ما بين ابراهيم الكوني وعبدالرحمن منيف كان التوقع يتردد في مؤتمر القاهرة للابداع الروائي حول نوع الرواية التي ينبغي ان تكرم. ذهبت الجائزة الى الثاني بما له من تجربة اكتملت ربما مع بدء مسيرة الكوني، فبقي الاخير بانتظار السنوات المقبلة، ان لم يظهر روائي يجترح معجزة التكريم بعمل واحد يستحق عنه استثناء ما لا يستثنى، أو الخروج عن قاعدة ابن قتيبة في افضلية الاقدم في الشعر والشعراء. بين كل الاجناس الادبية تبدو الرواية الاكثر قدرة على ان تبتكر جديدها، وربما نوع جائزتها وتكريمها، فلدينا اليوم مجموعة من الاعمال لكتاب شباب تستدعي التوقف عندها والتمعن في ظاهرتها. وفي اختبارات النقد نعثر في هذا المؤتمر على سجل للكيفية التي يقرأ فيها الكاتب المختص هذا الجنس الادبي. اكثر من خمس وسبعين معالجة بحثية قدمت الى المؤتمر، وزاد عدد الشهادات على العشرين شهادة لروائيين من مختلف البلدان العربية والاجيال، وكان المصريون في هذا الحيز الاقل حضوراً قياساً على عدد روائييهم ونقادهم. فهم أرادوه مؤتمراً عربياً يصغون فيه الى الاصوات الاخرى قبل ان يستمعوا الى صوتهم. سجلت تلك الاوراق انشغالات الفن الروائي والنقد المكتوب عنه بالمواضيع التي تقدم بعضها على غيره بحكم تصور وضعه مخططو المؤتمر انفسهم، أو بحكم متعارفات الحالة النقدية العربية. فكان على رأس تلك المواضيع مفهوم خصوصية الرواية العربية مقابل كلمة تبتكر نفسها بالضرورة وهي التبعية الى الاخر أو التقليد. وعلى مدى خمسة ايام قدمت اوراق منوعة بعناوين مختلفة سواء في الندوة المخصصة لهذا الموضوع أو في الندوات اللاحقة. منها على سبيل المثال لا الحصر ما يسمى بالمركزية الروائية وبناء نظرية للرواية العربية وسؤال الهوية، ومكانة الرواية العربية في السياق العالمي، الى غيرها من مواضيع تتفاوت أهميتها وقدرتها على الاقتراب من الواقع الروائي العربي. وان كان لنا ان نبدأ السؤال من أوله، ففي اسهامة الميلودي شغموم من المغرب وضوح ربما يفضي بنا الى معرفة بعض حيثيات العلاقة بين الرواية العربية ومفهوم الكونية والعالمية أو الرواية العربية وخصوصيتها. الميلودي شغموم يبدأ بفرضية أو انطباع عن الذات الكونية والمغايرة ويصوغ سؤاله على الشكل التالي: بأية اشكال أو تقنيات، ووفق أية شروط تحلم الرواية العربية بالكونية أو العالمية؟ واستئنافاً يقول: الرواية العربية تعيش نوعين من المحلية: محلية قومية في مواجهة الرواية العالمية، ومحلية قطرية في مواجهة القومية. وقد تعيش "الجهوية" على مستوى جهات القطر الواحد، فكيف يمكنها ان تواجه الكونية بهذه المحليات؟ والى أي حد يمكن الزعم بأن وضع الرواية العربية والأدب العربي عموماً انما يعكس وضع المجتمعات العربية، والثقافة العربية خصوصاً، في العالم؟ وهل نستطيع ان نفسر لماذا لم يحظ الكثير من الروايات التي ترجمت بأية مكانة عالمية، ولماذا لم يكن لبعضها أي صدى في الثقافات التي ترجمت اليها؟ يجيب أكثر النقاد على هذه الاسئلة بطرق مختلفة، ويكاد يتفق معظمهم على ان الرواية العربية كانت في النشأة والمسار نتاج ظروف اجتماعية أملت وجودها وطورت اشكالها وفق الية تطورها. ويؤكد بحث ابراهيم فتحي في الندوة الأولى على ان الرواية العربية لم تقع في فخ النقل الاعمى عن الرواية الغربية، بل كانت استجابة لبزوغ علاقات اجتماعية جديدة. ويحاول محمد برادة ان يفصل في مداخلته بين المتخيل والمتخيل الاجتماعي وبين الواقع بفعل المخيلة التي تتعداه، ومبحثه التطبيقي يحاول الاتصال بالخصوصية الروائية كما تتجلى ضمن عالم من الافكار والمعتقدات والاساطير والايديولوجيات تضيء صورة الفرد وعلاقته بالمجتمع