زيلينسكي يرى أن عضوية الناتو ستُنهي المرحلة الساخنة من الحرب    التعاون يتغلّب على الرائد بهدف " في ديربي القصيم    أسباب آلام البطن عند الرجال    الدموع    هدنة لبنان يهددها إطلاق النار الإسرائيلي المتقطع    ضبط (5) يمنيين في جازان لتهريبهم (100) كيلوجرام من نبات القات المخدر    تحركات دبلوماسية تركية روسية إيرانية لاحتواء الأحداث السورية    شخصيات دينية إسلامية تثمن جهود المملكة    "الجوهرة وأسيل" في المركز الأول عربيًا والتاسع عالميًا في الأولمبياد العالمي للروبوت WRO 2024    معرض المخطوطات السعودي يروي حكاية التراث ويكشف نفائس فريدة    دوري روشن: سافيتش يقود الهلال للفوز على الشباب وتضييق الخناق على صدارة الاتحاد    حلول مستدامة لتطوير قطاعي التمور والزيتون    استقلالية "تخصصي العيون".. دعم للبحث والابتكار    مهرجان للحنيذ بمحايل    دورة للإسعافات الأولية    الاتحاد «حاد»    الكويت: صدور مرسوم بسحب الجنسية من الفنان داود حسين والمطربة نوال الكويتية    تركي بن محمد بن فهد يستقبل سفير قطر    ميداليتان عالميتان لأخضر الباراتايكوندو    المركز الإعلامي في حلبة كورنيش جدة.. مجهر العالم لسباق سال جدة جي تي 2024    الأمير تركي بن محمد بن فهد يستقبل سفير قطر لدى المملكة    دوري روشن: ديربي القصيم يبتسم للتعاون بهدف دون رد امام الرائد    قطار الرياض.. 85 محطة منها 4 رئسية تعزز كفاءة التنقل داخل العاصمة    الجمارك تحبط تهريب أكثر من 480 ألف حبة كبتاجون إلى المملكة    مطارات الدمام تشارك في المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير    «سلمان للإغاثة» يدشن المشروع الطبي التطوعي لجراحة العظام في بورتسودان    جامعة الملك عبد العزيز تكمل استعداداتها لإطلاق مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    "الشؤون الإسلامية" تودع أولى طلائع الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين إلى بلدانهم    مجلس الشؤون الاقتصادية يتابع خطوات استقرار أسعار السلع    هل ترى هدنة غزة النور قبل 20 يناير؟    الذهب يرتفع مع تراجع الدولار    "ميسترو".. يوصي بالذكاء الاصطناعي لتحسين العلاج الإشعاعي    قرية القصار التراثية.. مَعْلَم تاريخي وحضاري في جزر فرسان    «الداخلية»: ضبط 19024 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الكشافة السعودية تستعرض تجربتها في مكافحة التصحر بمؤتمر COP16    "التعاون الإسلامي" تشارك في اجتماع التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين في بروكسيل    "بلاغات الأدوية" تتجاوز 32 ألفًا في شهر واحد    ختام نهائيات الموسم الافتتاحي لدوري المقاتلين المحترفين في الرياض    «فيفا» يعلن حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034 على أعلى تقييم في التاريخ    أستراليا تحظر «السوشال ميديا» على الأطفال    «الإيدز» يبعد 100 مقيم ووافد من الكويت    باكستان تقدم لزوار معرض "بَنان" أشهر المنتجات الحرفية المصنعة على أيدي نساء القرى    انطلاق فعاليات معرض وزارة الداخلية التوعوي لتعزيز السلامة المرورية    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    مدني أبها يخمد حريقًا في غرفة خارجية نتيجة وميض لحظي    ندى الغامدي تتوج بجائزة الأمير سعود بن نهار آل سعود    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس واعضاء مجلس ادارة جمعية التوحد بالمنطقة    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    بالله نحسدك على ايش؟!    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"معسكر كندا" الفلسطيني منسي على الحدود المصرية الاسرائيلية . الحياة موقتة منذ 30 عاماً والزواج بالمشاهدة عبر الأسلاك الشائكة
نشر في الحياة يوم 05 - 07 - 1999

تقيم نحو 500 أسرة فلسطينية في "معسكر كندا" على الشريط الفاصل بين الحدود المصرية والاسرائيلية منذ العام 1973. وعلى رغم ان نصوص وملاحق معاهدة السلام بين مصر واسرائيل ألزمت الجانب الاسرائيلي ضرورة اعادة الاسر الفلسطينية طبقاً لجدول زمني كان مقرراً أن يكتمل منذ سنوات، إلا أن الدولة العبرية لم تنفذ تعهداتها، وبقي "معسكر كندا" رمزاً للمعاناة الانسانية، على رغم اشراف وكالة غوث اللاجئين عليه بالاتفاق مع الحكومة المصرية.
