يرى معظم المحللين في موسكو ان الضجة التي أثيرت حول صفقات الأسلحة الروسية مفتعلة، ليس لأن تلك الصفقات لا وجود لها، بل لأنها عادية وليس في توقيعها جديد على دولة تنتج من السلاح ما يزيد على حاجتها. ولا جديد في اسباب تلك الضجة أو في توقيتها. فبداية السنة، كل سنة، مناسبة مواتية للحكايات والانباء المثيرة، وتبدل الحكام فرصة لجس نبض الدول المتنافسة على الساحة الجيو- سياسية. وقد عودت روسيا الرأي العام العالمي على غرائب الاخبار، الا انها في النصف الثاني من العام 2000، بعد "سقوط" الامبراطورية الاعلامية اليهودية ذات الرأسين الغوسينسكي والبيريزوفسكي التي دأبت على حبك تلك الاخبار، لم تعد تدهش الناس كثيراً من هذه الناحية. فعمد الاعلام الغربي، ربما بإيحاء من فلاديمير غوسينسكي وبوريس بيريزوفسكي وسائر حيتان المال والإعلام الهاربين، الى نبش صفقات السلاح الروسية وتهويل ابعادها وأحجامها. وأثار انتعاش تلك الصفقات مخاوف منافسي روسيا الغربيين. فقد أدركوا انها رفعت رأسها فعلاً بعد انتكاس دام عقداً من الزمان. الا ان تجارة السلاح العالمية تثير نقطتين مهمتين أولاهما ازدياد الخطر على الأمن الدولي باتساع نطاق تلك التجارة، وثانيتهما تقلص حاجة جيوش البلدان المنتجة للسلاح والمعدات الحربية، مما يجعلها تبحث عن اسواق جديدة لتصريفها. وفي ما يخص روسيا تشدد الحملة الاعلامية الغربية على النقطة الأولى فقط، كأن روسيا بالذات تحتل صدارة قائمة الدول المصدرة للسلاح في حين ان دولاً اخرى سبقتها في هذا المجال. ومعروف ان تجارة السلاح العالمية في زيادة مطردة طوال العامين الأخيرين بعد انحسارها في الاعوام التي سبقتها، وهي موزعة على ثلاث دول هي الولاياتالمتحدة 49 في المئة أو 26.5 بليون دولار بأسعار العام 1998 وفرنسا 9.08 بليون دولار وبريطانيا 9 بلايين دولار. اما عائدات روسيا من مبيعات السلاح فقد زادت من 2.5 بليون العام 1997 الى 2.8 بليون العام 1998، فيما تقلصت صادرات السلاح الصينية الى النصف 500 مليون دولار بسبب المنافسة من جانب روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء وبلغاريا. وهذا ما يخيف منتجي السلاح الغربيين، فهم ينظرون بحذر شديد الى حركة سوق السلاح في روسيا التي تسعى الى استعادة مواقعها في الشرق الأوسط خصوصاً، علماً ان اكبر الدول المستوردة للسلاح هناك هي: المملكة العربية السعودية 10.4 بليون دولار العام 1998 ومصر بليون دولار ودولة الامارات العربية المتحدة 900 مليون دولار واسرائيل بليون دولار. ويعزو معهد الدراسات الاستراتيجية الدولي في ستوكهولم ازدهار تجارة السلاح الى التوتر في شمال شرقي آسيا والشرق الأوسط وارتفاع اسعار النفط وتمكن دول الخليج من تمويل المشتريات العسكرية بالتالي، وكذلك الى تحديث القوات المسلحة في اقطار شرق آسيا وجنوب القارة الافريقية. وللمرة الأولى تجاوز توريد السلاح الى شرق آسيا وجنوبها الشرقي المشتروات الدولية لدول حلف شمال الاطلسي وسائر أقطار أوروبا الغربية التي يلاحظ انخفاض المصروفات الدفاعية فيها. وتظل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا اكبر مستورد للسلاح 39.5 في المئة من اجمالي سوق الاسلحة، فيما بلغت مشتروات أقطار شرق آسيا وجنوبها الشرقي الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند وغيرها 23 في المئة من اجمالي السوق، متجاوزة مشتروات دول الاطلسي