مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ينتخب الولي الفقيه ويملك حق عزله . مصير ايران المدنية في معركة مجلس الخبراء
نشر في الحياة يوم 22 - 06 - 1998

المكان: مدرج جامعة طهران.
الحضور: كبار العلماء ورجال الدين والرسميين، وعشرات الضيوف الأجانب.
المناسبة: المؤتمر العالمي الثاني للإمام الخميني وإحياء الفكر الديني.
يبدأ الاحتفال تقليدياً، ثم يصعد الرئيس محمد خاتمي إلى المنصة ليلقي الكلمة الافتتاحية، وفي منتصف الوقت المخصص له، وهو نصف ساعة، مثله في ذلك مثل بقية المتكلمين، يخرج خاتمي عن النص المكتوب، ويدخل في مطالعة طويلة عن محاور السجال والحوار الدائرة في إيران، واضعاً إطاراً عاماً لذلك بقوله إن هناك من يسعى ليرى ذاته في "مرآة فكر الإمام الخميني" لا أن يقيس ذاته في "مرآة فكر الإمام"، مضيفاً إلى ذلك ان "بعضهم يحمل المجتمع افكاره على أنها أفكار الإمام الخميني، وهو ظُلم كثيراً من هذه الناحية".
ويستعرض خاتمي ثلاثة محاور:
1- ان الدعوة للعودة إلى الذات، لا تعني الهروب من الواقع وإدارة الظهر للمستقبل.
2- ان الإمام الخميني كان يؤكد دائماً دور العقل وإدارة الإنسان من أجل رقي المجتمع وتقدمه.
3- ان مجلس الخبراء ينتخبه الشعب، وهو بدوره ينتخب الولي الفقيه المرشد، إذاً المرشد منتخب من الشعب. وبذلك تصبح ولايته من الدستور وليس فوق الدستور ولا خارجه.
وينهي خاتمي كلمته، فيصعد الخطيب الثاني المقرر في البرنامج، وهو آية الله مصباح يزدي، فيلقي كلمته، وإذا بها في نقاطها الأساسية تشكل رداً مفصلاً ومخالفاً لكلام الرئيس، بل معارضاً، خصوصاً في ما يتعلق بالولاية المطلقة للولي الفقيه.
عندما انتهى يزدي من كلمته ونزل عن المنصة، كانت الدهشة بادية على الضيوف الأجانب. أما الإيرانيون فبدا الأمر بالنسبة إليهم طبيعياً. لا دهشة ولا اندهاش أن يرد أحد الخطباء على الرئيس وأمام جمهور رفيع المستوى في الوقت الذي ينقل التلفزيون والاذاعة وقائع الاحتفال مباشرة، ذلك أن الحوار والنقاش مفتوحان من دون حدود منذ وصول الرئيس محمد خاتمي إلى الرئاسة قبل أكثر من عام 23/5/1997، ويتم اختصار هذه الحالة، بأن المجتمع الإيراني "مصاب بحُمة 2 خرداد" التاريخ الشمسي الفارسي المقابل للتاريخ الميلادي.
ومن الطبيعي أن حواراً آخر دار بين عدد من الضيوف المشاركين في المؤتمر والقيادات الإيرانية في ردهات الجامعة التي تشكل بدورها أحد أبرز "براكين" هذا السجال. أما السؤال الأساسي فهو: ما العمل إذا ارتفعت درجة هذه الحُمى، وأصبحت خطراً على الجسم الإيراني كله؟
وكيف ومتى تصبح درجة هذه الحُمى خطيرة؟
قبل انتخاب خاتمي رئيساً للجمهورية، كانت التيارات الإيرانية لا يجمع بينها أو بين بعضها البعض أي خط، لكن في أقل من عام واحد جرى فرز واضح، فتشكلت جبهتان:
جبهة الإصلاحيين، وتضم مختلف القوى اليسارية الإسلامية والليبرالية الإسلامية، وفي وسطها خاتمي الذي أصبح رمزاً لها، لأنه لا يقف مع طرف منها ضد الآخر وإنما يعمل لأن يظللها تحت "عباءته".
