يرى المسؤولون الأميركيون ان رفض العراق قبول قرار مجلس الأمن تعيين السويدي هانز بليكس رئيساً جديداً للجنة نزع الأسلحة العراقية، أو قبول أي مفتشين ما لم يحدد المجلس الخطوط العامة لرفع العقوبات، لا يعبر عن الموقف العراقي النهائي. إذ يقول هؤلاء المسؤولون إن العراق لا يزال يسمح للوكالة الدولية الطاقة الذرية التي كان يرأسها بليكس بمراقبة النشاط النووي العراقي، كما أن بليكس يحظى باحترام من الرئيس صدام حسين. وتقول مصادر السفارة الفرنسية في واشنطن إن بريطانياوالولاياتالمتحدة وعدتا بتزويد اللجنة الجديدة كل المعلومات اللازمة. ويبدو ان هذا الموقف الأميركي - البريطاني كان رداً على ادعاء بعض التقارير ان العراق نجح في انتاج عدد ضئيل من الرؤوس النووية، وأنه لا يزال يحتفظ بها، على رغم نفي وكالة الطاقة الدولية لذلك. كيف إذاً يمكن تحري الرؤوس النووية؟ يقول تقرير سري أعدته دائرة الأبحاث في الكونغرس: "يحتوي السلاح النووي على كيلوغرامات قليلة من اليورانيوم المخصب أو البلاتونيوم أو من كلا المادتين. وترسل هاتان المادتان، مجتمعتين أو على حدة، اشعاعات متميزة بصورة عفوية مما يساعد على قياس قوة مصدر الاشعاع وحجم الرأس النووي حتى لو كان مخبأ في حاوية معدنية سميكة الغلاف، وبقياس قوة الاشعاع الصادرة عن الرأس النووي تمكن مقارنتها بقوة الاشعاع الصادرة عن الرأس النووي المفكك. وإذا كان القياس في الحالين واحداً، فإن المفتشين يتأكدون عندئذ من وجود رأس نووي على رغم تفكيكه واخفائه. لكن اللجنة الجديدة ستولي اهتمامها الأكبر للأسلحة والمرافق الجرثومية التي تعتقد لجنة التفتيش السابقة أنها كانت لدى العراق عندما طرد مفتشيها. إذ يقول ايوان بوكانون، أحد مفتشي اللجنة، إنه لا يزال في العراق "حوالي ثلاثين طناً من مواد الحرب الجرثومية التي لم تستطع اللجنة اكتشافها. وبين هذه المواد حوالي 8500 ليتر من مادة انتراكس وحوالي طنين من السموم الأخرى مخبأة على بعد حوالي 60 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة بغداد". أما رالف اكيوس ، أول رئيس للجنة الدولية، فقد زعم ان الخبراء العراقيين اعترفوا بأنهم "انتجوا نصف مليون ليتر من البوتلين والانثراكس". كذلك صدرت ادعاءات مماثلة عن اللواء وفيق السامرائي رئيس الاستخبارات العسكرية العراقية السابق بعد فراره من العراق إلى لندن وحسين كامل صهر الرئيس العراقي الذي لقي حتفه بعد عودته من عمّان إلى بغداد. لكن إلى أي مدى يمكن الاعتماد على ما يكشفه المنشقون والفارون أو الثقة في المعلومات التي يصرحون بها؟ من المعروف أن العراق بدأ برنامجه الخاص بالأسلحة الجرثومية العام 1974، بعد خمس سنوات من تولي الرئيس صدام السلطة وبعد سنتين على توقيع العراق معاهدة حظر استخدام الأسلحة الجرثومية. واكتشف المفتشون بعد حرب الخليج أسلحة ازدواجية كيماوية/ جرثومية ومرافق لانتاجها في عدد من المواقع، منها الفاضلية والدورة والتاجي. ومن البديهي ان المفتشين الجدد سيزورون هذه المواقع وغيرها من المواقع التي عثروا في السابق على مرافق للانتاج فيها. كذلك سيراقب المفتشون أي تحركات غير عادية للطائرات العراقية. ففي اليوم الأول من حرب الخليج الجوية في 1990 اقلعت ثلاث طائرات حربية عراقية من طراز "ميغ 21" حاملة صهاريج من الأسلحة الازدواجية من قاعدة "الطليل"، لكن الطائرات الأميركية اسقطتها. وتقول وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية عن تلك الحادثة: "لو نجحت طائرة واحدة في اطلاق تلك السموم لمسافة كيلومترين فقط، لاستطاعت قتل مئات الآلاف من الناس وسممت مساحة تزيد على أربعين كيلومتراً مربعاً". ويقول الدكتور جوناثان تاكر من معهد الدراسات الدولية في كاليفورنيا: "من الممكن بسهولة تحري الاستعدادات النووية من خلال عمليات المراقبة والاستطلاع الجوية. لكن هذه الطريقة لا تفيد لتقدير قدرات انتاج الأسلحة الجرثومية والازدواجية. ولذا لا بد لأجهزة المخابرات من الاعتماد على الإنسان... أي على الجواسيس". وتشير مصادر الاستخبارات العسكرية الأميركية إلى "أن من غير المعروف الآن من هم الذين يشرفون على برنامج الأسلحة الجرثومية العراقي" الذي كانت تديره في السابق الدكتورة رحاب طه بمساعدة الدكتور عامر سعدي. ولعل الأخطر من سموم البوتلين والانثراكس جراثيم الجدري التي لم يعد في العالم منها سوى مخزون للتجارب على اللقاح في ثلاثة أماكن، وهي: مركز منع انتشار الأمراض في مدينة اطلانطا في الولاياتالمتحدة، والمعهد الروسي للفيروسات في نوفوسبيرسكي في سيبيريا، ومقر منظمة الصحة العالمية في جنيف. لكن مسؤولاً في مركز اطلانطا قال إن الخطر يكمن في وجود مخزونات سرية في أنحاء أخرى من روسيا وفي الصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وصربيا وكوبا وإسرائيل وإيران، وربما العراق. ومن المؤكد ان المفتشين الجدد سيبحثون عما إذا كان العراق أجرى أي تجارب على الحيوانات خلال الفترة الأخيرة. ويعتقد مفتشو اللجنة الدولية السابقة ان أرجح المصادر للحصول على جرثومة الجدري الآن مركز "فيكتور" في سيبيريا. وكان المنشق الروسي كانتيان علي بيكوف الذي يسمي نفسه الآن كين علي بك صرح بعد هربه إلى الولاياتالمتحدة بأنه نجح اثناء عمله في المركز في تطوير أقوى السموم مثل انثراكس والجراثيم مثل الجدري. ويدعي، في كتاب جديد بعنوان "الخطر الجرثومي": "ان أكثر من 20 طناً من جراثيم الجدري المسالة مخزونة في القواعد العسكرية الروسية لاستخدامها في الرؤوس الحربية ضد المدن الأميركية في حال نشوب حرب عالمية ثالثة". وأكد منشق روسي آخر، هو فلاديمير باستشينك، الذي هرب العام 1989 إلى بريطانيا، رواية علي بك، علماً بأنه فرّ قبله بثلاث سنوات