سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد بن زايد يشير الى أزمة القراءة عربياً ... وأمسية محمود درويش حدث شعبي . معرض أبو ظبي للكتاب في "حلة" ألمانية أنيقة ... جوائز زايد تجذب الأدباء وناشرون عرب يتذمرون
الغلاف الذي حملته منشورات معرض أبو ظبي للكتاب في دورته السابعة عشرة يدل على الهوية الجديدة التي تسعى "هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث" الى إسباغها ليس على المعرض فقط بل على معظم النشاطات التي ستحييها لاحقاً. حمل الغلاف وجوهاً من العالم أجمع، وجهاً أسود، وجهاً آسيوياً، وجهاً أوروبياً أو أميركياً إضافة الى وجه خليجي وعربي، وتوزعت هذه الوجوه بين ما يشبه الكتب. هذا غلاف جميل حقاً لا يميز بين المرأة والرجل ويبين الأثر الأول الذي تركه معرض فرانكفورت في معرض أبو ظبي. ولعل هذا المعرض هو الأول عربياً يتعاون مع إدارة المعرض الألماني الشهير والأشهر عالمياً، وبدت ملامح هذا التعاون واضحة كل الوضوح، في تنظيم المعرض نفسه، أجنحة ومنشورات وخرائط. وانعكست هذه الملامح أيضاً على الندوات التي هيمن عليها الطابع الألماني، ناهيك بحضور المشاركين الألمان في الكثير من النشاطات المرافقة للمعرض. بدا معرض أبو ظبي للكتاب مختلفاً عن صورته الأليفة السابقة التي ترسخت في إطار المجمّع الثقافي. أصبح المعرض احترافياً وذا بُعد تقني بعدما كان يجمع في السابق بين الطابعين الثقافي والشعبي ليكون أشبه بعيدٍ للكتاب، فيه من العفوية ما فيه من الهم الأدبي والثقافي. الأجنحة الآن أشدُّ أناقة، وطريقة عرض الكتب تسهل على الزائر إيجاد الكتاب الذي يبحث عنه، وجوّ المعرض أكثر هدوءاً وأقل زحمة تبعاً لاتساع المكان في مركز المعارض. لكن الزائر يشعر بما يشبه"البرد"النفسي الذي لم يكن يشعر به عندما كان المعرض يجاور المجمع الثقافي. والمكان الواسع هنا يفتقد نقطة"ارتكاز"هي بمثابة المرجع الذي يُلجأ اليه للسؤال عن أمر ما أو للقاء الكتّاب والمؤلفين الذين حلّوا ضيوفاً على المعرض. هذا الدور كان يؤديه المجمع سابقاً وكان المدعوون جميعاً يلتقون فيه ويتبادلون الحديث والتحيات والأسئلة. ولعل زائر أبو ظبي يفتقد حضور"المجمّع"وإصداراته الكتبية والإلكترونية وهو كان، في عهدة رئيسه السابق الشاعر محمد السويدي، مركزاً ثقافياً طليعياً وملتقى للكتّاب والمثقفين العرب. وقد خاض معركة تحديث الكتاب العربي ونجح فيها. وتكفي العودة الى الموسوعة الشعرية العربية الإلكترونية الفريدة والكتاب المسموع وعيون الكتب المعرّبة التي ساهم في ترجمتها أشخاص مثل أدونيس وعلي كنعان وممدوح عدوان وسواهم. ارتدى المعرض في دورته السابعة عشرة حلّة قشيبة. كل شيء جميل هنا، لامع وأنيق. حتى المنشورات أنيقة وجميلة وإن طغت عليها اللغة الإنكليزية. ومثلما شاءته هيئة أبو ظبي والإدارة الألمانية غدا المعرض أجنبياً في شكله، حديثاً أو معاصراً، وهذا ما لم يحظ به أي معرض عربي. حتى المقاهي الجانبية بدت مختلفة في شكلها. ولكن هل يكفي الشكل الجميل ليصبح معرضاً حقيقياً؟ هذا السؤال يطرحه زائر المعرض على نفسه خصوصاً عندما يجول على الأجنحة ويقرأ عناوين الكتب ومعظمها غير جديد. وهذا أمر طبيعي فالمعارض العربية تتوالى واحداً وراء الآخر، وحركة الكتب لا تستطيع أن تجاريها كلها. الناشرون العرب المشاركون في المعرض أبدوا بعض التذمّر من خفوت الإقبال على الشراء وبعضهم شكا غلاء المشاركة إذ بلغ هذه السنة استئجار المتر المربع مئة وخمسين دولاراً بعد خفضه، ويعتبر هذا السعر هو الأغلى عربياً. وكانت المشاركة في السابق مجانية أما الآن فمن المستحيل النسج على المنوال القديم بعد دخول المعرض مرحلة الاحتراف العالمي وفق الطريقة الألمانية. ولا أحد يدري إن كان الألمان انتبهوا الى الاختلاف الكبير بين معرض فرانكفورت الذي يُعدّ حيزاً للترويج وتوقيع العقود بين الناشرين العالميين، والمعارض العربية