والمؤسسات. وترى يمنى العيد ان الرواية العربية عانت منذ البدايات من قلق سؤال الخصوصية وتجلت الاجابة في المجاورة بين اساليب سردية مختلفة بعضها مأخوذ من التراث، كما جرى احتفاء بالنمط الواقعي في زمن الخمسينات والتأكيد على العامل الذاتي بما يعنيه من هوية محلية كانتماء مرجعي. ولكن فيصل دراج يختصر هذه الاسئلة بالبحث عن بناء نظرية خاصة للرواية العربية، مؤكداً على ان الرواية العربية استطاعت ان تخلق نصها الخص بها، الذي يفرض القارئ والناقد الخاصين بها. ويرجع أسباب النقص في هذا الميدان الى لا تكافؤ التطور بين الرواية واجناس المعرفة الاخرى العلوم الانسانية والعلوم الدقيقة. وهو استنتاج يضعنا امام تصور يبدو أقرب الى اليقين منه الى الفرضية، ويتحدد في الكيفية التي ننظر فيها الى الرواية العربية باعتبارها منجزاً محلياً أو متكملاً بخصوصيته التي تستدعي نظرية توازيه. هذا الزعم لم يطرأ على بال الرواية الروسية أو الفرنسية أو الاميركية. فكيف للرواية العربية ان تحلم به؟ وان كان لنا ان نتصور ان النقد العربي عموماً بقى وسيبقى فترة طويلة أسير المصطلح الغربي والتصور الغربي عن القص، فلعل من بين اسبابه الأولى ليس فقط عطب وسائل التعليم الرسمي في البلدان العربية كما يذكر فيصل دراج، بل شكلانية التعامل مع المعرفة بين النخب الثقافية العربية ذاتها. وفي النقد الادبي على وجه الخصوص يفتقد هذا الحقل عربياً الى المخيلة المبدعة التي تنتج قارئاً للنصوص تمنحه الخبرة والذائقة والمعرفة قدرة تقديم كشوفاته الجديدة والمفيدة، في حين يترسخ اليوم اتجاه نقدي عربي يقوم على تكرار المقولات والمصطلحات التي يجري اعادة منتجتها وتركيبها على أي عمل ووفق أي اتجاه يشاءه الناقد. وكلما استطاع كاتبها ان يجعل بينه وبين القارئ حجباً يتفنن في ابتكارها. كلما رفع مقامه درجة. كما ان ثقافة الاخوانيات والكتل السياسية والجماعات المتساندة انتجت ليس فقط ناقداً يشتغل لحساب علاقاته، بل قارئاً مشوشاً غير قادر على الفرز بين الغث والسمين في الاعمال الادبية، كما انتجت روائيين احتفظوا بناصية الاولوية، حتى وان كانت رداءة اعمالهم تعشي العيون. وفي العودة الى مرجعية القص العربي يحاول واسيني الاعرج البحث عن السرد العربي الذي استطاع ان يطور أدب الرحلات والمقامات ورسائل الحب والحكايات والحواشي الدينية وخطب المساجد القصصية، وهو يرى ان هناك لحظة تاريخية مرتبكة أوقفت هذه الاشكال عن التطور يجدر بالنقد العربي البحث عنها، من اجل تحديد، ليس فقط تاريخ الرواية العربية، ولكن البحث عن الافاق الممكنة لتطورها. وفي تناول مفهوم المركزية وما يطلق عليه صبري حافظ "جماليات سرد ما بعد الحداثة في الرواية المصرية" يشير الناقد الى ان الأمر تطلب منه العودة الى هذا المفهوم بمعناه الفلسفي، ويرى في ان "النزعة الانسانية" كانت منطلقاً اساسياً للرواية العربية منذ نشأتها الاولى حتى الستينات، وهي تنهض على مركزية الانسان التي تشظت في التسعينات في ظل تنامي الاحساس بالاحباط بين الشباب المصري فأنتجت رواية ما بعد الحداثة التي يقول "ان فقدان الثقة في النزعة الانسانية فيها عبّر عن نفسه فكرياً من خلال الانتقال على الصعيد الفلسفي أو على صعيد المصادرات المنطلقية من الانشغال بالهاجس المعرفي الى التعامل مع الهاجس الكياني أو الوجودي بالمعنى الفلسفي المطلق الذي يتعلق بوجود الشيء وكينونته بمعنى "تأييس الايس من ليس"، كما يقول الكندي، وليس بالمعنى السارتري الشهير. وقد تجسد هذا الأمر في التغير الذي انتاب الاسئلة التي يطرحها انسان النص على نفسه". ويكتشف حافظ ان نص رواية ما بعد الحداثة المصرية يضع كل شيء تحت الممحاة