يوم التأسيس.. يوم التأكيد    مسيرات الحب في ذكرى يوم التأسيس    «غينيس» توثق أكبر عرضة سعودية احتفاء بذكرى «يوم التأسيس» في قصر الحكم    عجيان البانهوف    من فينا المبتكر؟    88% نموا بالتسهيلات الممنوحة للشركات    الأحساء مركز لوجستي عالمي    73994 عقارا جديدا بالتسجيل العيني للعقار    برعاية الملك منتدى دولي لاستكشاف مستقبل الاستجابة الإنسانية    الجامعة العربية: محاولات نزع الشعب الفلسطيني من أرضه مرفوضة    ريال مدريد يستعيد نغمة الانتصارات    " أضواء العريفي" تشارك في اجتماع تنفيذي اللجان الأولمبية الخليجية في الكويت    الفتح لمواصلة الصحوة بالأخدود    مدرب الفتح: سنواصل الانتصارات    أمير الرياض يرعى احتفال الهيئة الملكية لمدينة الرياض وإمارة المنطقة بذكرى يوم التأسيس    السعودية تستضيف النسخة ال 27 لبطولة مجلس التعاون الخليجي للجولف في جدة    ضبط (3) مقيمين مخالفين لتلويثهم البيئة بحرق مخلفات عشوائية في منطقة مكة المكرمة    متحف طارق عبد الحكيم يحتفل ب«يوم التأسيس»    رئيس "سدايا": يوم التأسيس .. اعتزاز ممتد على مدى ثلاثة قرون من الأمجاد والنماء    فيلم رعب في بروكسل    مصر مش بس حلوة هي كلها حاجة حلوة !    دولة التنمية ودول «البيان رقم 1»    ماذا يعني هبوط أحُد والأنصار ؟    الاتحاد على عرش الصدارة    330 لاعباً يتنافسون في اليوم الثاني لبطولة الاتحاد السعودي للسهام بجازان    واشنطن تقترح «نهاية سريعة» لحرب أوكرانيا    لماذا يحتفل السعوديون بيوم التأسيس ؟    وزارة الداخلية تختتم مبادرة "مكان التاريخ" احتفاءً بيوم التأسيس في المركز الأمني التاريخي بالجبيلة    محمد بن زقر في ذمة الله !    «الثقافة» تختتم حفلات يوم التأسيس ب «ليلة السمر» مع رابح صقر في أجواء استثنائية    الاتحاد صديقي    الأمر بالمعروف في جازان تحتفي "بيوم التأسيس" وتنشر عددًا من المحتويات التوعوية    أطماع إسرائيلة مستمرة ومساع لتدمير فلسطين    إحباط تهريب 525 كجم من القات    الجهات الأمنية بالرياض تباشر واقعة إطلاق نار بين أشخاص مرتبطة بجرائم مخدرات    تركيب اللوحات الدلالية للأئمة والملوك على 15 ميدانا بالرياض    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة العنود بنت محمد    هيئة الهلال الأحمر بنجران ‏تشارك في احتفالات يوم التأسيس 2025    فرع "هيئة الأمر بالمعروف" بنجران يشارك في الاحتفاء بيوم التأسيس    حملة توعوية عن "الفايبروميالجيا"    وادي الدواسر تحتفي ب "يوم التأسيس"    برعاية مفوض إفتاء جازان "ميديا" يوقع عقد شراكة مجتمعية مع إفتاء جازان    آل برناوي يحتفلون بزواج إدريس    برعاية ودعم المملكة.. اختتام فعاليات مسابقة جائزة تنزانيا الدولية للقرآن الكريم في نسختها 33    بنهج التأسيس وطموح المستقبل.. تجمع الرياض الصحي الأول يجسد نموذج الرعاية الصحية السعودي    «عكاظ» تنشر شروط مراكز بيع المركبات الملغى تسجيلها    علماء صينيون يثيرون القلق: فايروس جديد في الخفافيش !    انخفاض درجات الحرارة وتكون للصقيع في عدة مناطق    لا إعلان للمنتجات الغذائية في وسائل الإعلام إلا بموافقة «الغذاء والدواء»    ضبط وافدين استغلا 8 أطفال في التسول بالرياض    لا "دولار" ولا "يورو".." الريال" جاي دورو    انتهاء المرحلة الأولى بتسليم 4 جثامين مقابل "محررين".. الخميس.. عملية تبادل سابعة لأسرى فلسطينيين ومحتجزين إسرائيليين    جدة التاريخية تحتفي بيوم التأسيس وتحتضن فعاليات ثقافية وتراثية متنوعة    تمنت للسعودية دوام التقدم والازدهار.. القيادة الكويتية: نعتز برسوخ العلاقات الأخوية والمواقف التاريخية المشتركة    تعزيز الابتكار في صناعة المحتوى للكفاءات السعودية.. 30 متدرباً في تقنيات الذكاء الاصطناعي بالإعلام    مشروبات «الدايت» تشكل خطراً على الأوعية    جمعية رعاية الأيتام بضمد تشارك في احتفالات يوم التأسيس    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطار دوشنبه آستراخان الروسية ينقل "البضاعة" الأفغانية الأرخص في العالم . أخطبوط المخدرات من "بلاد طالبان" إلى كل مكان !
