اعتبر المحللون مصادقة البرلمان الروسي في 14 نيسان ابريل الجاري على المعاهدة الثانية لتقليص الاسلحة الاستراتيجية الهجومية سالت - 2 بغالبية 288 صوتاً في مقابل 131 صوتاً اول نصر سياسي للرئيس المنتخب فلاديمير بوتين، اذ انه حقق ما عجز عنه الرئيس السابق بوريس يلتسن طوال ثماني سنوات من حكمه، وافلح في تذليل مخاوف المجتمع الروسي الذي غرس الشيوعيون في ذهنه فكرة تفتت القدرة الحربية للدولة الروسية لو اقدمت موسكو على المصادقة على المعاهدة المذكورة. فهي باعتقاد غينادي زيوغانوف "خيانة عظمى" لأنها تجرد روسيا من آخر درع صاروخي يحمي اراضيها وسيادتها. لكن الماريشال ايغور سرغييف وزير الدفاع اكد ان امكانات البلاد محدودة، وان مصلحة الوطن هي التي دفعت البرلمان اخيراً ان يبرم المعاهدة التي يقف اليسار ضدها منذ ان وقعها يلتسن مع الرئيس الاميركي السابق جورج بوش في 3 كانون الثاني يناير 1993، وصادق عليها لاحقاً مجلس الشيوخ الاميركي. وتنص المعاهدة الثانية على ان تقلص الولاياتالمتحدةوروسيا بحلول العام 2003 عدد الرؤوس النووية لكل منهما الى 3000 - 3500 رأس، على ان يتقلص هذا العدد ايضاً لاحقاً. وكان لدى كل طرف من الطرفين اكثر من 11 ألف رأس نووي نصت المعاهدة الاولى على تقليصها الى 6 الاف. وتوزع الثلاثة آلاف رأس الاخيرة على فئتين: 1700 - 1750 من الصواريخ البالستية المنصوبة في الغواصات و1000 من الصواريخ العابرة للقارات، على ان يتم اتلاف جميع صواريخ الفئة الثانية ذات الرؤوس القابلة للانفصال. وكانت روسيا وافقت على اتلاف 154 من صواريخها الثقيلة العابرة للقارات اس اس - 18 التي يحمل كل منها 10 رؤوس نووية. وبعد كل عمليات التقليص تتعادل الترسانة الاستراتيجية الروسية والاميركية من حيث الكمّ، الا ان الولاياتالمتحدة لو اجهضت كل تلك الجهود، ستتمكن من تحقيق تفوق نووي على روسيا بنحو 15 مرة. ولا يجزم بعض الخبراء الروس بأن الولايات المحدة ستخفض التسلح النووي الى مستوى "سالت - 3" فليس لديها دافع جدي يدفعها الى ذلك، في حين ان روسيا تنحدر لاسباب تقنية الى مستوى ادنى من ذلك، فالصدأ يأكل صواريخها، والامكانات المالية معدومة حتى للصيانة، فضلاً عن التجديد. وجاءت مصادقة البرلمان الروسي قبل يومين من اول زيارة رسمية قام بها الرئيس المنتخب بوتين لبريطانيا، على أمل كسب ودها وودّ اوروبا فيما لو حصل "احتكاك" سياسي بين روسياوالولاياتالمتحدة قبل زيارة وزير خارجيته ايغور ايفانوف الى واشنطن نهاية نيسان ابريل لبحث احتمالات تفكيك معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ الموقعة العام 1972، ومعالجة قضية انتشار الصواريخ البالستية العابرة للقارات. ويدعو موقف روسيا في هذا الشأن الى الحفاظ على هذه المعاهدة بوصفها حجر الزاوية للاستقرار الاستراتيجي في العالم، فيما تريد الولاياتالمتحدة الانسحاب منها لتطلق يدها في بناء شبكتها المتقدمة للدفاعات المضادة للصواريخ، ومن دون تسوية هذه المسألة لن يصار الى توقيع معاهدة "سالت - 3" التي تعتبر خطوة مهمة في سبيل تقليص الاسلحة النووية الاستراتيجية الهجومية. واللافت ان خطط القيادة الروسية لا تشير صراحة الى نيّة في دخول سباق التسلّح حتى لو نفّذت الولاياتالمتحدة مشروعها الخاص بالدفاعات الصاروخية او "حرب الكواكب". فلا طاقة لروسيا على مباراة من هذا النوع. والأغلب انها ستغدو في هذه الحال مجرد دولة نووية "متقوقعة" لكن امكاناتها تكفي لاشعال جحيم حرب نووية عالمية تأتي على الأخضر واليابس.