أنشيلوتي يبدي إعجابه بالجماهير.. ومدرب مايوركا يعترف: واجهنا فريقًا كبيرًا    إنتر ميامي يُحدد موقفه من ضم نيمار        جوزيف عون يرسم خارطة سياسية جديدة للبنان    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب (160) كيلوجرامًا من نبات القات    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    ارتفاع أسعار النفط بدعم من زيادة الطلب على الوقود    الكرملين: بوتين جاهز للتحاور مع ترمب بدون شروط مسبقة    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    «عباقرة التوحد»..    أنشيلوتي معجب ب «جماهير الجوهرة» ويستعد لمواجهة برشلونة    أدباء ومثقفون يطالبون بعودة الأندية الأدبية    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    الخروج مع الأصدقاء الطريق نحو عمر أطول وصحة أفضل    عام مليء بالإنجازات الرياضية والاستضافات التاريخية    الحمار في السياسة والرياضة؟!    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    ماذا بعد دورة الخليج؟    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    أسرار الجهاز الهضمي    «متطوعون» لحماية أحياء دمشق من السرقة    «سلمان للإغاثة» يوزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    الصدمة لدى الأطفال.. الأسباب والعلاج    كيف تكسبين زوجك؟!    «الأوروبي» في 2025.. أمام تحديات وتوترات    سبب قيام مرتد عن الإسلام بعملية إرهابية    سالم ما سِلم    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    العقل والتاريخ في الفكر العربي المعاصر    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    المقدس البشري    جودة القرارات.. سر نجاح المنظمات!    لا تحرره عقداً فيؤذيك    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    نجاح المرأة في قطاع خدمة العملاء يدفع الشركات لتوسيع أقسامها النسائية    مريم بن لادن تحقق انجازاً تاريخيا وتعبر سباحة من الخبر الى البحرين    إنجازات المملكة 2024م    أفضل الوجبات الصحية في 2025    ثنائية رونالدو وماني تقود النصر للفوز على الأخدود    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    «الجوازات»: اشتراط 30 يوماً كحد أدنى في صلاحية هوية مقيم لإصدار تأشيرة الخروج النهائي    المرور السعودي: استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في جازان    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    من أنا ؟ سؤال مجرد    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    برشلونة يتأهّل لنهائي كأس السوبر الإسباني على حساب أتليتيك بلباو    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    «الثقافة» تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمين العام ل "المجمع الثقافي في أبو ظبي" يكشف ل "الوسط" أوراقه ومشاريعه . داعياً إلى الحرية وتقبل الاختلاف والمراهنة على الفرد العربي محمد أحمد خليفة السويدي : أمتنا بحاجة إلى مصلح كبير !
نشر في الحياة يوم 30 - 08 - 1999

"يكفي أن نقارن بين ما يجري في العالم وما يجري عندنا، كي نكتشف أن العرب يعيشون وحدهم في كوكب مختلف عن الآخرين"، هكذا هو محمّد السويدي لا يجامل، ويعبّر عن نظرته من دون مداورة أو تنميق! والأمين العام ل "المجمّع الثقافي في أبو ظبي"، يتمتّع اليوم بشهرة خليجيّة وعربيّة واسعة بفعل الدور الايجابي الذي لعبه في اعادة الاعتبار إلى الثقافة، وفي تسخير التقنيات الحديثة من أجل نشرها وتطويرها. وهذا الشاعر الاماراتي، المولع بالسينما، لا يتعب من المراهنات، فبعد أن أطلق موسوعة شعريّة الكترونيّة، وخاض تجربة "الكتاب المسموع"، ها هو يعلن عن قرب تأسيس سوق الكترونيّة للكتاب، وتكوين شبكة ثقافيّة تمتد عبر مدن عربيّة عدة بالاشتراك مع "دار المدى". "الوسط" التقته للاطلاع على رهانه المستقبلي، العربي الملامح والعالمي الأبعاد.
