جاء إقرار الموازنة الاتحادية لدولة الامارات العربية للعام 1999 متأخراً ستة أشهر، وهي تضمنت عجزاً مقداره 2482 مليون درهم 676 مليون دولار بزيادة 1.41 في المئة عن عجز موازنة العام 1998 البالغ 1758 مليون درهم، وهي زيادة كبيرة ناتجة عن زيادة النفقات بمقدار 1517 مليون درهم، من 21393 الى 22910 ملايين درهم 6242 مليون دولار وبنسبة 1.7 في المئة، وكذلك الايرادات بمقدار 793 مليوناً من 19635 الى 20428 مليون درهم 5566 مليون دولار وبنسبة نحو 4 في المئة. وهكذا ارتفعت نسبة العجز الى مجموع النفقات من 2.8 في المئة العام 1998 الى 8.10 في المئة عام 1999. وتركزت الزيادات الكبيرة في النفقات على ثلاثة قطاعات رئيسية، هي: أولاً: قطاع البناء، وقد اعطت الحكومة الاولوية لإنشاء مساكن شعبية لمواطني الامارات، وقررت تخصيص مبالغ كافية لها تبلغ 7.929 مليون درهم في مقابل 165 مليون درهم في موازنة 1998. وخصص 640 مليون درهم لمشروع الشيخ زايد للاسكان، وهو احد المشاريع الجديدة التي يتم ادراجها للمرة الاولى. ثانياً: قطاع التعليم، وقد ارتفعت مخصصاته في موازنة 1999 الى 4.4845 مليون درهم بزيادة 395 مليون درهم على مخصصات 1998 التي بلغت 7.4450 مليون درهم. ثالثاً: الاستثمار، وزادت المبالغ المخصصة لتنفيذ المشاريع بمقدار 1.534 مليون درهم، الى 1.1877 مليوناً مقارنة مع 1343 مليون درهم في موازنة العام 1998، الامر الذي يعكس "اهتمام الحكومة بتنفيذ اكبر نسبة من المشاريع"، حسب وزير الدولة لشؤون المال والصناعة محمد خرباش الذي أكد ان الحكومة "لن تلجأ الى الاقتراض من الاسواق المحلية او الخارجية او الى فرض رسوم او ضرائب جديدة لتغطية العجز الذي يعتبر الاعلى منذ منتصف الثمانينات". مشيراً الى ان الموازنة الاتحادية لا تتأثر بانخفاض اسعار النفط وارتفاعها على رغم تأثير ذلك على الاوضاع المالية عموماً في الدولة والدول النفطية الاخرى، وقال "ان الموازنة تعتمد في تمويلها على مساهمة الحكومات المحلية وايرادات الوزارات والهيئات الحكومية". وكان تحسن اسعار النفط في العام 1997 انعكس على موازنة 1998 لتسجل اعلى موازنة في السنوات الاخيرة. وبلغت جملة المصاريف فيها 21393 مليون درهم 85.5 مليار دولار في مقابل 19635 مليون درهم للايردات والعجز 1758 مليون درهم. وفي هذا المجال، وتحت عنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية"، اشار تقرير اعده صندوق النقد الدولي الى ان دولة الامارات هي من بين اقل الدول المصدرة للنفط في الشرق الاوسط تأثراً بتراجع اسعار النفط عالمياً مقارنة بدول اخرى. وحول الايرادات النفطية الحكومية الى اجمالي الايرادات اشار تقرير صندوق النقد الدولي الى ان متوسطات 1996 - 1997 في الامارات تصل الى 72 في المئة، في مقابل 77 في المئة في السعودية، و74 في المئة في الكويت، و76 في المئة في سلطنة عمان، و66 في المئة في قطر، و70 في المئة في اليمن، و12 في المئة في مصر و58 في المئة في إيران. اما بالنسبة الى الايرادات النفطية الحكومية الى الناتج المحلي الاجمالي خلال 1998، فأشار صندوق النقد الى ان النسبة في الامارات تقدر بحوالي 4.16 في المئة، في مقابل 3.19 في المئة في السعودية، و7.37 في المئة في الكويت، و8.26 في المئة في قطر، و4.23 في المئة في سلطنة عمان. وأوضح تقرير وضعته وزارة التخطيط ان حجم الناتج المحلي الاجمالي بلغ في العام 1997 ما قيمته 180 مليار درهم، وسجل نمواً نسبته 4.2 في المئة مقارنة بالعام 1996، لكنه انخفض في العام 1998 الى 170 مليار درهم، بسبب تراجع اسعار النفط. وتتوقع وزارة التخطيط في الامارات ان يرتفع الناتج المحلي الاجمالي ليصل الى 176 مليار درهم في العام 1999 بسبب تحسن تدريجي في اسعار النفط، وكذلك ستستمر القطاعات غير النفطية في النمو حيث يتوقع ان تحقق ناتجاً محلياً قدره 137 مليار درهم، في