يعيش سكان مدينة رفح المصرية الحدودية رعباً يومياً نتيجة القصف الاسرائيلي المستمر لرفح الفلسطينية على الجانب الآخر من الحدود. ويلزم سكان المدينة، وعددهم نحو 40 ألفاً، منازلهم في معظم الاوقات ويحاذرون الخروج ليلاً خوفاً من تعرضهم للرصاص الاسرائيلي العشوائي، الذي أصاب فعلاً الكثير من منازل المدينة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. وتشكل المدينة امتداداً لمنطقة رفح في قطاع غزة، ولا يفصل بين المدينتين، الفلسطينية وشقيقتها المصرية، سوى شريط شائك. وفي الشهرين الماضيين أدت عمليات القصف الإسرائيلي للجزء الفلسطيني من رفح إلى الاضرار بمنازل ومبانٍ حكومية في رفح المصرية. وسقط أسقف الكثير من المنازل وتحطمت نوافذ عشرات المنشآت الحكومية والمباني جراء الرصاص المتطاير من القصف الاسرائيلي للمنازل في رفح الفلسطينية. كما قُتل مجندٌ مصري برصاص القوات الاسرائيلية على خط الحدود بين مصر وقطاع عزة في كانون الثاني يناير الماضي وأصيب عشرة آخرون من سكان منطقة الحدود برصاص اسرائيلي طائش منذ بدء الانتفاضة. وفي معظم الايام تضطر المدارس المصرية القريبة من خط الحدود الى الغاء طابور الصباح او تقليصه حتى لا يصاب احد من الطلاب، إذ لا تبعد احدى المدارس اكثر من 100 متر من الحدود الشائكة التي تفصل حدود مصر عن غزة. وتعيش رفح المصرية حالاً من الكساد. إذ كان تجار المدينة يعتمدون على الفلسطينيين المترددين على معبر رفح الحدودي والذين كانوا يحملون السلع المصرية الى غزة. ويقول احد التجار إنه نتيجة حظر السلطات الاسرائيلية في معبر رفح حمل المسافرين كميات من البضائع الاستهلاكية التي تشمل المعلبات وبعض الاغذية تراجعت المبيعات في شكل لافت، الى جانب الاغلاق المستمر للمعبر. وفي شارع صلاح الدين الذي كان يعد أهم شارع تجاري في رفح، هناك اغلاق شبه تام لمعظم المتاجر. كما يشمل الكساد سائقي سيارات الاجرة التي يصل عددها الى 250 سيارة والتي كانت تعمل على خطوط منتظمة بين رفح ومختلف محافظات مصر. وأكد مسؤول حدودي مصري أن الأنفاق التي تعلن اسرائيل عن اكتشافها قرب الحدود المصرية لا تصل الى مصر وان عمليات البحث التي تقوم بها الدوريات المصرية باستمرار لم تكشف عن وجود فتحات لهذه الأنفاق في الجانب المصري، لافتاً الى أن هناك تنسيقاً بين مصر واسرائيل والسلطة الفلسطينية في شأن الانفاق التي تم اكتشافها بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية وان مصر تقوم باغلاق اي انفاق تصل اليها. وأوضح ان الأجهزة المصرية وتلك التابعة للسلطة الفلسطينية دمرت أكثر من 25 نفقاً عندما تسلمت السلطة الفلسطينية مناطق الحكم الذاتي. ولكن عندما بدأت عمليات التوغل الاسرائيلي وهدم منازل الفلسطينيين في الشريط الحدودي بين مصر وغزة زعمت اسرائيل اكتشاف انفاق عدة وتم تدميرها بالكامل. وأفاد المسؤول ان الأنفاق التي سبق اكتشافها وتدميرها يراوح عمقها بين 12 متراً و17 متراً ويصل طولها الى نحو 250 متراً، مؤكداً أنه تم تعزيز الوجود الامني المصري في المنطقة الحدودية بعد ضبط محاولات عدة لتهريب السلاح لأن المهربين يستغلون ان المنطقة غير مأهولة بالسكان. وتشهد منطقة مخيم كندا عمليات تهريب سلاح يقوم بها مهربون فلسطينيون أوقف عدد منهم اثناء محاولاتهم تهريب اسلحة الى غزة. وجرى في حزيران يونيو من العام الماضي تبادلٌ لاطلاق النيران بين