وبعد فوز حزب العمل في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة ظهرت بارقة أمل ووافقت السلطات الاسرائيلية على السماح لحوالي 100 أسرة بالعودة الى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية على أن تتولى الأخيرة توفير منزل لكل اسرة عائدة.
وتعود بدايات "معسكر كندا" الى ما بعد هزيمة 1967 عندما ألغت اسرائيل الحدود الفاصلة بين مصر وقطاع غزة إثر احتلالها شبه جزيرة سيناء، واخضعت المدن والقرى المصرية والفلسطينية للاشراف العسكري بناء على طلب الجيش الاسرائيلي الذي تولى إدارة هذه المناطق باعتبار أن الاوضاع فيها غير مستقرة وقابلة للانفجار في أي وقت. وبعد العام 1973 عمدت اسرائيل الى وضع العراقيل على أرض الواقع، والتلاعب في تركيبة السكان في منطقة الحدود مع مصر بهدف فرض مزيد من التشتت والتعقيد لضمان نزع فتيل أي محاولة يقوم بها السكان المصريون والفلسطينيون لاستهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي.
وكانت مدينتا رفح المصرية والفلسطينية مسرحاً للعبث الاسرائيلي عندما قررت السلطات الاسرائيلية إعادة التخطيط العمراني للمدينة الفلسطينية وإجراء توسعات للشوارع والميادين وشق الطرق الجديدة ، وشمل ذلك محاولة هدم نحو 500 منزل اعترضت خطة التنظيم، فأمهلت السلطات الاسرائيلية أصحاب المنازل شهراً كان الجيش الاسرائيلي خلالها قد انتهى من بناء مخيم موقت في رفح المصرية، وتحديداً على الشريط الحدودي الفاصل. ولم يجد الفلسطينيون أي وسيلة لمقاومة القرار الاسرائيلي، على رغم ان بعض الاسر انقسم افرادها الى قسمين: الاول يقيم في رفح الفلسطينية والثاني يقيم في "مخيم كندا" في رفح المصرية. وحتى العام 1982 لم تكن هناك معاناة اجتماعية لأن اسرائيل كانت لا تزال تشرف على بعض المدن المصرية حتى العريش باعتبارها آخر مراحل الانسحاب الاسرائيلي من سيناء طبقاً لنصوص اتفاق كامب ديفيد، وبعد 25 نيسان ابريل 1982 تصاعدت معاناة سكان "معسكر كندا" الانسانية، لأن الواقع الجديد أصبحت تخضع فيه رفح الفلسطينية للسيطرة الاسرائيلية، وتسلمت مصر مدينة رفح التي يقع على أرضها "معسكر كندا" وانتقلت مسؤولية الادارة الاسرائيلية للمعسكر الى مصر. ومُنح جميع سكان المعسكر وثائق سفر مصرية يتم تجديدها كل 6 أشهر بشكل موقت، حتى تنتهي إعادة السكان الى ديارهم في رفح الفلسطينية، وتعهدت الحكومة المصرية تقديم التسهيلات الممكنة لسكان المعسكر ابتداء من تزويده خدمات المياه والكهرباء والهاتف، وغير ذلك من الخدمات الضرورية مجاناً، وانتهاء بتوفير المدارس والرعاية الصحية والتأمين. كما سمحت الحكومة المصرية ايضاً، بقرار استثنائي، بإعفاء أبناء المخيم من طلاب الجامعات من الرسوم القانونية وان تطبق عليهم القواعد التي تطبق على المصريين، إضافة الى ان ابناء المعسكر ظل من حقهم التنقل داخل مصر وخارجها بحرية مطلقة من دون أي قيود.