"أنا من قلة انتبهت إلى أن الناس عجينة والإعلام يشكلها، وبالتالي فأنا اخترت المواد التي تشكلني، ولا اعتقد أنني أملك شيئاً لا يملكه الآخرون، ولكن لي تشكيلي الخاص الذي يبرز في اهتماماتي المتنوعة". هكذا قدم نفسه محمد أحمد السويدي، الأمين العام للمجمع الثقافي في أبوظبي، وهو يعبّر بذلك عن التنوع الكبير في شخصيته واهتماماته التي تتوزع بين الشاعر والإداري ورجل الأعمال، بين الشاعر العاشق، وعاشق التكنولوجيا الحديثة ثم عاشق السينما بمختلف مجالاتها، بما في ذلك الانتاج. إنه يحقق نفسه من خلال هذا العالم الخصب الذي تأسس عليه منذ الصغر، حين اختار المواد التي تشبهه.
هذه الشخصية بكل تنوعها واهتماماتها تقف اليوم على رأس الهرم الوظيفي في المجمع الثقافي في أبوظبي، وتقف وراء النجاحات الكثيرة التي حقّقها في الجسم الثقافي الإماراتي، ثم الخليجي والعربي، على مدى 14 عاماً. وهو مرشح للقيام بمهمات أخرى تتصل بالتطور التكنولوجي الذي بدأ يؤثر في الحياة الثقافية العالمية والعربية.
ولكن هذه الشخصية التي اعترف صاحبها بأنه يجري في داخلها نهران، أولهما حكومي وثانيهما خاص، إلى أي مدى غلب فيها الجانب الخاص على نشاطها؟ وإلى أي مدى استفاد الجانب الخاص من الجانب الحكومي؟
حملنا أسئلتنا وطرحناها بكل بساطة على السويدي، الشاعر والمثقّف والاداري. وكان هذا الحوار الذي دار في استراحته على شاطئ "غنتوت" بين أبوظبي ودبي، وتطرّق إلى مسائل عدّة: من أنشطة المجمع الثقافي وبرامجه الماضية والمستقبلية... إلى واقع الثقافة الإماراتية والعربية عند أبواب الألفية الثالثة...
يلقبونك بالشاعر العاشق، وأنت عاشق التكنولوجيا الحديثة. أصدرت موسوعة شعرية، بنك معلومات، وأسست موقعاً خاصاً على الانترنت. كما أنّك معروف بولعك الخاص بالسينما. من أنت في الحقيقة؟ وكيف توفق بين كل تلك الجوانب؟
- اعتقد انني بين قلة انتبهت إلى أن الناس عجينة والإعلام يشكلها، وبالتالي ثقافة السواد الأعظم من الناس تمليها تلك الآلة العجيبة التي هي الإعلام. بالنسبة إليّ اخترت المواد التي أريدها أن تشكلني. هكذا تربطني بالسينما علاقة حميمة، قائمة عل المتابعة الدقيقة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعلومات وصناعتها والعلوم والتكنولوجيا... وتلك المواد التي أجد فيها نفسي تأسست عليها منذ الصغر. اخترت المادة التي تشبهني وأشعر بأنني محتاج للتعلم كل يوم والمتابعة. وهذا يحتاج إلى نوع من المباشرة، ولا اعتقد انني أملك شيئاً لا يملكه الآخرون، ولكن لي تركيبتي الخاصة التي تبرز اهتماماتي المتنوعة. أما بالنسبة إلى نشاطي،، فيتركّز على المبدأ الذي ذكرته أعلاه: الاعلام هو الذي يشكل أدمغة الناس على هذا الكوكب.
