"ملحمة الحدود القصوى - المخيال الصحراوي في أدب إبراهيم الكوني" عنوان دراسة لسعيد الغانمي عن أدب الكاتب الليبي البارز، صدرت حديثاً عن "المركز الثقافي العربي" في بيروت. ومع ان فصول هذا الكتاب تعتمد بشكل أساسي على روايات وقصص ابراهيم الكوني، الا ان الناقد الغانمي يطمح الى كتابة نص نقدي يستطيع ان ينتقل فيه من المتابعة الحثيثة والمواكبة المستمرة لمعاني ودلالات السرد الروائي ومركزية الصحراء فيها، الى اغناء الكتابة النقدية نفسها على أكثر من مستوى. ولا شك في أن الكتاب أكثر من مجرّد نقد تطبيقي، إذ ينجح المؤلف في تقديم دراسة تستشهد بأعمال الكوني، وتحتفظ لنفسها - في الآن نفسه - بحق التوسع في الرؤيا والمعالجة، إذ يتم المزج بين النقد والاسطورة واللغة والمكان والتقاليد وغيرها. ويجد القارئ في متناوله كتابة تجمع جدية النقد الى مرونة مادة البحث. هذا لا يعني طبعاً ان الغانمي أراد شيئاً وخرج بشيء آخر، بل ربما تحتاج الممارسة النقدية والثقافية الى مثل هذا الجهد التطبيقي الحر والمنفتح. فالكتاب يسعى الى ان يكون "قراءة بكل الحواس لأعمال الصحراء الأدبية" وهذا يعني "القراءة بكل العلوم: البلاغة والانثروبولوجيا والسردية والفلسفة" كما يقول الغانمي في المقدمة. ويقدم الكتاب، بهذا المعنى، فرصة للنظر الى أدب ابراهيم الكوني، وتفنيد المستويات السردية لرواياته. فهذا الكاتب الذي أثرى المشهد الروائي العربي بأكثر من عشرين رواية ومجموعة قصصية، لم يأخذ بعد ما يستحقه من اهتمام نقدي يمكن ان يضعه في موقعه الصحيح واللائق داخل أنساق وتجارب الرواية العربية. يتناول الغانمي محاور مختلفة، مثل مكونات المخيال الصحراوي، رأس مال الصحراء الرمزي، غبطة البدايات، الخروج من الفردوس، الكتابة المسمومة، ملحمة الزمان الدوري، وكلها عناوين كبرى لمفردات وتفاصيل العالم الصحراوي، كما يتبدى بأمثلة كثيرة في الرواية وفي الحياة. ويستخلص ان روايات الكوني "تريد ان تكون تاريخاً لمجتمع يعيش على حافة الحياة، ويكرر وجود نفسه المقاوم للموت، اي تريد ان تكون ملحمة لمجتمع بلا زمن"، بعد ان ظلت الرواية العربية مشغولة بالمجتمعات الكمالية الحديثة في المدن، مقابل مجتمع الضرورة في الصحراء.