تقع رفح على بُعد حوالي 500 كلم شمال القاهرة ، وأصبح الوصول اليها سهلاً بعد إنشاء طرق جديدة تستوعب الحركة السياحية والتجارية بين مصر واسرائيل من ناحية ومناطق الحكم الذاتي من ناحية أخرى. والواقع أن منفذ رفح البري يعد ثاني أهم ميناء خارجي للفلسطينيين. كما يمثل نقطة استراتيجية بالنسبة الى مصر بعد استرداده من اسرائيل في أعقاب احتلال دام سنوات طويلة.
وتشهد الطريق الرئيسية حركة نشطة للسيارات المخصصة لنقل الركاب والباصات والشاحنات الضخمة. وقطع المسافة بين القاهرة ورفح يستغرق حوالي خمس ساعات بالسيارة التي لا بد أن تعبر قناة السويس، إما من نفق الشهيد أحمد حمدي أو عن طريق "معديات" جهزتها هيئة قناة السويس في مدينة القنطرة شرق لتتولى نقل السيارات والشاحنات من الضفة الغربية الى الضفة الشرقية للقناة.
وبدأ العمران يدب في معظم المدن والقرى في سيناء التي ظلت سنوات طويلة خاضعة للاحتلال الاسرائيلي مما أدى الى تفريغها من السكان. وفي السنوات الأخيرة نظمت السلطات المصرية حملات لدعوة رجال الأعمال والمستثمرين الى الاستثمار في المدن والقرى في ربوع شبه جزيرة سيناء التي تتمتع بمزايا طبيعية، لذلك لا تزال المشاريع السياحية هي المجال الذي يستحوذ على 80 في المئة من الاستثمارات المصرية في سيناء، وتقدم الحكومة المصرية مزايا عدة لتشجيع الشباب على الإقامة والعمل في سيناء التي تعاني من انخفاض الكثافة السكانية فيها.
وللوصول الى رفح لا بد من المرور بمدينة العريش التي تمثل أكبر مدن شمال سيناء، كما أنها تعتبر العاصمة الإدارية للإقليم، وتتوفر فيها مختلف الخدمات المهمة من جامعات ومدارس ومستشفيات حديثة، فضلاً عن أنها من أهم المصايف التي تجذب اليها الطبقات المصرية المتوسطة.
وتطل العريش على شاطئ البحر المتوسط، وتمتاز مياهها بالنقاء ورمالها تعالج بعض الأمراض الجلدية. وتفصل العريش عن رفح مسافة تصل الى 70 كلم. وفي منتصف هذه المسافة تقع مدينة الشيخ زويد. وتقع مدينة رفح المصرية على شريط على ساحل البحر المتوسط طوله 13 كيلومتراً معظمها لا يزال بكراً لم يستغل سياحياً ويخضع لرقابة مشددة من حرس الحدود المصري.
ويمكن للزائر أن يلمس عدم الاستقرار والحساسية الأمنية في مدينة رفح التي تصل مساحتها الكلية الى حوالي 633 كيلومتراً تتخذ شكل مثلث في أحد أضلاعه يقع المنفذ الحدودي الذي يستخدمه الفلسطينيون وأجهزة السلطة الوطنية والرئيس ياسر عرفات، إذ قامت مصر بإعداد مطار رفح في الفترة الأخيرة ليكون بديلاً موقتا يستخدمه الشعب الفلسطيني الى حين الانتهاء من إجراءات تشغيل مطار غزة الدولي.
يصل تعداد سكان رفح المصرية، طبقاً لإحصاء العام 1998، الى 45 ألف نسمة يعيشون في ثلاثة أحياء رئيسية، ويقع "معسكر كندا" للاجئين الفلسطينيين على شكل مستطيل موازٍ للأحياء الثلاثة، وتتوافر سيارات صغيرة تتولى نقل المواطنين من ميدان صلاح الدين في قلب رفح الى المخيم الذي يبعد بضع دقائق عن وسط المدينة، والمعسكر لا يزال على حاله منذ أن أنشأه الجيش الاسرائيلي العام 1973، فكل مسكن عبارة عن غرفتين خرسانيتين وطابق واحد والمساكن متجاورة الى درجة الالتصاق وكان مخصصاً لكل اسرة غرفتا معيشة وردهة منذ أكثر من 25 عاماً من دون مراعاة لتزايد الكثافة السكانية داخل المعسكر، ولم يكن مسموحاً في الوقت نفسه ببناء توسعات جديدة مما فرض حالة من الضيق على العائلات الفلسطينية التي تقدمت للسلطات المصرية بطلبات لبناء مزيد من التوسعات لاستيعاب التزايد في عدد السكان، منذ أن انتقل الإشراف على المعسكر من اسرائيل الى مصر في العام 1982 وبذلت جهود لحل هذه المشكلة.