اربعة مهربين فلسطينيين والشرطة المصرية اثناء محاولاتهم تهريب كميات كبيرة من السلاح الآلي وقاذفتين صاروخيتين الى غزة. وأعلنت اسرائيل في نيسان ابريل 2002 اكتشاف نفق يربط بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية بدعوى استخدامه في تهريب الاسلحة، الا انه في الواقع مجرى لنفق قديم ينتهي في منتصف الحدود بين مصر وغزة. وتؤكد المصادر المصرية ان هذا النفق يقع في منطقة قريبة من حي البرازيل في رفح الفلسطينية ولا يصل الى الجانب المصري، كما ان مساحته لا تتسع الا لمرور فرد واحد. وشددت على ان الحفر في هذا النفق المزعوم بدأ من الجانب الفلسطيني ولم يكتمل لأسباب غير معلومة. كما زعمت اسرائيل في ايار مايو قبل الماضي اكتشاف نفق يبدأ من حمام في احد المنازل المهجورة في رفح الفلسطينية طوله 250 متراً واكتشاف نفق آخر تهدم على ثلاثة فلسطينيين اثناء حفره. ومعلوم ان السلطات المصرية قامت في وقت سابق بالاتفاق مع منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" بهدم منازل الفلسطينيين الملاصقة للحدود على الجانب المصري في مخيم كندا للاجئين الفلسطينيين ونقلهم الى منطقة تل سلطان في غزة لهدم اي انفاق قد تكون موجودة في المنطقة. ودأبت اسرائيل على اتهام مصر بتهريب اسلحة الى الفلسطينيين عبر انفاق عميقة تربط رفح المصرية ورفح الفلسطينية. وأدى الحصار الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية وصعوبة انتقال البضائع الى انحصار حركة التجارة للبضائع الفلسطينية والمصرية على الحدود بين مصر وغزة والتي كانت نشطة في الماضي وتوفر الكثير من حاجات الشعب الفلسطيني المحاصر، اذ كان معظم المترددين على معبر رفح يحملون معهم البضائع المصرية نظراً الى قلة البضائع المتوافرة في مناطق الحكم الذاتي وإجبارهم على شراء بضائع إسرائيلية. وعلى حواجز معبر رفح الحدودي وخارج أسواره اختفت البضائع المصرية التي كانت تباع للفلسطينيين. اذ كانت هناك سوقٌ تضم كل شيء من أجهزة الخلوي والملابس والأحذية ومستحضرات التجميل وغيرها حيث عشرات من العابرين للمعبر يومياً يأتون بالبضائع الفلسطينية ويعودون بالبضائع المصرية التي تباع في السوق الحرة في المعبر وأسواق رفح. ويقول الفلسطيني "أبو جهاد": "كنا في الماضي نتردد على المعبر مرات عدة في الأسبوع، وأحياناً أخرى نتعرض للمضايقات من الجانب الإسرائيلي بخاصة في عمليات العبور للوصول إلى الجانب المصري لشراء بعض السجائر والمعلبات والعودة بها في اليوم نفسه إلى غزة. أما الآن فإننا لا نتمكن من العبور إلا مرة كل شهر بل أحياناً لا نستطيع المرور نتيجة الإجراءات الإسرائيلية المشددة". ويصل الفلسطينيون إلى مصر بموجب تأشيرة يحصلون عليها من السفارة المصرية في إسرائيل. ويعيش في رفح المصرية ومناطق أخرى شمال سيناء نحو ثلاثة آلاف فلسطيني في ظروف صعبة منهم في خيام من الخيش في مناطق جبلية بلا تعليم أو أي خدمات تذكر. ويقول عبدالستار أحمد، شيخ الفلسطينيين في شمال سيناء، عضو لجنة الشتات ان الفلسطينيين وصلوا إلى مصر في موجات بين حربي 1948 و1956 وحصلوا على إقامات دائمة من الحكومة المصرية وارتبطوا بعلاقات نسب ومصاهرة مع المصريين، وساءت أوضاعهم مع الحصار الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية وتوقف وصول المساعدات التي كانت تصلهم شهرياً من أقاربهم في الأراضي الفلسطينية.