نشر في الحياة يوم 24 - 12 - 2001

المخدرات اليوم على كل لسان، بعد الإرهاب التفجيري والجرثومي، فارتباطها به غني عن البيان. و"الوسط" تقدم من محطة ترانزيت المخدرات في موسكو مسحاً ميدانياً في محاولة لتقصي الحقائق وتقفي آثار الاخطبوط وصولاً إلى أصوله.
المخدرات بضاعة لا تخضع للقواعد التي تخضع لها البضائع الأخرى. فحسب قانون العرض والطلب يزيد عرض البضاعة بازدياد الطلب عليها وليس العكس. أما بالنسبة إلى المخدرات فالعرض يشجع الطلب. وهذا هو وجه الخطورة ومصدر تفشي المرض وسبب تعذر مكافحته، خصوصاً أن شبكة تهريب المخدرات ذات تنظيم تلقائي معقد يتطور من الداخل، وليس بوسع التدابير الخارجية البدائية أن تؤثر فيه.
والعرض في سوق المخدرات العالمية متطور للغاية. والخيار واسع في هذه السوق، فثمة مخدرات للفقراء وأخرى للأغنياء وللمعدمين الأكثر فقراً وللأثرياء الأكثر ثراء. كما أن سهولة اقتنائها وتنوع أصنافها حافز إضافي لمتعاطيها المستجد وللمدمن عليها. في هذه الظروف تخلق رغبة المدمنين الشاذة للتحول من المستحضرات الضعيفة إلى مخدرات أقوى كل مستلزمات زيادة الطلب عليها. ويزداد الطلب بأسرع ما يمكن على المخدرات الأغلى والأشد مفعولاً. وطالما يؤدي نشاط تجار المخدرات إلى زيادة عدد المدمنين من خلال التنويع وتيسير الاقتناء، فالعرض يتحكم بالطلب وينشطه.
فمن أين للتجار بهذه الكميات الوفيرة من المخدرات؟ يؤكد مسؤول كبير في جمارك الحدود الروسية أن التوسع الكبير في انتشار المخدرات ينطلق أساساً من أفغانستان. صحيح أن في العالم مناطق أخرى لزراعة المخدرات مثل كوريا الشمالية الأفيون والامفيتامين والصين الأفيون والأثدرين واذربيجان والقوقاز الجنوبي الهيرويين والحشيشة وأوكرانيا الخشخاش والماريغوانا ودول البطليق الامفيتامين والاكستازي وهولندا وبولندا والمانيا المخدرات الكيماوية وكولومبيا وباقي أميركا اللاتينية الكوكايين وافريقيا الوسطى القات والحشيشة، إلا أن الاخطبوط الأفغاني هو الأخطر من حيث الكم على الأقل.
وتقود المعلومات المتوافرة لدى قيادة قوات الحدود الروسية إلى الاستنتاج بأن خطر التوسع الآتي من أفغانستان، ما كان الغرب حتى الآونة الأخيرة أن يدرك طبيعته وأبعاده الحقيقية أو يتظاهر بأنه لا يدركها بالقدر الذي تفتحت به عيناه بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001.
ففي السنوات الأخيرة باتت زراعة المخدرات وانتاجها وتسويقها المصدر الرئيسي لتوفير مستلزمات الحياة عموماً في أفغانستان. وتصرف العائدات المالية من تسويق المخدرات على تلبية حاجات الفصائل العسكرية، بغض النظر عن انتماءاتها وتوجهاتها السياسية. ونظراً إلى العمليات الحربية المستمرة منذ 20 عاماً في أفغانستان، وبسبب عزلتها الدولية، وانهيار اقتصادها، غدا هذا النوع من النشاط الاجرامي أوسع نطاقاً وأكثر تنظيماً، وصار يهدد العالم كله، فضلاً عن آسيا المركزية والوسطى.
