أعتبر البياتي رائداً أصيلاً من رواد حركة التجديد في الشعر العربي. ريادته ليست تاريخية فحسب، لأن دوره لم ينته في الخمسينات، كما يظن بعضهم، ولكن دوره استمر لأن الشعر ليس جهاز تكييف. فالقصيدة تستمر ودورها أيضاً. تأخر البياتي زمنياً عن بعض زملائه العراقيين، ولا شك في ان نازك الملائكة سبقته وكذلك السياب. ولكن هذا السبق كان في المحاولات الاولى التي اشبه ما تكون بالدراسات التمهيديّة التي تسبق رسم اللوحة. كانت اشبه بالنوايا الطيبة: عندما نعود الى نازك في "كوليرا" والسياب في "هل كان حباً؟"، نجد ان محاولتهما في التجديد طيبة ولكنها لا تعد في جسم الشعر، بل هي من خارجه، في الصنعة، تسعى إلى تقنية جديدة. وهذه التقنية الجديدة لم تتحقق الا في الخمسينات عند الجميع، وكان على رأس من تحققت عندهم البياتي، وهو ارتبط اكثر من غيره بحركة التجديد في الحياة العامة. كانت نازك فنانة مطلع الخمسينات، والسياب في هذا الوقت غادر العراق الى ايران والخليج وتعرضت علاقته بالعراق والحزب الشيوعي الى هزات عميقة وانفصل عن الشيوعيين، في الوقت الذي حل فيه البياتي محله بقوة، فارتبط شعر البياتي بالثورة وبالتجديد في العراق وخارجها، وكتب تلك القصائد التي عبرت عن حداثة الخمسينات. في ذلك الوقت اكتشف المثقفون الوجودية، وبدأ محمود امين العالم وعبد العظيم أنيس رحلتهما في عالم النقد. والمرحلة نفسها شهدت بدايات صلاح عبد الصبور... وقد تمثّلت المرحلة في البياتي خير تمثيل، فكان من الطبيعي ان يكتب احسان عباس عنه كتابه الشهير الذي يعتبره فيه "رائد الشعر الحديث"، وهو دون الثلاثين . وحياته العاصفة بين المنافي والهجرات، ارتبطت بشعره ارتباطاً وثيقاً، فلم يكن شعره شعر معمل، انما شعر شارع ومقاهٍ ومطارات ومدن وجوازات سفر. كان هو الموضة في الخمسينات والستينات. لا شك ان جانباً من هذه الموضة سيندثر، ولكن سيبقى من شعره الكثير وستبقى تجربته وحياته وذكرياتنا عنه.