التي هي أقرب الى الفسحات الحية التي يرتادها القراء بحثاً عن الكتب. ليس من معرض عربي يستطيع أن يقلّد معرض فرانكفورت فهذا المعرض العالمي لا يتوجه الى القراء بقدر توجهه الى الناشرين والكتّاب وپ"عملائهم"الذين يسعون الى إبرام عقود في حقل الترجمة والترويج... وما زاد من استياء الناشرين العرب حجب جائزة الشيخ زايد عن حقل النشر والتوزيع. وكان هذا الحجب مفاجئاً جداً وغير مبرّر. فالحجة التي تذرّع بها المحكِّمون لم تكن مقنعة ومفادها أنَّ الدورَ التي ترشحت للجائزة"لا تحقق الشروط المفترضة لهذه الجائزة في الرقي بالمستوى الفكري والتقني للنشر في العالم العربي ولا تقدم مشروعاً ثقافياً متكاملاً". هذه الذريعة يمكن التحجج بها في كل دورة، ودور النشر ستظل هي نفسها وكذلك الشروط"المفترضة"للفوز. وهذا الحجب قد يستمر دورة تلو أخرى لأن ما من دار ستنهض خلال السنة المقبلة فوراً محققة المعايير التي تشترطها الجائزة. وكان لا بد من أن يثير هذا"الحجب"حفيظة الناشرين في المعرض وهم على حق، فالقرار السلبي هذا يسيء الى جهود الكثير من دور النشر التي تعاني مشكلات مختلفة مادية ورقابية وسياسية... الرقابة الغائبة لعل أهم ما يميز معرض أبو ظبي هو غياب الرقابة عنه. معرض بلا رقابة هو معرض حقيقي، بل هو حيّز حر للكتاب والكتّاب في آن واحد. هكذا يجد الناشرون أنفسهم على قدر من الارتياح، يعرضون ما يشاؤون ولكن بشرط ألا يوزعوا الكتب الممنوعة عربياً خارج المعرض، في السوق أو في المكتبات. ويقرأ الزائر فعلاً عناوين كتب ممنوعة في بيروت والقاهرة ودمشق وعمّان وعواصم أخرى وكلها معروضة جهاراً. ويستطيع الزائر أن يشتريها بحرية. هذه ظاهرة إيجابية تسجل لمصلحة هذا المعرض الذي يحترم الكتاب ولا يخافه أو يصادره. أما النشاطات المرافقة للمعرض فهي ذات طابع تقني أو اختصاصي في معظمها، وهي لا تعني القارئ العربي أو الإماراتي تماماً. ولذلك لم تشهد بعض الندوات إقبالاً فاقتصرت على الناشرين المعنيين بها. ومن هذه الندوات مثلاً: حقوق النشر والترجمة، دور الوكلاء والناشرين، الوصول الى القارئ، الأساليب الفعالة لتسويق الكتب، الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتوزيع الكتب، حقوق النشر السريعة ورشة عمل، فرص الأسواق الصغيرة... هذه عناوين يمكن أن يستوعبها معرض مثل معرض فرانكفورت وليس معرض عربي مثل معرض أبو ظبي أو سواه. ثم ماذا تعني ندوات يلتقي فيها كتّاب عرب مع مترجميهم الألمان، حتى لو كان بين الكتّاب الشاعر أدونيس والروائي إبراهيم الكوني والروائية هدى بركات؟ ماذا يهم القارئ العربي أن يعلم إن كانت هذه الترجمات الى الألمانية جيدة أم رديئة؟ ثم لماذا اختيرت الترجمة الى الألمانية فقط وليس الى الفرنسية أو الإنكليزية في معرض ليس ألمانياً وإن ساهم الألمان في تنظيمه؟ الندوات الأخرى لم تجذب الجمهور بدورها ولم تغرِه ولم تثر فيه أي حماسة. هذا ما بدا واضحاً كل الوضوح. وقيل إن عزمي بشارة سيشارك في إحدى الندوات ولكن لم يُعرف في أي ندوة مثلما لم يُعرف متى سيأتي. إلا أن الأمسية الوحيدة التي جذبت جمهوراً كبيراً كانت أمسية محمود درويش التي أحياها في المسرح الوطني. هذه الأمسية كانت حدثاً شعرياً وثقافياً في المعرض وفي المدينة، وعبرها التقى درويش جمهوراً إماراتياً وعربياً كان في شوق إليه والى قصائده يقرأها بصوته. وشاء درويش الذي قدّمه الشاعر الإماراتي حبيب الصائغ أن يستهل قراءته بنص"الحنين"من كتابه الأخير"في حضرة الغياب"مختبراً رد فعل الجمهور الكبير حيال نص نثري يحمل بعض ملامح السيرة الذاتية. وبدا الشاعر مصراً على جديده الذي يوحِّد بين الذائقة النخبوية والأخرى الشعبية مرتقياً بالجمهور الى مصاف الشعر الصرف. لكنه قرأ مقطعاً أثار حماسة الحاضرين:"حاصر حصارك لا مفرّ...". أضفى شعر محمود درويش على أيام المعرض ولياليه طابعاً فريداً على رغم عدم إدراج أمسيته في