على رغم الأزمات الاقتصادية في دول جنوب شرقي آسيا، وانخفاض أسعار الفوائد العالمية، وتراجع أسعار النفط، حقق القطاع المصرفي في دولة الامارات العربية المتحدة نتائج جيدة في العام 1998 على صعيد الأرباح والأداء المالي، اذ تراوح نمو الأرباح بين 20 و30 في المئة، وأكد جوعان سالم الظاهري وكيل دائرة مالية أبو ظبي "ان القطاع المصرفي لم يتأثر مطلقاً بالأزمات المالية العالمية، نظراً الى ارتباط بنوك الدولة بالأداء الاقتصادي المحلي وعدم اعتمادها على تعاملات مصرفية خارجية "لكنه حذر في الوقت نفسه" من امكانية حدوث تأثير سلبي محدود لهذه الأزمات على القطاع المصرفي والمالي في الدولة على المدى البعيد". ويأتي هذا التحذير الاماراتي، خلافاً لتحذير صندوق النقد الدولي من أن العديد من الدول المصدرة للنفط، ستواجه ضغوطاً في ما يتعلق بالموازنات المالية في المدى القصير والمتوسط، في حال استمرت أسعار النفط عند مستوياتها المتدنية الحالية. ولكن الصندوق، اشار في تقرير أعده تحت عنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية" الى أن دولة الامارات هي بين أقل الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط، تأثراً بتراجع أسعار النفط عالمياً مقارنة بدول أخرى. وقال التقرير ان قطر ستكون الأقل تأثراً، حيث تصل النسبة لديها الى 3.2 في المئة، تليها الامارات بنسبة 5.5 في المئة، ثم البحرين 5.7 في المئة والسعودية 7.9 في المئة، والكويت 8.5 في المئة، في حين أن سلطنة عمان هي الأكثر تضرراً بنسبة تراجع قدرها 10 في المئة. وحول الايرادات النفطية الحكومية الى اجمالي الايرادات أشار تقرير صندوق النقد الدولي الى أن متوسطات 1996 1997 في الامارات تصل الى 72 في المئة، في مقابل 77 في المئة في السعودية، و74 في المئة في الكويت، و76 في المئة في سلطنة عمان، و66 في المئة في قطر، و70 في المئة في اليمن، و12 في المئة في مصر و58 في المئة في ايران. أما بالنسبة الى الايرادات النفطية الحكومية الى الناتج المحلي الاجمالي خلال 1998، فأشار صندوق النقد الدولي الى أن النسبة في الامارات تقدر بحوالي 16.4 في المئة في مقابل 19.3 في المئة في السعودية، و37.7 في المئة في الكويت، و26.8 في المئة في قطر، و23.4 في المئة في سلطنة عمان. وقد اهتمت حكومة دولة الامارات بتحذير صندوق النقد الدولي على أساس أن ايرادات النفط لا تزال تؤدي دوراً مهماً في اقتصادها، مع العلم ان أسعار النفط العالمية تراجعت في العام 1997 بنسبة 6 في المئة عن مستوياتها في العام 1996، ثم تراجعت بشكل حاد في العام 1998 بنسبة 36 في المئة، فتأثر بذلك الناتج المحلي الاجمالي، والفائض في الميزان التجاري وحجم الادخار القومي. وأوضح تقرير وضعته وزارة التخطيط أن حجم الناتج المحلي الاجمالي بلغ في العام 1997 ما قيمته 180 مليار درهم، وسجل نموا نسبته 2.4 في المئة مقارنة بالعام 1996، لكنه انخفض في العام 1998 الى 170 مليار درهم، بسبب تراجع أسعار النفط. وتتوقع وزارة التخطيط في الامارات ان يرتفع الناتج المحلي الاجمالي ليصل الى 176 مليار درهم في العام 1999 بسبب تحسن تدريجي في أسعار النفط، وكذلك ستستمر القطاعات غير النفطية في النمو حيث يتوقع ان تحقق ناتجاً محلياً قدره 137 مليار درهم، في مقابل 133 ملياراً العام 1998، ونحو 127 ملياراً العام 1997، ونحو 119 ملياراً العام 1996. الأداء المصرفي وفي ظل تلك التطورات، تبرز أهمية الجانب الاستثماري، حيث ارتفع حجم الاستثمارات الثابتة المنفذة في العام 1998 الى 49 مليار