طهران تغلي، كأنها تعيش في بدايات الثورة قبل عشرين عاماً. تيارات وقوى وأحزاب، منها ما تبلور فكره، وتحددت تضاريسه، ومنها ما زال يتشكل. لكنها تتداخل بشكل مذهل الى أن يأتي حدث واحد بحجم محاكمة الشيخ المفكر كاديور، حتى تنفصل عن بعضها البعض وتظهر صورة الوضع وكان الانفجار آت لا محالة. ومع ذلك، يبقى الغليان في قلب الجمهورية الاسلامية، فهو ليس قادماً اليها من الخارج. ولا هدفه الخروج منها. حتى انتخاب محمد خاتمي، رئيساً للجمهورية في 23/5/1997، الذي اطلق عليه في ايران "ملحمة خرداد"، كان المجتمع الايراني منقسماً بين غالبية لا تعنيها السياسة، اما لأنها همشت أو لأنها فقدت طموحاتها بالتغيير، أو لأنها همشت أو لأنها فقدت طموحاتها بالتغيير، أو لأنها أصيبت باليأس، وأقلية منقسمة بدورها بين يمين محافظ تقليدي يمسك بالسلطة ويسار متشدد روحانيون مبارز خرج من مواقعه في السلطة فخلد الى الصمت الاحتجاجي رافضاً كل ما يجري على المسرح السياسي، محملاً الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني مسؤولية ابعاده لمصلحة اليمين المحافظ الذي كان ناشطاً فيه روحانيات مبارز. وأثبت "زلزال" انتخاب خاتمي فوق مدّ شعبي كاسح، وتقديم الرئيس الجديد مشروعه في بناء المجتمع الجديد وحوار الحضارات ان التمثيل القديم لم يعد كافياً للتعبير عن التحولات داخل المجتمع الايراني، اذ اتسع مفهوم السلطة ليشمل اوسع الطبقات السياسية بحيث لم تعد احتكاراً للنخب، حسب محمد صادق الحسيني مستشار وزير الارشاد، وتمظهر هذا على سطح الحياة السياسية بجبهتين هما الاصلاحيون والمحافظون. ويتفق معظم الأطراف في ايران على ان كل جبهة تتشكل من ثلاثة تيارات غير مكتملة البنيان التنظيمي والفكري. جبهة المحافظين، وتضم ثلاثة تيارات هي الآتية: 1- تيار متشدد يميل الى الجمود الفكري والسياسي لكنه فاعل في السلطة وفي المواجهات اليومية على رغم انه أقلية وأبرز شخصياته آية الله محمد يزدي وآية الله جنتي وتدخلهما في السلطة يومي نظراً الى موقعيهما، فالأول رئيس السلطة القضائية والثاني رئيس مجلس الخبراء، وثالثهما آية الله مصباح يزدي منظر هذا التيار. ويشكل تنظيم "أنصار حزب الله" اليد الحديدية للتيار الذي يقود المواجهة بواسطة العنف في الشارع وفي الجامعات. وأخيراً ظهر تنظيم "فدائيان اسلام"، منضماً في طرحه المتشدد ولجوئه الى العنف الى "أنصار حزب الله". ويضيف الصحافي أكبر كنجي الذي يعتبر "رأس حربة" المثقفين من التيار اليساري داخل جبهة الاصلاحيين: هذا "التكتل" أو تيار العنف داخل المحافظين يهدف الى اقامة حكومة فاشية أو مجتمع بصوت واحد على غرار دول الستار الحديدي في أيام الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي لكنه لن يستطيع ذلك. 2- يمين تقليدي "ارثوذكسي"، يقوم على تحالف عريض للبازار ورجال الدين التقليديين، وعماده تنظيم "مؤتلفه" وأبرز وجوهه: عسكر الله أولادي وأسد الله بادمشيان وعلي موحدي ساوجي، وزوراني. 