كادت حادثة ضياع اسطوانات التخزين الصلبة الخاصة بالمعلومات النووية في مختبر لاس ألاموس ثم العثور عليها بعد نحو ستة أسابيع أن تسفر عن استقالة وزير الطاقة الأميركي بيل ريتشاردسون. وبات في حكم المؤكد أنها عصفت بالآمال في اختياره نائباً للرئيس في حملة الحزب الديموقراطي التي يخوضها آل غور النائب الحالي للرئيس بيل كلينتون. وأثارت الحادثة هلعاً وجزعاً أمنياً كبيراً في عدد من الدوائر والوكالات الأميركية المعنية بأسرار الولاياتالمتحدة النووية، خصوصاً أنها جاءت في أعقاب حادثة اتهام عالم أميركي من أصل صيني بالتجسس لمصلحة الصين وتسريب أسرار نووية خطيرة الى بكين. وعلى رغم أن ريتشاردسون تمسك بأنه لا يعتقد بأن وراء ضياع أسطوانات التخزين الصلبة عملية تجسسية، فإن اول انعكاساتها السلبية عليه تتمثل في اضطراره الى الرضوخ لرغبة الكونغرس في تعيين نائب سابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي اي مسؤولاً عن أمن المنشآت النووية الأميركية، وهو أمر ظل وزير الطاقة يعارضه على الدوام، حتى بعد افتضاح سرقة الأسرار النووية وتوصيلها الى الصين. واتضح أن الأسطوانات الصلبة التي عثر عليها تحتوي على معلومات من شأنها أن تطلع العدو على كيفية بناء مفاعل نووي نقال. ويمكن للعدو في هذه الحال تهريب المفاعل النقال الى الأراضي الأميركية حيث سيصعب على الفنيين الأميركيين اكتشاف مكانه وتفكيكه في حال العثور عليه. وكان الأسوأ وقعاً لدى أعضاء الكونغرس أن مسؤولي الأمن في مختبر لاس ألاموس لم يبلغوا رؤساءهم عن إختفاء أسطوانات التخزين الصلبة ألا بعد ثلاثة أسابيع من اختفائها. وفي أعقاب ذلك أقر الكونغرس بغالبية مطلقة تعيين الجنرال جون غوردون رئيساً لوكالة جديدة تحمل اسم "ادارة الأمن النووي الوطني" التي يعارض ريتشاردسون إنشاءها بدعوى أنها ستتدخل في صلاحيات عمله. وكان دوي الفضيحة سيئاً بوجه خاص بالنسبة الى الديموقراطيين، إذ إن الإنتخابات الرئاسية غدت على الأبواب. وتردد في عدد من الدوائر أن ريتشاردسون قد يتم اختياره لخوض الحملة مع المرشح الديموقراطي آل غور نائباً للرئيس. وسعى منافسوهم الجمهوريون الى استغلال الفضيحة باعتبار أن الديموقراطيين فرطوا في الأمن النووي للبلاد. وارتفع عدد من الأصوات يطالب ريتشاردسون بالاستقالة، غير أن وزير الطاقة الأميركي رفض تلك المطالب. وكان وزير الطاقة أعلن في أعقاب قضية التجسس النووي لمصلحة الصين أن الوزارة سترغم خمسة آلاف عالم نووي أميركي على الخضوع لاختبار كشف الكذب من وقت لآخر. واحتجت اتحادات الموظفين والعلماء والفنيين النويين على إرغامهم على إخضاع أسرارهم العائلية وحياتهم الجنسية وأوضاعهم المالية للتدقيق من دون داع. ويقول الخبراء إن اختبارات كشف الكذب فشلت في السابق في إماطة اللثام عن الجواسيس الحقيقيين، مثل ألدريخ أيميس. ودفع الأمر علماء المنشآت النووية للتفكير في إنشاء نقابة للدفاع عنهم. وأقرت إدارة مختبر لوس ألاموس بأنه أضحى صعباً عليها توفير باحثين ودارسين من أقسام الطبيعة والرياضيات في مختلف الجامعات لمتابعة برامجها البحثية فوق الجامعية.