تواجه المملكة حرباً حقيقية تستهدف شبابها وقواها العاملة واقتصادها بسلاح المخدرات. وقدرت وزارة الداخلية حجم المخدرات المضبوطة في غضون الخمسة أشهر الأولى من عام 2013 فقط بأكثر من عشرين طناً من الحشيش المخدر و15 مليون حبة مخدرة من مادة الأمفيتامين وثمانية كيلوجرامات من الهيرويين الخام و125 ألفاً من الأقراص المهدئة، وكيلوجرامين من الكوكايين تبلغ قيمتها السوقية الإجمالية 2.5 مليار ريال، كما ضبطت 991 متورطاً في جرائم تهريب ونقل واستقبال وترويج مخدرات، بينهم 337 مواطناً. فيما تشير تقارير المديرية العامة لمكافحة المخدرات إلى ضبط أكثر من 55 مليون حبة مخدرة خلال العام الماضي. وتعكس هذه الأرقام خطورة بالغة لتجارة المخدرات التي تقودها دول رئيسة في المنطقة تتقدمها أفغانستان التي أصبحت تعتبر بمنزلة رأس مثلث تجارة «الكيف» تمثل زاويتي القاعدة فيه كل من إيرانوالعراق. وتكشف إحصاءات مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عن تعاظم الدور الأفغاني في تجارة المخدرات في العالم، حيث تتصدر المرتبة الأولى عالمياً في زراعة خشخاش الأفيون بما يقدر بنحو 87% من إنتاج العالم منه، وذلك من خلال 154 هكتاراً بزيادة قدرت ب18% في عام 2012 مقارنة بالعام السابق عليه. وهذه الحالة لم تكن وليدة السنوات الأخيرة فقط، بل هي مستمرة منذ فترة طويلة نسبياً، حيث تمثل أفغانستان نقطة ارتكاز لتجارة المخدرات العالمية، التي تعبر إيران عبوراً آمناً خاصة عبر الأقاليم المتاخمة، لتهبط بسلاسة بالغة في العراق الذي يعد منطقة ترانزيت لهذه التجارة تنطلق منه إلى دول الشرق الأوسط وأوروبا والأمريكتين. واعتبر تقرير لصحيفة «برافدا» الروسية أن إنتاج المخدرات في أفغانستان بلغ مستوى خطيراً، مشيراً إلى أن روسيا عانت كثيراً من المخدرات الأفغانية. وأضافت الصحيفة أن الإنتاج الكلي للمواد الأفيونية في أفغانستان بلغ 5500 طن، بزيادة تصل إلى نحو 50% تقريباً عن العام الماضي. وتبدو الأمور في أفغانستان فالتة من عقالها بشأن كثافة انتشار المخدرات فيها، حيث لا تُعد فقط طقساً شعبياً تحرسه قوات غير رسمية مدججة بالسلاح، بل باتت تغمر مؤسسات مهمة في الدولة وبخاصة المؤسسة الأمنية. وكشف رئيس جهاز الاستخبارات في أفغانستان مؤخراً عن تفشي إدمان المخدرات في عناصر جهازه، ما نتج عنه إقالة 65 موظفاً بعدما تبين إدمانهم لمخدر الهيرويين. وتبدو جهود الحكومة الأفغانية يائسة نوعاً ما، إذ لم تفلح في تقويض صناعة المخدرات لديها، على الرغم من حرقها مؤخراً عشرين طناً من الأفيون والهيروين والحشيش وزجاجات الكحول على مشارف كابول في 13 نوفمبر الماضي. ويقدر مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة حجم تجارة الهيرويين في العالم ب22 طناً، يستهلك منها محلياً ما قيمته 160 مليون دولار. فيما يقدر حجم تجارة المخدرات والأدوية والعقاقير الممنوعة والمواد المسموح بها قانوناً في بعض البلدان بأكثر من 800 مليار دولار سنوياً. ويتم سنوياً غسيل أكثر من 120 مليار دولار من تلك التجارة في أسواق المال العالمية، ومن خلال المصارف والبنوك الكبيرة. ورغم ما يراه مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من استقرار حالة التعاطي على مستوى العالم، فإن العدد الإجمالي المقدر لمتعاطي