3- يمين معتدل أو محافظ تقليدي، بدأ يتمايز في الأشهر القليلة الماضية عن حلفائه داخل الجبهة، وهو متواجد بقوة في "آلة السلطة ومواقع القرار" ويبدو أنه كلما تلقت جبهة المحافظين ضربة من الاصلاحيين تعمقت بلورته. لكن خطابه الاجتماعي والثقافي وممارسته يبقى تقليدياً جداً. وأبرز وجوهه حالياً ناطق نوري رئيس مجلس الشوري، والمرشح الخاسر في مواجهة خاتمي ولوحظ في الفترة الأخيرة صمته الكبير على رغم كل الأحداث التي شهدتها البلاد. ويمكن اضافة محسن رضائي أمين سر تشخيص مصلحة النظام، وقائد الحرس الثوري السابق. وفي اطار هذا التيار، فإن بعضاً من النخب العصرية كما يقول أحد المعتدلين من الاصلاحيين، براغماتية تتعامل مع التحولات الحاصلة داخل المجتمع بواقعية أكثر وهي تجنح نحو الجدية في خطابها السياسي، وأبرز وجوه هذه النخب جواد لاريجاني ومحمد غرضي. جبهة الاصلاحيين، وهي بدورها "ليست من نسيج واحد" اذ تضم ثلاثة تيارات أبرزها: 1- "جبهة المشاركة" وهي عملياً حزب الرئيس، وأبرز وجوه قياداتها سعيد حجاريان نائب وزير الداخلية وعباس عيدي أحد أبرز قيادات طلاب خط الإمام في الأيام الأولى للثورة الذي نفذ احتلال السفارة الاميركية في طهران، وشقيقا الرئيس خاتمي. وهي تشكل الكتلة الكبرى داخل جبهة الاصلاحيين وتوصف بأنها خرجت من بطن اليسار التقليدي. 2- اليسار الديني التقليدي وهو عقلاني ويضم تنظيمات عدة أشهرها "روحانيون مبارز" ومن أبرز وجوهه آية الله مهدي كروبي، وحجة الاسلام علي أكبر محتشمي. وتنظيم "مجاهدي انقلاب اسلامي" وأبرز قياداته بهزاد نبوي، و "تحكيم وحدت" وهو تنظيم طلابي تعرض لخضات كثيرة وهو في كل الأحوال رأس حربة اليسار في الجامعات. 3- "المستقلون"، وأبرز وجوههم الشيخ عبدالله نوري، وهم ما زالوا من دون جسم تنظيمي، وقد أكد لنا الشيخ عبدالله نوري أنه لم يقرر انشاء حزب حتى الآن "لأن الموجود كاف". ويقول ما شاء الله شمس الواعظين رئيس تحرير صحيفة "نشاط" ان الانتخابات المحلية البلدية أظهرت قوى ليست معروفة في المجتمع التقليدي مثل القوى المستقلة غير المرتبطة بأي جهة سياسية. وقد أظهرت نتائج الانتخابات ان 46 في المئة من الفائزين هم من المستقلين ما يعني ان شرائح جديدة في المجتمع الايراني قد دخلت عالم السياسة". ويقف بين الجبهتين، تنظيم "كوادر البناء" الذي ينتمي الى هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس الجمهورية السابق. وابرز قيادات "الكوادر" غلام حسين كرباستشي الرئيس السابق لبلدية طهران الذي دخل السجن أخيراً، ووزير الارشاد عطاء الله مهاجراني، ومحمد رفسنجاني شقيق الرئيس السابق ومحمد عطريان فور رئيس تحرير صحيفة "همشهري" والعضو الناجح في الانتخابات البلدية الأخيرة. ويمثل هؤلاء "تحالف تكنوقراط الدولة مع الرأسمالية الصناعية". ويشكل "كوادر البناء" كما قال لنا محمد عطريان