درهم فيما بلغ في العام ما قبله 48.7 مليار درهم وبلغت نسبة الاستثمارات الثابتة الى الناتج المحلي الاجمالي نحو 28.9 في المئة وهي نسبة تعبر عن اهتمام الدولة بالجانب الاستثماري وتحافظ على قوة دفع عملية التنمية. وكنتيجة طبيعية للدور الذي اضطلعت به الحكومة في دفع النمو عن طريق تخصيص الاستثمارات لمختلف الأنشطة الاقتصادية، فقد حققت الاستثمارات الحكومية ما نسبته 27.5 في المئة من جملة الاستثمارات المحققة العام 1998، ونفذت مشاريع الخدمات العامة كالصحة والتعليم والمرافق العامة ومشاريع النقل والمواصلات والاسكان وساهم القطاع العام بنسبة 32.1 في المئة من جملة الاستثمارات في العام نفسه، وهو القطاع الذي تغلب عليه مشروعات قطاع النفط الخام ومشاريع التنقيب والتطوير. وقد استفادت المصارف العاملة في الامارات من هذه التطورات وسجلت ارباحاً جيدة، انعكست في نتائج مؤشرات عدة أهمها: أولاً: ارتفاع الموازنة المجمعة للمصارف من 210.88 مليار درهم 57.5 مليار دولار بنهاية العام 1997 الى نحو 222.57 مليار درهم بنهاية ايلول سبتمبر 1998. ثانياً: زيادة رأس المال والاحتياطات، وقد تبين من النشرة الاحصائية الفصلية للربع الثالث من العام الماضي والصادرة عن المصرف المركزي الاماراتي ان هذا البند زاد خلال ثلاثة أشهر حزيران - أيلول 1998 بمقدار 1.6 مليار درهم ليصل الى 27.8 مليار درهم. ثالثاً: ارتفاع نسبة الائتمان المصرفي الاقراض بمقدار 7.31 مليار درهم وبنسبة 6.5 في المئة خلال ثلاثة أشهر ليبلغ بنهاية أيلول سبتمبر الماضي 120.35 مليار درهم. وسبق ان اصدرت وكالتان للتصنيف الائتماني هما "موديز" و"ستاندرد أند بورز" درجات متفاوتة للبنوك الاماراتية ولكنهما اتفقتا على قدرة الامارات على مواجهة انخفاض أسعار النفط، في حين قالت موديز ان بنوك الامارات ستواجه أوقاتاً عصيبة بسبب ضعف الاقتصاد المحلي، منحت ستاندرد أند بورز درجات جيدة لعدد من البنوك الوطنية. وذكرت موديز ان بنوك الامارات ستتأثر بانخفاض الأسعار وتراجع عمليات التصدير بسبب الأزمة الآسيوية، ولكنها قالت ان الدولة أكثر قدرة على التعايش مع انخفاض أسعار النفط لأن اقتصادها أكثر تنوعاً ولديها احتياطات مالية ضخمة تمكنها من تحمل انخفاض أسعار النفط على المدى القصير. ورد محافظ مصرف الامارات المركزي سلطان ناصر السويدي موضحاً ان "هذه المؤسسات لها أساليبها في التحليل والتقييم للأوضاع في كل دولة. وأشير الى أن هاتين المؤسستين قامتا من قبل بتقييم كوريا على انها قوية اقتصادياً ومالياً ولكن الوضع الاقتصادي تدهور فيها بشكل كبير، ولكن لا يجب أن ننكر أن الوضع الاقتصادي العالمي اثر على الطلب على النفط وهذا أثر بدوره على عائدات دولة الامارات وسيخلق صعوبات. ولكن الاقتصاد الوطني قادر على التكيف مع هذا الانخفاض". وأضاف السويدي: "نحن نتكلم عن النظام المصرفي الذي يمثل عجلة الاقتصاد لأي دولة فالبنوك قادرة على تأجيل عمليات الاقراض وعدم التوسع فيها في هذه المرحلة. وبهذه الطريقة ستكون البنوك قادرة على التكيف وموازنة عمليات الاقراض بحيث يكون التأثير على الاقتصاد الكلي معقولاً". وذكر المصرف المركزي في تقرير رسمي ان صافي الائتمان المحلي زاد بمقدار 6.05 مليار درهم وبنسبة 6.3 في المئة ليصل الى 102.55 مليار درهم في نهاية أيلول سبتمبر الماضي في مقابل 96.51 مليار درهم بنهاية الربع الثاني من العام 1998. ولفت في تحليل لصافي مكونات الائتمان المحلي خلال الفترة قيد المقارنة الى أن الائتمان الممنوح للقطاع الخاص زاد بمقدار 6.28 