وأوروبا الغربية 22 في المئة. حصة روسيا من قالب الحلوى اهتمام روسيا بتصدير السلاح قديم ويشغل المرتبة الثانية في واردات الدولة بعد تصدير النفط والمعادن. وقد توسع عائداتها لترفعها الى المرتبة الأولى. واللافت ان تجارة السلاح تشكل 80 في المئة من الصادرات الصناعية الروسية، وان روسيا في 1998 استعادت مواقعها من حيث الكم، فصارت تبيع السلاح الى 59 دولة مثلما كان الوضع في العهد السوفياتي وتقدر الطلبات التي تلقتها المصانع الحربية الروسية حتى السنة 2005 بحوالى 8 بلايين دولار. وثمة اتجاهات أو توجهات أساسية عدة لتجارة السلاح الروسية يمكن ايجاز بعضها في ما يلي: 1- استعادة القنوات السوفياتية المفقودة في التجارة مع الأقطار العربية الراديكالية العراق، ليبيا، الجزائر بكامل حجمها، وفتح قنوات روسية مع الأقطار المعتدلة. 2- تفعيل التجارة مع الأقطار التي تعرضت فيها للركود لأسباب سياسية داخلية الهند أو بضغوط خارجية ايران. 3- توسيع حلقة ما يسمى "بدول المجازفة" لتشمل الصين وكوريا الشمالية وكوبا اضافة الى ايرانوالعراق. فعندما ضيقت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في شمال الاطلسي الخناق على روسيا وازاحتها من سوق السلاح في أوروبا الشرقية حملتها على توسيع مبيعاتها العسكرية الى الفئة المذكورة، خصوصاً الصين. علماً ان التعاون الروسي - الصيني لا يقتصر على تزويد الصين منتجات حربية جاهزة، بل تكنولوجيا عسكرية متقدمة لتطوير القدرات الصناعية في تلك البلاد، وقد تكون له آثار سلبية مستقبلاً من الناحية الأمنية. فهو مرشح لزيادة تهديد أمن روسيا نفسها باعتبارها من دول الجوار المباشر للصين، فضلاً عن الدول الأخرى كالولاياتالمتحدة. 4- تلمس سبل التعاون العسكري مع الدول الأوروبية، فثمة خطوات مترددة في هذا المجال، وثمة اهتمام وطلب على بعض الآليات الحربية الروسية المتميزة بمقاسات رفيعة. ومعروف ان القوة الجوية الألمانية تستخدم بنجاح مقاتلات ميغ - 29 المتبقية من جيش المانيا الديموقراطية. وترددت أنباء عن النية في شراء وجبة اضافية من هذه المقاتلات كبديل رخيص عن طائرة "يوروفايتر - 200" الباهظة التكاليف. الى ذلك بحث اقتراح تزويد طائرات الميغ بأجهزة ملاحية وأسلحة غربية لبيعها الى دول ثالثة. الا ان هذا الاقتراح لم ينفذ، فيما ساهمت شركات فرنسية سنيكما وسكستانت افيونك وايطالية ايروماكي في وضع تصاميم طائرات تدريبية روسية من طراز "ميغ - 1 ت" و"ياكوفليف - 130" تعرض للبيع وتوضع في خدمة القوة الجوية الروسية ايضاً. وينتظر ان ينفذ المزيد من هذه المشاريع على سبيل التخصص الروسي في اطار التقسيم الدولي للعمل. 5- "تطويق" أقطار الكومنولث السوفياتي والتعاون معها في اعادة تصدير السلاح الروسي الأصل المتبقي عندها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. وتردد ان مولدافيا باعت الى اليمن 12 مقاتلة ميغ - 29 و7 مدرعات ب.م.ب الإعصار. كما باعت روسيا البيضاء الى بيرو 18 مقاتلة ميغ - 29 بمبلغ 380 مليون دولار. وظهرت اوزبكستان في سوق السلاح العالمية في 1994 - 1995 واحتلت المرتبة ال13 منها وباعت آليات حربية بمبلغ 780 مليون دولار، منها 15 طائرة نقل من طراز ايليوشين - بيعت 76 طائرة منها الى الصين - وسوقت اوكرانيا الى الهند 300 شاحنة عسكرية والى ايران 12 صاروخاً بحرياً طراز 85 - ك - 22 والى سري لانكا تسع طائرات ميغ - 17 وميغ - 24 وأربع طائرات نقل ضخمة آن - 32. وفي العام 1996 وقعت اوكرانيا مع باكستان عقداً حول تصدير 320 من أحدث الدبابات الروسية الصنع ت 84. 