المواد غير المشروعة في ازدياد. وتقدر الزيادة السنوية لمتعاطي المخدرات في العالم بنحو 210 ملايين شخص، ويصاب 15.3 مليون شخص بأمراض نتيجة التعاطي، ويلاقي 200 ألف شخص منهم حتفهم سنوياً. ومازال المزج بين عقاقير موصوفة طبياً ومواد غير مشروعة، يُعد من بواعث القلق. وتضاعفت الكميات المضبوطة من المنشطات غير المشروعة مثل الكوكايين والميثامفيتامين في منطقة غرب آسيا أكثر من عشرين ضعفاً في عشر سنوات من 2001 – 2010. وشكت تركيا من ضبط كمية قياسية من الكوكايين بلغت 589 كيلوجراماً. وما زال تناول المنشِّطات الأمفيتامينية، باستثناء «الإكستاسي»، واسع الانتشار عالمياً، ويبدو أنه يتزايد في معظم المناطق. فقد تضاعف عدد متعاطيها في 2011 إلى 33.8 مليون نسمة، صعوداً من 19.4 مليون في العام السابق عليه. أما على صعيد المؤثرات النفسية الجديدة التي أبلغت الدول الأعضاء مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عنها فإنها ارتفعت من 166 مادة في نهاية عام 2009 إلى 251 مادة بحلول منتصف عام 2012، ما يمثل زيادة تفوق نسبتها 50%، لتتجاوز لأول مرة العددَ الكلي للمواد الخاضعة للمراقبة الدولية وهي 234 مادة. ولا تخضع المؤثرات النفسية الجديدة للمراقبة بموجب الاتفاقيات الدولية بشأن المخدرات، ولكنها قد تشكل خطراً على الصحة العامة. وهيأت الظروف السياسية الفاقدة للسيطرة الفرصة لازدهار تجارة المخدرات في المنطقة، بدءاً من العراق ومروراً بسوريا ومصر ودول أخرى. ويتحالف مع هذه الحالة، ضعف في تبادل المعلومات بين الحكومات في الوقت المناسب يعوق إجراء تحقيقات اقتفائية للوقوف على مصادر تسريب المواد الكيميائية في غرب آسيا، لا سيّما في أفغانستان والبلدان المجاورة. ويحتل العالم العربي مكانة بارزة في سوق المخدرات العالمية حيث تقدر نسبة المدمنين على المخدرات فيه ب10% من إجمالي المدمنين في العالم. وتمثل منطقة الخليج سوقاً جاذبة لمافيا المخدرات الأفغانية، وهو ما دلّ عليه تنامي الكميات المضبوطة من المخدرات الواردة للمملكة ودول الخليج الأخرى عبر المسار البحري الذي يُعد الأكثر تفضيلاً لتجار المخدرات. وواجهت السلطات الأمنية السعودية عمليتي تهريب مخدرات كبيرتين في غضون عامين، كانت آخرهما عملية تمت في سبتمبر الماضي أحبطت خلالها السلطات السعودية محاولة لتهريب 552 كيلوجراماً من الحشيش المخدر على متن قارب إيراني. وضبطت قبل 18 شهراً محاولة مشابهة لتهريب نصف طن حشيش حاولت شبكة إجرامية تمتهن المخدرات تهريبها انطلاقاً من الأراضي الإيرانية. وزعم وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني، مؤخراً أن إيران تواجه وحدها أعباء ثقيلة لمكافحة تهريب المخدرات من أفغانستان إلى العالم، وأنها تدفع ثمن ذلك باهظاً. وارتفع معدل استهلاك المخدرات في المجتمعات الخليجية على نحو خطير، حيث وصل إلى 4.6% مقابل 2.2% فقط في الولاياتالمتحدة و2.5% في دول أمريكاالجنوبية. في حين لا يعرف حجم المخدرات المصرّفة في الأسواق الخليجية على وجه التحديد. في السياق ذاته، بدت هناك علاقة مباشرة بين تنامي الإشكاليات السياسية في المنطقة وتجارة المخدرات الأفغانية، حيث أعلن رئيس الهيئة الفيدرالية الروسية لمكافحة المخدرات فيكتور إيفانوف، أن تجارة المخدرات الأفغانية تموّل نحو 20 