مقابل 133 ملياراً العام 1998، ونحو 127 ملياراً العام 1997، ونحو 119 ملياراً العام 1996. ويبدو ان وزير التخطيط الشيخ حميد بن أحمد المعلا، متفائل بقدرة اقتصاد دولة الامارات، بما لديه من امكانات تكمن في القطاعات الانتاجية غير النفطية التي تزداد رسوخاً من خلال المشاريع المشتركة. ويستند الوزير الاماراتي في تفاؤله الى الارتفاع المستمر في الناتج المحلي الاجمالي، من دون قطاع النفط، اذ قفز من 119 مليار درهم العام 1996 الى 127 ملياراً العام 1997، ثم الى 133 ملياراً العام 1998، وهي نتائج مشجعة تبرز اهتمام الدولة بتلك القطاعات، ومحاولة الابتعاد عن الاعتماد على النفط الخام كمنتج وحيد. ومن خلال هذا التطور تبرز مؤشرات ايجابية عدة، اهمها: أولاً: تطور قطاع الصناعات التحويلية الذي ساهم بأعلى نسبة في الناتج المحلي، اذ حقق نحو 2.15 في المئة، الامر الذي يساهم في خلق قطاع صناعي قادر على قيادة مسيرة التنمية في البلاد، وفي هذا المجال تبرز صناعة البتروكيماويات والغاز كأحد الانشطة الصناعية المهمة. ثانياً: تطور قطاع تجارة الجملة والتجزئة وخدمات الاصلاح، وقد حقق ما نسبته 4.15 في المئة من الناتج المحلي، وهو قطاع ترجع اهميته الى انه يزود عملية التنمية بما تحتاجه من السلع الرأسمالية والوسيطة والمواد الاولية كما انه يلبي الاحتياجات السكانية المتزايدة من السلع الاستهلاكية، ويضطلع القطاع الخاص بغالبية النشاط التجاري في الدولة، ويساهم مع القطاع الحكومي من خلال بعض المؤسسات مثل المؤسسة العامة لتسويق المنتجات النفطية ومراكز التسويق الزراعي. ثالثاً: تطور قطاع العقارات وخدمات الاعمال، وقد حقق ما نسبته 7.13 في المئة من الناتج المحلي للعام 1998، ما يعكس اهتمام الدولة بالاسكان الفاخر والشعبي وحرصها على توفير المساكن الملائمة. رابعاً: تطور قطاع التشييد والبناء، وقد ارتفعت مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي في العام 1998 مقارنة بعام 1997، اذ بلغت 2.12 في المئة. مما يدل على الحركة العمرانية الواسعة التي تشهدها دولة الامارات في جميع الانشطة الاقتصادية والاجتماعية متمثلة في الطرق والموانئ والمطارات والمستشفيات والمدارس والمباني الحكومية والمشاريع الصناعية والزراعية. خامساً: تطور قطاع النقل والتخزين والاتصالات، وقد حقق ما نسبته 2.9 في المئة من اجمالي الناتج المحلي من دون النفط ويرجع ذلك الى ضخامة حجم الاستثمارات التي وجهت الى هذا القطاع باعتباره احد ركائز التنمية في الدولة. واضافة الى تلك المؤشرات الايجابية، تبرز اهمية الجانب الاستثماري، حيث ارتفع حجم الاستثمارات الثابتة المنفذة في العام 1998 الى 49 مليار درهم، وبلغت نسبة الاستثمارات الثابتة الى الناتج المحلي الاجمالي نحو 9.28 في المئة وهي نسبة تعبر عن اهتمام الدولة بالجانب الاستثماري وتحافظ على قوة دفع عملية التنمية. وكنتيجة طبيعية للدور الذي اضطلعت به الحكومة في دفع النمو عن طريق تخصيص الاستثمارات لمختلف الانشطة الاقتصادية، فقد حققت الاستثمارات الحكومية ما نسبته 5.27 في المئة من جملة الاستثمارات المحققة العام 1998، ونفذت مشاريع الخدمات العامة كالصحة والتعليم والمرافق العامة ومشاريع النقل والمواصلات والاسكان، وساهم القطاع العام بنسبة 1.32 في المئة من جملة الاستثمارت في العام نفسه. ومن خلال تحليل الهيكل القطاعي للاستثمارات يتضح ان هناك خمسة قطاعات نفذت 75 في المئة من استثمارات الدولة، ويأتي قطاع العقارات وخدمات الاعمال في مقدمتها بنسبة 4.20 في المئة من جملة الاستثمارات. وشملت تشييد البنايات السكنية الحديثة والفلل الفاخرة، ويقوم القطاع الخاص بالعمل في هذه النوعية من الاسكان لما تحققه من عائد مالي مرتفع وسريع بينما ركزت الحكومة استثمارتها في مجال مشاريع الاسكان الشعبي تلبية للاحتياجات السكنية للاسر المواطنة.