تعتبر الحياة داخل المعسكر روتينية، لأن الفلسطينيين غير مسموح لهم بامتلاك الاراضي الزراعية او ممارسة أي نشاط تجاري، وتتولى وكالة غوث اللاجئين توفير الحصص التموينية اللازمة لهم شهرياً، كما تنفق على المدارس والمستشفيات الخاصة بالمعسكر، ويتم تعيين جميع موظفي المدارس والأطباء من ابناء المعسكر او من الفلسطينيين عموماً، ويحصل هؤلاء على رواتبهم بالعملات الصعبة، لكن من يحصل على وظيفة يسقط حقه في الحصول على الحصص التموينية الشهرية مع أن الوظائف في المعسكر محدودة ويوجد عدد ضخم من ابناء المعسكر في صفوف البطالة لعدم توافر فرص التوظيف.
مع ذلك اضطرت السلطات المصرية الى السماح لشباب المعسكر بممارسة بعض الأنشطة التجارية في مدينة رفح، وتوجد حالياً سوق يطلق عليها "سوق صلاح الدين" في الشارع الرئيسي الذي يطل من آخره على بوابة الحدود المشتركة مع اسرائيل، وتضم هذه السوق حوالي 500 محل معظمها يعمل في تجارة السلع المصنعة داخل غزة ويستطيع أهل المعسكر ادخالها الى رفح، إما عن طريق المنفذ أو التهريب وهذه السلع التي يتركز معظمها في أنواع الشامبو الرخيص او الصابون او الأعشاب تجد طلباً متزايداً من السياح المصريين المترددين على سوق صلاح الدين خصوصاً اثناء العطلة الصيفية.
وأتاحت هذه الفرصة لأبناء المعسكر من الشباب كسباً يساعدهم في تدبير متطلباتهم اليومية. ويوجد وسط "معسكر كندا" سوق مدينة رفح التي يتردد عليها السكان من القرى المجاورة للتسوق حيث يباع كل شيء ومعظم التجار هم أبناء المعسكر أيضاً. وسمحت لهم السلطات المصرية بممارسة هذه الأنشطة تجنباً لانتشار الامراض الاجتماعية وساهم ذلك في تحقيق مزيد من الدمج بين أهالي رفح وسكان المعسكر الفلسطينيين، خصوصاً أن هناك تقارباً كبيراً في العادات والتقاليد، إضافة الى اللهجات.
وبمرور السنين أدى الاندماج الى حالات زواج مختلط بين الجانبين، كما هي الحال بالنسبة الى محمود حسنين 27 عاماً الذي جاء تعيينه مصادفة في مدرسة اعدادية في رفح على رغم أنه من ابناء حي شبرا في القاهرة، وبعد أن أمضى ثلاث سنوات جذبته الحياة الهادئة في رفح، فتزوج من إحدى تلميذاته من اهالي المعسكر.
والطريف أن محمود حسنين واجه مشكلة السكن فاضطر الى الإقامة مع عروسه في أحد منازل المعسكر التي أخلاها اصحابها بعد انتقالهم الى غزة. وتتكرر مثل هذه الزيجة أيضاً مع أبناء المعسكر الذين يتجهون الى الدراسة في الجامعات المصرية، لكن الظروف الاجتماعية الصعبة تترك آثارها النفسية على سكان المعسكر، لأن غالبية الاسر انقسمت الى قسمين: الأول يقيم في رفح الفلسطينية والثاني يقيم في "معسكر كندا"، وتفصل بين الجانبين الاسلاك الشائكة والدوريات العسكرية الاسرائيلية، ويوجد اتصال مباشر ومستمر عبر الاسلاك بين أفراد الاسرة، من خلال مكبرات الصوت أو بأن يقف كل طرف على "تبة" عالية حتى يتمكن من رؤية الطرف الآخر. وكانت هذه العملية تتم في يسر قبل عام 1996 عندما اندلعت الانتفاضة من جديد في غزة ورفح الفلسطينية ثم انتقلت مباشرة الى "معسكر كندا"، وحدث في ذلك الحين تراشق بالحجارة بين سكان المعسكر وقوات الاحتلال المكلفة مراقبة الحدود مع مصر.
