ضرب "العنف المشبوه" من جديد في الآونة الاخيرة على محور البليدة - المدية جنوب غربي العاصمة وهما من قلاع الحركة الاسلامية سابقاً حتى ان المدينة الاولى كانت تشبه بمشهد والثانية بقم! فقد اغتيل ستة "اسلاميين" من المدية ليلاً، كانوا يخيّمون بأحد شواطئ تيبازة غرب العاصمة الذي يؤمّه عادة المصطافون "الملتزمون"، اي الذين يمارسون السباحة بنوع من الاحتشام. كما اغتيل في البليدة ستة شبان كانوا يلعبون "الدومينو" ليلاً بأحد المقاهي. وما يلفت ان هاتين العمليتين لم تتبناهما اية جهة، ولم تُنسبا ايضاً الى اي جهة باستثناء إلصاقهما ب"جماعة مسلحة" مجهولة العدد والانتماء! هذه الظاهرة من شأنها ان تثبت صفة "الشبهة والغموض" في هذا النوع من العنف الذي يختار ضحاياه عادة من "بقايا" الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة او من البؤساء كرعاة الماشية الذين اصبحوا هدفاً مفضّلاً بعد توقف المجازر الجماعية مطلع 1998. ولاحظ المراقبون ان "العنف المشبوه" ظل يؤدي منذ العام 1993 وظائف عدة اهمها: الترويع، لما يتميز به من وحشية نادرة، و"التشويه الذاتي" لانعكاساته السلبية على اصحابه، فضلاً عن منع اي استقطاب ثنائي في الصراع المسلح الدائر منذ اكثر من ثماني سنوات. وتحاول "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بلورة هذا الاستقطاب بتكثيف العمل المسلح الذي يستهدف قوات الجيش والامن في الدرجة الاولى طمعاً في البروز بمظهر تنظيم يسعى الى تحقيق "اهداف سياسية" وقد لاحظ الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة نفسه ذلك في احد تصريحاته، نافياً - ضمنياً - عن هذا التنظيم مسؤولية تقتيل الابرياء. ويرى الشيخ علي بن حجر قائد "الرابطة الاسلامية للدعوة والجهاد" - التي اعلنت الهدنة على غرار "الجيش الاسلامي للانقاذ" - "ان الجماعات المسلحة التي تقترف المنكر في الجبال الواقعة بين البليدة والمدية انتعشت بعد ان أشرفت على الانهيار تماماً قبل سنة. وتفسّر المعارضة التصعيد النسبي في اعمال العنف اخيراً "بفشل الحلول الجزئية للازمة الوطنية"، اي ان "سياسة الوئام المدني" ما هي سوى خطوة في مسار طويل ومُعقّد الا ان السلطات الجزائرية تعطي الانطباع "بأن هذه الخطوة هي الاولى والاخيرة". هذا الموقف يجمع احزاباً مثل "جبهة القوى الاشتراكية" و"حركة الاصلاح الوطني" فضلاً عن "حركة الوفاء والعدل" التي لا تزال تصارع من اجل تكريس اعتمادها بحكم القانون، بعد ان رفضت وزارة الداخلية اعتمادها رسمياً "خوفاً من تكرار تجربة جبهة الانقاذ" - حسب معظم المراقبين، وقد اشار الى ذلك وزير الداخلية الجزائري نفسه في اكثر من مناسبة.