فور "جسراً بين الكتلتين الاصلاحيين والمحافظين يمسك بالبراغماتيين ويخفف عنف المترطفين عند الطرفين ويهدف الى اقامة حكم مدني معاصر أساسه مشروع رفسنجاني. وفي اطار رسم الخارطة السياسية لايران لا يمكن اغفال دور "الليبراليين المسلمين" المعارضين، فهم على رغم حجم تمثيلهم المتواضع نسبياً يشكلون صوتاً مسموعاً في أوساط الشباب المنفتح اجتماعياً في الداخل، وعلى الخارج من دون رفض للجمهورية الاسلامية. وأبرز تنظيماتهم "حركة تحرير ايران" التي كان يرأسها مهدي بازركان ثم تولى رئاستها بعد وفاته ابراهيم يزدي، و "حزب الشعب" الذي كان يتزعمه فروهار قبل اغتياله، لكن يبقى عزت الله سحابي الذي يصدر مجلة "ايران فردا" ايران الغد والمرشح لرئاسة الجمهورية أبرز وجوه هذا التيار وأكثرها التزاماً". ان توزيع القوى بين محافظين واصلاحيين يسهل قراءة الخارطة السياسية في ايران، لكنه لا يكفي لتحديد تضاريسها بدقة ولا معرفة مساحات وارتفاعات مختلف القوى. أحد السياسيين ممن يطلق عليهم وصف "الذئاب الرمادية" نظراً الى طموحهم وتجربتهم الميدانية، حدد هذه التضاريس بقوله: "الجمهورية الاسلامية في ايران، بناية من خمس طبقات، مختلفة في تفاصيلها وليس المهم من هو تحت أو فوق بل المساحة والحضور. ويمكن القول ان المحافظين حاضرون بنسبة 10 في المئة داخل المجتمع بينما الاصلاحيون موجودون بنسبة 80 في المئة، لكن هذه النسبة معكوسة في السلطة حيث يهيمن المحافظون على 75 في المئة من مواقع القرار، والاصلاحيون على 20 أو 25 في المئة فقط. أما "كوادر البناء" فإن لهم 2 في المئة في المجتمع و10 في المئة من السلطة، وهذه النسبة الكبيرة نسبياً والتي تمتزج أحياناً مع كوادر الاصلاحيين تعود الى انهم يشكلون كوادر الطبقة الوسطى التي التزمت بالثورة والدولة منذ الانطلاقة الأولى. اما الطابق الرابع فهو لليبراليين المنظمين وغير المنظمين ونسبتهم 5 في المئة. والطابق الخامس ل "المعاندين" الذين رفضوا ويرفضون كل هذه التيارات، أما لأنهم بقوا جامدين أو ليأسهم من التغيير الذي يفهمونه "انقلابياً". ومن الواضح ان مجموع النسب يتجاوز على الصعيد الشعبي النسبة الكاملة وهي مئة في المئة، ويفسر السياسي ذلك بالمزج أحياناً بين التيارات الثلاثة، ويقول ما شاء الله شمس الواعظين رئيس تحرير صحيفة "نشاط" انه عندما تسلم خاتمي الرئاسة لم يكن يملك منها سوى 25 في المئة والباقي للمحافظين. وقد عمل على توسيع سلطته عبر مؤسسات المجتمع المدني. ومن خلال قضية اغتيالات المثقفين زاد من نفوذه في وزارة من وزارات السيادة، وهي وزارة الأمن، الى درجة تقاسمها مناصفة من خلال مشاركته في تسمية وزير الأمن الجديد، وخطة خاتمي في دفع الوزارات لأن تصبح مسؤولة أمام الرأي العام انعكست على عمل 75 في المئة من السلطة ودفعت مواقع عدة منها على رغم انتمائها الى المحافظين الى الاقتراب من خاتمي. ويضيف علي حكمت مدير تحرير صحيفة "خرداد" الى ذلك بقوله: "لقد جعل الرئيس خاتمي القوى السياسية تحت ضغط المساءلة الشعبية ورقابة القانون". ويتفق الجميع على ان الانجاز الكبير الذي يحرك حركة التيارات ويقرب بعضها من الاصلاحيين ان القوى الحاكمة لم تكن تسمع لأحد، ومثال ذلك ان السلطة القضائية لم تعد مطلقة اليدين. ويضيف علي حكمت "حتى الأمس لم يكن يخطر في بال ايراني ان شخصاً مثل نقدي الرقم 2 في الأمن الايراني سيحاكم أو سيقبض عليه. حتى اسمه لم يكن أحد يجرؤ على تداوله. اليوم قبض عليه وهو يحاكم مثل أي مواطن، ومعنى ذلك ان التحولات التجارية تقود نحو الحاكمية الشعبية المستمدة من الدستور وفي ظلال القانون". ويقود هذا الواقع حتماً الى التساؤل عن موقع طرفي "الترويكا" القابضة على السلطة، ممثلة بالمرشد آية الله على خامنئي ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام رفسنجاني. وإذا كان دور المرشد خامنئي يبقى مرتكزاً وقائماً على تحديد مفهوم ولاية الفقيه وممارستها فإن رفسنجاني، يظل في جمهورية خاتمي موضع تساؤل دائم. والواقع ان أحداً لا يستطيع ان يحسم هل ان رفسنجاني هو الرقم الثاني في الترويكا أم انه الرقم الثالث الضعيف؟ يرى علي وحدت، ان موقع رفسنجاني الطبيعي هو في لعب دور الوسيط بين خامنئي وخاتمي وهو بهذا التحديد يرد على الذين يرون في رفسنجاني "معيقاً" لخاتمي. ولا ينسى وحدت ان يؤكد ان رفسنجاني "رجل وطني يحب ايران ويسعى لأن يعمل شيئاً ايجابياً، وهو ليس ساذجاً مثل بعض المشايخ، الى جانب انه ليس وليد الثورة وانما من مؤسسيها". ويذهب أسد الله بدمشيان وهو من أبرز وجوه وقادة تنظيم "مؤتلفة" المحافظ الى القول ان رفسنجاني هو "فوق الصراعات ومقبول من الجميع ويحظى باحترام الجميع". ولا يكتم عزت الله سحابي رأيه النقدي القاسي برفسنجاني فيقول "ان رفسنجاني لا يملك الشعبية التي يملكها خاتمي ولا السلطة التي يملكها خامنئي انه يملك فقط لياقته وفطنته وذكاءه". ويرى اخيراً ديبلوماسي عربي أمضى سنوات عدة في طهران: "ان رفسنجاني سيبقى دائماً صمام الأمان للنظام، وبسبب حنكته السياسية، فإن احداً لا يستطيع ان يلغيه". وعدم امكانية الغاء رفسنجاني تطرح مسألة مستقبله، واذا كان سحابي لا يرى مستقبلاً لرفسنجاني في رئاسة الجمهورية كما يريد بعضهم، فإن مراقباً عربياً يقيم في طهران يرى انه ايضاً لا مستقبل لرفسنجاني في تولي منصب الولي الفقيه خلفاً لخامنئي كما يروج بعضهم لأن رجال الدين يرون فيه "ثعلباً سياسياً قديراً، وليس الشيخ العالم". لقد شكلت الانتخابات المحلية امتحاناً شعبياً لكل التيارات. وجاء تحرر المرشحين من "مصفاة" مجلس الصيانة، ليمنحها أهمية اضافية، اذ اعتبرت مقياساً حقيقياً للقوى. والفوز الكاسح الذي حققته جبهة الاصلاحيين، على رغم تحالف "كوادر البناء" مع المحافظين، أكد ان حضورها الشعبي ليس مجرد "تظاهرة اعتراض" تجسدت في الانتخبات الرئاسية، وبذلك اكدت شريحة