وانتاج المخدرات الأفغانية في ازدياد مطرد. ففي العام 1998 كان انتاج الأفيون الخام 300 ألف طن أو أكثر، وبلغ في 1999 نحو 450 ألف طن، وقفز العام 2000 إلى 700 ألف طن. وإذا أخذنا في الاعتبار أن استخلاص الكيلوغرام الواحد من الهيرويين يتطلب حوالي 10 كيلوغرامات من الأفيون الخام، فإن الحجم الاجمالي لهذا المخدر "الثقيل" بلغ في أقل تقدير 70 ألف طن. وبالطبع لم تكن في أفغانستان حتى العام الماضي قدرات تقنية كافية لاستخلاص هذه الكمية الرهيبة من الهيرويين. ولم يكن الهدف الأول انتاجها، بل تكثيف محصول الأفيون الخام حتى ينخفض سعر شرائه من السكان. ولا يعني ذلك بالطبع أن صنع المخدرات الثقيلة في أفغانستان لم يكن في ازدياد، ففي 1997، مثلاً، صادر رجال الحدود الروس بضعة كيلوغرامات من الهيرويين، فيما صادروا العام 1998 حوالي 152 كيلوغراماً، وقفز هذا الرقم العام 1999 إلى 384 كيلوغراماً، وتضاعف تقريباً العام 2000.
وكانت مافيا المخدرات الدولية قد سعت بإصرار إلى تحويل أفغانستان قناة أساسية ودائمة لتهريب المخدرات، فباتت المختبرات الصغيرة لصنع الهيرويين تنصب في كل مكان، حتى في المنازل. ويمكن أن نستخلص في أي منها 40 كيلوغراماً من الهيرويين يومياً، مما جعل أفغانستان تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث انتاجه، وتعطي أكثر من 70 في المئة من اجمالي الانتاج العالمي.
وإلى جانب رخص أسعار المخدرات وإغراق الأسواق الخارجية بها، أسفر تفشي المخدرات عن خسائر بشرية تجاوزت ضحايا الحروب الأفغانية، ففي دول الكومنولث السوفياتي وحدها يموت سنوياً بالتسمم من المخدرات 20 ألف شخص معظمهم في سن الشباب، وعدد الذين يصبحون معاقين أكبر. كما يتصاعد عدد الجرائم الناجمة أساساً عن الادمان على المخدرات والمسكرات، وهي تشكل ثلثي العدد الاجمالي للجرائم.
وتتجه روسيا أيضاً بخطى متسارعة لبلوغ هذه المؤشرات، ولا شك في أن السبب هو اغراق السوق السوداء الروسية بالمخدرات الأفغانية المنشأ، فهي تتعدى 60 في المئة مما يعرض للبيع في هذه السوق.
وتطاول مجسات الأخطبوط الأفغاني كل أرجاء المعمورة، فالأفيون الخام يصل إلى المختبرات الكبيرة، وحتى المصانع، في بيشاور وجلال اباد ثم تسلك المخدرات بعد تصنيعها ست قنوات توصلها إلى أوروبا:
القناة الأولى، بيشاور - كراتشي، ومنها بحراً إلى آسيا والمحيط الهادي والمغرب العربي.
الثانية، جلال آباد - قندهار - جلمند - إيران - تركيا - أوروبا.
الثالثة، قندهار - هيرات - تركمانستان ودول الكومنولث - أوروبا.
الرابعة، قندهار - بلخ - جوزجان - أوزبكستان ودول الكومنولث - أوروبا.
الخامسة، قندز - طاجيكستان - روسيا - أوروبا.
السادسة، بيشاور - شيرتال شمال غربي باكستان - بدخشان الأفغانية - بدخشان الطاجيكية - قيرغيزيا ودول الكومنولث - أوروبا.
كانت هذه المسالك حتى 11 أيلول مأمونة تماماً، ولا تلحق بمافيا المخدرات سوى خسائر طفيفة، لأن مكافحة التهريب على امتداد الحدود الأفغانية مهملة، عدا مجهود حرس الحدود والدوائر الأمنية الإيرانية، وكذلك رجال الحدود الروس المرابطين في طاجيكستان. وكانت مصادر إيرانية أفادت بأن الإيرانيين صادروا في العام 1999 وحده زهاء 40 طناً من المخدرات، فيما كان حصاد الروس أشد تواضعاً.
