خلال السنوات العشر الماضية..." اي منذ غزو الكويت وحرب الخليج الثانية... ومشاريع قرارات اعدها وزراء الخارجية والاقتصاد صيغت بذهنية تبدو واقعية ومستفيدة من تجربة مرة أصابت الجسم العربي بالوهن والترهل، فلم توص بطي أي ملف كبير، بل بفتح تلك الملفات وتقليب صفحاتها للمكاشفة والمصارحة أملاً في طيها مستقبلاً. وبقيت الملفات الثقيلة على رأس جدول الاعمال، من دون ان تلغي ملفات جديدة اصبحت تفرضها ثورة الاتصال وتغير مفاهيم الاقتصاد على المستوى العالمي. جدول أعمال القمة تضمن ثلاثة محاور رئيسية: المحور الأول: ويمكن وضع عنوان رئيسي لهذا المحور - وهو الأثقل في جدول أعمال القمة - وهو ان الوضع العربي لا يمكن ان يحتمل أكثر مما هو عليه اليوم. البند الأول في هذا المحور هو القضية التي احتلت صدارة جداول أعمال جميع القمم العربية العادية والاستثنائية السابقة وهي القضية الفلسطينية. المعادلة التي حكمت مداولات الديبلوماسية العربية تحضيراً للقمة في هذا البند هي ثنائية الانتفاضة ومسيرة السلام. وإذا كان وزراء الخارجية العرب قد أوصوا القمة بصرف 40 مليون دولار من صندوق الانتفاضة لدعم مؤسسات السلطة الفلسطينية، فلا يعني ذلك ان الأمر كاف، بل هم يدركون تماماً مثلما يدرك العالم بأسره ان الاقتصاد الفلسطيني على وشك الانهيار بعد ستة أشهر من الانتفاضة. الجديد في هذا الأمر انه سيطرح أمام القمة مشروع لدعم الانتفاضة كل دولة حسب قدراتها، وتفسير القدرات هنا يتنوع بين المادية واللوجستية والديبلوماسية معاً. على ان دعم الانتفاضة عربياً لا يعني المداولة في "جدوى الانتفاضة"، وهنا يظهر الشق الآخر من المعادلة، وهو مسيرة السلام وما آلت اليه والمأزق الخطير الذي تواجهه. والقرار السهل في هذا الشأن هو تحميل اسرائيل المسؤولية... وهذا صحيح لكنه لن يقدم شيئاً. هنا تبرز أهمية التحركات العربية الأخيرة والاتصالات التي بادرت اليها واشنطن في كل من القاهرة ودمشق وعمان غداة وصول شارون لمقابلة الرئيس بوش. ولأن السلام خيار استراتيجي للعرب وفق مقررات القمم السابقة فإن القرار الجديد في هذا الشأن هو تجديد اعلان الالتزام به والدعوة للعودة الى طاولة المفاوضات بعد وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، على ان يتم ذلك من خلال تشكيل قوة ضغط عربية على المجتمع الدولي للوصول الى ذلك الهدف. هذه القوة التي سيعبر عنها على شكل لجنة من وزراء الخارجية أو الزعماء العرب تهدف الى اعادة تحديد أسس عملية السلام وفقاً لمرجعيات مدريد وأوسلو وقرارات الشرعية الدولية. وفي هذا الصدد يبرز دور عاجل لكل من الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن رئيس القمة والرئيس المصري حسني مبارك اللذين سيتوجهان - كل على حدة - الى واشنطن عقب انتهاء أعمال القمة للبحث مع الادارة الاميركية الجديدة في شؤون المنطقة بشكل معمق بعد الجولة الاستطلاعية التي قام بها وزير الخارجية الاميركي الجديد كولن باول في الشرق الأوسط. أما الملف الثاني الأثقل في المحور السياسي فهو الملف العراقي الذي توصل وزراء الخارجية بعد عناء بحث وصراع الى ادراجه على جدول اعمال القمة تحت تسمية "الحالة بين العراق والكويت". ويستدل من توصية وزراء الخارجية ان قمة عمان لن تغلق الملف العراقي، ولكنها ستحدث ثغرات واضحة في الجدار. ويكشف ديبلوماسي عربي رفيع المستوى انه للمرة الأولى منذ آب اغسطس 1990 يجري حوار "شبه مباشر" بين وزيري خارجية