بالمعنى الذي بلوره جاك دريدا. والمحو في نصوص هذه الكتابة ليس تحدياً لواقع ولكنه مجرد نزع لمصداقية هذا الواقع، وان جماليات هذه الكتابة ليست جماليات الصقل والكليات، وانما جماليات التجاور والتجمع والجزئيات. او ما يود دعوته بجماليات الفسيفساء... ولعلنا نجد في طرح صبري حافظ ما يمكن ان نسميه تجويز ما لا يجوز في اسقاط منظومة فكرية على موضوع تغترب عنه مثلما تغترب عن البنى الفكرية والاجتماعية التي انتجته. فأطروحة ما بعد الحداثة مازالت الى اليوم تلتبس على قارئها الغربي لدواع اشبعت ملاحظة وتمحيصاً من قبل كتاب الغرب انفسهم، وستكون في مبحثها العربي لجهة معاينة النص الروائي اكثر غموضاً، بل أشد تكلفاً وأثقل وطأة. يقدم مبارك ربيع مداخلة يرى فيها ان الوعي بمركزيات روائية وثقافية داخلية في الكيان الثقافي العربي يؤدي الى الوعي بتلاقح الثقافات ضمن تحليل يأخذ في الاعتبار ما يجري من عولمة ثقافية على مشارف القرن الجديد. وفي علاقة مع محور المركزية الروائية، يرى رشيد الضعيف ان الرواية في لبنان كانت عرضة دائماً لهواء العصر، أي اننا نجد فيها التيارات التي تتجاذب الرواية في العالم، وهذا الأمر كما يرى يزداد يوماً عن يوم بوتيرة متسارعة. وحول رواية بلدان المغرب العربي يشارك عبدالحميد العقار بقراءة لروايات من الجزائر وليبيا والمغرب وتونس التي يرى انها في تطور تبحث فيه عن المغايرة بالتساوق مع تطور حركة التأليف في حقول الانسانيات والاجتماعيات واللسانيات في المغرب العربي عموماً. وفي الافادة من المرجعيات الثقافية المنوعة التي تحاول الرواية العراقية اليوم توظيفها، يبحث عبدالاله احمد عن المرجعية التراثية في هذه الرواية عبر قراءته لرواية عبدالخالق الركابي "سابع ايام الخلق" التي تعتمد لغة التصوف، وتتبنى مناهج تحقيق النصوص التراثية في رصد حالة تقبل ما لا حد له من التفسيرات والتأويلات. وفي قراءة للرواية العمانية يقدم يوسف الشاروني ثلاثة روائيين ينتمون الى ثلاثة اجيال، وتتميز خصوصيتهم ببروز الصراعات في رواياتهم بين الشرق والغرب وبين ابن البلد والوافد الاسيوي، كما تقدم هذه الرواية عوالم الفانتازيا الشعبية التي تستكشف المناطق الغامضة وراء الوعي الجمعي. ويقدم روجر ألن استاذ الأدب العربي في جامعة بنسلفانيا مطالعة حول اهمية الرواية العربية في تطور الرواية عالمياً، ويقول ان نقل الثروة الروائية العربية الى السوق العالمية لم يزل في مراحله البدائية. وترى الايطالية ايزابيلا كامرا دفليتو التي تشرف على مشروع ترجمة "ذاكرة المتوسط" ان الأدب العربي لم يستطع الوصول الى القارئ الاوروبي بشكل واسع وقد تكون الترجمة السيئة لبعض الاعمال الروائية العربية والسياسة الخاطئة التي اتبعها بعض دور النشر في اختيار الكتاب والكتب بعيداً عن الموضوعية لعبتا دوراً سلبياً في هذا المجال. محاور القص ومرجعياته لعل التاريخ في الرواية العربية أحد المحاور المهمة التي نوقشت ضمن الأوراق المقدمة، وأفردت مائدة مستديرة ادارتها رضوى عاشور حول هذا الموضوع، ولم يطرح فيها تعريف واضح لمفهوم الرواية التاريخية، بل كان الحديث يتوزع بين توظيف الاحداث التاريخية في مسار القص وبين الوعي بتاريخية الواقع الذي تشترطه الكتابة الروائية في جانب من جوانبها. وتحقيق الحالتين لا يعني وجود رواية تاريخية عربية بمواصفاتها العالمية التي تنجلي مزاياها الاساسية في قدرتها على احتواء مشهد يسع بتاريخيته السمات الجوهرية لبلد أو مرحلة معينة. فالرواية التاريخية بنماذجها العالمية المعروفة تبقى علامات بارزة في تاريخ القص العالمي، في وقت يصعب علينا ان نسمي روايات جورجي زيدان التلفيقية أو