ومن أسباب ذلك، الفراغ الحقوقي الذي تعاني منه القوات الحدودية الروسية. فهي ترابط في دولة أخرى طاجيكستان ولا يحق لها أن تطارد مهربي المخدرات في العمق الطاجيكي خارج الشريط الحدودي الذي لا يتجاوز عرضه ثلاثة كيلومترات. وإلى ذلك، فإن "مافيوزيّ" المخدرات يستخدمون وسائل اتصال حديثة لا تمتلك قوات الحدود مثلها، ولديهم أجهزة للرؤية الليلية، ويمارسون استطلاعات مكثفة للمنطقة طوال أيام قبيل التهريب. ويشاغلون قوات الحدود بعمليات كاذبة، فيما يجري التهريب الفعلي في أماكن أخرى تحت تغطية نارية من كلا الجانبين الأفغاني والطاجيكي عبر الحدود، مما يؤدي غالباً إلى اشتباكات فعلية يتعذر تفاديها. كما أن المهربين إذا تعرضوا لضربة في موقع حدودي ينتقلون إلى موقع آخر، كما حصل في منطقة أوش القرغيزية على سفوح جبال بامير، حيث قلصوا نشاطهم هناك وحولوا أنظارهم إلى خوجند في طاجيكستان وجوشغا في تركمانستان.
وفي داخل أفغانستان يقوم بتوصيل المخدرات سعاة متخصصون تحرسهم مجموعات من المقاتلين التابعين لقادة ميدانيين يبسطون الحماية لهم. وتقول تقارير روسية انه كان لقادة "طالبان" نفوذ وتأثير بالغان على المهربين، فالكثير من المخدرات المهربة إلى دول آسيا الوسطى يمر عبر المناطق التي كانت تسيطر عليها "طالبان"، خصوصاً مدينة شبرغان في ولاية جوزجان. فمن هذه المدينة يستقل السعاة طائرات مروحية مجهولة الهوية ويوصلون الهيرويين إلى المناطق الحدودية في تركمانستان ويبادلونه بالأسلحة والذخيرة والمؤمن.
إلا أن مصادر أخرى تقول إن حركة "طالبان" لم تكن تمارس زراعة الأفيون بنفسها، بل تكتفي باستيفاء ضريبة على الخشخاش والمحاصيل الأخرى يقدرها الخبراء بثلاثين مليون دولار سنوياً، كما كانت تستوفي ضريبة على نقل "المورفيون" وعلى مختبرات معالجة الأفيون واستخلاص الهيرويين. وتردد أن عائدات تصنيع المخدرات كانت تزود الخزينة الأفغانية اجمالاً بما يراوح بين 100 و150 مليون دولار سنوياً. وكانت وكالات الأنباء نسبت إلى حكومة "طالبان" القول إنها ستغرق العالم كله بالمخدرات. وبالطبع تعتبر روسيا حلقة الوصل الرئيسية بين أفغانستان والغرب. وكل الطرق تؤدي إلى موسكو!
روسيا من ترانزيت إلى استهلاك
يختلف "ترانزيت" المخدرات كثيراً عن "ترانزيت" الركاب، كون محطاته سرعان ما تفقد صفتها التمريرية بعدما تترسب فيها كميات المخدرات المنقولة وتلقى تربة تسويقية صالحة. فما الموجب لمواصلة السفر إذا طاب المقام؟ ويسوق تطور الأوضاع في روسيا وفي محطة موسكو لترانزيت المخدرات أكثر من دليل على صحة هذا الاستنتاج. إذ أن روسيا المترامية الأطراف، تحولت منذ فترة من محطة "ترانزيت" إلى مستهلك كبير للمخدرات. وسوقها الداخلية ذات قدرة استيعابية هائلة. وتفيد مصادر الجمارك أن حصة ترانزيت الهيرويين من اجمالي المخدرات التي وردت إلى روسيا العام 1996 بلغت 6.70 في المئة، فيما تقلصت العام 2000 إلى 6 في المئة على رغم زيادة الأحجام المطلقة لما ورد منه إلى البلاد، مما يعني أن السوق المحلية التهمت معظم المخدرات.