وحاول بعض سكان رفح الفلسطينية اقتحام الحدود، ونجحوا فعلاً في عبور الاسلاك بعد مصادمات ادت الى مقتل ضابط اسرائيلي، وفي المقابل لجأت القوات الاسرائيلية الى استخدام الطائرات المروحية لمواجهة هذا التطور الحدودي مع مصر، وأدى ذلك الى مقتل ضابط شرطة مصري برتبة رائد بعد اطلاق القوات الاسرائيلية النار عليه بطريق الخطأ، ولولا الاعتذار الرسمي الذي قدمته السلطات الاسرائيلية للحكومة المصرية لاتسع نطاق هذه المواجهات ليشمل القوات المصرية المرابطة على الحدود.
كما صرع الرصاص الاسرائيلي احد اطفال "معسكر كندا" عند عودته من المدرسة اثناء تلك الأحداث، وشيّدت قوات حرس الحدود الاسرائيلية اثر ذلك سوراً خرسانياً مرتفعاً بطول الشريط الحدودي مع رفح المصرية لمنع الاتصال بين الفلسطينيين اعتقاداً منهم بأن عدم وجود هذا العائق أدى الى انتقال الانتفاضة من الاراضي الفلسطينية إلى الحدود المصرية، ومع ذلك مازالت الحوارات بين افراد الاسرة الواحدة تتم من فوق السور الخرساني الذي بُني قبل ثلاث سنوات. والطريف ان هناك حالات زواج بين الجانبين عبر الاسلاك الشائكة، اذ يشاهد الاقارب بعضهم في لقاءات عائلية ومحادثات جماعية، ويتم الاتفاق على الزواج الذي غالباً ما يتم في "معسكر كندا" بعد أن يحصل الشاب على تصريح زيارة ثم ينهي اجراءات الزواج مع عروسه ويعود بها الى الداخل مرة اخرى. كما توجد حالات انسانية صعبة، منها مثلاً حالة محمود التلميذ في الصف الثاني الثانوي الذي تركه والده مع والدته وشقيقه الاصغر في "معسكر كندا" بينما الاب يقيم في رفح الفلسطينية الى جانب شقيقاته البنات اللاتي يتعلمن في الجامعة وتجري لقاءات شبه يومية بين افراد الاسرة الواحدة عبر الاسلاك الفاصلة للحدود المصرية والاسرائيلية، إضافة الى الزيارات المتكررة للأب.
ويلاحظ ان معظم المقيمين في المعسكر حالياً إما اطفال صغار السن او شيوخ ونساء. أما الشباب فعددهم محدود. وتمكن بعضهم من العودة الى الداخل او نجح في الحصول على فرصة عمل في احدى الدول الخليجية.
ويقول هاني شعيب 26 سنة - من ابناء المعسكر: "أنهيت دراستي الجامعية في كلية التربية في العريش وبحثت عن فرصة عمل في مجال التدريس هنا في رفح من دون جدوى، فعملت مع شقيقي في محل في شارع صلاح الدين لكن دخله ايضا محدود، لندرة السياح، وتقدمت بطلب لزيارة غزة ونجحت في العودة اليها وهناك تقدمت بطلب استخراج هوية ثم حصلت على وعود بمساعدتي في العمل لدى اجهزة الامن التابعة للسلطة الفلسطينية وأزور المعسكر من وقت لآخر لأن باقي اهلي لا يزالون هنا، كما اني مرتبط بخطبتي لاحدى قريباتي".
ولاحظت "الوسط" ان معظم فتيات المعسكر يتوقفن عند نهاية الدراسة الثانوية لأن العادات والظروف لا تسمح لهن بالالتحاق بالجامعة في اي من المدن المصرية. ويعرف معظم سكان المعسكر بعضهم بعضاً معرفة دقيقة بسبب التقارب والظروف المتشابهة كما ان بعضهم اقارب وينتمون اصلا الى مناطق متجاورة.
ويعتبر جبر يونس فارس 70 عاماً اكبر سكان المعسكر سناً، وفي منزله البسيط جلس يروي ذكريات التهجير والى جانبه زوجته وبعض احفاده، علماً ان ابناءه الكبار بعد ان انهوا دراساتهم الجامعية انتقل بعضهم للعمل داخل اجهزة السلطة الفلسطينية، ويعمل بعضهم في دول الخليج بينما يعيش مع زوجته وبناته المتزوجات والمقيمات في المعسكر.