مليار درهم وبنسبة 6.7 في المئة ليصل الى نحو 102 مليار درهم، وزاد الائتمان الممنوح للهيئات الرسمية بمقدار 42 مليون درهم ليبلغ 5.24 مليار درهم، في حين انخفض الائتمان الممنوح للمؤسسات المالية الأخرى بمقدار 167 مليون درهم وبنسبة 5 في المئة ليصل الى 3.19 مليار درهم. كما انخفض صافي الائتمان الممنوح للحكومة بمقدار 111 مليون درهم وبنسبة 1.9 في المئة ليصل 6.03 مليار درهم. من خلال كل هذه النتائج، تبرز أهمية "الديون المعدمة" في القطاع المصرفي الاماراتي التي قدرت بنحو 500 مليون درهم في مقابل 300 مليون درهم لعام 1997، وذلك نتيجة حالة الركود التي أصابت بعض القطاعات التجارية، فضلاً عن التباطؤ الاقتصادي، وكذلك هروب بعض التجار ومديري الشركات. ولكن مصادر مصرفية وصفت هذه الديون بأنها لم تصل بعد الى مرحلة الخطر، مع العلم ان عام 1998 شهد تراجعاً في الجدارة الائتمانية للعديد من المقترضين خاصة في قطاعي الالكترونيات والمنسوجات، اضافة الى تراكم الديون على بعض الشركات وصدور أحكام ببيعها في المزاد العلني استجابة لدعاوى قضائية مرفوعة من المصارف المتضررة. وحيال ذلك، اضطرت دولة الامارات لاتخاذ اجراءات رقابية على البنوك وشركات الأموال العاملة فيها لتجنب حدوث هزات أو مشاكل مالية ناجمة عن تأثيرات الأزمة الآسيوية وانهيار أسعار النفط. وفي الوقت الذي أكد فيه محافظ المصرف المركزي الاماراتي سلطان بن ناصر السويدي ان أرباح المصارف كانت "جيدة" في عام 1998، دعا المصارف كافة لتكوين احتياطات كافية لمواجهة القروض المقدمة لدول تعاني صعوبات مالية في خدمة الدين مثل اندونيسيا وتايلاند وماليزيا وكوريا وباكستان وروسيا، وتقويم حجم القروض والتسهيلات الممنوحة لهذه الدول. وذكر السويدي ان بيانات القروض الشخصية تشير الى وجود 304 آلاف مقترض منهم 192 ألفاً من البنوك الوطنية و88 ألفاً من البنوك الأجنبية، وتبلغ القيمة الاجمالية للقروض 14.281 مليار درهم منهم 280 ألف مقترض ملتزمون بالسداد يمثلون نسبة 92 في المئة وهناك 20 ألفاً لديهم مشاكل بنسبة 6.6 في المئة، وهناك 3149 مقترضاً أي بنسبة واحد في المئة أمام المحاكم. وقال السويدي ان هروب الأجانب وحدوث الخسائر يحدث أيضاً مع البنوك الوطنية، مشيراً الى أن للبنوك وسائل لتحمل الخسائر من خلال احتياطاتها. وأضاف ان نتائج أداء البنوك في تحسن منذ بداية التسعينات واستمر هذا التحسن حتى مع حالات الهروب وعدم سداد الديون. وقال محافظ المصرف المركزي ان المصرف أصدر قرارات عدة في شأن تنظيم العمل في السوق المالية "غير الرسمية" حتى الآن والعمل المصرفي في الامارات، وأصدر المصرف تعميماً حذر فيه جميع المصارف في الامارات من أثر تباطؤ الاقتصاد العالمي والانخفاض الكبير في أسعار النفط وانعكاس ذلك على القطاعات الاقتصادية في الامارات. وعلى الرغم من ذلك، يلاحظ ان المصارف الوطنية في الامارات تسير في اتجاه توسيع نشاطها، وهي تستند في ذلك الى تطور حركة الاستثمارات في السنوات المقبلة وهي حركة نشيطة كما تدل بعض المؤشرات، مثال على ذلك، تخطط امارة أبو ظبي لانفاق نحو 58 مليار درهم 15.8 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة بينها عشرة مليارات درهم 2.7 مليار دولار على المشاريع النفطية بما في ذلك رفع طاقة المصافي في الامارة وانشاء مجمع بتروكيماوي، مع العلم ان التطورات المرتقبة لحركة الاستثمار في منطقة الخليج، وخصوصاً في القطاع النفطي والمقدر بنحو 160 مليار دولار حتى العام 2010، هي تطورات واعدة ويجب الاستفادة منها