6- استمرار التعاون مع زبائن روسيا التقليديين الذين نشطت مشترواتهم من منتصف التسعينات: المجر مدرعات طراز - 80 وسلوفاكيا ميغ - 29 وفيتنام مقاتلات سوخوي - 27 وصواريخ جو - جو وبلغاريا دبابات - 72 ومدرعات - 1 ومروحيات ميغ - 24 وكذلك فنلندا راجمات صاروخية بوك - ام. وتمكنت روسيا من دخول أسواق جديدة مثل ماليزيا مقاتلات ميغ - 29 وصواريخها وقبرص دبابات - 84 ومدرعات - 3 وراجمات س س - 300 وتركيا مروحيات ميغ - 17 وكوريا الجنوبية دبابات - 84 ومدرعات - 3 وراجمات "ايغلا". اما الصين فمشترواتها من السلاح الروسي كبيرة، اذ تسلمت من روسيا منذ بداية 1996 نحو 200 دبابة ت - 84 و1500 صاروخ موجه وغواصتين من طراز "كيلو" ودفعة من مقاتلات سوخوي - 27 24 طائرة. إلا ان الهند تعتبر حالياً أكبر مشتر تقليدي للسلاح الروسي، علماً ان القوات المسلحة الهندية مجهزة بالسلاح السوفياتي والروسي بنسبة 70 في المئة تقريباً منذ ان بدأ تصديره الى الهند العام 1960. وعلى مدى 40 عاماً بلغت قيمة العقود العسكرية الروسية مع هذه الدولة حوالي 30 بليون دولار. وتعود بدايات المرحلة الجديدة الأوسع في التعاون العسكري الروسي - الهندي الى منتصف التسعينات حين وقع برنامج طويل الأمد بقيمة اجمالية تراوح بين 7 و8 بلايين دولار. وفي اطار هذا البرنامج استلمت الهند العام 1995 عشر مقاتلات ميغ - 29 و180 صاروخاً موجهاً من طراز جو - جو. واستمر توريد الصواريخ البحرية ومحطات الرادار للسفن الهندية، اضافة الى ترخيص صنع مقاتلات ميغ - 27 والصواريخ المضادة للدبابات أ ت - 5 والزوارق الصاروخية من طراز تارانتول - 1. وفي بداية 1997 وقع عقد ضخم جديد لتزويد الهند حتى العام 2000 ب40 مقاتلة روسية من طراز سوخوي - 30 م.ك بمبلغ قدره 1.8 بليون دولار. وبدأت شركة "أفيا اكسبورت" الروسية أخيراً ارسال الدفعة الأولى من مروحيات النقل ذات المهمات المزدوجة ميغ - 17 ب التي وقع عقد بيعها الى الهند في 26 ايار مايو 2000. وتنص هذه الصفقة على ارسال 40 مروحية بمبلغ اجمالي قدره 170 مليون دولار على ان يصار الى تسليحها وتكييفها لاحقاً الى مروحيات هجوم وانزال. وكان وزير الدفاع الهندي قرر شراء كميات اضافية من هذه المروحيات بعدما اثبتت فاعليتها في المعارك ضد الانفصاليين في كشمير صيف 1999. إلا ان الصفقة المذكورة اسفرت عن مضاعفات داخلية أججت الخلافات بين منتجي هذه المروحيات المدنية وبين خبراء تكييفها وتحويلها الى مروحيات هجومية، مما جعل الجانب الروسي يخسر مادياً، ذلك ان القيمة المتفق عليها في بادئ الأمر تبلغ 230 مليون دولار، تقلصت في النهاية الى 170 مليوناً. وتبدي الهند اهتماماً بدبابات 90 س المتطورة وبقاذفة القنابل الثقيلة توبوليف - 22م/3 وطائرة الاكتشاف الراداري البعيد أ - 50، وطائرة اواكس الروسية. وللأواكس الروسية قصة، فقد استأجرت الهند احداها لمدة 40 يوماً وجربتها في البنجاب، الا انها اشترطت، في حال شراء هذه الطائرة، نصب اجهزة اضافية اسرائيلية، فرفض الروس الصفقة. ويقدر الخبراء قيمة صفقة بناء طائرات سوخوي - 30م/ك/ي المتعددة المهمات في مصنع هال ناسيك الهندي ب4 بلايين دولار. وينتظر في حال عقد هذه الصفقة قريباً ان تصنع الهند حوالي 100 طائرة من