عندما أصدر الرئيس السابق علي كافي الجزء الأول من مذكراته قبل بضعة أشهر أثار ضجة انتهت بتحريك دعوى، وعندما حاول الدفاع عنها في 8 آذار مارس الجاري أثار ضجة أكبر وحرك دعوى ثانية! الضجة الأولى قامت أساساً حول ما جاء في المذكرات بخصوص تصفية رمضان عبان مدبر أول انقلاب في الثورة الجزائرية في العام 1956 ومفاده أن خصومه في قيادة الثورة كانوا يعيبون عليه "اجراء اتصالات سرية مع العدو من وراء ظهورهم". وقد عمدت صحف الإثارة الى اسقاط عبارة "من وراء ظهورهم"، في ظل تجاهل تام لسياق تلك المرحلة نهاية 1957 والصراع القائم آنذاك على مستوى القمة والذي انتهى بتصفية عبان، ما جعل عائلته ترى أن الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة "يتهمه بالخيانة" وتبادر الى رفع دعوى قضائية عليه استناداً الى ذلك. وفي محاولة للتخفيف من حدة الحملة، استغل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة تجمعا لمجاهدي منطقة القبائل منطقة عبان ليدعو الى "ترك التاريخ لذوي الاختصاص وتجنب النرجسية والتزوير في تناول وقائعه". أما الرئيس كافي فاعتبر ان الدعوى التي رفعت ضده "ما كانت لتحدث لولا هذا التشجيع الرسمي"! وقامت الضجة الثانية استناداً الى تصريحات كافي التي أثارت اللواء خالد نزار وزير الدفاع ودفعته الى رفع دعوى قضائية - اسوة بعائلة عبان - بتهمة "القذف وتزوير التاريخ". ولقد بلغ الى مسمع نزار أن كافي وصف أمثاله من الضباط الجزائريين الذين كانوا في الجيش الفرنسي ثم التحقوا بجيش التحرير أو ادمجوا في الجيش الجزائري بعد الاستقلال ب"الطابور الخامس"! فافترض ان ذلك ما قاله كافي فعلاً واعتبره رسالة خطيرة موجهة الى الشعب الجزائري مفادها "ان بعض مسؤوليه من الخونة والحركة!". وأكثر من ذلك اعتبر نفسه المعني الأول بهذه "التهمة الخطيرة" وذهب مذاهب في تأويلها "فقد تكون رد فعل على مذكرات" اللواء المتقاعد، و"ربما رد فعل على التعيينات الأخيرة في قيادة الجيش". والاشكال هنا ان تهمة "الطابور الخامس"، ومثلها الحكم على قيادة الجيش "بالعجز عن مكافحة الارهاب بالفعالية المطلوبة"! هي من اختلاق وسائل الاعلام لا غير. فمثل هذا الكلام لم يسمعه الصحافيون الحاضرون، ولم يرد له ذكر في التقارير الصادرة حول هذا اللقاء غداة وقوعه. وأخطر التصريحات الواردة في هذا اللقاء - الذي حضرناه - كانت تعني الرئيس بوتفليقة - كما سبقت الاشارة - وكذلك الجيش كمؤسسة حاكمة، وليس كضباط من الجيش الفرنسي أو جيش التحرير، من خلال قوله: "انني لم أندم على قرار مثل ندمي على قبول رئاسة المجلس الأعلى للدولة!". ففي هذا التصريح إقرار بواقع ورسالة الى الرئيس بوتفليقة نفسه، والى غيره من السياسيين الذين يمكن أن "تستعين" بهم قيادة الجيش بعده. ولعل هذا ما أغضب المؤسسة، وهز وزير الدفاع السابق.