تلك التي استخدمت التاريخ ديكوراً كما هي حال روايات نجيب محفوظ "كفاح طيبة" أو "رادوبيس" وغيرها بأنها روايات تاريخية. على هذا يبدو قول وليد حمارنة ان الرواية العربية الواقعية ترعرعت في احضان رواية التاريخ قابلاً للاستئناف لجهة التثبت من وجود رواية تاريخية في حين يبقى سرد التاريخ أو الحدث التاريخي من بين ميزات الرواية العربية. وفي مدخل مختصر يقدم محسن الموسوي ملاحظة جديرة بالانتباه يرى فيها ان مستجدات السرد منذ الثمانينات تخلت عن البحث في مدينية الحياة كما فعل محفوظ، والاتجاه نحو ماض آخر أقرب ما يكون من بدايات الاشياء: اسطوريتها وطقوسيتها، نحو تيه تمتحن فيه الارادات والامزجة والغايات من جديد، كما هو الأمر مع رواية الصحراء. ورواية الصحراء تحظى في هذا الملتقى باهتمام يقدم فيه المستشرق التشيكي لاديسلاف دروزديك موضوعاً يتضمن صورة الصحراء في الرواية العربية، وفي جانب منه يكتب عن طريقة الحياة البدوية كفلسفة ومقولة منهجية خلاقة، كما يشير الى انعكاس الصحراء في اللغة الواصفة والنص الادبي المنسوب الى غيره. ويقدم محمد الحسن ولد محمد المصطفى مبحثاً في الرواية الصحراوية في موريتانيا مشيراً الى ان الصحراء تخلق لغة خاصة للتواصل معها وهي لغة تعرقلها طبيعة الصحراء المتحولة، وهي تقارب اشكالية الانسان في علاقته بالزمان والمكان. وفي ورقة اعتدال عثمان حول رواية ابراهيم الكوني تلاحظ ان الوحدات السردية لديه تتسم بالعودة المتكررة التي يشكل بؤرتها المكان المعزول جغرافياً الصحراء والزمن الدائري الذي تتقاطع عبره احداث الصراعات القبلية وأحداث الغزو الخارجي. وعلى صعيد آخر قدمت مجموعة بحوث حول رواية المنفى أو المكان المغترب والعلاقة بين الانا والاخر، والعربي والمكان الغربي. وقدم في هذا الصدد احمد درويش مدخلا لظاهرة التلاقي بين رواية السيرة الذاتية ورواية الاغتراب من خلال اختيار المكان البعيد كما في رواية "زينب" لهيكل و"عصفور من الشرق" للحكيم و"موسم الهجرة الى الشمال" للطيب صالح و"الحب في المنفى" لبهاء طاهر. وفي موضوعة الرواية المغتربة قدم حليم بركات وفاطمة المحسن ورقتين تقاربتا في بعض الطروحات وان اختلف طرح كاتبة السطور في مناقشتها الاشكال والصيغ الروائية التي يجمعها مغزى ومضمون واحد وهو أبطال عقوبة النفي التي يستشعرها الروائي العراقي المغترب عن بلده قسرا، منطلقة من محاولة تقصي مفهوم الغربة والوطن بوصفهما مكانين وزمانين يتبادلان المواقع في ذاكرة الكاتب المهاجر. ويخلص حليم بركات الى أمر يرى فيه ان الروائي العربي يعرف نفسه حقاً ولا يفقدها بالضرورة حين يعرف الآخر، ولكن هذه المعرفة ما كانت تتم لولا مناخ الحرية والبعد عن السلطة المركزية بكافة اشكالها، خصوصاً السلطة الاجتماعية والثقافية. وفي قراءة الاوراق المقدمة حول رواية تبحث في علاقة الغرب بالشرق من خلال الذوات الفردية حظت رواية بهاء طاهر "الحب في المنفى" باهتمام اكثر النقاد ومنهم عصام بهي. وفي مقارنة في تجربة السيرة الذاتية بين الشاعر والكاتب الايرلندي وليم ييتس في مخطوطة "الطائر الارقط" التي انهاها في العام 1903 وبين "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم يقدم سعد الباز عن قراءة في اختيار الطائر رمزاً للشخصية الرئيسية في العملين الى جانب توحد البطلين في استكشافهما لذلك البعد الروحي والفضاء المغاير في مدينة كباريس في فترة زمنية متقاربة نسبياً. وتشارك رحلة البطل في رواية ييتس الثقافة العربية كما فهمها البطل ومؤلفه. وتسعى الورقة الى استجلاء النتائج الابعد في المقارنة بين خصوصية اي اكتشاف وما يفصلهما من مسافة عبر ما يربطهما من علاقات.