خيّل الى المراقبين والى عشاق سباقات الجائزة الكبرى لسيارات فورمولا واحد، ان السباقات المتبقية لهذا الموسم ستتسم بالرتابة والفتور، بعد الحادث المروّع الذي تعرض له ميكايل شوماخر سائق فيراري الاول على حلبة سيلفرستون في بريطانيا، وأدى الى كسر مزدوج في ساقه اليمنى سيبعده حوالى ثلاثة اشهر عن الحلبات، وتوهم البعض ان بطولة هذا الموسم قد حسمت لصالح ميكاهاكينن سائق ماكلارين مرسيدس بعد خروج شوماخر من دائرة المنافسة، لكن سباق جائزة النمسا الكبرى على حلبة سبيلبرغ الذي احرزه ايدي ايرفاين سائق فيراري اعاد خلط الاوراق، وصبّ الزيت على نار الاثارة التي كاد يخبو وهجها بعدما قلص الفارق بينه وبين هاكينن في الترتيب العام الى نقطتين فقط وجعل مصير البطولة مشرّعا على كل الاحتمالات. والواقع ان سيناريو سباق النمسا جاء حافلاً بالاثارة بعد اللحظات الاولى على انطلاقه اذ اصطدمت سيارة ديفيد كولتهارد بمؤخرة سيارة زميله هاكينن عند المنعطف الثاني من الحلبة فانحرفت سيارة هذا الاخير وخرجت من الحلبة بعدما استدارت على نفسها، لكن متصدر الترتيب العالمي للبطولة نجح في السيطرة على الموقف وعاد الى السباق في المركز الاخير، في حين تصدر كولتهارد المتسابقين يليه روبن باريتشيللو فايدي ايرفاين فهاينتس هيرالد فرانتزن. ولم يكن الاصطدام بين سائقي ماكلارين - مرسيدس، هو الحادث اليتيم الذي شهدته اللفة الاولى من السباق، بل ان سائق فيراري الجديد ميكاسالو الذي حلّ محل شوماخر وكان يخوض سباقه الاول صدم سيارة جوني هيربرت من الخلف، فاضطر الى دخول المرآب، وعاد الى الحلبة في المركز الاخير بعدما استغرق ابدال مقدمة سيارته 38 ثانية. كانت كل الدلائل تشير الى ان كولنهارد في طريقه الى تكرار الفوز الذي حققه على حلبة سيلفرستون بعدما ابتعد في الصدارة بفارق 15 ثانية عن اقرب منافسيه، وبعدما عجز ايرفاين عن تجاوز باريتشيللو الذي لعب دور المنطقة العازلة بين الاول والثالث، ولكن هذه المظاهر الخادعة راحت تتبدد رويداً رويداً، اذ دخل باريتشيللو الى المرآب في اللفة الثامنة والثلاثين وتبعه كولتهارد في اللفة التاسعة والثلاثين فتصدر ايرفاين السباق موقتاً، وخلال هذه الفترة دأب ايرفاين على تقليص الفارق بينه وبين كولتهارد مسجلاً مرة تلو مرة اسرع لفة في السباق، مستفيداً من خفة وزن سيارته التي اوشك الوقود في خزانها على النفاد وفي اللفة الرابعة والاربعين دخل الى المرآب لتبديل الاطارات والتزود وقوداً، فحبس المشاهدون انفاسهم، لأن حظه في المحافظة على صدارة السباق كان على المحك، وكان لميكانيكيي فيراري الذين عملوا بدقة ساعة سويسرية فضل لا ينكر في خروجه من المرآب متصدراً بفارق ضئيل جداً عن كولتهارد، وقد عضّ ايرفاين على مركز الصدارة بالنواجذ والانياب طوال المراحل المتبقية من السباق ولا سيما في اللفات الاخيرة عندما مارس عليه كولتهارد ضغطاً شديداً واستمات في الهجوم لانتزاع المركز الاول… وقد انتهى السباق الذي اقام المدرجات واقعدها بفوز ايرفاين بفارق 31 جزءاً في المئة من الثانية، وهو فوزه الثاني بعد سباق جائزة استراليا الكبرى. وتجدر الاشارة الى ان ايرفاين الذي خاض سباقه الاول بصفته السائق الاول لفريق فيراري خلفاً لشوماخر نجح الى حد بعيد في ترسيخ مكانته لدى فيراري، وفرض نفسه مرشحاً جدياً لاحراز اللقب العالمي اذ لم يعد يفصله عن هاكينن سوى نقطتين والفضل في ذلك يعود الى مجموعة من العوامل اهمها: أ - قدرته على تنفيذ الخطة الاستراتيجية التي رسم خطوطها روس براون بدقة متناهية، وهي خطة تقتضي قدراً كبيراً من الكفاءة في القيادة والتركيز المكثف، وهدوء الاعصاب، لتفادي اي خطأ خلال السباق وهذا ما دفع روس براون الى التصريح بعد السباق "لقد نفذ ايرفاين بصورة مثالية كل ما طلب منه". ب - نجاح ميكانيكيي فيراري في تبديل اطاراته وتزويده وقوداً بزمن قياسي بلغ 6.8 ث وقد جاء نجاحهم رداً بليغاً على ما حصل في سيلفرستون، لأن فيراري خسرت ذلك السباق في المرآب، لا على الحلبة. ج - الخدمة التي اسداها اليه كولتهارد عن غير قصد، عندما صدم مؤخرة سيارة هاكينن، وهي خدمة لا تقدر بثمن، لأنها غيّرت مجرى السباق وحرمت هاكينين من فوز كان على الارجح في متناول يده. وفي غمرة سعادته علّق ايرفاين على فوزه قائلاً: "لو انني ارتكبت خطأ خلال السباق لكانت الصحافة الايطالية اغتالتني. لكنني اثبت الآن انني استطيع اداء دور السائق الاول بنجاح". وهذا الفوز كان له وقع طيب في نفس ميكايل شوماخر الذي تابع السباق في منزله في سويسرا حيث يقضي فترة نقاهة وحرص على تهنئة زميله ايرفاين بحرارة: "لقد قام ايدي بعمل رائع، وخاض سباقاً نظيفاً وصمد بكل رباطة جأش امام الضغوطات التي تعرض لها". اما هاكينن فان الحظ العاثر بعد اصابة شوماخر يلازمه كظله، ففي سباق سيلفرستون كان من المتوقع ان يأتي في الصدارة، لكن اطار سيارته الذي قام بنزهة في اتجاه المدرجات كلفه غالياً اذ حرمه من فوز كان يلوح في الافق وعلى حلبة سبيلبرغ يمكنه القول: من بيت ابي ضربت. وكانت الضربة موجعة اذ نقلته من المركز الاول الى المركز الاخير، ومع ان هاكينن خاض سباقاً مذهلاً راح فيه يتخطى المتسابقين تباعاً ببراعة فائقة حتى انهى السباق في المركز الثالث، فان علامات الاستياء كانت بادية على محياه، وقد كظم غيظه البارد وتحاشى الكلام مع كولتهارد على منصة التتويج وفي المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد السباق، لكن دنيس روس المدير الفني لفريق ماكلارين - مرسيدس نجح في اعادة المياه الى مجاريها بين سائقي الفريق وكان كولتهارد قد مهّد للقاء العتاب والمصالحة فاعتذر علناً من هاكينن وأقرّ بالخطأ الفادح الذي ارتكبه بحقه: "ما جرى كان كابوساً حقاً، وليس بمقدوري ان افعل اسوأ مما فعلت في هذا السباق، انا آسف لميكا، لكنني لم افعل ذلك عن قصد بل عن خطأ في التقدير". وبعد لقاء المصالحة صرح كولتهارد: "ميكا كان غاضباً، وانا كنت اشد غضباً منه على نفسي… فأنا اكره ان اصدم اي سيارة في السباق، فكيف بسيارة زميلي في الفريق؟ لقد اعتذرت الى ميكا ويسعدني انه قبل اعتذاري". وقبل ان نطوي صفحة السباق على حلبة سبيلبرغ، لا بد من الاشارة الى ان ميكا سالو الذي قدم اوراق اعتماده في هذا السباق خلفاً لشوماخر انهى السباق سابعاً، ولم يترك انطباعاً جيداً في مشاركته الاولى، ولم يقم بأي دور مساعد لايرفاين سائق الفريق الاول، ولعلنا قسونا على هذا السائق الذي ظلمته الظروف اذ عادت به الى حلبات السباق ليحل محل سائق فذ تحت راية فريق عريق