العراق والكويت، ما اعتبره الديبلوماسي المشار اليه تقدماً كبيراً للديبلوماسية العربية وخطوة مشجعة تسبق قمة عمان. تقدمت المواقف العراقية والكويتية من حالة الحرب الدائمة الى حالة المطالبة برفع الحصار في مقابل المطالبة بالاعتذار، وقبل اسبوع واحد من موعد القمة استضافت عمان في يوم واحد مبعوثين للرئيس العراقي وأمير الكويت حملا رسالتين منهما الى رئيس القمة تحملان هذا المضمون. لم تتوصل الديبلوماسية العربية الى التوصية للقمة برفع الحصار عن العراق، ولكنها أوصت بانتهاكات كثيرة للحصار تأخذ في الاعتبار قرارات الشرعية الدولية، ومنها مسألة الطيران المدني وانتقال الاشخاص والبضائع للأغراض المدنية على سبيل المثال، يقابلها البحث في موضوع الأسرى الكويتيين. وفي المقابل لم يغفل جدول الاعمال مطلب جميع دول مجلس التعاون الخليجي بضمانات عراقية مكفولة عربياً ودولياً بعدم تكرار كارثة غزو الكويت... وان النفوس لم تصف بعد. وعلى صعيد متصل، أدركت الديبلوماسية العربية ان قضية "العقوبات الذكية" أو مبدأ فصل الحصار الاقتصادي عن محاصرة النظام ما زالت مجرد أفكار أميركية ولم تصبح قراراً بعد، اذ انها تحتاج الى توافق ما بين الادارة الاميركية والكونغرس والمؤسسة العسكرية، وليس من مؤشرات جدية على ان هذا التوافق قد حدث بالفعل. وخلاصة القول في هذا الملف ان ما خطط له وزراء الخارجية العرب للقمة هو تسجيل خطوة للامام تبنى على "خطوة قمة الدوحة" في ظل قناعة اقليمية ودولية ان نظام العقوبات على العراق بدأ بالتآكل وليس من الحكمة ان يترك القادة العرب هذا الأمر للتفاعلات الخارجية. وبالعودة الى المحور السياسي الأول فقد وضعت تحت هذا البند عناوين كثيرة منها قضية جزر الامارات والمسألة الليبية بعد محاكمة لوكربي والعقوبات على السودان وعناوين تفصيلية اخرى تخص العلاقات العربية - العربية والعربية مع العالم. المحور الثاني: وهو المحور الاقتصادي، وقد اجتمع في عمان وزراء الاقتصاد العرب لوضع توصياتهم الى القمة انطلاقاً من ورقة عمل اقتصادية أردنية - مصرية مشتركة. تضمنت التوصيات ضمن هذا المحور اربعة بنود رئيسية أولها تنشيط التجارة العربية البينية من خلال تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة باعتماد قواعد منشأ تفصيلية، واستكمال توحيد المواصفات القياسية وتفعيل آلية فض النزاعات التجارية وتحرير تجارة الخدمات، اضافة الى توحيد قواعد واحكام المنشأ وتسريع الجهود لإقامة الاتحاد الجمركي العربي وتبني سياسات موحدة لتنظيم المنافسة ومنع الاحتكار. البند الثاني يتعلق بتهيئة بيئة مناسبة لزيادة الاستثمارات البينية العربية من خلال منع الازدواج الضريبي وحماية الاستثمارات وتعزيز دور المؤسسات المالية العربية. البند الثالث يتعلق بالربط بين الاسواق المالية العربية وانشاء سوق مالية عربية وتشجيع اتفاقات التعاون بين البورصات العربية. اما البند الرابع فيتعلق بتهيئة البنية التحتية المناسبة لدعم التعاون الاقتصادي العربي في مجالات النقل والطاقة والاتصالات من خلال انشاء خطي ملاحة احدهما بحري والآخر بري يربطان المشرق العربي بالمغرب العربي، وفتح المجالات الجوية العربية امام شركات الطيران العربية لتسهيل نقل الركاب وشحن البضائع واعداد دراسات لإنشاء سكك حديد تتوسع في ما بعد لتربط المشرق العربي بالمغرب العربي ايضاً. كذلك استكمال مراحل الربط الكهربائي بين مصر والأردن وسورية ليشمل العراقولبنان، والربط