بأسلوبه الرشيق المعتاد، الذي لم تقلّل من شأنه غيبته الطويلة عن الكتابة القصصيّة، يعود جورج شامي، مرّة أخرى، ليجمع في كتاب صدر أخيراً عن "دار الجديد" البيروتيّة، مجموعة من القصص القصيرة والمتوسّطة التي سبق أن كتبها في مراحل متفرّقة من حياته الأدبيّة. ولعلّ أطرف ما في هذا الكتاب عنوانه المثلّث : "عاشقة بألوان قوس قزح" - "جرح عميق في برميل مازوت" - "ليلة في برج القوس". كما ان مجموعة من نصوصه هي عبارة عن قصص قصيرة جدّاً كتبها شامي في بداياته، أواسط الأربعينات، ويبدو أنّه فقدها منذ ذلك الحين... حتى عثر عليها وأعاد "ترميمها" في لندن، قبل عامين. والمفاجأة أن هذه القصص، تعتبر كاشفةً حقيقيّة لأسلوب شامي، حيث تختلط الرؤى الشعريّة بالواقع اليومي، ويبدو تأثّره واضحاً بالمؤسس والكاتب الكبير توفيق يوسف عوّاد. ولكن هنا يستوقنا أمر مفاجئ، فهو في قصّة عنوانها "شمعة"، يتحدّث عن امرأة كانت في القصّة تتابع برنامجاً يبث من التلفزيون، وذلك في العام 1946، قبل أن يوجد التلفزيون، حتّى في الولاياتالمتحدة الأميركيّة! مهما يكن، يلفت في كتابة جورج شامي، استخدامه التفاصيل وأشياء الحياة اليوميّة، كما يلفت تعبيره الدائم عن الشخصيّات عن طريق الحوار. وفي مطلق الأحوال، تبدو كتاباته التأسيسيّة أقل شاعريّة ورومانسيّة من كتاباته اللاحقة، غير أن هذه الرومانسيّة، لا تمنع مثلاً نصّاً عنوانه "في برج القوس"، من الامتلاء بالحوارات السياسيّة والوطنيّة المباشرة. هنا يبدو واضحاً أن شامي، تحت وطأة الحرب اللبنانية وأحداثها، آثر أن يتخلّى عن بعض ما في كتاباته الأولى والمتوسّطة من جمال داخليّ، ومن تشابك في العلاقات، ميّز دائماً نصوص صاحب "النمل الأسود" و"ألواح صفراء" و"أعصاب من نار" وغيرها... على أيّة حال، يعتبر كتاب جورج شامي الجديد القديم، عودةً لهذا الكاتب إلى الأدب، بعدما كادت الصحافة تمتصّ وقته وطاقاته. وفي هذه العودة، استعادة لكاتب كان ولا يزال من أبرز أبناء جيله.