يقول فارس: بعد العام 1967 صادرت اسرائيل جميع اراضي القطاع الذي كنا نقيم فيه، وبدأت اعادة بناء وهدم المدن على طريقتها الخاصة وكان الاسرائيليون يخصصون المدن والمواقع المتميزة لتكون معسكرات "وكيبوتسات" للمهاجرين اليهود، وبذلك استولوا على كثير من الاراضي الفلسطينية حتى فوجئنا العام 1973 بالجرافات تهدم بعض الشوارع والاحياء في رفح وبعد ايام ابلغتنا السلطات أن منازلنا تعوق خطة توسعه المدينة، وعلينا ان نرحل بسرعة الى معسكر قريب في رفح المصرية حتى يتمكنوا من تدبير مساكن بديلة، ولم يكن امامنا سوى الاستسلام. انتقلنا الى المعسكر الجديد اعتقاداً منا بأنها عملية موقتة، وظلت الحال على ذلك الى ان تسلمت مصر المنطقة في 1982 ووجدنا انفسنا خارج الوطن.
واضاف لكن المعاملة الطيبة التي تلقيناها من جانب السلطات المصرية لم تشعرنا بالغربة، باستثناء الانقسام الاسرى ومنع الاتصال بين افراد الاسرة الواحدة فهذا الامر كان ولا يزال سيئاً ومؤلماً، خصوصاً ان اجراءات الحصول على موافقة السلطات الاسرائيلية لزيارة الاهل مسألة غاية في التعقيد ومرتفعة الكلفة، إذ تصل المبالغ التي يجب ان يسددها كل من يرغب في رؤية اهله الى حوالي 500 جنيه مصري وهو يعد مبلغاً كبيراً لأن المسافة الفاصلة بين الطرفين لا تزيد على كيلو مترين، وإذا توجه الشخص الى زيارة اسرته في رفح لابد ان يعود في فترة اقصاها 6 اشهر، وهو موعد تجديد اقامته مع المعسكر لدى السلطات المصرية، وإذا تخلف يسقط حقه في الاقامة في المعسكر، وعليه ان يبحث عن مكان وهي مسألة معقدة، وعلى رغم كل هذه الظروف الصعبة التي يواجهها سكان المخيم، إلا أن هناك حالة من الانسجام والتكيف مع الاوضاع حتى ان معظم السكان يشعرون بالفرح المخلوط بالحزن نتيجة عودة حوالي 100 اسرة اخيراً دفعة واحدة والاسراع في تنفيذ الجدول الزمني لإعادة سكان المخيم.
لمعسكر كندا إدارة مستقلة تتخذ مبنى فسيحاً مقراً، يضم مدرسة متكاملة للمراحل من الروضة حتى الثانوية وفي كل فصل دراسي مكان خاص بالاولاد وآخر للبنات، وتصل كثافة الفصول الى حوالي 30 تلميذاً للفصل الواحد في المتوسط.
داخل المعسكر قابلت "الوسط" مديره الحالي عبد الله ابو غالي فلسطيني الذي يعد المدير الرابع منذ انشاء المعسكر حتى الآن، ويتقاضى راتبه من وكالة غوث اللاجئين التي زودته اخيراً جهازاً لاسلكياً يستطيع من خلاله الاتصال المباشر بأقرب مركز للوكالة في الدول المجاورة لطلب المعونات او المساعدات العاجلة، كما انه يقوم بتقديم تقرير دوري للوكالة عن احوال المعسكر والمتطلبات اللازمة لسكانه والاشراف على توزيع الحصص التموينية، كما يخضع المدير للادارة المصرية ويلتزم التنسيق معها في كل ما يجري داخل المعسكر.
وقال ابو غالي إن المعسكر بدأ في 1973 بايواء 496 اسرة تعرضت منازلها للهدم، وكان عدد سكان المعسكر في ذلك الوقت نحو 6 آلاف شخص، وكانت السلطات الاسرائيلية ملتزمة إعادة جميع الاسر طبقاً لجدول زمني، الا انه حدثت تطورات سياسية ترتب عليها عدم التزام اسرائيل باعادة الأعداد المتفق عليها مع السلطات المصرية، ولكن في الفترة الاخيرة نشطت عمليات العودة وسجلت الارقام عودة 203 اسر، والباقون في طريقهم للعودة على مراحل حتى بداية العام 2001، علماً انه يتم اولاً بأول هدم المنازل التي يغادرها اصحابها.
