في غاليري كوفة في لندن أقام الفنانون الثلاثة صلاح المسعودي، نعمان هادي سلمان وفيصل لعيبي ساهي معرضهم المشترك، من دون مقدمة او اشارة الى مشوارهم المشترك الذي يعود الى بداية السبعينات. كما ان أعمالهم المعروضة لم تشر بوضوح الى القاسم المشترك الذي جمعهم في تجمع "الأكاديميون" مع الفنان الراحل كاظم حيدر في منتصف السبعينات. وقتذاك تحدثوا في "بيان التأسيس"، وفي أعمالهم المعروضة، عن هموم وأهداف مشروعة تليق بتجربتهم وخبرتهم التي تأسست على قاعدة أكاديمية وأخلاقية عالية. وعلى الرغم من النبرة الهادئة التي وسمت خطابهم ذاك، بدا اختلافهم عن السائد في العمل والتنظير واضحاً وصاخباً منذ الوهلة الأولى. في ذلك الوقت انهمك الفنانون العرب، والعراقيون بوجه خاص، في الحديث النظري الذي تمركز حول البحث عن هوية وطنية وفي التراث والمعاصرة. ومع ما في هذا البحث من نوايا وأهداف طيبة، الا ان النوازع والأهداف السياسية اتجهت به الى مرافئ لم تعرف الابداع، ولم تعتنِ به، ما جعلها تضيق بالأفكار والتجارب الأخرى التي لا تشاركها عصبيتها تلك. وفي ذلك الخضم قدم "الأكاديميون" أعمالهم، على أسس منهجية تتصل بالقواعد الاتباعية المعروفة في فن التصوير، وما لحق بها من تطور منطقي على مر العصور... في مناخ يسعى جاهداً الى هدمها تارة، بدعوى تعارضها مع أصول الفنون الشرقية والوطنية، وغالباً بسبب قلة الخبرة والتجربة. غير أن الهاجس الأكاديمي الذي يعتمد دراسة أصول الرسم والاهتمام بقواعده في التخطيط والبناء والتلوين والمنظور وغيرهما من الأصول... لم يكن كافياً لمنع جماعة الأكاديميين من الانفتاح على التجارب المتنوعة التي كانت سائدة. وهذه التجارب ساهمت بشكل ما في صياغة الأساليب المميزة لكل فنان، ضمن دائرة الجماعة، وضمن مفاهيمها السياسية والاخلاقية التي تجعل من موضوع الانسان وقضاياه العامة محور البحث والتجربة، من دون إغفال الخصائص المحلية وما يترتب عنها من إعادة صياغة وترتيب لتلك القواعد والأصول. أما في المعرض اللندني الأخير، فلم نجد على الواجهة مثل هذه الهموم. كان المعرض مشتركاً، ولكن من دون قواسم مشتركة! مع ان الاعمال المعروضة لا زالت تحمل شيئاً من تلك التفاصيل. صلاح المسعودي تحرر من نمطية الأسلوب وبدا اهتمامه واضحاً بسطح اللوحة، وقد تألق بشكل ملفت في معالجته. وخطوطه السريعة القوية المنفعلة التي تضج بالحياة والتعبير، تحررت الى أبعد حد يسمح به سطح اللوحة وفي مناخ الحرية هذا أخذت ألوانه تراكيبها الخاصة الهادئة المختصرة التي تبوح بأسرار قد لا تتحملها الأشكال المختزلة التي تبدو وكأنها خلفية محايدة. أما أعمال فيصل لعيبي ساهي، فتأتي في الموقع النقيض : تنويعات هادئة تعتني بالتناسق البصري بين وحدات "حروفية" تميل الى الزخرفة والبناء المعماري. في أعماله الجديدة يواصل الفنان تأكيده على خصوصية الموروث المحلي، ويتجسّد في المدرسة البغدادية التي تعود جذورها الى مدرسة واسط. وفي هذه الأطر تتشكل اللوحة، تأخذ أبعادها الواقعية والذهنية وتحدد خاماتها أيضاً. ويعتمد فيصل ساهي على الحرف العربي. والجمل هنا لا تعني الكثير : فالحرف يجرد من طاقته التعبيرية، ومن دلالته ايضاً ليتحول الى "موتيف"، او وحدة بصرية، تطاوع الفنان وهو يصوغ ايقاعاته. أما نعمان هادي سلمان فقد بقي وفياً لموضوعه الأثير : حشود الناس والمشاهد العفوية. وهو ما زال أميناً لأسلوبه وخاماته التي بقي على عهده الأول في استخدامها كما هي، من دون تحضير مسبق او ترتيب نظري. الا ان اكتفاءه بالانطباعات الحركية واللونية أسقط عن لوحته الكثير من التفاصيل التي كانت ترهقها، فبدت اكثر اشراقاً وألقاً على الرغم من كثافة ألوانه. في معرضهم المشترك، يواصل الفنانون الثلاثة حضورهم المتميز في الحركة التشكيلية العراقية. إنّه الحضور الذي قام على أسس بصرية وتقنية سليمة، حصّنتها ضد الهزات التي أودت بالعديد من التجارب العابرة في الفن التشكيلي العراقي