القاضي الألماني هانس جوزف برينكمان غير راض عن وضعه الصحي اطلاقاً، فهو بدين، ومصاب بالداء السكري منذ أكثر من سنتين. لماذا؟ القاضي يلقي اللوم على صانعي "الكوكا" وشوكولا "مارس"، وقد رفع دعوى ضد المنتجين لأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء ارفاق التحذيرات المناسبة من خطر المبالغة في استهلاك هذه المشروبات والمأكولات التي تعج بالسكريات. وستنظر المحكمة في مدينة اخين الألمانية قريباً في الدعوى فهل سيربح القاضي البدين قضيته؟! بانتظار نتيجة الدعوى نعود الى مشاكل البدانة، فإذا كنت تملك شحوماً مكدسة في الخصر والبطن أو ما يعرف في عالمنا العربي ب"كرش الوجاهة" فعليك منذ اليوم أن تقرع طبول الحرب عليه، لأن الكرش يعتبر بمثابة قنبلة موقوتة لا تلبث أن تنفجر مخلفة وراءها الداء السكري الكهلي. ويقول الباحثون ان دهون الكرش تملك قدرة كبيرة على اطلاق أحماض دهنية قادرة ان "تسبح" بسرعة الى الدورة الدموية، ومنها الى غدة الكبد حيث تعمل على تحريضه وتنشيطه فيحرر من عقاله كميات كبيرة من السكر الغلوكوز الذي لا يقدر الجسم على امتثاله. ان وجود مستويات عالية من الغلوكوز تؤدي مع الوقت الى ظهور مقاومة ضد هرمون الأنسولين، فلا يستطيع هذا ممارسة مهمته الخافضة لسكر الدم، أي بتعبير آخر، يغدو الهرمون غير فعال في إعادة مستوى السكر الى حدوده الطبيعية، وعندها يبدأ الشخص بالمعاناة من الداء السكري الكهلي. المعروف أن هناك نوعين من داء السكري: الأول هو السكري الشبابي الذي يعتمد على الانسولين، والثاني هو السكري الكهلي أي غير المعتمد على الأنسولين. ففي النوع الأول يكون إفراز الأنسولين ناقصاً وغير كافٍ، أما في الثاني فيكون إفراز الأنسولين طبيعياً لكنه عاجز عن القيام بوظيفته، وهذا النوع نراه عند البالغين ويزداد ظهوره مع التقدم في السن. ان الاصابة بالداء السكري الكهلي تزداد بشكل لافت، فحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية ارتفع الداء السكري في السنوات الثلاثين الأخيرة بمعدل 35 في المئة، وهذا ليس غريباً إذا عرفنا بأن وباء السمنة انفجر وانتشر في كل دول العالم. والداء السكري مرض خبيث، اذ أنه يبدأ خلسة من حيث لا يدري به صاحبه، وتشخيصه غالباً ما يكون متأخراً، أو قد يتم اكتشافه صدفة عند الدخول الى المستشفى، أو أثناء اجراء فحوص روتينية أو عند اجراء كشف صحي للعمل أو من أجل تأدية خدمة العلم، أو وهذا هو الأخطر قد يفصح السكري عن حاله بأحد اختلاطاته، وما أكثرها. يتعرض مريض السكري أكثر من غيره للالتهابات الموزعة هنا وهناك. الساد 25 مرة والقصور الكلوي 15 مرة والغانغرين 5 مرات والأمراض القلبية والوعائية والجلطات الدماغية 4 مرات، ناهيك عن الاختلاطات الأخرى. لكن هل يمكن الوقاية من السكري الكهلي؟ الجواب نعم اذا صدقنا نتائج الأبحاث الحديثة التي نشرت عن هذا الموضوع، وآخرها ما أكده بحث أميركي من خلال متابعة أكثر من 80 ألف ممرضة أميركية. فوفقاً لهذه الدراسة فإن 90 في المئة من الاصابات بالداء السكري يمكن قطع الطريق عليها، بتغيير نمط الحياة واتباع نظام صحي غذائي سليم ومتوازن. الدراسة بدأت في العام 1980، آنذاك لم تسجل أية اصابة بالداء السكري بين الممرضات، لكن بحلول العام 1996 وجد البحاثة ان هناك 3300 ممرضة مصابات بالداء السكري، وبعد الدرس والتمحيص تبين ان زيادة الوزن وقلة الرياضة تحتلان رأس القائمة بين العوامل الخطرة المشجعة على حصول مرض السكري. قبل أشهر من اعلان هذه الدراسة، نشرت دراسة فنلندية جاءت نتائجها لتصب في خانة الدراسة الأميركية، اذ لاحظ البحاثة من خلال متابعتهم لمجموعة من الأشخاص أن هناك علامات بيولوجية دموية تثير الشكوك بأن داء السكري قادم لا محالة، لكن بعدما قام هؤلاء بتغيير نمط التغذية اضافة الى ممارسة النشاط الرياضي المنتظم، فإن خطر الاصابة بالسكري هبط عندهم بما يقارب الستين في المئة بالمقارنة مع اولئك الذين لم يتبعوا نظاماً غذائياً ولم يمارسوا الرياضة. إذاً، بالمختصر المفيد، يجب الحذر من السمنة في البطون، والانتباه الى ما في الصحون، وممارسة الرياضة، فهذه العوامل تساعد في الوقاية من السكري الكهلي. وكما يقول المثل الشعبي درهم وقاية خير من قنطار علاج.