المخدرات اليوم على كل لسان، بعد الإرهاب التفجيري والجرثومي، فارتباطها به غني عن البيان. و"الوسط" تقدم من محطة ترانزيت المخدرات في موسكو مسحاً ميدانياً في محاولة لتقصي الحقائق وتقفي آثار الاخطبوط وصولاً إلى أصوله. المخدرات بضاعة لا تخضع للقواعد التي تخضع لها البضائع الأخرى. فحسب قانون العرض والطلب يزيد عرض البضاعة بازدياد الطلب عليها وليس العكس. أما بالنسبة إلى المخدرات فالعرض يشجع الطلب. وهذا هو وجه الخطورة ومصدر تفشي المرض وسبب تعذر مكافحته، خصوصاً أن شبكة تهريب المخدرات ذات تنظيم تلقائي معقد يتطور من الداخل، وليس بوسع التدابير الخارجية البدائية أن تؤثر فيه. والعرض في سوق المخدرات العالمية متطور للغاية. والخيار واسع في هذه السوق، فثمة مخدرات للفقراء وأخرى للأغنياء وللمعدمين الأكثر فقراً وللأثرياء الأكثر ثراء. كما أن سهولة اقتنائها وتنوع أصنافها حافز إضافي لمتعاطيها المستجد وللمدمن عليها. في هذه الظروف تخلق رغبة المدمنين الشاذة للتحول من المستحضرات الضعيفة إلى مخدرات أقوى كل مستلزمات زيادة الطلب عليها. ويزداد الطلب بأسرع ما يمكن على المخدرات الأغلى والأشد مفعولاً. وطالما يؤدي نشاط تجار المخدرات إلى زيادة عدد المدمنين من خلال التنويع وتيسير الاقتناء، فالعرض يتحكم بالطلب وينشطه. فمن أين للتجار بهذه الكميات الوفيرة من المخدرات؟ يؤكد مسؤول كبير في جمارك الحدود الروسية أن التوسع الكبير في انتشار المخدرات ينطلق أساساً من أفغانستان. صحيح أن في العالم مناطق أخرى لزراعة المخدرات مثل كوريا الشمالية الأفيون والامفيتامين والصين الأفيون والأثدرين واذربيجان والقوقاز الجنوبي الهيرويين والحشيشة وأوكرانيا الخشخاش والماريغوانا ودول البطليق الامفيتامين والاكستازي وهولندا وبولندا والمانيا المخدرات الكيماوية وكولومبيا وباقي أميركا اللاتينية الكوكايين وافريقيا الوسطى القات والحشيشة، إلا أن الاخطبوط الأفغاني هو الأخطر من حيث الكم على الأقل. وتقود المعلومات المتوافرة لدى قيادة قوات الحدود الروسية إلى الاستنتاج بأن خطر التوسع الآتي من أفغانستان، ما كان الغرب حتى الآونة الأخيرة أن يدرك طبيعته وأبعاده الحقيقية أو يتظاهر بأنه لا يدركها بالقدر الذي تفتحت به عيناه بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001. ففي السنوات الأخيرة باتت زراعة المخدرات وانتاجها وتسويقها المصدر الرئيسي لتوفير مستلزمات الحياة عموماً في أفغانستان. وتصرف العائدات المالية من تسويق المخدرات على تلبية حاجات الفصائل العسكرية، بغض النظر عن انتماءاتها وتوجهاتها السياسية. ونظراً إلى العمليات الحربية المستمرة منذ 20 عاماً في أفغانستان، وبسبب عزلتها الدولية، وانهيار اقتصادها، غدا هذا النوع من النشاط الاجرامي أوسع نطاقاً وأكثر تنظيماً، وصار يهدد العالم كله، فضلاً عن آسيا المركزية والوسطى. وانتاج المخدرات الأفغانية في ازدياد مطرد. ففي العام 1998 كان انتاج الأفيون الخام 300 ألف طن أو أكثر، وبلغ في 1999 نحو 450 ألف طن، وقفز العام 2000 إلى 700 ألف طن. وإذا أخذنا في الاعتبار أن استخلاص الكيلوغرام الواحد من الهيرويين يتطلب حوالي 10 كيلوغرامات من الأفيون الخام، فإن