وبالطبع ليست ثمة احصاءات موثوقة، ولا اجماع في الرأي على عدد متعاطي المخدرات في روسيا. وقال وزير الداخلية الروسية بوريس غويزلوف في كلمة ألقاها أخيراً أمام البرلمان إن عدد المرضى المسجلين يبلغ 451 ألفاً، إلا أنه أقر بأن تقديرات الخبراء تصل بهم إلى ثلاثة ملايين. وفي حال شاركوا في الانتخابات النيابية بلائحة مستقلة فستكون لهم كتلة كبيرة في مجلس النواب! إلا أن الخبير الجنرال فلاديمير شاشكوف نائب رئيس الاتحاد الروسي لمكافحة المخدرات يمضي أبعد، فيقول إن عدد متعاطي المخدرات في روسيا يراوح بين 12 و15 مليوناً. ويدرج في هذا العدد المدمنين الذين يقدر عددهم ب3-4 ملايين، والباقون في طور التجريب فقط، يتناولونها من حين لآخر.
ويرى الجنرال شاشكوف ان نسبة تداول المخدرات في الاقتصاد العالمي تراوح بين 30 و35 في المئة. أما حجم التداول في روسيا فقد اختلفت فيه الآراء. يقول بعضهم إنه بليون أو بليون وخمسمئة مليون دولار. ويقول خبراء المركز الذي يعمل فيه شاشكوف إن المبلغ تجاوز 3 بلايين، فيما يقدر الخبراء الغربيون قيمة تداول المخدرات في روسيا ب8-9 بلايين دولار سنوياً.
واللافت أن المخدرات في السوق الروسية باتت في متناول الجميع بعد ما انخفض سعرها كثيراً في الآونة الأخيرة، ففي العام 1995 كان سعر الغرام الواحد من الهيرويين في موسكو 170 دولاراً، وانخفض إلى 60 دولاراً العام 2001، وهو اليوم أرخص بكثير. ولهذه الظاهرة سببان، أولهما أن دول آسيا الوسطى صارت المورد الرئيسي للمخدرات إلى روسيا، حيث تتجاوز حصتها 99 في المئة من كميات المخدرات المعروضة في سوقها. ولا يبدي "بارونات" المخدرات في آسيا الوسطى اهتماماً بالسوق الأوروبية لعلمهم بأنها مقسمة بين مهربي المخدرات الأتراك والأفغان والألبان والنيجيريين. وأفلح مهربو المخدرات من آسيا الوسطى في ازاحة "التجار" الأجانب من السوق الروسية، وكان سلاحهم هو رخص ثمن المخدرات.
والسبب الثاني لانخفاض السعر في الأسابيع الأخيرة هو، في رأي الجنرال شاشكوف، نبأ عدول حكومة "طالبان" عن القرار الذي اتخذته العام الماضي بمنع زراعة الخشخاش في أفغانستان، وتصريحها بعد اندلاع الحرب الأميركية في الأراضي الأفغانية بأنها ستغرق أميركا وأوروبا وروسيا بالمخدرات الرخيصة. ولاحظ المراقبون أن الفلاحين الأفغان رحبوا بهذا القرار. ويتوقع الخبير شاشكوف أن يزيد توارد المخدرات الأفغانية على دول آسيا الوسطى ومنها إلى روسيا. فالطريق مفتوح أمام اللاجئين الأفغان، ولن تضع على الحدود شرطياً لكل طفل يعبرها مع والديه.
أرقام تصاعدية
وإلى ذلك، فالمجتمع الروسي نفسه أكثر انفتاحاً على المخدرات، كما كان طوال الوقت منفتحاً على الفودكا والكحوليات. وتسوق معلومات وزارة الداخلية الروسية للعقد الأخير من القرن العشرين الدليل على تفشي المخدرات بين السكان في خط تصاعدي على نحو مخيف. ففي 1990 بلغ عدد متعاطي المخدرات مليون شخص، وفي 1995 بلغ مليوناً وخمسمئة ألف شخص، وفي 1997 بلغ أكثر من مليونين، ووصل في نهاية القرن إلى ثلاثة ملايين.
وتقول تلك المعلومات إن 10 في المئة من الطلبة والتلاميذ في روسيا في سن تراوح ما بين 14 و18 سنة جربوا المخدرات في 1990. أما نسبة الذين تعاطوها في 1996 فقد زادت إلى 60 في المئة. وتفيد آخر المعلومات الواردة من سان بطرسبورغ، مثلاً، بأن 20 في المئة من التلاميذ حتى في المدارس الابتدائية "جربوا" المخدرات. أما في المدارس الثانوية فإن 30 في المئة من الطلبة يتعاطونها باستمرار! كما زاد عدد النساء المدمنات على المخدرات في السنوات العشر الأخيرة ست مرات. وفي موسكو يقول أطباء المستشفى الرقم 17 لعلاج المدمنين على المخدرات إن رجال الشرطة يجلبون إليهم كل 24 ساعة حوالي 400 مدمن، بينهم أحداث في الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر لم يعودوا قادرين على حقن الإبرة في أوردة اليدين والساقين، فيضعون الأقراص المخدرة تحت اللسان، ويتربص ببعضهم الموت.