ما هو مفهومك ل "الإعلام"؟
- الإعلام لا يكتفي بأن يقدم الخبر، بل يحاول أن ينفذ إلى حياتك الخاصة لتزويدك بأدق التفاصيل عما يجري هنا أو هناك. ما يعنيني عندما أتابع أخبار السينما مثلاً، أو الأوبرا، لا أغوص بالضرورة في التفاصيل، بل أطلع على الأخبار بشكل عام. وعندما أجد نفسي معنياً بشكل مباشر بمسألة ما أو جانب محدد، عندئذ أخوض في القضايا التفصيليّة. الاعلام يترك لكلّ فرد أن يختار القضايا التي تهمّه وتعنيه. أنا أتوقّف عند ما يطول مشاريعي، وامكانية تنفيذها لتعميم المصلحة عربياً. الهم العربي حاضر بشدّة عندي، ليس في وطننا العربي فقط ولكن على المستوى العالمي. لذلك كل ما يخدم هذه القضايا اريد أن أتعرف إليه.
من التأسيس إلى الثورة المعلوماتيّة
نعرف انتاجك كشاعر، وما تلعبه على مستوى ادخال التكنولوجيا والمعلوماتية في الحياة الثقافيّة العربيّة. فكيف تترجم ولعك بالسينما على بساط الواقع؟
- لا بد من أن نقسم تجربة "المجمع الثقافي" إلى مرحلتين: ما قبل العام 1996 وما بعده. السنوات العشر الأولى شهدت مرحلة نفخ الروح في هذا المبنى الأصم، هكذا استطعنا ان نكوّن مكتبة تستقطب ألف زائر في اليوم. وهذا النوع من المشاريع كما تعرف طويل المدى في تأثيره على الإنسان. فتأسيس مكتبة بهذا الحجم في "المجمع"، لا بدّ أن تؤتى ثمارها على مرّ السنوات مع تشكّل جيل جديد، وهذا أمر مدهش، بمعزل عن البعد الاعلامي. هذا المكان يقصده الناس اليوم بناء على رغبة مسبقة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الندوات والأمسيات الشعرية والإصدارات: لدينا 200 عنوان تحت الطبع، سترى النور في الأشهر الثلاثة المقبلة، وهذا أكبر رقم لدار نشر عربية، 80 في المئة منها مترجم وجميعها يطبع للمرة الأولى. وعملنا أيضاً على تنفيذ مشروع الكتاب المسموع الذي يقدّم الأعمال الابداعيّة والفكريّة، وهو مشروع يحقق أيضاً للمرة الأولى في الوطن العربي: أصدرنا حتّى الآن 60 عنواناً، ولدينا 60 عنواناً أخرى قيد الصدور.
في الحقيقة هذا بعض من مشاريع المجمع الثقافي الكثيرة، أسوقه لأقول إنني اعتبر ان المرحلة الأولى، أي مرحلة التأسيس، حققت اغراضها. بعد 1996، جاء دور الثورة المعلوماتية، وقرّرنا أن يتحول هذا المجمع من مركز محلّي يخدم مدينة أبوظبي إلى مؤسّسة تخدم الإنسان العربي في العالم أجمع. أنشأنا موسوعة الشعر العربي، وتضم حوالي 400 ألف بيت شعري على شبكة الانترنت، وسنصل في المرحلة المقبلة إلى مليون بيت. وانتقلنا، بهذا المشروع، من الاقليمية إلى العالمية.
وابتداء من شهر تشرين الأول اكتوبر المقبل، ستأتي مجموعة مشاريع طموحة لتعزّز هذا الاتجاه، بدءاً بتأسيس مجمعات ثقافية في بعض المدن والعواصم العربية، على نمط مجمع أبوظبي. ستكون تلك المجمعات متصلة في ما بينها ضمن شبكة واحدة، تعتمد التقنيات والبرامج والأنشطة نفسها. فالذي يرتاد المركز في مدينة القاهرة يستمع إلى المحاضرة نفسها، ويطّلع على الكتاب المسموع نفسه، ويشاهد المسرحية التي تقدّم في أبو ظبي أو أحد المراكز الأخرى، وذلك في زمن عرضها الفعلي. سيتم نقل جميع الأحداث التي تدور في المجمع الثقافي بشكل حيّ إلى المراكز التي سيتم انشاؤها في العالم العربي.