الحجم الاجمالي لهذا المخدر "الثقيل" بلغ في أقل تقدير 70 ألف طن. وبالطبع لم تكن في أفغانستان حتى العام الماضي قدرات تقنية كافية لاستخلاص هذه الكمية الرهيبة من الهيرويين. ولم يكن الهدف الأول انتاجها، بل تكثيف محصول الأفيون الخام حتى ينخفض سعر شرائه من السكان. ولا يعني ذلك بالطبع أن صنع المخدرات الثقيلة في أفغانستان لم يكن في ازدياد، ففي 1997، مثلاً، صادر رجال الحدود الروس بضعة كيلوغرامات من الهيرويين، فيما صادروا العام 1998 حوالي 152 كيلوغراماً، وقفز هذا الرقم العام 1999 إلى 384 كيلوغراماً، وتضاعف تقريباً العام 2000. وكانت مافيا المخدرات الدولية قد سعت بإصرار إلى تحويل أفغانستان قناة أساسية ودائمة لتهريب المخدرات، فباتت المختبرات الصغيرة لصنع الهيرويين تنصب في كل مكان، حتى في المنازل. ويمكن أن نستخلص في أي منها 40 كيلوغراماً من الهيرويين يومياً، مما جعل أفغانستان تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث انتاجه، وتعطي أكثر من 70 في المئة من اجمالي الانتاج العالمي. وإلى جانب رخص أسعار المخدرات وإغراق الأسواق الخارجية بها، أسفر تفشي المخدرات عن خسائر بشرية تجاوزت ضحايا الحروب الأفغانية، ففي دول الكومنولث السوفياتي وحدها يموت سنوياً بالتسمم من المخدرات 20 ألف شخص معظمهم في سن الشباب، وعدد الذين يصبحون معاقين أكبر. كما يتصاعد عدد الجرائم الناجمة أساساً عن الادمان على المخدرات والمسكرات، وهي تشكل ثلثي العدد الاجمالي للجرائم. وتتجه روسيا أيضاً بخطى متسارعة لبلوغ هذه المؤشرات، ولا شك في أن السبب هو اغراق السوق السوداء الروسية بالمخدرات الأفغانية المنشأ، فهي تتعدى 60 في المئة مما يعرض للبيع في هذه السوق. وتطاول مجسات الأخطبوط الأفغاني كل أرجاء المعمورة، فالأفيون الخام يصل إلى المختبرات الكبيرة، وحتى المصانع، في بيشاور وجلال اباد ثم تسلك المخدرات بعد تصنيعها ست قنوات توصلها إلى أوروبا: القناة الأولى، بيشاور - كراتشي، ومنها بحراً إلى آسيا والمحيط الهادي والمغرب العربي. الثانية، جلال آباد - قندهار - جلمند - إيران - تركيا - أوروبا. الثالثة، قندهار - هيرات - تركمانستان ودول الكومنولث - أوروبا. الرابعة، قندهار - بلخ - جوزجان - أوزبكستان ودول الكومنولث - أوروبا. الخامسة، قندز - طاجيكستان - روسيا - أوروبا. السادسة، بيشاور - شيرتال شمال غربي باكستان - بدخشان الأفغانية - بدخشان الطاجيكية - قيرغيزيا ودول الكومنولث - أوروبا. كانت هذه المسالك حتى 11 أيلول مأمونة تماماً، ولا تلحق بمافيا المخدرات سوى خسائر طفيفة، لأن مكافحة التهريب على امتداد الحدود الأفغانية مهملة، عدا مجهود حرس الحدود والدوائر الأمنية الإيرانية، وكذلك رجال الحدود الروس المرابطين في طاجيكستان. وكانت مصادر إيرانية أفادت بأن الإيرانيين صادروا في العام 1999 وحده زهاء 40 طناً من المخدرات، فيما كان حصاد الروس أشد تواضعاً. ومن أسباب ذلك، الفراغ الحقوقي الذي تعاني منه القوات الحدودية الروسية. فهي ترابط في دولة أخرى طاجيكستان ولا يحق لها أن تطارد مهربي المخدرات في العمق الطاجيكي خارج الشريط الحدودي الذي لا يتجاوز عرضه ثلاثة كيلومترات. وإلى ذلك، فإن "مافيوزيّ" المخدرات يستخدمون وسائل اتصال حديثة لا تمتلك قوات الحدود مثلها، ولديهم أجهزة للرؤية الليلية، ويمارسون استطلاعات مكثفة للمنطقة طوال أيام قبيل التهريب. ويشاغلون قوات الحدود بعمليات كاذبة، فيما يجري التهريب الفعلي في أماكن أخرى تحت تغطية نارية من كلا الجانبين الأفغاني والطاجيكي عبر الحدود، مما يؤدي غالباً إلى اشتباكات فعلية يتعذر تفاديها. كما أن المهربين إذا تعرضوا لضربة في موقع حدودي ينتقلون إلى موقع آخر، كما حصل في منطقة أوش القرغيزية على سفوح جبال بامير، حيث قلصوا نشاطهم هناك وحولوا أنظارهم إلى خوجند في طاجيكستان وجوشغا في تركمانستان. وفي داخل أفغانستان يقوم بتوصيل المخدرات سعاة متخصصون تحرسهم مجموعات من المقاتلين التابعين لقادة ميدانيين يبسطون الحماية لهم. وتقول تقارير روسية انه كان لقادة "طالبان" نفوذ وتأثير بالغان على المهربين، فالكثير من المخدرات المهربة إلى دول آسيا الوسطى يمر عبر المناطق التي كانت تسيطر عليها "طالبان"، خصوصاً مدينة شبرغان في ولاية جوزجان. فمن هذه المدينة يستقل السعاة طائرات مروحية مجهولة الهوية ويوصلون الهيرويين إلى المناطق الحدودية في تركمانستان ويبادلونه بالأسلحة والذخيرة والمؤمن. إلا أن مصادر أخرى تقول إن حركة "طالبان" لم تكن تمارس زراعة الأفيون بنفسها، بل تكتفي باستيفاء ضريبة على الخشخاش والمحاصيل الأخرى يقدرها الخبراء بثلاثين مليون دولار سنوياً، كما كانت تستوفي ضريبة على نقل "المورفيون" وعلى مختبرات معالجة الأفيون واستخلاص الهيرويين. وتردد أن عائدات تصنيع المخدرات كانت تزود الخزينة الأفغانية اجمالاً بما يراوح بين 100 و150 مليون دولار سنوياً. وكانت وكالات الأنباء نسبت إلى حكومة "طالبان" القول إنها ستغرق العالم كله بالمخدرات. وبالطبع تعتبر روسيا حلقة الوصل الرئيسية بين أفغانستان والغرب. وكل الطرق تؤدي إلى موسكو! روسيا من ترانزيت إلى استهلاك يختلف "ترانزيت" المخدرات كثيراً عن "ترانزيت" الركاب، كون محطاته سرعان ما تفقد صفتها التمريرية بعدما تترسب فيها كميات المخدرات المنقولة وتلقى تربة تسويقية صالحة. فما الموجب لمواصلة السفر إذا طاب المقام؟ ويسوق تطور الأوضاع في روسيا وفي محطة موسكو لترانزيت المخدرات أكثر من دليل على صحة هذا الاستنتاج. إذ أن روسيا المترامية الأطراف، تحولت منذ فترة من محطة "ترانزيت" إلى مستهلك كبير للمخدرات. وسوقها الداخلية ذات قدرة استيعابية هائلة. وتفيد مصادر الجمارك أن حصة ترانزيت الهيرويين من اجمالي المخدرات التي وردت إلى روسيا العام 1996 بلغت 6.70 في المئة، فيما تقلصت العام 2000 إلى 6 في المئة على رغم زيادة الأحجام المطلقة لما ورد منه إلى البلاد، مما يعني أن السوق المحلية التهمت معظم المخدرات. وبالطبع ليست ثمة احصاءات موثوقة، ولا اجماع في الرأي على عدد متعاطي المخدرات في روسيا. وقال وزير الداخلية الروسية بوريس غويزلوف في كلمة ألقاها أخيراً أمام البرلمان إن عدد المرضى المسجلين يبلغ 451 ألفاً، إلا أنه أقر بأن تقديرات الخبراء تصل بهم إلى ثلاثة ملايين. وفي حال شاركوا في الانتخابات النيابية بلائحة مستقلة فستكون لهم كتلة كبيرة في مجلس النواب! إلا أن الخبير الجنرال