الكهربائي بين كل من المغرب والجزائروتونس ليشمل ليبيا ومصر. وانشاء البنية التحتية اللازمة لربط شبكات الاتصالات بين الدول العربية من خلال شبكة الألياف الضوئية. المحور الثالث، وهو محور تفعيل مؤسسات العمل العربي المشترك وعلى رأسها جامعة الدول العربية حيث رأت التوصيات ان تتولى الامانة العامة للجامعة دوراً ديبلوماسياً جديداً، وان تساهم مؤسساتها الاخرى بتفعيل آليات العمل العربي المشترك اضافة الى الحاجة الفورية لإقالة العثرات المالية لهذه المؤسسات كي تقوم بواجبها وهي التي تعاني جراء عدم تسديد الحصص العربية في موازناتها. وخلاصة القول ان قمة عمان تعقد تحت شعار الواقعية العربية ربما للمرة الأولى في تاريخ القمم العربية... وفي ظروف ليست طبيعية ولكنها أفضل مما كان طوال عقد مضى. ويقول مسؤول أردني ان "المزاج" العربي هو الذي سيحكم البحث في جدول الاعمال وبالتالي سيقرر نتائج القمة... هذا المزاج تطور ايجابياً في الآونة الأخيرة وسيساهم في احراز تقدم، لكنه لن يحل كل القضايا العالقة. ويتابع: الذي سيضمن نجاح القمة هو الشعور العربي بالمسؤولية تاريخ القمم العربية يعود تاريخ القمم العربية الى أيار مايو 1946 حيث عقدت قمة انشاص وبحثت مساعدة الشعوب العربية المستعمرة آنذاك لنيل استقلالها، بعدها وفي عام 1956 عقدت قمة عربية اخرى في بيروت لمناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي عليها. ثم وفي عام 1958 عقدت قمة عربية طارئة في الدار البيضاء. غير ان التاريخ الرسمي للقمم العربية بدأ منذ قمة القاهرة من 13 - 17 كانون الثاني يناير 1964 والتي سميت القمة العربية الأولى. ومن أبرز قرارات تلك القمة وضع خطة لتحويل مياه نهر الأردن وفقاً لاقتراح سوري ووضع مشروع لإنشاء كيان فلسطيني. ومنذ ذلك التاريخ عقدت 12 قمة عربية عادية وعشر قمم طارئة، حيث عقدت القمة العادية الثانية في الاسكندرية عام 1964 التي رحبت بقيام منظمة التحرير الفلسطينية. وعقد مؤتمر القمة الثالث في الدار البيضاء من 13 - 17 ايلول سبتمبر 1965 وركز على مواصلة استثمار نهر الأردن وتوحيد الموقف ضد التسلل الاسرائيلي في افريقيا. وانعقد مؤتمر القمة الرابع في الخرطوم عام 1967 واطلق لاءات العرب الثلاث: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف. وانعقد المؤتمر الخامس عام 1969 في الرباط بينما انعقد المؤتمر السادس في الجزائر عام 1973. وفي عام 1974 عقد المؤتمر السابع الذي اعلن القرار العربي الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. واستضافت القاهرة عام 1976 مؤتمر القمة الثامن من أجل دعم لبنان واخماد الحرب الاهلية، بينما استضافت بغداد المؤتمر التاسع عام 1978 في اعقاب كامب ديفيد. واستضافت تونس المؤتمر العاشر عام 1979 الذي اكد على مقررات قمة بغداد. واستضافت العاصمة الأردنيةعمان المؤتمر الحادي عشر وعرف بالقمة الاقتصادية حيث بحث في أربع وثائق للعمل الاقتصادي القومي اضافة الى النزاع العراقي - الايراني والصراع العربي - الاسرائيلي. وفي فاس بالمغرب عقدت القمة الثانية عشرة عام 1981 واستؤنفت في دورة ثانية في المدينة نفسها في العام التالي 1982 وبحثت في العدوان الاسرائيلي على لبنان ومشروع السلام العربي. أما بالنسبة الى مؤتمرات القمة غير العادية، فقد عقد أولها في القاهرة عام 1970، بينما عقدت القمة الثانية في الرياض عام 1976 وانعقدت القمة التاسعة غير العادية في القاهرة العام الماضي.