الشباب التي تشكل أكثر من نصف المجتمع الايراني انها صعدت في "قطار" التغيير وليست مستعدة للنزول منه وان المرأة الايرانية أخذت مكانها في هذه الجمهورية بعيداً عن المسألة الذاتية في ارتداء الحجاب أو عدمه. ولعل فوز نساء كثيرات في الانتخابات، أبرزها في "قم" مدينة الرجال والدين، وفوز شقيقة خاتمي في يزد، وجميلة كديور في طهران، يؤكد عمق التحولات الجارية، واستمرار المطالبة بالاصلاحات. والسؤال حول ماذا بعد الانتخابات البلدية، يقود الى القضايا الثلاث التي تتمحور حولها المواجهة اليومية في ايران، وهي انتخابات مجلس الشورى المقبلة، وقضية ولاية الفقيه والحريات والديموقراطية. كيفية فتح الأبواب أمام اختيار شعبي حرّ في انتخابات مجلس الشورى المقبل، هو الهم الاساسي لقوى جبهة الاصلاح. فطالما ان هذا المجلس في غالبية محافظة فإن مشروع خاتمي الاصلاحي سيبقى عاجزاً عن الحركة. وهذا الترابط بين مجلس الشورى ونجاح مشروع خاتمي هو الذي يدفع القوى الاصلاحية الى تجاوز عقدة "لجنة صيانة الدستور" التي تشكل "مصفاة سياسية" يتم من خلالها ابعاد المرشحين الاصلاحيين. واذا كان من الصعب ضمن موازين القوى الحالية تعديل هذا النص بما يحقق الغاء "المصفاة" فإن الاصلاحيين يعملون على "وضع لجنة صيانة الدستور امام تحد شعبي كبير خصوصاً انها تستطيع شطب بعض الاسماء لكنها لا تستطيع فرض انتخاب مرشح معين". والجديد في قضية ولاية الفقيه، انها أصبحت موضع نقاش في الشارع الايراني، متجاوزة بذلك "حرم" الحوزات والدوائر العليا. وبعدما كانت الولاية موضع نقاش فقهي يدور حول "مطلقيتها" أو "النظارة" فإن النقاش انتقل الى مسألة اختيار الولي الفقيه وصلاحياته. ويرى بادمشيان ومعه المحافظون بكل تياراتهم ان "ولاية الفقيه مطلقة والعلاقة في هيكلية الحكومة هي علاقة الولاية بين الامة والإمام". ويقر بادمشيان بأن "الشعب هو الذي يختار الخبراء مجلس الخبراء يرأسه حالياً آية الله مشكيني وهم ينتخبون الفقيه". أما الشيخ عبدالله نوري فيرد على بادمشيان بقوله "ان الموضوع ليس انتخاب اعضاء مجلس الخبراء من الشعب، بل هو البحث عما إذا كان هذا الأمر يقع بصورة صحيحة وكاملة ام لا؟" مضيفاً ان الخبراء الذين ينتخبون من قبل الشعب مباشرة هم الخبراء الحقيقيون الذين يستطيعون القيام بتنصيب ولي الفقيه أو عزله. ويضع نوري اطاراً ثابتاً للولاية بقوله انها في اطار الدستور وليس فوقه. ويرى عزت الله حبيبي الذي كان يشكل استثناء في طرحه حول ولاية الفقيه وأصبح الآن في "وسط الدائرة" ان "لمجلس الخبراء ثلاث وظائف هي: تعيين القائد وعزله والاشراف عليه. والجديد ان الناس اصبحت تتحدث عن النقطة الثالثة علناً". ويخلص الى القول بأنه لا يعتقد بالغاء مسألة ولاية الفقيه بسرعة من الواقع، لكن التفسير الذي يقلل من سلطة الولي الفقيه سيكون هو الأغلب". والتطور الجديد الذي يقع على يسار طرح حبيبي يأتي من الشرائح