جبهة المحافظين وتضم كل قوى اليمين المحافظ، من المؤتلفة وقوى البازار، ورجال الدين المحافظين داخل الحوزة، وتنظيم "أنصار حزب الله" الذي يشكل القبضة الحديد للجبهة. ويبدو آية الله محمد يزدي رئيس السلطة القضائية رأس الحربة لهذه الجبهة وناطق نوري رئيس مجلس الشورى "قلعتها"، لكنه منكفئ حالياً في هجومه ودوره بعد خسارته في انتخابات الرئاسة.
أحد كبار رجال الدين، الذي يعتبر نفسه صلة وصل بين "الجبهتين"، أعاد طرح السؤال الكبير على مستقبل هذا "السجال الساخن"، ومتى يتخطى الخط الأحمر، بقوله إن ترجمة هذا السؤال بالتعبير الغربي هو هل خاتمي غورباتشوف إيران؟ وأضاف من دون الاجابة: الطريف في هذا السؤال الذي تبناه الغرب، ان علي أكبر ولايتي المحسوب على تيار اليمين والخاسر الكبير بسبب انتخاب خاتمي للرئاسة، لأنه خرج من وزارة الخارجية بعد 16 سنة من وجوده فيها، هو الذي اطلق هذا السؤال في معرض التحذير، من خطر "الشفافية، وبناء المجتمع المدني".
شمس الدين الواعظين، رئيس تحرير صحيفة "جامعة" المجتمع، وأحد أقطاب المثقفين المتنورين، قال لنا: "السيد محمد خاتمي شخصية منفتحة، في شخصيته تتقاطع اتجاهات مختلفة، انه شخصية جامعة فوق التيارات وهو مثقف حقيقي ومفكر، يعرف الغرب، ويعرف لغة العالم ومقتضياته اليوم. وأيضاً وهذا المهم، يعرف مقتضيات علاقة الدين بالدولة وعلاقة الدين بالديموقراطية وحقوق الإنسان. وهو يؤمن بأن الإنسان له خيارات، بعكس الخطاب الديني التقليدي الذي محوره ان الإنسان مكلف، وترجمة ذلك لدى خاتمي تقدم حقوق الإنسان على واجباته".
ومن هذا التحديد لشخصية خاتمي ينطلق شمس الدين الواعظين قائلاً إن خاتمي ليس غورباتشوف إيران، وإنما هو إذا صحت المقارنة، خروتشوف إيران، الذي قلب ستالين وأراد أن يكمل اصلاحاته لانقاذ النظام فمنع من ذلك، فكان ان جاء بريجنيف، وفي سياق الاستمرارية جاء غورباتشوف كتطور حتمي، وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفياتي.
أما محمد صادق الحسيني مستشار وزير الارشاد عطاالله مهاجراني فلا يعتبر ان خاتمي هو غورباتشوف إيران، بل على العكس لقد جاء في الوقت المناسب ليمنع وصول "غورباتشوف" الجمهورية الإسلامية. وهو يشكل حاجة داخلية ملحة بحيث أصبح صمام امان، لأنه جاء مصلحاً ومعيداً ترتيب الوضع الإيراني، فالطلاق كان بدأ يقع بين الرأي العام، أي الشعب، والحكومة، وجاء خاتمي ليحقق هذه المصالحة.
محمد علي ابطحي أمين سر رئاسة الجمهورية برتبة وزير والنجم الصاعد في الإدارة الخاتمية، قال لنا: "الرئيس محمد خاتمي هو ابن عصره ومن داخل النظام، له رؤية خاصة وبرامجه الخاصة، ولذلك يدعمه الناس. توجد مقاومة له من داخل إيران، ونحن بعد عام على الرئاسة متفائلون".
وينهي أحد أقطاب اليسار الديني المتشدد هذه الشهادات فيقول: "قطعاً محمد خاتمي ليس غورباتشوف إيران، المحافظون يريدون ذلك ليسهل ضربه واسقاطه، لكنه قادر على إدارة اللعبة، وهو أثبت ذلك لأنه ابن المؤسسة. والذين يشبهونه ببني صدر ثانٍ يخطئون أيضاً، لأن الفرق بينهما هو عقدان من الزمن" شهدا تطورات كثيرة ونضجت خلالهما هيئات وقوى مختلفة.