أعود إلى السينما، فماذا عنها؟
- أجل، نسينا السينما. في الفترة الأخيرة صار لديّ توجه لدخول التجربة الانتاجية على صعيد شخصي. ففي رأيي ليست هناك سياسة سينمائيّة رسميّة في العالم العربي. والحكومات التي حاولت صناعة السينما انتجت برامج مشوهة. السينما العربيّة اليوم مرهونة بيد القطاع الخاص، فهو الذي يستطيع ان ينتج ويوزّع. وبما ان السينما حرية ورؤية وابداع، فلا بدّ أن يشرف على انتاجها رجال أعمال من نوع خاص: ليسوا تقليديين بل رؤيويون، ومتناغمون مع روح العصر، ومستعدون لمواجهة المرحلة المقبلة. فبعد تقلّص دور الحكومة أو انحساره - حيث كان هذا الدور موجوداً في الأساس ! - لعجزها عن تحمّل الأعباء والتبعات المادية، بات الطريق مفتوحاً أمام رجل الأعمال الذي يستطيع أن يقلب المشروع الخاسر إلى معادلة رابحة.
من خلال المجمع أنتجنا فيلماً قصيراً لخالد بدر عن تجربة الفنانة والشاعرة نجوم الغانم، ونعمل على فيلمين روائيين مهمّين، وأتمنى أن نكون في العام 2000 قد قطعنا خطوات مهمة في انجازهما. على العموم، السينما تحتاج إلى عمل جماعي، وفي رأيي يجب ان تساهم فيه المؤسسات الخاصة. في المجمع الثقافي سنؤسس ما يمكن اعتباره معهداً لتخريج كتّاب سيناريو ومصورين ومخرجين. ونأمل بأن نبدأ في هذا المشروع خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وتكون التجربة الأولى في دولة الإمارات.
استضاف المجمع شخصيات عربية وعالمية تنتمي إلى مختلف التيارات الفكرية والأدبية والثقافية، واستقطبتم الفكر الأصولي والحديث وتجارب تقليديّة وحداثية... فكيف وفّقتم بين كل ذلك؟ وما هو رأيكم بمسألة الحداثة والأصالة بشكل عام؟
- في المجمع حاولنا أن نكون حياديين، وأن نأتي بشتى الأفكار، لأننا دعاة حرية. الإنسان الذي يريد أن يساهم في ارساء تقاليد تعددية قائمة على احترام الاختلاف، عليه أن يتقبل مختلف الأفكار. وقد اخترنا أيضاً أن ننفتح على الغرب، ونهتمّ بتقديم الثقافات العالميّة مثل اهتمامنا بالثقافة العربيّة والثقافات الشرقيّة. من هنا تنظيمنا فعاليات لليابان والهند وكوريا وكثير من الدول الآسيوية... حاولنا في المجمع أن ننفتح على جميع الأفكار. ليس لدينا موقف مسبق من أي قضية، ونحن مستعدون للاستماع لأي رأي، وهذا تحقق في المجمع بحمد الله. فنحن لدينا ثروة من البرامج التي تم تسجيلها وستكون على الانترنت قريباً. كثيرة هي المحاضرات المتنوعة الجريئة التي احتضناها، والأمسيات الشعرية والأفلام التي عرضت في المجمع على مدى 14 سنة، وهي حافلة بالجديد والجريء والمفيد والممتع والمختلف.
أدغال الوطن العربي
كيف تنظر بشكل عام إلى واقع الثقافة العربية، مشاكلها وهمومها، وكيف يمكن الاستعداد لدخول القرن المقبل ثقافياً؟ هل يمكن الحديث عن "عولمة ثقافية"، وما هو دورنا فيها؟
- ربما كان هناك بعض الطرق لدخول أدغال الوطن العربي، ولكن الملاحة تبقى للأسف في منتهى الصعوبة، بسبب الظلام الدامس، وبسبب الليل الذي يلفّ المشهد بعتمته الكثيفة. هناك انجازات تتم في بعض الأقطار، ونرى بالمقابل تراجعاً في شتى المجالات، والمجال الثقافي هو واحد منها. يكفي أن نقارن بين ما يجري في العالم وما يجري عندنا، كي نكتشف أن العرب يعيشون وحدهم في كوكب مختلف عن الآخرين!
