انضم اكثر من 400 قتيل الى مئات آخرين افترستهم دوامة العنف الديني والعرقي في نيجيريا، كبرى دول القارة الافريقية سكاناً. ومثلما انحدرت هذه الدولة المترامية الى حرب اهلية في بيافرا، قبل اكثر من ثلاثة عقود، فهي تمشي سريعاً صوب نزاع جديد يلتحف قضايا الانفصال والهوية الدينية والعرقية. ولعل الاكثر ترويعاً في هذا السيناريو ان نيجيريا تتميز بسرعة انتقال الاضطرابات من ولاية الى اخرى، على غرار ما يعرف بفرضية انهيار تراص قطع "الدومينو". مثل معظم بلدان منطقة السودان القديم في غرب افريقيا، تعاني نيجيريا انقساماً حاداً بين شطرين شمالي وجنوبي، ومزيجاً دينياً من الاسلام والمسيحية والوثنية والديانات التقليدية الافريقية، وتخلطاً عرقياً فريداً ومعقداً. وبدا ان من سوء حظ الرئيس النيجيري المنتخب الجنرال آوباسانجو - وهو مسيحي - ان المحابس التي كانت تمنع تفجّر الضغوط المتراكمة الناجمة عن تلك التفاعلات والمصادمات، بدأت تدور في مستهل عهده الذي حظي بالترحيب بعد تغييب طويل للديموقراطية. بدأت احداث نيجيريا المرعبة تتصاعد بعد تولي آوباسانجو دفة البلاد العام الماضي. بعضها تسبب فيه الصدام العرقي، والخلافات المرتبطة به من جراء الفجوة الانمائية والمماحكات القبلية المعتادة في افريقيا. وبلغ ذروته اخيراً بالاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين في كادونا التي اسفرت عن وقوع اكثر من 400 قتيل، وهي مرشحة للتفاقم بعدما اعلنت ولاية صكتو شمال غرب انها اضحت ثالث ولاية نيجيرية تقرر تطبيق الشريعة الاسلامية، إسوة بولايتي زامفرا في الشمال والنيجر وسط البلاد. وتبحث ولايات كانو وكادونا ويوبي تطبيق الشريعة. ويقول محللون ان القادة النيجيريين يخشون ان تنتقل المواجهات الحالية الى ولاية كانو التي يواجه حاكمها واميرها تفادي الضغوط التي تمارسها هيئة علماء المسلمين في الولايات للتعجيل بأسلمة النظام القضائي فيها، اذ ان نحو مليون نسمة من قبيلتي اليوروبا والايغبو يقيمون في مدينة كانو التاريخية العريقة. وقد طالب قادتهم الرئيس النيجيري بالغاء قرارات فرض الشريعة ولائياً. لكن الجنرال آوباسانجو الذي قاد آخر هجوم شنته القوات الاتحادية على الثوار الانفصاليين في بيافرا، بدا صارماً في اقتناعه بأن الولايات المعنية لم تنتهك الدستور، لكنه اعتبر ان لكل شيء حدوداً لا ينبغي ان يتجاوزها. غير انه لن يكون - في كل الحالات - ثمة خيار آخر امام الرئيس آوباسانجو سوى اطلاق يد قوات الامن لمنع تردي البلاد الى مزيد من الفوضى. ويصطدم هذا الخيار بكارثة شيوع امتلاك الاسلحة في غالبية ولايات البلاد، وانتشار المنظمات الشبابية المسلحة التي تدافع عن مصالح عرقية وجهوية، وقد لا تجد، هي الاخرى، خياراً امامها سوى مواجهة الدولة، بما قد يصل الى سقف المطالبة بالانفصال… فهل يقود الجنرال - الرئيس المدني هذه المرة - معركة حكومية جديدة ضد انفصاليين بعد مرور اكثر من 30 عاماً على انتهاء حرب بيافرا؟