ويرى مثقف وناشط بارز أن المعركة ليست ضد الجمهورية الإسلامية، لذلك فإن للسجال ضوابطه المعروفة حتى الآن، والمهم ألا يحاول أحد الطرفين العمل على إلغاء الطرف الآخر، أو يعتقد بعض الراغبين بالاسراع في الاصلاحات أن الباب أصبح مفتوحاً أمام اسقاط الجمهورية، عندها سيكون لإيران "ساحة تيانانمين" الخاصة بها، وبذلك يخرج السجال عن طبيعته.
واستكمالاً لهذا التطور، يتابع المثقف الإيراني قوله إن خاتمي هو دينغ كيسياو بينغ السياسي في إيران. إنه يريد اصلاح هذا النظام، ليجعله قدراً على مواجهة مقتضيات عالم اليوم ومتغيراته، مثلما فعل دينغ لاقتصاد الصين.
وفي اطار هذا الوضع، "تزهر" كل يوم مطبوعة في ايران كما يحب ان يقول احد كبار الداعين والعاملين للتعددية. ولذلك تجد ان حالياً، حسب تقرير رسمي، 740 مطبوعة تمثل كل الالوان والاطياف، ولعل ابرزها في الحضور السريع وحتى "الصاروخي" صحيفة "جامعة المجتمع"، و"همشهري" ابن البلد التي يرأسها غلام حسين كرباستشي رئيس بلدية طهران رمز مواجهة "الاعصار" الذي اطلقته جبهة المحافظين. والى جانب ذلك توجد "سلام" الناطقة باسم التيار المتشدد يسارياً، و"رسالت" الناطقة باسم المحافظين المتشددين. ويبدو دور الصحافة اساسياً في كل هذه المواجهة الى درجة ان آية الله محمد يزدي اتهم بعض الصحف بالعمل على "زرع الفرقة" مطالباً وزير الارشاد بمراقبتها خصوصاً الحديثة منها، ومن الواضح ان المقصود بذلك صحيفة "جامعة" او "المجتمع" اولاً واخيراً، ولأنها اصبحت بعد ثلاثة اشهر على صدورها الصحيفة الثانية في حجمها وانتشارها اذ ارتفع اصدارها من 60 ألف نسخة يومياً الى 150 ألف نسخة.
وفي واجهة هذا الهجوم على المطبوعات يرد الاصلاحيون بتوجيه اصابع الاتهام الى المحافظين بأنهم هيمنوا على الاذاعة والتلفزيون وحرموا الآخرين من الظهور او الكلام فيهما. وتدل على ذلك النكتة الشعبية المتداولة، وتقول انه تقرر تغيير اسم الاذاعة لتصبح "ناطق"، و"التلفزيون" "ناطق نوري". والمعروف ان ناطق نوري هو رئيس مجلس الشورى والمرشح الخاسر ضد خاتمي وواجهة المحافظين.
طبعاً، هذا السجال الساخن لا يعني فقط انه دائماً في اطار المساجلات والكلام وحتى الاتهامات، وعلى العكس فان كل "جبهة" لديها ملفات تستعملها ضمن استراتيجية محددة، وفي العموم فان جبهة المحافظين هي التي تقود عملية الهجوم الوقائي لانها تشعر بأنها مستهدفة في وجودها حاضراً ومستقبلاً.
3 مواجهات
وفي اسبوع واحد، بدت الصورة لهذا الهجوم الوقائي فاقعة جداً. فقد جرت ثلاث مواجهات تحمل كل واحدة منها دلالة خاصة:
المواجهة الاولى، في محاكمة كرباستشي بتهمة الفساد واستغلال الاموال العامة. ويبدو ان ارادة عليا تعمل على اصدار حكم يلغي القرار السياسي والاداري الذي غيّر وجه العاصمة طهران وقبلها اصفهان، فجعل كلاً منها مدينة عصرية نظيفة وخضراء ومنظمة. ويصف اقطاب جبهة الاصلاح الهجوم على كرباستشي بأنه جزء من محاولة الانقلاب المضاد ضد الظاهرة الخاتمية والمحاولات الاصلاحية في مختلف المجالات والانشطة. ولذلك كله فان محاكمة كرباستشي ليست محاكمة شخص وانما تيار واعد هو التيار الذي يدعو الى تحولات اجتماعية عميقة.