المثقفة التي تصل في جرأتها الى حد دفع الايرانيين الى اطلاق اسم الفدائيين عليهم، ومن هؤلاء أكبر كنجي وعماد الدين باقي وجواد مظفر ورحيم ابادي والشيخ محمد صلواتي. ويقول كنجي: "نستطيع ان نوجد نظاماً ديموقراطياً في الجمهورية الاسلامية اذا انتخب الشعب الولي الفقيه بطريقة مباشرة مثل رئيس الجمهورية لفترة محددة مع تحديد كامل لسلطاته كما في الدستور". وأخذ النقاش حول ولاية الفقيه أبعاداً اضافية تصل الى حد علاقة الدين بالحكومة، فيرى كنجي "ان مشروعنا هو في تخليص الدين من قبضة السلطة الإيرانية حتى يفتح الطريق أمام الدين خصوصاً عندما يصبح الدين حكومياً أي تبريراً للسلطة". ويخلص الى القول بالوصول الى أبعد مدى بقوله: "نحن مع العلمانية من دون الالحاد لأننا متدينون". ويضع محمد صادق الحسيني تحديداً للهدف الأخير من هذا النقاش بقوله "قيام الحكم الديني الدستوري". وفتح تحويل قضية ولاية الفقيه الى مسألة للنقاش على الصعيد الشعبي، الباب ايضاً على مصراعيه امام قضية الحريات والديموقراطية، ويقول الشيخ عبدالله نوري ان أصل الدين متطابق مع الحرية وليس العكس. والقرآن جاء ليؤكد الحكمة والعقل والتدبر". ويرى محمد صادق الحسيني: "ان الإمام الخميني عمل على تحقيق مصالحة تاريخية بين الرأي العام والسلطة السياسية، في حين أن خاتمي وبعد عشرين سنة على الثورة استطاع ان يقوم بمصالحة أخرى بين الدين والديموقراطية". وتختصر مجموعة المثقفين المعركة بأن التحدي الأساسي يكمن في الديكتاتورية والديموقراطية "هم لا يريدون الديموقراطية ونحن لا نريد الديكاتورية". ويقول أكبر كنجي: "مجتمعنا يملك مقدمات بروز الفاشية وجوهر الفاشية هو العودة الى ما قبل العصرنة لأن الفاشية حركة ضد التجديد، وهم يريدون الباسنا لباس الماضي بالعنف". في مثل هذه الاجواء يصبح لا مفر من التسؤال: الى أين تسير ايران؟ نحو الانفجار أم نحو اكمال تجربتها وانجاز مشروع خاتمي؟ يلخص ديبلوماسي عربي الوضع بالقول ان في ايران خطرين يؤديان الى الانفجار: الأول ألا يتمكن المحافظون من تطوير نهجهم وعقليتهم، والثاني ان يعمل تيار يستظل بالرئيس خاتمي على حرق المراحل". ويتفق الشيخ عبدالله نوري وعزت الله سحابي على "وجود خطر الانفجار" فيؤكد كابي وجود عقلانية لدى الطرفين. ويؤطر محمود شمس هذا الكلام بقوله: ان المواجهة تتم بلغة مدنية، وستبقى تحت خيمة المؤسسات". ويؤكد كنجي: "اذا استطعنا سحب البساط في العام المقبل موعد الانتخابات التشريعية من تحت ارجلهم حتى لا يمارسوا العنف المحافظون فإن ذلك سيشكل انتصاراً حتمياً لحركة المجتمع المدني". ويعترف أحد قادة الطلاب بأنه "جرى الغاء الاحتجاجات المدنية في عشر جامعات في كل ايران لدعم الشيخ كديور لأن جماعات الضغط أنصار حزب الله كانوا يخططون لتحويلها الى حمامات دم". وهذا الوعي بخطورة المعركة يظلله تفاؤل عميق بأن "الطريق الذي بدأ مع خاتمي لا رجعة عنه شعبياً".