من المعتقد انه ليس في العالم حتى الآن سوى ثلاث دول فقط لديها قنابل نيوترون، وهي الولاياتالمتحدةوروسياوالصين. لكن الأسلحة الكيماوية والجرثومية التي تتميز عن تلك القنابل ببساطتها وانخفاض تكاليف انتاجها مع أنها تؤدي الغرض نفسه، متاحة لكل دولة في العالم تقريباً. ويقدر ألبرت فينتر أحد خبراء هذه الأسلحة ان في وسع دولة ما ان تمتلك سلاحاً جرثومياً مثل "انتراكس" بكميات كبيرة وكلفة رخيصة، اذ أن كلفة تغطية أراضي العدو بهذا السلاح تبلغ حوالي دولار اميركي واحد لكل كيلومتر مربع من مساحة أراضي العدو. وفي الولاياتالمتحدة أعلنت المختبرات النووية الحكومية في لوس ألاموس حيث أنتجت الولاياتالمتحدة أول قنبلة نووية في العالم خلال الحرب العالمية الثانية أنها قررت اتاحة الفرصة للدول الصديقة في الشرق الأوسط ومناطق العالم الأخرى امتلاك تكنولوجيا "الذبذبات الصوتية الشاملة" التي تستخدم الأمواج الصوتية لتحري وجود المواد والأسلحة الكيماوية مثل غاز الأعصاب داخل مختلف الحاويات والمواد السامة الأخرى في المياه أو الحليب وغيرهما من السوائل أو شبه السوائل. وفي الوقت نفسه أعلنت الحكومة الاميركية انها أكملت برنامج تلقيح جميع أفراد القوات المسلحة الذين يصل عددهم الى حوالى 1.25 مليون جندي بالمصل الواقي من غاز "الانتراكس"، مع ان بعضهم أثار الشكوك في مدى فاعلية هذا المصل بسبب المضاعفات الصحية السلبية التي ترتبت على استخدامه إبان حرب الخليج، اذ أعلنت مؤسسة راند أخيراً ان مجموعة الأعراض المرضية التي عانى منها الجنود الاميركيون الذين اشتركوا في حرب الخليج والتي صارت تعرف باسم "مرض حرب الخليج" نجمت في الواقع عن عقار "باريدو ستيغمين برومايد" الذي قررت القيادة العسكرية الاميركية إبان حرب الخليج اعطاءه للجنود الاميركيين الذين اشتركوا في الحرب آنذاك ضد العراق لحمايتهم من احتمال استخدام القوات العراقية غازات الأعصاب. ومن أبرز أعراض مرض حرب الخليج حدوث ضيق في التنفس والمعاناة من عسر الهضم وآلام المعدة والأرق وفقدان الذاكرة والاكتئاب. وتقول مختبرات لوس ألاموس في البيان الذي أصدرته أخيراً ان في وسع الدول الصديقة ان تستخدم التكنولوجيا الصوتية على سبيل المثال في الكشف عن وجود أي مواد أو أدوات غريبة في آبار النفط، أو تحري وجود أي مواد كيماوية أو جرثومية في المدن وأماكن التجمعات الكبرى. ففي 21 تشرين الأول اكتوبر الماضي قال جيمس كارتر مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي إف.بي.آي في واشنطن وجيم رايس المسؤول عن قسم حماية المدينة من أي "هجمات ارهابية" في الاجتماع الذي عقداه مع كبار ضباط دائرة الشرطة ومكافحة الحريق في واشنطن ان العاصمة الاميركية أصبحت الآن "الهدف الأول في العالم للارهابيين، وان المسألة لم تعد في احتمال ان تتعرض المدينة للهجوم وانما متى ستتعرض لذلك الهجوم". وفي اليوم نفسه توجه هذان المسؤولان الى شمال فريجينيا حيث عقدا اجتماعاً مماثلاً مع مسؤولي الشرطة ومكافحة الحريق. ويقول كارتر ورايس ان الموعد المرجح لشن الهجمات الارهابية قد يصادف 31 كانون الأول ديسمبر المقبل، أي ليلة الاحتفالات العالمية بإطلالة القرن الجديد. ويتوقع الخبراء الاميركيون ايضاً "وقوع هجوم ارهابي" في ذلك التاريخ في مدينة القدس. ويقولون ان أي هجوم من هذا القبيل في أي مكان قد يؤدي الى "مئات الآلاف من الإصابات التي ستحتاج الى العلاج في المستشفيات". وتعرض وزير الدفاع الاميركي وليام كوهين في الفترة الأخيرة لحملة واسعة من الانتقادات التي اتهمته بإثارة الذعر بين الناس وبإعطاء المنظمات والمجموعات المتطرفة "أفكاراً جديدة" لشن هجماتها. وفي مواجهة هذه الحملة كتب كوهين قبل أيام في صحيفة "واشنطن بوست": "في العالم اليوم 25 دولة على الأقل لديها أسلحة دمار شامل أو باتت على وشك الحصول على هذه الأسلحة، ومن بينها العراقوكوريا الشمالية. ومما يثير القلق بصورة خاصة احتمال وجود جراثيم الجدري في بعض الترسانات العسكرية الاجنبية بصفة دائمة. اذ ان التقدم الكبير الذي حققته حركة السفر الجوي واتساع رقعة المساهمات التي تغطيها هذه الحركة خلال السنوات الأخيرة يعنيان انه يمكن انتقال هذا الفيروس الشديد العدوى عبر العالم خلال ساعات قليلة وعلى نطاق واسع. ولن يترك حملة هذا الفيروس أي عناوين أو علامات على مصدره الاصلي، كما ان الفيروس لن يترك أي دليل على مكان إطلاق الصاروخ الذي حمله". والواقع ان مثل هذه اللغة التي استخدمها كوهين أدت الى حدوث حالات من الذعر أو الإنذار المزيفة وادعاءات كاذبة، لكن حالة القلق الرسمي في الولاياتالمتحدة بدأت في حقيقة الأمر قبل تصريحات كوهين، وعلى وجه التحديد بعدما تعرضت احدى محطات قطارات الانفاق في العاصمة اليابانية طوكيو لهجوم بغاز الاعصاب أودى بحياة اثني عشر شخصاً وإصابة مئات بالتسمم. ومما ضاعف من بواعث القلق الرسمي في واشنطن الهجومان اللذان تعرضت لهما السفارتان الاميركيتان في نيروبي ودار السلام في 1998، وهما الهجومان اللذان ادعت الاستخبارات الاميركية المركزية سي.آي.أيه ان المسؤول عنهما كان أسامة بن لادن. الصينوكوريا الشمالية وايران وورد في التقرير الذي أعده جون دويتش المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية لإحدى لجان الكونغرس عن مخاطر الحرب الكيماوية والجرثومية: "لم يحقق نظام الدفاع الصاروخي الاميركي أي تقدم ذي شأن منذ استخدام صاروخ باتريوت المضاد للصواريخ في حرب الخليج. وإذا شن العراق هجوماً بصواريخ سكاد التي تحمل رؤوساً حربية كيماوية مثل غاز الاعصاب على القوات الاميركية في المنطقة فإن مثل هذا الهجوم سيؤدي على الأرجح الى مقتل الآلاف. وليس في مقدورنا الآن ان نتحرى أكثر من حفنة قليلة من آلاف مصادر التهديد الجرثومية والكيماوية المحتملة... لأنه ليس في وسع أحد ان يتحرى وجود المرافق الكيماوية والجرثومية المدفونة في الأعماق بفعالية أو ان يتعرف على خصائصها بوضوح أو ان يدمرها بشكل ناجع، مما قد يقلل من صدقية رادعنا النووي". ويذهب الاعتقاد في واشنطن الى ان لدى كل من كوريا الشماليةوالصين وايران صواريخ يصل مدى بعضها الى أربعة آلاف كيلومتر مما يعني انه يمكنها الوصول الى معظم أنحاء القارة الأوروبية والشرق الأوسط باستثناء الجزائر والمغرب. ويرى المراقبون ان بواعث القلق الاميركي من مخاطر الأسلحة الكيماوية والجرثومية كانت السبب في رفض مجلس الشيوخ المصادقة على معاهدة حظر الانتشار النووي في الآونة الأخيرة. وإثر هزيمة تلك المعاهدة دعا مسؤولون اميركيون الحكومة الاميركية الى الضغط على روسيا كي تسمح لواشنطن بتطوير نظام دفاع صاروخي جديد مضاد للصواريخ، مما يشكل انتهاكاً لبنود المعاهدة التي وقعها الاتحاد السوفياتي السابق مع الولاياتالمتحدة في 1972 لحظر تطوير أي صواريخ جديدة مضادة للصواريخ عابرة القارات. ومن المفارقات ان اميركا تقوم الآن بتطوير سبعة أنظمة صاروخية مضادة للصواريخ. وفي وسع اميركا الآن اطلاق الصواريخ المضادة من منصات اطلاق بحرية محمولة بينها ست منصات على متن بوارج الأسطول الاميركي في عرض المحيط على بعد حوالي 350 كيلومتراً الى الشمال الغربي من ساحل جزيرة كاوي التابعة لجزر هاواي. ولدى اسرائيل ايضاً نظام أرو السهم الذي سبق لوزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشيه آرينز ان اقترح على حكومته تأمينه لكل من الأردن وتركيا والأراضي الفلسطينية كمظلة لحمايتها من الهجمات الصاروخية. خطر الجدري يقول ايوان بوكانان عضو لجنة الاممالمتحدة لشؤون العراق انه لا يزال في العراق حوالي ثلاثين طناً من الكيماويات الازدواجية الاستخدام التي لا تعرف اللجنة شيئاً عن مصيرها حتى الآن، بما في ذلك 6500 ليتر من "الانتراكس" وحوالي طنين من المواد الكيماوية السامة التي تسبب السرطان. وكان العراق قد انتج جميع هذه المواد في مختبرات تقع على بعد حوالي ستين كيلومتراً الى الجنوب الغربي من بغداد. لكن السلطات العراقية نقلتها الى أماكن سرية أخرى اثر فرار صهر الرئيس العراقي حسين كامل وهرب مدير المخابرات السابق وفيق السامرائي الى لندن. ويدعي فينتر ان ثلاث طائرات ميغ عراقية اقلعت في تشرين الأول اكتوبر 1991 وهي تحمل أسلحة كيماوية وجرثومية ازدواجية، لكن الطائرات الأميركية اسقطتها قبل تنفيذ مهمتها، وإثر ذلك قررت السلطات العراقية "إلغاء" هجوم بأسلحة مماثلة كانت ستشنه طائرة عراقية من طراز "سوخوي 22". ويدعي ايضاً ان العراق اشترى مواد كيماوية ازدواجية من شركة "اميركان تايب كلتشر كوليكتشن" الخاصة في روكفيل احدى ضواحي واشنطن، وشركة "فلوكا" للكيماويات في سويسرا، وشركة ثالثة في مدينة بيدفورد في انكلترا، ومن شركة "نيرو" الدانمراكية. ولعل الجدري يفوق في خطورته جميع أنواع الأسلحة الكيماوية والغازات السامة الأخرى، لأنه يقاوم المضادرات الحيوية وتتفشى عدواه بسرعة فائقة. ففي 1979 أعلنت منظمة الصحة العالمية ان العالم أصبح خالياً من أي اصابة بالجدري وقررت وقف برامج التطعيم ضد المرض. وذكرت المنظمة آنذاك ان المخزونات المشروعة الوحيدة الباقية في العالم من هذا الفيروس التي تلزم لانتاج الأمصال الضرورية للتلقيح موجودة في مركز محاربة الأمراض المعدية في مدينة أطلانطا الاميركية وفي المعهد الحكومي الروسي لمكافحة الفيروسات قرب مدينة نوفوسيريسك في سيبيريا. الا ان الخبير الاميركي ريتشارد بريستون ينقل عن "مصادر المخابرات" قولها ان هناك "مخزونات غير مشروعة من الفيروس الآن في كل من روسياوالصين والهند وباكستان واسرائيل وكوريا الشماليةوالعراق وايران وصربيا". ويضيف ان "مجرد اكتشاف حالة واحدة من الجدري في الولاياتالمتحدة سيؤدي الى اعلان حالة طوارئ وطنية شاملة لأن العدوى بهذا الفيروس تنتشر مثل انتشار ألسنة النيران في الهشيم". كما ان كناتيان علي بيكوف الخبير السوفياتي السابق في ميدان الحرب الجرثومية والكيماوية الازدواجية الذي هرب الى الولاياتالمتحدة في 1992 يقول في الكتاب الجديد الذي أصدره بعنوان "خطر الأسلحة الأزدواجية": "كان الاتحاد السوفياتي يحتفظ بعشرين طناً من فيروس الجدري السائل في القواعد الجوية السوفياتية لاستخدامها عند الضرورة ضد المدن الاميركية. وعندما دعا غورباتشوف الخبراء الاميركيين لتفقد المرافق في فيكتور فوجئوا حين شاهدوا مخزونات كبيرة من أحد أشكال فيروس الجدري. ولا يزال الدكتور ساندا شييف الذي كان مديراً للمعهد في العهد السوفياتي مشرفاً على المؤسسة نفسها حتى يومنا هذا... لكن المسؤولين يطلقون عليه اسم الدكتور "ليف" وهو اسمه اليهودي".