المواجهة الثانية، محاكمة صحيفتي "جامعة" و"اخبار اليوم". وتبدو الاولى الاهم والاخطر خصوصاً ان المواجهة معها بدأت مع قائد الحرس الثوري الجنرال عبدالرحيم صفوي، وكل ذلك بتهمة نشر انباء تمسّ الامن القومي والواقع ان الصحيفة نشرت كلاماً لقائد الحرس هدد فيه "بقطع الألسنة والرؤوس" في اجتماع مغلق حضره عدد من الصحافيين "الرسميين" وعلى رغم صدور حكم بمنع مديرها من العمل لمدة عام، وهو رضا جلائي بور المعروف انه احد مؤسسي وقادة الحرس. فانها مستمرة في الصدور حتى اعلان حكم الاستئناف.
ويتفق رئيس التحرير شمس الدين الواعظين ومحمد علي ابطحي على نقطة ايجابية في هذه المحاكمة، بأنها تشكل محطة في تاريخ ايران الحديث، ذلك ان جنرالاً وقائداً للمؤسسة العسكرية لجأ الى القضاء محتكماً اليه في قضية تعنيه مباشرة بينما لو حصل الامر نفسه قبل عهد خاتمي لما كان لجأ الى القضاء، بل اكتفى بارسال مجموعة من الحرس لإقفالها.
المحاكمة الثالثة، وهي ليست قضائية، وتعني وزير الداخلية عبدالله نوري الذي يوصف في طهران بأنه "الذئب الرمادي" للسياسيين الصاعدين. فقد أثبت في فترة قصيرة من عمر الجمهورية الخاتمية انه "سياسي يجمع في شخصيته حنكة هاشمي رفسنجاني وصلابة الثوري الذي صعد من القاعدة الى القمة". ومحاكمة نوري هي امام مجلس الشورى، بعد طلب مجموعة من النواب المحافظين سحب الثقة منه، وقد سارع خاتمي للتضامن معه. ولا شك ان نوري يربك الجميع، فهو وزير داخلية ويدعو الى التظاهر وابداء الرأي العلني، كما انه شكل رأس الحربة في قضية كرباستشي، اذ عندما عاد من الحج في المملكة العربية السعودية، اختار خطاً لسيره من مطار مهرباد مباشرة الى منزل رئيس بلدية طهران لاعلان تضامنه معه، وهو الذي كان معتقلاً آنذاك. وأخطر من كل ذلك كما يؤكد سياسي مطلع، ان نوري يضع شروطاً لعمله امام المرشد، منها حقه في تعيين القيادات الامنية.
وتبدو الصورة أوضح بعد استعراض هذه المحاكمات التي تشكل ثلاث محاكمات في واحدة. واذا كان هدفها اضعاف جبهة الاصلاحيين حاضراً، فانها ايضاً تهدف الى الالتفاف على المعركة الرئيسية الاخرى وهي انتخابات مجلس الخبراء المقررة في 23 تشرين الاول اكتوبر المقبل. فهذه الانتخابات تختصر في صميمها مستقبل عملية الاصلاح بل ومصير المجتمع المدني.
ولتحديد اهمية هذا المجلس وموقعه في النظام يجب قراءة خريطة النظام المعقد للجمهورية الذي هدف الإمام الخميني منه الى عدم طغيان مؤسسة على اخرى، فشبك بينها. فالنظام يبدأ في قمته بالولي الفقيه المرشد ومجلس صيانة الدستور المشكل من 12 عضواً مناصفة بين رجال الدين والمدنيين، وهو يقرر أحقية المرشحين للانتخابات، ثم يأتي مجلس الخبراء، وهو يتشكل لهذه الدورة من 82 عضواً من المجتهدين والعلماء من رجال الدين، ومهمته انتخاب الولي الفقيه وقد انتخب بالفعل للمرة الاولى آية الله علي خامنئي، وهو اصلاً يتم بالانتخاب المباشر من الشعب وبذلك يكون انتخاب الولي الفقيه بطريقة غير مباشرة على الصعيد الشعبي. تبدو الصورة موازية لما يحصل في لبنان فالشعب ينتخب اعضاء مجلس النواب، الذين ينتخبون بدورهم رئيس الجمهورية. ويبقى اخيراً مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وهو مؤلف من 32 عضواً ومهمته الفصل في اي خلاف يقع بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور. وفي ظل النقاش الدائر منذ انتخاب خاتمي، على ولاية الفقيه، وهل هي مطلقة ام غير مطلقة وتقع في اطار الدستور والقانون، يكتسب انتخاب مجلس الخبراء اهمية خاصة.