ويقول ابو غالي: "إن عدداً كبيراً من الشباب نجحوا في العودة الى غزة منذ العام 1994، ولي شخصياً ابناء يقيمون حالياً هناك، فبعد ان انهوا دراساتهم الجامعية في القاهرة تقدموا بطلب زيارة وهناك استخرجت لهم السلطة الفلسطينية بطاقات هوية خصوصاً انهم كانوا مسجلين في قوائم المواليد المحفوظة في اجهزة الكمبيوتر الاسرائيلية.
ويضيف ان السلطات الاسرائيلية تلتزم توفير قطعة ارض مساحتها تصل الى 250 متراً لكل اسرة عائدة، كما ان الحكومة الكندية خصصت 12 الف دولار لكل اسرة بهدف المساهمة في بناء منازل جديدة، وسمحت اسرائيل بعودة فرد واحد معه ثلاثة مرافقين من كل اسرة تقررت عودتها وتكون مهمتهم بناء المنزل، وبعد الانتهاء من اعمال البناء تتجه لجنة لمعاينته ثم تسمح بعد ذلك بعودة باقي افراد الاسرة، ومع ان هذه الطريقة تستغرق وقتاً طويلاً الا انها الوسيلة الوحيدة المتاحة امام سكان "معسكر كندا"، فضلاً عن ان هناك مشكلة تواجه العائدين بسبب ارتفاع كلفة البناء داخل مناطق الحكم الذاتي، ولكن تعاون العائلات في ما بينها يخفف من تلك الازمة ويساهم في بناء منازل العائدين.
فالسلطات الاسرائيلية خصصت ضاحية في منطقة تل السلطان داخل رفح الفلسطينية وأطلق عليها اسم "حي كندا" ليكون موقعاً لبناء منازل العائدين.
وقال ابو غالي: نأمل بأن تستمر عمليات اعادة الاسر كما هو متفق عليه وفي الموعد المقرر حتى تنتهي اطول عملية ابعاد للمواطنين الفلسطينيين الذين دفعوا ثمناً باهظاً لمغامرات اسرائيلية ليس لهم ذنب بها، كما ان المعسكر شهد اجيالاً ولدت ونشأت بعيداً عن وطنها الذي تشاهده يومياً على بعد امتار وهي غير قادرة على العودة اليه.
اما الجانب المصري فقد تعامل دائماً بهدوء مع مشكلة "معسكر كندا"، وحاولت السلطات المصرية ان تساهم في التخفيف من معاناة الفلسطينيين الذين ابعدوا عن ديارهم. يقول اللواء خيري حسين رئيس مدينة رفح: ان مصر كانت حريصة على ان تلبي الاحتياجات اللازمة للمعسكر وتزويده مياه الشرب النقية وتوفير الحماية والامن للسكان والسماح لهم بممارسة بعض الانشطة التجارية حتى يتمكنوا من تدبير احتياجاتهم، كما اننا لم نحصل من المعسكر طوال سنوات وجوده على اي رسوم في مقابل الخدمات وتشمل الهاتف والكهرباء ومياه الشرب، إضافة الى توفير الخدمات الطبية المجانية لسكان المخيم كافة، ونتحرك بسرعة لحل اي مشكلة تواجههم فور ابلاغنا، فبمرور السنين اصبحنا لا نشعر بفرق بين سكان "معسكر كندا" وباقي سكان رفح.
ويضيف: ان معظم المعسكر يرتبط بعلاقات اسرية وعائلية ولذلك يسيطر عليه الهدوء الأمني وتختفي الجريمة تقريباً منه، باستثناء بعض الخلافات العادية.
كما ان مدينة رفح المصرية ترتبط باتفاقية إخاء وتوأمة مع رفح الفلسطينية، وهناك زيارات متبادلة بين المسؤولين من الجانبين، وستشهد الفترة المقبلة مزيداً من التنسيق والتعاون في مختلف المجالات، خصوصاً ان هناك تقارباً بين المدينتين، وبعد ان ينتهي انتقال "معسكر كندا" الى داخل الاراضي الفلسطينية سيظل المواطنون الفلسطينيون يتمتعون بحرية المرور والتجارة مع رفح المصرية، اذ تم رصد حوالي 25 مليون جنيه مصري لتطوير ميناء رفح لاستيعاب الحركة التجارية والسياحية في الفترة المقبلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.