عالمنا العربي يحتاج إلى مصلح كبير، أقولها بكل صراحة، والسؤال المطروح هو: ما الذي يمكن عمله كي نخرج من النفق؟ أنا أؤمن بالتركيز على الثقافة والتربية والاعلام: لماذا لا تبادر الحكومات، ويبادر المتموّلون الأفراد إلى اطلاق برامج رؤيوية، تراهن على المستقبل، كما فعلنا في أبوظبي؟ عندما تتكاثر هذه المشاريع، هنا وهناك، يصبح بوسعنا أن نتفاءل. وأنا مضطرّ إلى التفاؤل، على رغم الظلام المحيط! الخلاص هو في اعداد وتكوين أفراد ومواطنين لا يقلون مستوى معرفياً عن الأميركي والياباني. بين المشاريع التي أعمل عليها، مشروع سيرى النور في تشرين الأول اكتوبر سيلتحق به 800 طفل، لخلق جيل يستغني عن الوظيفة الحكومية! فالوظيفة الحكومية لا ينبغي أن تكون طموح الخريج، لأن في ذلك تغييباً للإنسان ولطاقاته الخلاقة، وهذا لم يعد مسموحاً في القرن الحادي والعشرين. على الخريجين أن يكونوا قوة عاملة، منتجة، في قلب المجتمع.
هذا يقودنا إلى الحديث عن التركيبة السكانية، وعلاقتها بالثقافة. فهل ترى أن هذه التركيبة في الإمارات لها تأثير معين على الثقافة العربية، وهل تلعب دوراً محفزاً أو مبطئاً في نشر الثقافة العربية وازدهارها؟
- موضوع الهجرة السكانية مسألة شائكة، وهي بين التحديات الكبرى التي لم يسبق لدولة ان عاشتها بهذا الشكل. لكنني لست في موقع المسؤول عن اعادة ترتيب هذا البرنامج. أنا أرى ان هناك اعصاراً يجتاح العالم لصهره ضمن النموذج الغربي، ولا اقول انني ضد النموذج الغربي الذي اعترف انني من اشد المعجبين به. ولكن هذا الاعصار موجود، يهدد بقولبة البشر داخل نسق واحد ممل. فالانسان أينما كان يستهلك السلع نفسها، ويأكل الأطعمة الجاهزة نفسها. وقد جاء الانترنت ليزيد من حدّة هذه الظاهرة التي تضيع فيها الخصوصيات. ولا بدّ لنا من الاعتراف: هناك اشياء حسمت لصالح تلك الثقافة الجبارة.
كيف نقاوم؟ بالنسبة اليّ حاولت أن أحقق وجودي، فبدأت اؤسس بعض المشاريع الصغيرة واراهن على ان اجمع حولها العرب حتى تتحول الى قوة. فالمكان الجغرافي لم يعد الآن هو الحقيقة الوحيدة، بعد أن صار العالم الوهمي، الافتراضي، أمراً واقعاً، يفرض نفسه، كما يشير دور الانترنت المتزايد في حياة الجماعات والأفراد.
هل يمكننا اعتبار مشاريع "المجمع الثقافي" نافذة ثقافية عربية على القرن المقبل؟
- بكل تأكيد. ليست فقط نافذة عربية، بل محرك يستطيع ان ينقلنا، نحن المنتمين إلى هذه الحضارة، الى مكان يخوّلنا مواكبة الآخرين، والشعور بأننا لا نقلّ شأناً عن سكان العالم المتطوّر. فلدى العرب طاقات بشريّة هائلة، تحتاج إلى الاطار المناسب كي تتفجّر. الفرد العربي لا ينقصه سوى التأسيس الصحيح. وعلى فكرة أدعو جميع قرّاء "الوسط" إلى زيارة موقع المجمع الثقافي على شبكة الانترنت، وذلك على العنوان التالي: www.cultural.org.ae.