فلاديمير شاشكوف نائب رئيس الاتحاد الروسي لمكافحة المخدرات يمضي أبعد، فيقول إن عدد متعاطي المخدرات في روسيا يراوح بين 12 و15 مليوناً. ويدرج في هذا العدد المدمنين الذين يقدر عددهم ب3-4 ملايين، والباقون في طور التجريب فقط، يتناولونها من حين لآخر. ويرى الجنرال شاشكوف ان نسبة تداول المخدرات في الاقتصاد العالمي تراوح بين 30 و35 في المئة. أما حجم التداول في روسيا فقد اختلفت فيه الآراء. يقول بعضهم إنه بليون أو بليون وخمسمئة مليون دولار. ويقول خبراء المركز الذي يعمل فيه شاشكوف إن المبلغ تجاوز 3 بلايين، فيما يقدر الخبراء الغربيون قيمة تداول المخدرات في روسيا ب8-9 بلايين دولار سنوياً. واللافت أن المخدرات في السوق الروسية باتت في متناول الجميع بعد ما انخفض سعرها كثيراً في الآونة الأخيرة، ففي العام 1995 كان سعر الغرام الواحد من الهيرويين في موسكو 170 دولاراً، وانخفض إلى 60 دولاراً العام 2001، وهو اليوم أرخص بكثير. ولهذه الظاهرة سببان، أولهما أن دول آسيا الوسطى صارت المورد الرئيسي للمخدرات إلى روسيا، حيث تتجاوز حصتها 99 في المئة من كميات المخدرات المعروضة في سوقها. ولا يبدي "بارونات" المخدرات في آسيا الوسطى اهتماماً بالسوق الأوروبية لعلمهم بأنها مقسمة بين مهربي المخدرات الأتراك والأفغان والألبان والنيجيريين. وأفلح مهربو المخدرات من آسيا الوسطى في ازاحة "التجار" الأجانب من السوق الروسية، وكان سلاحهم هو رخص ثمن المخدرات. والسبب الثاني لانخفاض السعر في الأسابيع الأخيرة هو، في رأي الجنرال شاشكوف، نبأ عدول حكومة "طالبان" عن القرار الذي اتخذته العام الماضي بمنع زراعة الخشخاش في أفغانستان، وتصريحها بعد اندلاع الحرب الأميركية في الأراضي الأفغانية بأنها ستغرق أميركا وأوروبا وروسيا بالمخدرات الرخيصة. ولاحظ المراقبون أن الفلاحين الأفغان رحبوا بهذا القرار. ويتوقع الخبير شاشكوف أن يزيد توارد المخدرات الأفغانية على دول آسيا الوسطى ومنها إلى روسيا. فالطريق مفتوح أمام اللاجئين الأفغان، ولن تضع على الحدود شرطياً لكل طفل يعبرها مع والديه. أرقام تصاعدية وإلى ذلك، فالمجتمع الروسي نفسه أكثر انفتاحاً على المخدرات، كما كان طوال الوقت منفتحاً على الفودكا والكحوليات. وتسوق معلومات وزارة الداخلية الروسية للعقد الأخير من القرن العشرين الدليل على تفشي المخدرات بين السكان في خط تصاعدي على نحو مخيف. ففي 1990 بلغ عدد متعاطي المخدرات مليون شخص، وفي 1995 بلغ مليوناً وخمسمئة ألف شخص، وفي 1997 بلغ أكثر من مليونين، ووصل في نهاية القرن إلى ثلاثة ملايين. وتقول تلك المعلومات إن 10 في المئة من الطلبة والتلاميذ في روسيا في سن تراوح ما بين 14 و18 سنة جربوا المخدرات في 1990. أما نسبة الذين تعاطوها في 1996 فقد زادت إلى 60 في المئة. وتفيد آخر المعلومات الواردة من سان بطرسبورغ، مثلاً، بأن 20 في المئة من التلاميذ حتى في المدارس الابتدائية "جربوا" المخدرات. أما في المدارس الثانوية فإن 30 في المئة من الطلبة يتعاطونها باستمرار! كما زاد عدد النساء المدمنات على المخدرات في السنوات العشر الأخيرة ست مرات. وفي موسكو يقول أطباء المستشفى الرقم 17 لعلاج المدمنين على المخدرات