ألف مقاتل في سوريا. وكشفت تقارير عن أن 70% من تجار المخدرات الذين ألقي القبض عليهم في تركيا مؤخراً ذوو علاقة وثيقة بإيران، إذ عمدوا إلى استئجار أراضٍ داخل إيران قريبة من الحدود التركية لزراعة المخدرات فيها ومن ثم نقلها إلى تركيا وتسويقها في البلدان الأوروبية. وأشار تقرير نشرته صحيفة «أقشام» التركية مؤخراً أن السلطات التركية سجلت زيادة مضطردة في شحنات الهيرويين والكوكايين القادمة من إيران إلى تركيا، حيث أحبطت مؤخراً محاولة لتهريب خمسة أطنان من المخدرات في ولايتي «وان» و «حكاري» المتاخمتين للحدود الإيرانيةجنوب شرق تركيا. ومصداقاً لذلك، كشفت نائبة عراقية عن أن 30% من المخدرات التي تدخل إلى العراق تمر عبر محافظة ديالي العراقية، وقالت إن تجارة المخدرات برزت في محافظة ديالي بشكل لافت في السنوات الماضية في صورة عقاقير وحبوب مخدرة، ما أسهم في تنامي معدلات الإدمان ومحاولة بعض الجماعات المسلحة استغلال المدمنين في تنفيذ عمليات إرهابية، وكشفت مصادر أمنية واقتصادية عن تصاعد كبير في معدلات تهريب المخدرات الإيرانية إلى العراق بمختلف أصنافها، وتستهلك نصف عمليات تهريب المخدرات داخل العراق ليتم لاحقاً غسيل أموالها التي تقدر بعشرات الملايين سنوياً. وتنشط تلك التجارة بشكل متزايد عبر منافذ عديدة مثل «زرباطية» و«الشلامجة» و«حاج عمران». وسبق أن وجهت البحرين انتقادات لجهات داخلية إيرانية قالت إنها تسهل عملية نقل المخدرات وترويجها في المنطقة، وخاصة إلى دول الخليج. وأشار تقرير لوزارة الصحة العراقية إلى أن 4% من الشباب العراقي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 30 عاماً مدمنون على المخدرات الإيرانية، وهي النوع الأشد خطورة، حيث تتسبب في تلف الجهاز العصبي وبشكل كامل خلال شهر واحد من تعاطيها. وفي مصر تقدر نسبة متعاطي المخدرات بنحو 33% من مجموع السكان، ويقدر التقرير عدد السيدات المدمنات على المخدرات فيها بنحو 450 ألفاً، وتحتل مصر المرتبة 12 بين أكثر الدول المصدرة للحشيش في العالم. ونظراً لضخامة كميات المواد المشروعة التي تُنقَل يومياً عبر المحيطات والقارات في حاويات، أو في قوارب صغيرة، بات تهريب المخدرات بحراً يشكل تحدياً بالغ الجسامة أمام السلطات. وتدل التحريات التي تجريها أجهزة الأمن الوطنية على أن المهربين باتوا يفضلون طريقاً بحرياً جديداً يتجه جنوباً من أفغانستان عبر موانئ في جمهورية إيران الإسلامية وباكستان للوصول إلى أسواق المستهلكين عبر موانئ شرق إفريقيا وغربها. وأثبتت التجربة أنه دائماً ما يرجّح أن تكون الضبطية البحرية أكبر حجماً من ضبطية الشحنة المنقولة عبر الطرق أو السكك الحديدية، حيث تقدر نسبتها بنحو 11% من إجمالي حالات الضبط المسجلة في شتى فئات المخدرات على الصعيد العالمي، وتزيد في الوقت ذاته عن الشحنات المضبوطة المهرّبة جواً بمقدار ثلاثين ضعفاً تقريباً. أما على صعيد الدروب البرية التي يستخدمها تجار المخدرات، فقد رصدت دروباً جديدة من أهمها على سبيل المثال درب البلقان الذي لايزال أكثر دروب التهريب رواجاً، وإن كانت الكميات المهربة عبره قد بدأت في التناقص بعد أن باتت المواد الأفيونية الأفغانية تنافس نظيرتها المنتَجة والمستهلَكة في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا.