قدّم وزير الخارجية الاميركي كولن باول "أدلة" أمس أمام مجلس الأمن في شأن "امتلاك" بغداد اسلحة محظورة، و"علاقاتها" بشبكات إرهابية دولية. وأكد ان العراق "وضع نفسه في موقف يعرضه لعواقب وخيمة"، في اشارة الى العبارة الواردة في قرار مجلس الأمن الرقم 1441. وقال ان نظام بغداد "اختار عدم التعاون، وسيتحتم عليه قريباً ان يدفع الثمن". قال وزير الخارجية الاميركي كولن باول ان العراق هدد علماء بالقتل اذا كشفوا معلومات لمفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة. وزاد ان هناك شهادات تشير الى ان علماء عراقيين "اجبروا على توقيع وثائق" مفادها ان نشر معلومات سرية "ستكون عقوبته الموت". واضاف ان العراق "لا يسمح بأن يتحدث العلماء العراقيون الى المفتشين من دون وجود ممثل عن السلطة". واشار الى ان "الوصول الى الافراد من دون عوائق أمر ينص عليه القرار 1441". وعرض تسجيلاً لحديث قال انه بين مسؤولين عراقيين قال خلاله احدهما: "نقلنا كل شىء. لم يبق شيء". واتهم العراق ب"استخدام كل امكانات اجهزة استخباراته للتجسس على مفتشي الاممالمتحدة"، واضاف: "ان المفتشين تحت المراقبة الدائمة"، موضحاً ان اجهزة الاستخبارات العراقية تلتقط او تحاول التقاط كل الاتصالات التي تجريها فرق التفتيش في العراق. وزاد ان بغداد "تسعى عمداً الى منع اي عملية تفتيش حقيقة". وعرض صوراً ملتقطة بواسطة الاقمار الاصطناعية تظهر على حد قوله سحب اسلحة دمار شامل من تحصينات للجيش العراقي وذلك قبل بضع دقائق من وصول قافلة سيارات رباعية الدفع تابعة للمفتشين الدوليين الى الموقع". وقال ان هذه الصور تبيّن ان العراق لا يزال يملك اسلحة دمار شامل و"ينتهج على اعلى مستوى سياسة الخداع والتهرب ... ولم يبذل اي جهد لنزع اسلحته". وزاد انه ارتكب "انتهاكات جديدة واضحة" للقرار 1441 الصادر في الثامن من تشرين الثاني نوفمبر الماضي و"اقام نظاماً يهدف الى اخفاء وتخبئة" معدات. واعلن ان العراق ادخل تعديلات على خزانات مقاتلات قاذفة من طراز "ميراج" لنشر غازات او اسلحة جرثومية، مشيراً الى تعديل اربعة خزانات من هذا النوع على اقل تقدير. وعرض امام مجلس الامن مشاهد فيديو بالاسود والابيض تظهر طائرة "ميراج" فرنسية الصنع تنشر لدى عبورها سحابة من الغاز او الدخان. وقال: "لا نملك اي معلومات تفيد ان هذه الخزانات دمرت". وتابع ان العراق واصل برنامجه للصواريخ البعيدة المدى، وان احد البرامج كان يهدف، بحسب أجهزة الاستخبارات الأميركية، الى انتاج صواريخ يصل مداها الى 1200 كلم. واضاف: "ان نوايا صدام حسين لم تتغير يوماً"، معتبراً انه يسعى الى امتلاك "القدرة على اطلاق صواريخ ذات رؤوس كيماوية او جرثومية او نووية اذا تركناه يفعل". تجارب على سجناء واتهم الوزير باول العراق باستخدام سجناء محكومين بالاعدام في اجراء تجارب لأسلحة كيماوية او بيولوجية عليهم. وقال ان السلطات العراقية "اجرت تجارب على بشر لاختبار تأثير اسلحتها الكيماوية او الجرثومية"، مؤكداً ان 1600 محكوم بالاعدام راحوا ضحية هذه التجارب. واضاف: "سمح صدام أخيراً لقادته الميدانيين باستخدام اسلحة كيماوية"، متسائلاً: "لماذا فعل ذلك اذا لم تكن لديه هذه الاسلحة". وقال ان الرئيس العراقي مصمم على "الحصول على قنبلة نووية"، وقال ان العراق "حاول الحصول في روسيا ورومانيا وسلوفينيا والهند على تجهيزات كهربائية مغناطيسية تسمح بتخصيب اليورانيوم". واضاف ان هناك "اثباتات تمتد على مدى عشر سنين على ان العراق يسعى الى الحصول على اسلحة نووية". وذكر ان تقديرات الولاياتالمتحدة لما يمتلكه العراق من مواد اسلحة كيماوية تتراوح بين 100 طن و500 طن. وزاد ان هذه الكمية التي وصفها بأنها "تقديرات متحفظة" يمكن ان تعبئ نحو 16 الف رأس حربية كيماوية. وعن عشرات الرؤوس الفارغة التي عثر عليها مفتشو الاممالمتحدة أخيراً قال باول: "هذا الكشف يمكن جداً ان يكون... مجرد قمة جبل الجليد العائم". وقال ان الرئيس العراقي أصدر الإذن أخيراً لضباطه باستخدام المواد الكيماوية اذا لزم الأمر. واشار الى ان العراق قادر على انتاج فيروس الجدري واستخدامه كسلاح بيولوجي و"صدام أجرى بحوثاً على عشرات من العناصر مثل الطاعون والتيفوئيد والكوليرا ولديه وسائل لتطوير الجدري". واضاف ان "النظام العراقي طور وسائل لنشر عناصر بيولوجية قاتلة ... في المياه والهواء". وأكد ان العراق "وضع نفسه في موقف يعرضه لعواقب وخيمة"، في اشارة الى العبارة الواردة في القرار 1441، مشدداً على ان نظام بغداد