إن رجال الشرطة يجلبون إليهم كل 24 ساعة حوالي 400 مدمن، بينهم أحداث في الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر لم يعودوا قادرين على حقن الإبرة في أوردة اليدين والساقين، فيضعون الأقراص المخدرة تحت اللسان، ويتربص ببعضهم الموت. قطار دوشنبه - آستراخان مخصص لألف راكب، إلا أن حامية "آك سراي" على الحدود الروسية عاجزة عن تفتيشه! لأنه يغصّ أحياناً بعشرة آلاف راكب. ويتفنن مضيفو العربات في حشر الركاب حتى في المراحيض. فتجد في المرحاض الواحد أربعة ركاب! ويمتد "الحشر" أربعة أيام بلياليها، هي الفترة التي يمضيها القطار من العاصمة الطاجيكية إلى المدينة الروسية الجنوبية الواقعة في ثغر نهر الفولغا. ومن المستحيل بالطبع تفتيش أمتعة الركاب، فبسبب القيظ وعناء السفر لن تتمكن من الاقتراب منهم إلا إذا ارتديت كمامة أو صببت على أنفك حُقاً من الكولونيا. وفي دوائر شرطة موسكو ثمة قمرات تعقيم ومبيدات القمل للمشردين، فمن أين لحماية "آك سراي" بمثل تلك الأدوات؟ كل يوم سبت في هذا القطار بالذات "تستورد" روسيا المخدرات والمتفجرات من أفغانستان. وفي كل يوم سبت "تنتعش" الحياة الرتيبة في آسترخان ويتبدد الملل بوصول القطار إلى محطتها، وينتظره منذ الهزيع الأخير من الليل معسكران بكل ما يلزم من عدة ورجال. الأول رجال الشرطة وجنود الوحدة العسكرية مسلحين بهراوات المطاط، والثاني جمهور من المستقبلين والمتطفلين. الجنود والشرطة قلقون خائفون من المفاجآت التي يمكن أن يحملها المسافرون القادمون من طاجيكستان والمستقبلون مشغولو البال بالمكاسب والأرباح السريعة التي تسبح نحوهم ناعسة مهتزة بشكل هيرويين ومفرقعات على متن القطار القادم من بعيد. ولا موجب للحديث عن مآثر يمكن أن يجترحها المعسكر الأول كما في الأفلام السينمائية، كل ما في الأمر أن جموع المستقبلين تقتحم القطار بعد تعرضه لتفتيش خفيف في مخفر "آك سراي"، ويلقي الواحد منهم الصرر والحقائب والأكياس على الكتفين ويحاولون عبور حاجز الشرطة دفعة واحدة، وتلاحظ في هذا السياق أحياناً لقطات أشبه بمصارعة الثيران. وليس في أساليب "تجار المخدرات" هؤلاء شيء من الفطنة والذكاء. ويزيد في الطين بلة، ان "سعاة" المخدرات العائدين إلى طاجيكستان يهجمون على القطار في تلك اللحظة لاحتلال مقاعدهم، وعددها أقل بكثير من عددهم. لأن معظم السعاة القادمين من طاجيكستان يعودون إليها في الحال بعد أن يفرغوا "حمولتهم" على رصيف المحطة. ولا أحد يقوى على اخراجهم من العربات، فلدى كثير من المستقبلين قيود حديدية وعصي يحطمون بها نوافذ القطار عندما يشتاطون غضباً. وبالطبع تستخدم كل سبل التهريب. وأبسطها أن يجد رجال الجمارك 493 غراماً من الهيرويين في حقيبة يد امرأة طاجيكية! وأكثرها انتشاراً بلغ الكبسولات الحاوية للمخدرات وتقيؤها في ما بعد أو اخراجها مع الغائط! ولذا ففي آسترخان الموبوءة يمكنك أن تشتري المخدرات بأرخص سعر في العالم، زهاء دولارين للغرام. وفي كل الأحوال تبقى جذور المخدرات في تربةأفغانستان نفسها. وما لم ينشأ في هذه البلاد نظام يعترف بأصول القانون الدولي ويعترف به المجتمع الدولي، فإن مكافحة المخدرات ستبقى في فلك معالجة النتائج وليس الأسباب