الثقافة الوطنية كلمة فضفاضة
إستضفتم نشاطات من العالم أجمع، لكن هناك من يسأل: اين الثقافة الوطنية، الاماراتية والخليجية، في المجمع الثقافي؟
- "الثقافة الوطنية" كلمة فضفاضة، وقد يقودنا استعمالها الى خلط المسائل. بداية دعني أقول إن المجمع الثقافي محدد في اهدافه وبرامجه، ولا يستطيع القيام بكل شيء. فإذا أخذنا الثقافة والحفاظ على الفولكلور، نرى أن هناك دوائر ومراكز عدّة قامت برعاية هذا الجانب. لذا اخترنا في المجمع خدمة جوانب ثقافيّة أخرى. فالثقافة عالم واسع، وفي الدول الراقية هناك عادةً مؤسسات تكمل بعضها. ومن المنطلقات نفسها، اختار "المجمع الثقافي" ألا يقصر اهتمامه على الكتّاب والمبدعين المحليين، بل شاء أن يكون عربي الملامح، عالمي الهدف. ولكن المستفيد الأوّل هو المواطن المحلي، كما ان الطاقات التي تساهم في وضع البرامج محلية في معظمها. أضف إلى ذلك أن المجمع لا يريد ان يلغي دور مؤسسات أخرى، مهمتها تقديم الكاتب الاماراتي والممثل الاماراتي والمخرج الاماراتي. أنا أقول: هذه برامجي، فلأناقش بها، واذا وجدت ان هناك نشاطاً ما تقوم به جهة اخرى بشكل افضل، فسوف انسحب لصالحها، وسأواصل تقديم ما أتميّز به، بحثاً عن التطوّر والارتقاء.
تقوم الدائرة الثقافية في وزارة الاعلام والثقافة الآن بدور بارز على الساحة الثقافية الاماراتية والعربية. وهناك أيضاً مراكز للثقافة في دبي والشارقة... فأين التنسيق بين المجمع وهذه المراكز؟
- التنسيق كلمة غامضة بعض الشيء! نعم يتم التنسيق، مثلاً، عندما نقيم معرضاً للكتاب بالتعاون مع الدائرة الثقافية في وزارة الاعلام... ولكني مع استقلالية كل من هذه المؤسسات: فلتنشد نشيدها الخاص ولتتنافس لصالح الجمهور. لماذا لا يكون هناك في ابو ظبي ثلاث محاضرات في وقت واحد، على أن يختار الواحد منا المحاضرة التي يشاء؟
هل يشكّل محمد السويدي ظاهرة استثنائية على الساحة الثقافيّة؟ وإلى أي مدى استفاد من الثقل السياسي والمعنوي لوالده احمد خليفة السويدي الممثل الشخصي لرئيس دولة الامارات، ليحقق مشاريعه في "المجمع الثقافي"؟
- أعتبر نفسي محظوظاً لكوني ولدت في كنف هذا الرجل الذي هو أب لكل الاسرة الاماراتية، بقدر ما هو أب لأسرته الصغيرة. فهو يحمل كل الحب للناس، وقدرة مدهشة على التعاطي مع كل الافكار والأيديولوجيات. لكن ما لا يعرفه الا القلة، هو انني كنت رافضاً ان اكون في المجمع الثقافي. وبصراحة ليست الوظيفة الحكومية ما يستهويني، ولا هي المكان الذي استطيع فيه تفجير طاقاتي، فأنا أفضّل القطاع الخاص. وأنا رجل لي مؤسساتي الخاصة ومشاريعي الخاصة. أؤكّد لك اذاً أن دخولي المجمع كان على غير رغبة مني، لكنني في النهاية قبلت بهذا التحدي، وقررت تحقيق ما يفخر به الوالد، ويحسب للبلد ولمجلس امناء المجمع الثقافي. ووجدت من والدي في المجمع كل الدعم والإرشاد لأنني بدأت بخبرات متواضعة، ولولاه لوقعنا في أخطاء ضخمة. لكن الوالد كان في كثير من الاحيان ينقذ ويصحح، وكل فكرة وكل مشروع كان هو وراءهما.