اختار عدم التعاون، و"سيتحتم عليه قريباً ان يدفع الثمن". "القاعدة" واعلن باول أمام مجلس الأمن ان الرئيس العراقي "لن يتراجع امام شيء الى ان يوقفه أحد ما". واعتبر ان العراق لم يغتنم فرصته الاخيرة، مؤكداً ان الولاياتالمتحدة لن تسمح له بحيازة اسلحة دمار شامل لبضعة شهور اضافية. وأكد ان هناك "رابطاً مشؤوماً" بين العراق والارهاب الدولي، وان العراق "مرتبط بالارهاب منذ عشرات السنوات"، وزاد ان اعضاء في جماعة مرتبطة بتنظيم "القاعدة" يعملون بحرية في بغداد منذ ثمانية شهور، وان "العراق يؤوي شبكة ارهابية قاتلة يقودها ابو مصعب الزرقاوي المرتبط بأسامة بن لادن والمتعاون معه ومساعده في تنظيم القاعدة". ويرتبط الزرقاوي بجماعة "أنصار الاسلام" وهي جماعة تعمل في شمال العراق خارج سيطرة بغداد. لكن باول قال ان الزرقاوي أمضى شهرين في بغداد في ايار مايو وحزيران يونيو 2002 للعلاج وان بعض اعضاء جماعته يقيمون الآن في العاصمة العراقية. واضاف "انهم يعملون الآن بحرية في العاصمة منذ اكثر من ثمانية شهور. وينفي المسؤولون العراقيون الاتهامات بوجود روابط مع القاعدة. وهذا النفي لا يمكن تصديقه ببساطة". وأكد ان حوالى "24 من عناصر القاعدة يتمركزون في بغداد". واختتم باول كلمته بقوله ان الاممالمتحدة يجب ألا ترتعد من مواجهة "الآتي أياً يكن". وقال: "وضعنا القرار 1441 لاعطاء العراق فرصة اخيرة. والعراق حتى الآن لا ينتهز هذه الفرصة الاخيرة. يجب الا نجفل عن مواجهة الآتي أياً يكن. يجب ألا نفشل في اداء واجبنا ومسؤوليتنا تجاه مواطني البلدان التي تمثلها هذه الهيئة". وحضر الامين العام للامم المتحدة كوفي انان الجلسة وكذلك مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ورئيس لجنة المراقبة والتحقق والتفتيش انموفيك هانس بليكس. ورافق باول مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي اي اي جورج تينيت. وارسلت 12 من 15 دولة من أعضاء مجلس الأمن، بينها الدول الدائمة العضوية، وزراء خارجية الى الاجتماع. ومثل الدول الثلاث الاخرى، سورية وغينيا وانغولا، سفراؤها لدى الاممالمتحدة. وطلب باول الكلام لتسعين دقيقة لاقناع اعضاء المجلس مدعوماً بالوثائق والصور، لا سيما ان غالبية اعضاء المجلس تعارض شن حرب على العراق، وتؤيد استمرار التفتيش. وأعطي كل من أراد الحديث بعد باول ثماني دقائق. ومثل العراق، غير العضو في مجلس الامن، سفيره لدى الاممالمتحدة محمد الدوري، ووضعت شاشتان ضخمتان على جدار قاعة المجلس. وشبهت الصحف الاميركية الاجتماع، باجتماع تشرين الاول أكتوبر 1962، عندما قدمت الولاياتالمتحدة أدلة على ان الاتحاد السوفياتي ينصب صواريخ نووية في كوبا. سورية تطالب بإحالة أدلة باول على المفتشين والقى السفير السوري لدى مجلس الأمن ميخائيل وهبة كلمة وزير الخارجية فاروق الشرع، وبعدما هنأ المانيا برئاسة المجلس وشكر فرنسا على قيادتها اعماله خلال الشهر الماضي طالب "بإحالة المعلومات التي عرضها باول على لجنة الأممالمتحدة للتحقق والرصد والتفتيش انموفيك للوقوف على الوقائع الصحيحة والدلائل الدامغة". وحض "الدول الأعضاء التي تتوافر لديها معلومات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق على تقديمها الى المفتشين لكي يعلموا مجلسنا عن تقويمهم لهذه المعلومات ودقتها". وذكّر وهبة بأن سورية صوتت لمصلحة القرار 1441 "بعدما تلقت ضمانات وايضاحات من دول دائمة العضوية في مجلسنا، بأن التصويت على القرار يعني السير بشكل جدي نحو حل سلمي لمسألة نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، وعدم استخدامه ذريعة لشن الحرب على العراق، وما حديث بعض أعضاء المجلس عن الحاجة الى صدور قرار ثان سوى تأكيد ثاني لهذه التفسيرات والضمانات". واكد ان سورية "ما زالت تؤمن بإمكان التوصل الى حل سلمي". وقال ان "العراق تعاون مع المفتشين وان العقبات التي تحدث عنها بليكس والبرادعي يمكن حلها". ودعا المجلس الى اعطاء المفتشين "الوقت الكافي لإنجاز مهمتهم"، مشيراً الى "التزام العراق مواصلة التعاون معهم وتقديم كل ما يتطلبه القرار 1441". وطالب المجلس "باتخاذ الاجراءات الكفيلة برفع الحصار المفروض على العراق عملاً بالمادة 22 من القرار 687، وتفعيل المادة 14 من القرار المذكور التي تنص على جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل". وزاد ان جيران العراق الذين اجتمعوا في تركيا أعلنوا ان بغداد لا تشكل خطراً عليهم، وقالوا "لا للحرب. نعم للحلول السلمية".