تستدعي الدهشة المصاحبة لزائر معرض أبوظبي الدولي للكتاب؛ السؤال حول العقل المدبر، الذي يقف وراء هذه الاحتفالية الثقافية المتميزة عربياً، لا ننتظر كثيراً، حتى تتجه الأنظار إلى مدير معرض أبو ظبي الدولي للكتاب والمدير التنفيذي للمكتبة الوطنية في العاصمة الإماراتية، إنه الأستاذ جمعة القبيسي، المثقف الخليجي الذي نذر عمره لدعم الحياة الثقافية ليس في وطنه وإنما في العالم العربي، لنتجول معه في هذا الحوار، حول تجربة الصعود المذهلة لمعرض أبو ظبي، منذ بداياته الجنينية وحتى دورته لهذا العام، مروراً على تجارب ثقافية مصاحبة للمعرض أبرزها إطلاق جائزة "البوكر" للرواية العربية. «كلمة» سيصل إلى ترجمة ألف عنوان.. وعدم شراء الحقوق يسيء لنا في المحافل الدولية * معرض أبو ظبي للكتاب بدأ كمعرض للكتاب الإسلامي في الثمانينات واليوم هو معرض دولي، كيف حدثت هذه النقلة؟ - حقاً.. الدورة الأولى كانت مع بداية القرن الهجري. وكان ضمن مؤتمر افتتحه المرحوم الشيخ زايد (رحمة الله عليه)، تقريباً في العام 1981 ميلادي. الفكرة بدأت بمعرض أقيم في أروقة المجمع الثقافي قبل أن ينشأ المجمع الثقافي، إذ إن المبنى كان جاهزاً في تلك الفترة، وشاركت العديد من دور النشر العربية في ذلك المعرض الذي بعد انتهائه؛ اشترى الشيخ زايد - رحمه الله - كل الكتب التي فيه، وجزء من هذه الكتب تحول إلى نواة لدار الكتب التي أصبحت جزءاً من المجمع الثقافي، بعد تأسيس هذا المجمع عام 1982-1983 وكنوع من التأصيل كنا نرى في هذا المعرض أنه النواة الأولى، علماً أن هذا المعرض سبق المجمع الثقافي نفسه، ومنذ العام 1986 بدأت المعارض تدار من المجمع الثقافي واستمررنا إلى هذا اليوم، لكن تغير المجمع الثقافي عام 2006 وأصبح جزءاً من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث و- أيضاً - منذ سنتين أصبحنا جزءاً من هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة. جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2014 الفرق خلال هذه المدة، أننا في العام 2007 دشنا دورة مختلفة عن الدورات السابقة، تم تشكيل شراكة بينا وبين معرض فرانكفورت مدة خمس سنوات واستمرت هذه الشراكة وانتهت في العام 2012 وفي العام 2012 بدأنا منفردين بخبرة متوفرة لدى الأخوة جميعاً في إدارة المعرض، وهكذا ازداد عدد الدور الأجنبية المشاركة، فسابقاً كانت عبارة عن توكيلات تصل من قبل الموزعين والمكتبات المحلية، الآن أصبح لدينا أعداد كبيرة من دور النشر تأتي مباشرة، أما المسألة الأخرى التي دعمت الأمر، هي المسألة المتعلقة بحقوق النشر - أيضاً - من خلال مشروع آخر، وهو مشروع (كلمة) وهو مشروع ابتدأ سابقاً من خلال المجمع الثقافي وترجمة الأعمال المهمة سواء كان من خلال أمهات الكتب الأجنبية، كالإلياذة والأوديسة وكتب أخرى ولكن في العام 2006 بدأ مشروع (كلمة) الذي سيصل إلى الألف عنوان خلال الفترة القريبة القادمة، وقد واجهتنا مشكلة وشكوى من بعض الناشرين العرب، بأن مشروع (كلمة) إذا دخل على الخط، قد تسحب البساط من تحتهم، معظم دور النشر العربية لا تشتري الحقوق، للأسف؛ وهذه نقطة سيئة بالنسبة لنا كعرب في المحافل الدولية، كثيراً ما تشتكي الدور الأجنبية أن العرب لا يشترون الحقوق بل