قطار دوشنبه - آستراخان مخصص لألف راكب، إلا أن حامية "آك سراي" على الحدود الروسية عاجزة عن تفتيشه! لأنه يغصّ أحياناً بعشرة آلاف راكب. ويتفنن مضيفو العربات في حشر الركاب حتى في المراحيض. فتجد في المرحاض الواحد أربعة ركاب! ويمتد "الحشر" أربعة أيام بلياليها، هي الفترة التي يمضيها القطار من العاصمة الطاجيكية إلى المدينة الروسية الجنوبية الواقعة في ثغر نهر الفولغا.
ومن المستحيل بالطبع تفتيش أمتعة الركاب، فبسبب القيظ وعناء السفر لن تتمكن من الاقتراب منهم إلا إذا ارتديت كمامة أو صببت على أنفك حُقاً من الكولونيا. وفي دوائر شرطة موسكو ثمة قمرات تعقيم ومبيدات القمل للمشردين، فمن أين لحماية "آك سراي" بمثل تلك الأدوات؟
كل يوم سبت
في هذا القطار بالذات "تستورد" روسيا المخدرات والمتفجرات من أفغانستان. وفي كل يوم سبت "تنتعش" الحياة الرتيبة في آسترخان ويتبدد الملل بوصول القطار إلى محطتها، وينتظره منذ الهزيع الأخير من الليل معسكران بكل ما يلزم من عدة ورجال. الأول رجال الشرطة وجنود الوحدة العسكرية مسلحين بهراوات المطاط، والثاني جمهور من المستقبلين والمتطفلين.
الجنود والشرطة قلقون خائفون من المفاجآت التي يمكن أن يحملها المسافرون القادمون من طاجيكستان والمستقبلون مشغولو البال بالمكاسب والأرباح السريعة التي تسبح نحوهم ناعسة مهتزة بشكل هيرويين ومفرقعات على متن القطار القادم من بعيد.
ولا موجب للحديث عن مآثر يمكن أن يجترحها المعسكر الأول كما في الأفلام السينمائية، كل ما في الأمر أن جموع المستقبلين تقتحم القطار بعد تعرضه لتفتيش خفيف في مخفر "آك سراي"، ويلقي الواحد منهم الصرر والحقائب والأكياس على الكتفين ويحاولون عبور حاجز الشرطة دفعة واحدة، وتلاحظ في هذا السياق أحياناً لقطات أشبه بمصارعة الثيران. وليس في أساليب "تجار المخدرات" هؤلاء شيء من الفطنة والذكاء.
ويزيد في الطين بلة، ان "سعاة" المخدرات العائدين إلى طاجيكستان يهجمون على القطار في تلك اللحظة لاحتلال مقاعدهم، وعددها أقل بكثير من عددهم. لأن معظم السعاة القادمين من طاجيكستان يعودون إليها في الحال بعد أن يفرغوا "حمولتهم" على رصيف المحطة. ولا أحد يقوى على اخراجهم من العربات، فلدى كثير من المستقبلين قيود حديدية وعصي يحطمون بها نوافذ القطار عندما يشتاطون غضباً.
وبالطبع تستخدم كل سبل التهريب. وأبسطها أن يجد رجال الجمارك 493 غراماً من الهيرويين في حقيبة يد امرأة طاجيكية! وأكثرها انتشاراً بلغ الكبسولات الحاوية للمخدرات وتقيؤها في ما بعد أو اخراجها مع الغائط! ولذا ففي آسترخان الموبوءة يمكنك أن تشتري المخدرات بأرخص سعر في العالم، زهاء دولارين للغرام.
وفي كل الأحوال تبقى جذور المخدرات في تربة أفغانستان نفسها. وما لم ينشأ في هذه البلاد نظام يعترف بأصول القانون الدولي ويعترف به المجتمع الدولي، فإن مكافحة المخدرات ستبقى في فلك معالجة النتائج وليس الأسباب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.