هل المجمع يحمل طابعك أم طابع الوالد؟
- أنا أدين بالفضل للوالد في كل شيء، ولكني اريد ايضاً إنصاف الفريق الذي تحمل عبء التجربة. هناك في المجمّع عمل جماعي قام به عدد من الأشخاص الذين شاءت الظروف ان يجتمعوا معاً في مكان وزمان محددين، فهجروا بيوتهم ليجلسوا ساعات الليل في المجمع الثقافي. والعمل الذي قاموا به ليس لي، ولا لأحد منهم بمفرده، وانما هو لدولتنا وأمتنا العربية.
في داخلي نهران...
ما الذي حدا ببعض الفنانين العرب إلى غناء قصائدك؟
- لم أتصور نفسي كاتب أغنية في يوم من الأيام. هناك شعراء أجادوا في كلمات الأغاني، وأنا لست منهم. تجربتي مع الفنانين الذين أشرتَ إليهم قائمة على "صداقات"، فكما يجتمع مخرج ومنتج وصاحب سيناريو، هكذا اجتمعنا لانتاج اغنياتي. فأنا لست راغباً ان يغني لي هذا الصوت او ذاك، ولكن الصداقة التي تجمعني بخالد الشيخ مثلاً، وهو ملحن ومطرب كبير، تمخّضت عن تجارب مشتركة. هكذا خرجت اعمالي مع خالد الشيخ ومارسيل خليفة وعبدالله بالخير وغيرهم. هناك كثير من المغنين الذين أستطيع أن أطلب منهم تأدية شعري، لكن هذا لم يحدث، وهناك لقاءات مع آخرين لم تثمر عن أي عمل مشترك لأسباب فنية أو ابداعيّة. مع خالد ومارسيل وعبدالله قمنا بتجارب عفويّة، انطلاقاً من حساسيّة مشتركة، لم تأخذ بعين الاعتبار أيّة حسابات ماديّة مثل متطلبات السوق أو غيرها... أنا لم أشترِ هذه الالحان، إذا كان هذا القصد من سؤالك، ولم أشترِ تلك الأصوات، وهي لا تُشرى أساساً!
كيف توفّق بين مهامك على رأس "المجمع الثقافي"، وهو في احد جوانبه أحد أكبر دور النشر العربية 200 عنوان في السنة، وبين امتلاكك دار نشر خاصة؟
- لا تتعامل معي كرجل حكومة فقط، ففي داخلي يجري نهران: نهر خاص ونهر حكومي. النهر الخاص هو قراري الحميم، ومشروعي على المدى الطويل. أما النهر الحكومي، فأتعامل معه بشروط مختلفة. في داري الخاصة أنشر ما يطيب لي، وبأي تكلفة، أما في الحكومة فأنا محدود بموازنة وبسياسة نشر لها اعتباراتها الكثيرة. ثلاثية "فنون عصر النهضة" لثروت عكاشة انتجتها بشروط فنية لا تقل عما يصدر في الغرب، وبموازنة لا يستطيع ان يلبيها المجمع. وقد تصديت لهذا العمل لايماني بضرورة خروجه إلى العالم العربي. فيلم محمد ملص عن المعلّم السوري صبري مدلل لم يستطع المجمع ان ينتجه بسبب حجم الموازنة، فبادرت إلى انتاجه. نحن في المؤسسة الحكومية نؤدي دورنا، ونقوم في الوقت نفسه بتنفيذ برامجنا وأعمالنا الخاصة.