البرنامج، وأعلن عنها في الصحف قبل أربع وعشرين ساعة فقط. لكن اسم محمود درويش قادر وحده على جذب الجمهور ولو في اللحظة الأخيرة. الجوائز والفائزون الحدث الثاني كان الاحتفال الذي وزعت فيه جوائز الشيخ زايد على الفائزين بها في حقولها المختلفة. وكانت كلمة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي التي ألقاها في الاحتفال، مؤثرة جداً، فهو وضع فيها الإصبع على الجرح، كما يقال، منطلقاً من الأزمة التي يعانيها الكتاب العربي والقراءة نفسها في العالم العربي. ومما قال في كلمته:"لم تنتج دولنا العربية في سنة واحدة مثلاً سوى خمسة آلاف وستمئة كتاب فقط في مقابل أكثر من مئة ألف كتاب في أميركا الشمالية وأكثر من أربعين ألف كتاب في أميركا اللاتينية... وهذه مقارنة مخجلة". وتطرق الى تقرير منظمة"اليونسكو"للعام 2005 الذي أشار الى أن معدل القراءة لدى المواطن العربي لا يتجاوز دقيقتين فقط في السنة بأكملها بينما يتجاوز في أوروبا ست ساعات. وقال:"إن واقعنا المؤلم ليس للشرق ولا للغرب علاقة به بقدر ما نتحمل نحن مسؤوليته بأنفسنا بعيداً من نظرية المؤامرة وشماعة الآخر". وشاركت في الاحتفال فرقة الفنان العراقي نصير شمّا عازفة بقيادتهمقطوعة من تأليفه. أما الفائزون في الدورة الأولى للجائزة فهم: بشير محمد الخضر الأردن عن كتاب"النمط النبوي"جائزة التنمية وبناء الدولة، محمد علي أحمد مصر عن كتاب"رحلة على الورق"جائزة أدب الطفل، واسيني الأعرج الجزائر عن رواية"كتاب الأمير"جائزة الآداب، ثروت عكاشة مصر عن كتاب"الفن الهندي"جائزة الفنون، محمود زين العابدين سورية عن كتاب"عمارة المساجد العثمانية"جائزة المبدع الشاب، جورج زيناتي لبنان عن كتاب"الذات عينها كآخر"للمفكر الفرنسي بول ريكور جائزة الترجمة. وحجبت جائزتان هما: جائزة"أفضل تقنية في المجال الثقافي"وجائزة"النشر والتوزيع". أما جائزة"شخصية العام الثقافية"فحصدها المستشرق البريطاني دينيس جونسون ديفيس. ولم تتلَ خلال الاحتفال أسماء المحكّمين ولا أسماء اللجنة العليا للجائزة مع أنهم حضروا الاحتفال مثلهم مثل الضيوف العرب الذين يصعب إحصاؤهم وتعدادهم نظراً الى كثرتهم. وما يمكن تسجيله في هذا السياق هو عدم عرض الكتب الفائزة ولا تقديم الفائزين إعلامياً وإقامة ندوة خاصة بهم تجمعهم مع أهل الصحافة والأدب. ولم يتم التعرّف إليهم إلا عندما صعدوا الى المسرح ليتسلّموا عربون الجائزة وهو ميدالية مذهبة تحمل اسم الجائزة وصورة الشيخ زايد. يقول الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث إن"معرض أبو ظبي كرّس نفسه كواحد من المعارض الاقليمية والعربية المهمة التي ترفد المجتمع المحلي خصوصاً والعربي عموماً برافد مهم هو تشجيع حركة النشر وتوفير الكتاب للقارئ في سعر مناسب لا يتوافر خارج فترة المعرض". أما المدير العام لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث محمد خلف المزروعي فيقول:"إن الدورة السابعة عشرة لمعرض أبو ظبي للكتاب تمثل في نظرنا انطلاقة جديدة للمعرض، تبني وتراكم فوق ما تم إنجازه في الماضي لتشكل بدءاً من هذه المرحلة نقلة نوعية في تاريخ المعرض". وبينما احتلت منصة"شاعر المليون"أحد مداخل المعرض مقدمة صوراً للشاعر القطري محمد بن حمد بن فطيس المري الذي فاز باللقب في البرنامج التلفزيوني الشهير الذي يقدمه تلفزيون أبو ظبي وهو عبارة عن مسابقة في الشعر العامي، أطلقت هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث مسابقة شعرية جديدة هي مسابقة"أمير الشعراء"في اللغة الفصحى وهي إماراتية وعربية في الوقت ذاته. ومن شروطها: أن تكون القصائد بالفصحى، أن يتراوح عمر الشاعر بين الثامنة عشرة والخامسة والأربعين، أن تكون القصيدة عمودية لا تقل أبياتها عن عشرين بيتاً ولا تزيد على خمسة وعشرين بيتاً، أو أن تكون القصيدة تفعيلية أو حرة لا تزيد على مقطعين وكل مقطع في نحو خمسة عشر سطراً.