هذا النوع في غضون 17 عاماً. وزاد اهتمام الهند بدبابات - 90س فجربت ثلاثاً منها في صحراء تاب، بعدما اشترت باكستان دبابات من طراز 80/و/د من اوكرانيا. وتراوح قيمة المشتروات الهندية من الدبابات الروسية المذكورة في حدود 450 مليون دولار تصل الى بليون في حال تشييد مصنع لانتاجها محلياً. وتبقى مسألة حاملة الطائرات الروسية "الأميرال غورشكوف" عالقة اذ ان روسيا مستعدة لبيعها الى الهند بمبلغ 300 - 400 ألف دولار، اي بسعر المعدن الذي صنعت منه، لكن بشرط ان يدفع الجانب الهندي كلفة تجديد السفينة ويشتري طائرات متن روسية مقاتلات ميغ - 29/ك وطائرات عمودية ببلايين الدولارات، والاشكال هنا ان الهند غير مستعدة بعد لشراء مقاتلات المتن ميغ - 29 ك. "دروع السلاحف" تجدر الإشارة بخاصة الى مشروع راجمات "بانصر - س1" درع السلحفاة الذي سلم الجانب الروسي عقداً موقعاً بشأنه الى الملحق العسكري لسفارة دولة الامارات العربية المتحدة لدى موسكو في 24 ايار 2000. تبلغ كلفة المشروع 734 مليون دولار، ويصار الى تنفيذه في غضون خمس سنوات، فينجز مكتب التصاميم بمدينة تولا الروسية تصميم الراجمات الجديدة في عامين، ثم يرسل على مدار السنوات الثلاث المتبقية 50 راجمة الى دولة الامارات على ثلاث دفعات 10 و20 و20. وتقدم وزارة الدفاع الاماراتية سلفة بمقدار 30 في المئة من كلفة المشروع لتغطية اعمال التصميم والتجريب في العامين الأولين. وهذه الراجمة الجوية الصاروخية المدفعية القريبة المدى سلاح شمولي الأهداف، فهي من الدفاعات القادرة على اصابة الاهداف الجوية مثل الطائرات اللوجستية والهليكوبترات والصواريخ الباليستية والمجنحة والقنابل الموجهة، وكذلك المواقع البحرية والبرية ذات الدفاعات اليسيرة مثل الناقلات المدرعة ومشاة العدو، وهي قادرة على اطلاق النار على هدفين في وقت واحد واصابة 12 هدفاً في غضون دقيقة. وتراوح ابعاد منطقة الإصابة الصاروخية ما بين 5 أمتار و8000 متر عمودياً وبين كيلومتر واحد وعشرين كيلومتراً أفقياً، فيما تبلغ ابعاد الإصابة المدفعية بالقذائف الجوية 1 - 3000 متر عمودي و200 - 4000 متر أفقي. ويتوقف احتمال اصابة الهدف على نوعيته وعلى المشوشات المرافقة له. اما فترة رد فعل الراجمة فهي 5 - 6 ثوان. وهي مجهزة ب12 صاروخاً جوياً موجهاً من طراز 57/ي/6 وبمدفعين اوتوماتيكيين عيار 30 ملمتراً مع مخزن ذخيرة ب750 طلقة. ويبلغ وزن الصاروخ الموجه 90 كيلوغراماً وطوله في صندوقه 3200 ملم. والمحرك الصاروخي يعمل بالوقود الصلب ويؤمن انطلاق الصاروخ بسرعة 1300 متر في الثانية. ولتأمين الإصابة الأكيدة يطلق على الهدف الواحد صاروخان في آن. اما المدفعان فيطلقان النار على الاهداف الجوية والبرية بسرعة رماية تبلغ 700 طلقة في الثانية. وسرعة البداية للقذيفة هي 960 متراً في الثانية. ويبلغ وزن الراجمة المشحونة بالعتاد 20 طناً، وعدد أفراد الطاقم القائم على خدمتها 3 اشخاص. وقاعدة تنقل الراجمة بصيغتها الروسية هي سيارة الشحن "أورال - 5323" ذات المحاور الأربعة، مما يجعل الراجمة اكثر سرعة من العربات المجنزرة وأرخص كلفة. الا ان العقد الموقع مع دولة الامارات ينص على عربة مجنزرة لتحركات الراجمة. والراجمة مزودة برادار متعدد الذبذبات يتمكن من اكتشاف الاهداف الجوية الموزعة في حدود انتشار 2 - 3 كيلومترات وعلى مسافة تتجاوز 30 كيلومتراً، ويقتفي آثارها لمسافة 24 كيلومتراً