اكد ادمون جوف المحاضر في جامعة السوربون الفرنسية والخبير في القانون الدولي ان اسرائيل عاشت طويلاً من دون الجولان ويمكنها ان تعيش في المستقبل من دونها، واعتبر في حديثه الى "الوسط" ان حروب المياه في الشرق الاوسط لن تندلع، وحض الشعب الفلسطيني على عدم التنكر للاتفاقات التي قد توقع بين اسرائيل والفلسطينيين. وقال ان الحل الامثل لمشكلة القدس هو في اخضاعها لقوانين دولية كقانون البحار والفضاء. ولم ير غضاضة في ان يطالب لبنان بالتعويض عن الاضرار التي تسببت بها اسرائيل في ارضه. مصير عملية السلام في الشرق الاوسط قد يتوقف على الطريقة التي ستحل بها قضية القدس فاذا جاء الحل عادلاً استقر السلام وان كان غير ذلك استمر الصراع. كيف تنظر الى هذه المشكلة؟ - ينطوي الصراع العربي - الاسرائيلي على مشاكل عدة ومعقدة كمشكلة المياه والحدود والامن واللاجئين. لكن مشكلة القدس هي المشكلة الاكثر تعقيداً. واعتقد ان مواقف الاطراف المعنية من هذه القضية هي الاكثر تباعداً بالقياس الى مواقفها من القضايا الاخرى. فاسرائيل لا تريد ادراج القدس في التفاوض، فيما يطرح الفلسطينيون موقف الحد الادنى بقولهم ان دولتهم المستقبلية ستكون عاصمتها القدسالشرقية. هكذا نلاحظ ان الطرف الاول يتصرف كأن المشكلة غير موجودة، في حين يصر الطرف الثاني على وجودها. اضف الى ذلك ان القضية تعني ايضاً الكثير من البلدان في العالم. واذا اردنا النظر الى هذه القضية من جوانب معينة نرى ان الاماكن المقدسة لا تعني طرفاً واحداً بعينه فهي مهمة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود. ولعل الفكرة التي يمكن ان تؤدي الى حل هذه المشاكل تكمن في جعل القدس مدينة متصلة بالتراث العالمي يكون وضعها شبيهاً باوضاع قانونية مثل قضية البحار والفضاء ووضع المحيط المتجمد الشمالي في المستقبل الذي يطالب بعضهم بأن تكون ملكيته عالمية. اطرح هذه الفكرة مع علمي التام بأن تطبيقها سيكون صعباً للغاية. لكن في كل الحالات ارى من الحكمة ألا يكون مصير هذه المدينة بيد دولة واحدة. ولكي تحل هذه المشكلة في القرن المقبل حلاً صحيحاً ودائماً يجب ان نبتكر لها افكاراً جديدة. موقفك اشبه بموقف الفاتيكان الذي يدعو الى تدويل الاماكن المقدسة… - نعم، هذا الموقف مطروح على المدى المتوسط. لكن ما افكّر به يذهب ابعد من ذلك، ويهدف الى تحقيق حل دائم وبعيد المدى. ولا اخفيك ان الموقف الفلسطيني من القضية هو الاكثر تعقلاً. هل يمكن لفرنسا ان تلعب دوراً في حل هذه القضية؟ - اعتقد بأن فرنسا يمكن ان تساهم بحل هذه القضية. لقد كان دورنا اساسياً فيها وكنا اول من تحدث عن هذا الموضوع. والموضوع الفلسطيني برمته يندرج في سياستنا العربية وهو من الثوابت في هذه السياسة خلال الجمهورية الخامسة. لقد تحدث كل رؤساء الجمهورية في هذا العهد عن حق الشعب الفلسطيني في وطن ودولة. واستقبل الرئيس الراحل فرانسوا ميتران ياسر عرفات للمرة الاولى في الاليزيه ولدينا خبرة كبيرة في هذا المجال. لنفترض ان عرفات وقع اتفاقاً نهائياً مع الاسرائيليين واعترف بهم، فهل يحق، بحسب القانون الدولي، للفلسطينيين المعارضين استئناف مطالبتهم بفلسطين؟ - يتوقف الامر على كيفية انخراط الفلسطينيين في المفاوضات وبأي شروط. تعرف انهم غير مجمعين على الحل المطروح لقضيتهم. وتعرف ايضاً ان السلطة الفلسطينية وقعت اتفاقات مع اسرائيل وان هناك الكثير من التقدم في هذا المجال. اذا التزم الفلسطينيون بغالبيتهم في هذه المفاوضات ووصلوا بها الى نهايتها المنطقية ووقعوا اتفاقاً نهائياً فيجب ان يحترموا الاتفاق الموقع، لأن التخلف عن احترامه يهدد استقرار المنطقة برمتها. معنى هذا ان القانون الدولي لا يعطي الحق للفلسطيني الرافض للاتفاق بالمطالبة بكل فلسطين وبمواصلة تعريف نفسه كفلسطيني صاحب حق في بلده التاريخي؟ - القانون الدولي يترجم عادة باتفاقات دولية موقعة. وهذه الاتفاقات هي مستندات القانون المذكور. هذا الامر لا جدال فيه. قد يكون من حق احدهم الفلسطينيون ان يرفع مطالب ادبية او معنوية او اخلاقية. لن يمنعه احد من ذلك. اما على الصعيد الحقوقي فيجب تطبيق الاتفاقات التي تم التفاوض حولها وجرى توقيعها وصادق عليها برلمان كل طرف، علماً ان التوقيع يعني تعهد الاطراف الموقعة بالتطبيق. مرة اخرى هذا لا يمنع ان يعيش بعضهم مع الافكار والاحلام التي يريدها ولا يمنع ان يعبّر عن رأيه في ما كان وما يجب ان يكون. لكن التعبير شيء، والالتزام بالاتفاق الموقع شيء آخر. ان الاتفاقات تكون عادة محصلة لتوازن قوى معين، وطالما ان هذا التوازن ظل قائماً فان الاتفاقات تستمر، لكن لا احد يستطيع التنبؤ بالمستقبل البعيد وبالتطورات التي يمكن ان تطرأ وتنعكس على موازين القوى وعلى الاتفاقات نفسها وهذا امر معروف في تاريخ القانون الدولي. ومن جهتي، لو كنت فلسطينياً، لفكرت بأنه يجب في هذه الظروف ان ادخل المفاوضات واحصل على الحد الاقصى واوقع اتفاقاً ومن ثم التزمه واحترمه. وبغير ذلك يفقد اي قانون قيمته وتجرّد الاتفاقات الدولية من معناها. يعتقد محللون غربيون بأن اسرائيل غير قابلة للاندماج في العالم العربي لأنها لا تملك وسائل الاندماج، فهي لا تتحدث العربية وليست دولة اسلامية ناهيك عن تاريخ نشوئها وهو تاريخ مرفوض في الثقافة العربية… - اعتقد بأن وضع الاسرائيليين سيكون صعباً للغاية على هذا الصعيد، خصوصاً ان المعادلة الديموغرافية ليست لمصلحتهم. كنت اود ان اكون متفائلاً في بداية الألفية لكن الامور في المستقبل لا تدعو الى التفاؤل. هناك امر واقع اليوم ولا اعتقد بأنه دائم لأسباب كثيرة منها ان النظرة الى اسرائيل في المنطقة نظرة الى دولة اجنبية ان لم يكن اكثر من ذلك. ولا اعرف كيف يمكن لاسرائيل ان تندمج في العالم العربي، خصوصاً اننا في فرنسا نعرف جيداً معنى هذا الكلام فنحن من اكثر البلدان قدرة على الدمج والاندماج ومع ذلك عندنا أناس لا يريدون الاندماج. لذا اقول ان وضع اسرائيل لن يكون قوياً للغاية في المستقبل. ثمة من يقول انها قادرة على فرض احترامها بوسائل معينة من ضمنها الوسائل العسكرية، ولكن في الطرف المقابل لن تظل الامور على ما هي عليه الآن الى الابد. من هنا اشارتي السابقة الى انه قد يكون من الصعب تطبيق الاتفاقات على المدى البعيد. توجد داخل الدولة الاسرائيلية اقليّة فلسطينية كبيرة هل تمكن مقارنتها اليوم بوضع الباسك او الكورسيكيين خصوصاً انها تشكل جزءاً من الشعب الفلسطيني؟ - صدر لي كتاب حول حقوق الشعوب وعرضت فيه لمشاكل من هذا النوع. هناك بالفعل شعب الباسك وشعب كورسيكا والشعب الفلسطيني. لكن هناك ايضاً مقاربات مختلفة لهذه الشعوب. فالشعب الفلسطيني معترف به في اوروبا منذ زمن ومعترف بحقه في اقامة دولة. لكن ان يكون هناك شعب فلا يعني ذلك دائماً اختيار الاستقلال. قد يختار شعب ما الاندماج في دولة موجودة وقد يختار الامر الواقع او الحكم الذاتي الواسع الصلاحيات. خذ - مثلاً - اهالي كويبيك ناطقون بالفرنسية فهم يشعرون بالرغبة في الاستقلال، لكنهم اختاروا البقاء في ظل الدولة الكندية. والشعب الفلسطيني شعب كبير وله الحق في البقاء في ارضه وأنا اناضل من اجل ذلك منذ وقت طويل وكتبت كثيراً في هذا الموضوع. لكن للشعب الفلسطيني الحق ايضاً باختيار التعايش، والمفاوضات التي يخوضها اليوم تراهن على التعايش الفلسطيني - الاسرائيلي. يطالب الاسرائيليون سورية بمياه الجولان، فيما هي تعتبر ان هذا الامر غير قابل للتفاوض. ويرى خبراء اميركيون ان بوسع اسرائيل حل هذه المشكلة بوسائل تقنية كتحلية مياه البحر او استيراد المياه من تركيا وبكلفة تراوح بين 10 و70 مليون دولار سنوياً… - نعم هذه هي الحلول المطروحة اليوم. ان الاسرائيليين يشددون في المفاوضات على هذه الحجة ويقولون ان انتاج المياه مكلف. معنى ذلك ان المشكلة تقنية. لذا يمكن القول ان الحل السياسي للمشكلة هو الأساس وهو الذي يسهل الاتفاق على حلول للمشاكل التقنية. وحول هذه النقطة بالذات ارى ضرورة ان تتدخل سلطات دولية لضمان حلول لمشاكل المياه، فتركيا التي لا تُذكر كثيراً في المفاوضات الجارية عبارة عن خزان ضخم للمياه ويمكنها ان تساهم في الحل. لكن لا بد من الاشارة الى ان مشكلة المياه غير محصورة بسورية واسرائيل فهي تعم المنطقة بأسرها، وهناك من يتحدث عن حروب المياه في الشرق الاوسط ويرسم بعضهم سيناريوهات لهذه الحروب كأنها واقعة حتماً. انا لا اقرّ بذلك تماماً، واحد زملائي وهو استاذ في جامعة سان دوني الّف كتاباً مناقضاً لهذه الطروحات يؤكد فيه ان هذه الحروب حول المياه لن تقع ويقدم حججاً واثباتات كثيرة لدعم وجهة نظره. هل يقنعك قول الاسرائيليين ان هضبة الجولان ضرورية لأمنهم الاستراتيجي؟ - النظر الى خريطة الجولان يوحي بأن الهضبة حيوية بالنسبة لأمن سورية اكثر منها لأمن اسرائيل. لقد عاشت اسرائيل منذ قيامها حتى العام 1967 من دون هضبة الجولان واذا عاشت من قبل من دون الهضبة فيمكنها ان تعيش غداً من دونها. من ناحية اخرى، لو كانت الهضبة في قلب اسرائيل لكان الحديث عن الموضوع مختلفاً. لكن بما انها على هامش دولة اسرائيل فان الحديث عن حيويتها للأمن الاسرائيلي مبالغ فيه. في المقابل لو كنت سورياً اليوم ورأيت كثافة المستوطنات ومحطات المراقبة فسأكون قلقاً على امني. لذا لا بد من التوصل الى حل لهذه القضية يوفر الامن للسوريين ويعيد اليهم ارضهم ومن دون ان يهدد الامن الاسرائيلي. بحسب القانون الدولي، اي خط حدود اكثر شرعية من غيره في الجولان: خط العام 1923 ام خط 4 حزيران يونيو 1967؟ ام خط الهدنة لعام 1949؟ - في القانون الدولي الخط الاكثر شرعية هو الخط الذي يستند الى اتفاقات موقعة. هناك اتفاقية الهدنة لسنة 1949 التي تبدو كأنها توفر الحل الواقعي لقضية الحدود لأنها وقعت بين دولتين مستقلتين. لكن اسرائيل قضمت اراضي في هذا الخط. عموماً توفر اتفاقية الهدنة شروطاً مفيدة للحل يمكن ان تعتمد اليوم، خصوصاً انها تنص على 3 مناطق منزوعة السلاح وانها كانت فعالة خلال سنوات طويلة. ثمة من يعتقد بأن اسرائيل كانت تحول دون اتحاد العرب، فهل نهاية الصراع معها تفتح فرصاً للاتحاد العربي؟ - في مطلع الألفية الثالثة توجد فكرتان متناقضتان حول الوحدة. الفكرة الاولى تدور حول رغبة كل شعب بالتمسك بجذوره الخاصة. فالشعب الفلسطيني يريد ان يظل فلسطينياً ولا يريد ان يصبح اردنياً او سورياً او عراقياً وهو ناضل طويلاً من اجل ذلك. وكذا الامر بالنسبة الى شعب كورسيكا وشعب الباسك. الفكرة الثانية هي فكرة القرية الكونية، فكل الشعوب تريد التواصل والاتصال وتريد التمسك بهيئة الاممالمتحدة وغيرها. والحال القائم في الشرق الاوسط يفصح عن ان كل شعب يريد ان يعيش تجربته الخاصة كشعب مستقل لكن في الوقت نفسه هناك رغبة متزايدة في الاتحاد العربي. والعالم العربي لديه تاريخ مشترك ومنظرون ومثقفون يحضون على الوحدة وسيكون هذا الموضوع من المواضيع الكبيرة المطروحة على العرب. لكن هل تتحقق الوحدة؟ للجواب عن السؤال لا بد من العودة الى التاريخ. فأوروبا كانت تريد اقامة سوق مشتركة ونجحت في ذلك اكثر من العرب لكن نجاحها كان حصيلة تفكير وحدوي طويل والتاريخ يفيدنا ان المشروع الاول الموقع للاتحاد الاوروبي تم في القرن الرابع عشر العام 1304 لكنه تحقق فعلياً العام 1951 اي ان تحقيقه استغرق قروناً خضنا خلالها حروباً عالمية واهلية كثيرة. لا اقول ان على العرب ان يمروا بالتجربة نفسها، لكني ارى ان قدرهم التاريخي كقدر الاوروبيين، اي ان يتوحدوا خصوصاً انهم ما برحوا يطالبون بذلك. واظن ان دروس الوحدة الاوروبية مفيدة للعرب، فنحن بدأنا بست دول ثم اخذ العدد يتعاظم. لكننا لم نتمكن من ذلك الا بعد ان خلقنا فضاء اوروبياً مسالماً، وتكونت نخبة اوروبية مقتنعة بالوحدة. وبالنسبة الى العرب لا يمكن ان يتحقق اي شيء في هذا المجال الا عندما تقتنع النخبة العربية بالموضوع وينبثق فضاء عربي مسالم. هذا الامر غير متوافر اليوم، ولا يمكن قيام الاتحاد المغاربي اذا ما بقيت قضية الصحراء بلا حل، وكذا الامر بالنسبة الى دول المشرق العربي. تعرف ان لبنان سيطالب اسرائيل بتعويضات عن الاضرار الفادحة التي نتجت عن الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة علىه فهل يسمح القانون الدولي بحصول اللبنانيين على تلك التعويضات؟ - طالبت فرنسا بتعويضها بعد الحرب العالمية الثانية ويطالب الكوريون اليوم بتعويضات من اليابان، ويتسع مفهوم التعويضات الى اكثر من ذلك اذ تطالب الدول الافريقية اليوم بتعويضات من الدول الكولونيالية السابقة. وهناك حلول كثيرة لمشكلة التعويضات وهي عموماً مشكلة كلاسيكية والقانون الدولي يتيح طرحها والمطالبة بها. لكن تجربتنا وتجربة الآخرين تفيد ان قضية التعويضات تتقدم اذا كانت مسنودة بالقانون، والى ميزان قوى معين. وعموماً لا ضرر من المطالبة بالحد الاقصى احياناً لبلوغ بعض الحقوق