يقومون بقرصنة الكتب وترجمتها، وهذا الأمر هبط بالأرقام التي تعرض في التقارير الدولية التي تعطى حول نسب الترجمة والقراءة عند العرب، وهذه من أكبر الأخطاء الموجودة. * حقاً، قرأنا أن العالم العربي كله لا يترجم بحجم "إسرائيل"؟! - كثير من الناشرين العرب يترجمون لكن للأسف الأرقام التي تعطى خاطئة جداً، خذ - مثلاً - في التقارير، نقرأ أن الإمارات تترجم خمسة عشر كتاباً، في حين إذا كنا نحن فقط جهة واحدة (هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة) نترجم ما يقارب الأربع مئة كتاب في السنة فما بالك بالعديد من الجهات أو الدول العربية الأخرى، لذا أنا لست متشائماً حول نسب القراءة وإذا نظرنا لدول مجلس التعاون، فإن أنجح المعارض موجودة فيه، مع احترامنا ومحبتنا لأخوتنا العرب في كل مكان، للأسف بدأت كل معارضهم تنهار وخاصة بعد الأحداث التي حدثت، ومثلما لاحظنا في الخليج العربي، هنالك مثلاً، معرض الكتاب الدولي بالرياض، حيث الأعداد الكبيرة التي تزور المعرض وأعداد كبيرة من الكتب تباع، لذا لا يوجد معرض قائم بشكل جيد سوى المعارض في دول مجلس التعاون حيث يوجد بها أكبر نسب، سواءً لقراءة الكتب أو أيضا لاستخدام الانترنت، لذا القول أن العرب لا يقرأون، هذا القول صار مملاً. * لو نتحدث حول استراتيجية بناء جيل قارئ في الخليج العربي وتحديداً نبدأ من تجربتكم في أبو ظبي، ماذا فعلتم بهذا الصدد؟ - لم نبقَ داخل المنظومة التقليدية للثقافة، وإنما توجهنا للمجتمع، وأخيراً، وبالتنسيق بين هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ودائرة البلديات بدأنا التوجه للحدائق العامة في أبو ظبي، إذ لدينا مكتبتان في الحدائق ومثلهما مكتبة أخرى توجد في المرفأ و- أيضاً- في الأسواق والمجمعات، حيث افتتحنا مكتبتين للقراءة في مجمعين تجاريين كبيرين في أبو ظبي، والآن الاتجاه لتأسيس مكتبة وطنية ضخمة، نحن حاولنا الانتقال بالكتب للناس - أيضا - استخدمنا وسائط أخرى كالكتاب الإلكتروني، وكذلك لدينا مجلس أبوظبي للتعليم، أقام حملة، نشارك نحن فيها، وهي حملة "أبوظبي تقرأ" الموجهة للمدارس بأن يكون التركيز على القراءة في المراحل المدرسية الأولى، وهذا مهم في أن نخلق جيلاً قارئاً، صحيح أننا ننتمي لجيل كان الكتاب المتنفس الوحيد بالنسبة له وكانت التلفزيونات تغلق وينتهي بثها الساعة الثانية عشرة، أما اليوم فثمة الكثير من المنفرات والمبعدات والمشوشات عن الكتاب. * ماذا عن مسألة سقف الرقابة على الكتب في معرض أبوظبي الدولي للكتاب؟ - سياسة معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، تركز بداية، على مسألة حقوق ملكية النشر والتأليف بالدرجة الأولى، ونحن في اتصال مع المجلس الوطني للإعلام ونعرف أنهم لا يضعون قوائم منع أبداً على الكتب، وتترك هذه العملية للتقييم الموجود. * هل هنالك دور نشر ممنوعة؟ - دور النشر التي تنتهك حقوق الملكية الفكرية وتقوم بأعمال قرصنة لا تشارك، وهي تمنع لمدة معينة ثم ينظر في وضعها هل تشارك أو لا في الأعوام القادمة، وهذا العام وصلت أعداد دور النشر المشاركة 1156 دار نشر محلية وعربية وعالمية، تم الاعتذار عن 98 دار نشر، تنطبق عليها الشروط، لكن لا يوجد لها مكان، وهذا العام لدينا مساحة معرض تقع في 28 ألف متر مربع بزيادة مئوية تصل إلى 15% لذا دور النشر التي عادة ما تكون أشبه بالدكاكين نبتعد عنها، لأن التخوف يكون من هذا الذي يجمع الكتب من شتى الأماكن ليأتي لعرضها، لذا فقد يسيء لناشر آخر أو يظلم مؤلفاً، من أجل ذلك نحن نحاول الحد من هذه المسألة. * كيف وجدتم تجربة وجود " البوكر" في افتتاحية معرض الكتاب بعد هذه السنوات؟ تجربة مميزة، ومن خلال وجودي في المكتبة أعرف أن القراءة تنصب على الرواية والرواية مقروءة جداً، ليس لدينا كعرب وإنما في العالم كله، والرواية تفتح الأبواب لقراءات أخرى، فالقراء أصبحوا يسألون ليس فقط عن روايات القائمة القصيرة وإنما - أيضا - عن القائمة الطويلة، وخلال السبع سنوات، كانت الجائزة تدعم من خلال مؤسسة الإمارات وهي مؤسسة ذات نفع عام تدعم المشاريع الخيرية سواء كانت ثقافية أو تعليمية..الخ، ثم انتقل دعم جائزة البوكر للرواية العربية إلى هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، وهاهي الهيئة تدعمها للعام الثاني، وما لاحظته هو الإقبال الشديد على الكتاب، كان جلياً من خلال الصالونات الأدبية التي أقيمت في معرض الكتاب؛ سواء على الكتاب الذي فاز بالجائزة أو كتب أخرى، وجائزة البوكر خلال السبع دورات من عمرها تطورت تطوراً كبيراً، حتى كبرت وصارت لها مكانة ملموسة. * جائزة البوكر العربية، تريد دعماً مالياً ولكن أنتم - أيضاً - تريدون استثمارها لدعم وتنشيط الحياة الثقافية لديكم، كيف قيمتم هذه الشراكة؟ - الهدف متبادل، هم جهة لا تستطيع تمويل نفسها بنفسها، ونحن الهدف بالنسبة لنا، هو جزء من الرسالة التي نقوم بها، من خلال إيصال الكتاب للناس، دعم المؤلفين الشباب ليس فقط في الإمارات لأن الأسماء التي تفوز هي أسماء من مختلف أقطار الدول العربية، و- أيضاً- دعم جائزة البوكر هو دعم للناشر العربي، أضف إلى ذلك أن الكتب التي تصل إلى جائزة البوكر تترجم إلى لغات عديدة، فمجرد أن تفوز رواية، حتى يأتي الناشر الأجنبي لشراء الحقوق وهذا يحدث مباشرة خلال أيام المعرض ومن خلال دور أجنبية. * لاشك أن ديمومة ظاهرة البوكر في المعرض، ستحرض الكتاب الشباب في الخليج للعمل أكثر، وقد نجد في الأعوام القادمة أسماء خليجية تفوز؟ بالتأكيد، وجائزة البوكر فاز بها العام الماضي أديب كويتي وقبله سعودي، فثمة تطور سريع في دولة مجلس التعاون على مستوى الثقافة وليس الأمر مقصوراً على المباني والمنشآت. * ولكن ثمة تصور يروج "عربياً" أن هذا الخليج هو خليج "مدن الملح" والحضارة الإسمنتية؟ - للأسف هذه النظرة، لا نلوم فيها الأجنبي، لكن نعتب على الأخوة العرب في بناء هذه الصورة، فاليوم ما يحصل أن دول مجلس التعاون هي من تحتضن التجارب الثقافية وتغذيها من الترجمة والتأليف، وأعتقد لولا دول الخليج العربي اليوم، لأصبح وضع الثقافة سيئاً للأخوة العرب، لاحظ معي، إذا جئنا لمسألة تحقيق التراث العربي، سابقاً كانت مصر مركزاً رئيساً لهذا المجال وفيها محققون كبار وبها مؤسسات حكومية لها باع طويل في هذا الجانب، لكن للأسف تحقيق التراث بدأ يتقلص في هذه الدول، المشاريع التي كانت تسعى لألف كتاب وغيرها تضررت كلها، ونحن نقدر الظروف التي تمر بها هذه الدول، أما اليوم فقد بدأت دول مجلس التعاون تأخذ هي هذا الدور.