أين وصل مشروع اصدار مجلة شهرية باسم "المجمع"؟
- نتوقع صدور المجلّة في تشرين الأول اكتوبر. أما التأخير فمردّه إلى اعتبارات تتعلّق بالشكل الذي ستكون عليه: هل تكون مجلة ورقية ام مجلة الكترونية؟ وأتصور انها ستضيف الى تجربة النشر في العالم العربي.
مدينة الشارقة كانت العاصمة الثقافية في العام 1998، واليوم بيروت هي عاصمة العرب الثقافية. لماذا لم يتعامل المجمع مع هذين الحدثين بما يليق بهما من الاهتمام؟
- نحن نفرح لأي خبر وأي وسام يقلد لأي امارة أو دولة أو مدينة أو مؤسسة. سألتني في البداية ما هو الأمر الذي يشغلني وأكترث به. الأمر الذي اكترث به في هذه المرحلة من تجربتي هو المشاريع والأفكار التي تتحقق بشكل ملموس، والآثار الأدبية والابداعيّة والحضاريّة التي تبقى عبر العصور. لكنني أحذر من المشاريع الضخمة التي لا تسفر عن شيء. فتأسيس جامعة الشارقة هو الحدث الأهم بالنسبة إلي. أما أن تكون هذه المدينة او تلك عاصمة للثقافة، فأمر لم يعد يلفتني كثيراً. تمهمّني المشاريع التي تنتج شيئاً.
المؤسسة الالكترونية للتوزيع
معرض الكتاب بين أهمّ نشاطات المجمع. فما مستقبله مطلع الألفية الثالثة، بما تحمله من تحديات تكنولوجيّة وحضاريّة؟
- لا بدّ من تغيير معارض الكتاب في الوطن العربي، بحيث تصبح أقرب الى المعرض الذي يجري في فرانكفورت. فمعارض الكتب في الوطن العربي عبارة عن سوق لبيع الكتب، في حين تجري في فرانكفورت مثلاً صفقات بشكل متقدم بين الناشر والموزعين. وسوق الكتاب في العالم تقدّر ببلايين الدولارات، أما السوق العربية فخاسرة في اكثر الاحيان. لذلك اراهن على تغيير هذا الشكل. ونحن بصدد اطلاق المؤسسة الالكترونية للتوزيع، وهي لن تكتفي ببيع الكتب التي تعرض في معارض الكتاب، بل ستتولّى تأمين جميع الكتب التي صدرت في العالم باللغة العربية. وبوسع الزائر عبر شبكة الانترنت أن يستعلم عنها ويطلبها من أي مكان في العالم. أي ضرورة بعد ذلك لأن يسافر الناشر، ويتحمل الاعباء والتكاليف، كي يبيع كتاباً في مدينة بحجم ابو ظبي او الشارقة؟
أتصور ان شكل الكتاب، وشكل معرض الكتاب، سيتغيران في غضون السنتين المقبلتين. معرض الكتاب في أبو ظبي رعيناه بحب وحنو، وحاولنا ان نرتقي بالمحتوى على حساب العدد، وأن نجمع الصفوة. أما اليوم فقد دخلنا عصر العولمة وثورة الاتصالات. وربما يكون هناك معرض للكتاب في أبو ظبي في العام المقبل، ولكن يتعين ان يكون المعرض الذي يليه بصورة مختلفة وشكل مختلف بالتأكيد.
أين انت من الشعر الآن؟
- ربة الشعر عندي تغيب عني لسنوات، لتطل من جديد، وهي انقطعت عني منذ العام 1996، فلم اكتب شيئاً ذا اهمية تذكر. ولكنها في الفترة الاخيرة، بدأت تطل لانتشالي من وطأة البرامج والمعلومات. كتبت محاولات عدّة، أشعر بأنها "غسلتني وأسعدتني". لم أشعر بعد بضرورة اصدار ديوان جديد، ولكن ملامح هذا الديوان بدأت تتضح. وعلى أيّة حال، أنا أعتبر أن المشاريع التي تشغلني، تنتمي أيضاً إلى دنيا الشعر، لكنّها كتبت بلغة أخرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.