فالمجلس الحالي الذي شارفت فترته على الانتهاء، يتشكل في غالبيته المطلقة من رجال الدين المحافظين، وقد ساهم في تشكيلته المعمّمون من اعضاء مجلس صيانة الدستور- مثل الشيخ خزعلي- الذين يمنحون صفة "المجتهد" لمن يطلبها بموجب رسالة منه. ولاتبدو التركيبة المحافظة للمجلس، وامكانية مجيء مجلس مشابه للسابق، منسجمة مع معركة الاصلاح الدائرة حالياً في ايران، وفي ظل التركيبة الجديدة للنظام بعد خسارة المحافظين للانتخابات الرئاسية.
من هو المجتهد؟
ان المعركة التي تدور بصمت منذ اشهر على مجلس الخبراء اصبحت علنية، وتهدف الى قلب تركيبته. علي اكبر محتشمي ابرز وجوه اليسار المتشدد اكد لنا، ان "روحانيون مبارز" الذي يترأسه آية الله كروبي، قدم مشروعاً متكاملاً لانتخاب مجلس خبراء جديد. وهذا المشروع هو مشروع جبهة الاصلاحيين، لانه يعتمد على نقطتين: الاولى، دخول غير معمّمين، اي مدنيين، الى المجلس، لأن الولي الفقيه لا يهتم فقط بشؤون التشريع، وتدخل في صلاحياته وممارساته كل الشؤون المدنية، ولذلك من الطبيعي ان يكون بين المجتهدين معمّمون ومدنيون من الخبراء في القانون والاجتماع والدفاع والثقافة وطبعاً السياسية.
الثانية، ان مسألة من هو المجتهد، ومن هو غير المجتهد لا يجب اخضاعها لهيئة ولا لمجموعة مهما كان لونها ونهجها الفكري والسياسي، اذ من يحق له ان يقول ان كروبي مثلاً او آية الله اردبيلي هو مجتهد او غير مجتهد، علماً ان مسألة اجتهادهما محسومة.
هذه التعديلات التي يطالب بها الاصلاحيون تتطلب تعديلاً دستورياً، ويبدو الوقت غير ملائم لها، لان الفترة الفاصلة اصبحت قصيرة.
فالمحافظون، إذا أصروا على عدم الاستجابة لمطالب الاصلاحيين، وعملوا على بقاء اختيار اعضاء مجلس الخبراء كما هو حالياً، سيتعرضون للوقوع في تجربة المقاطعة الشعبية. ويرى أحد رجال الدين البارزين الساعين الى الحوار والتوافق، ان ذلك يشكل نقطة سلبية لا بل خطيرة على موقع ولاية الفقيه نفسه، اذ كيف يعقل ان ينتخب الولي الفقيه أو يعزل من خلال مجلس لم يحصل على اقتراع شعبي يوازي الاقتراع الذي حصل لرئيس الجمهورية، وكيف يكون الأمر اذا كانت نسبة المقاطعة كبيرة مثلما حصل اثناء الانتخابات التشريعية الفرعية نتيجة تدخل مجلس صيانة الدستور في الترشيحات ورفضه بعض الأسماء، الأمر الذي اعتبر تدخلاً لمصلحة المحافظين ضد الرئيس محمد خاتمي؟!
المحافظون الذين يعتبرون ان العمل على تغيير الدستور وتركيبة مجلس الخبراء يشكل خطراً عليهم وعلى مفهومهم لولاية الفقيه، لا يتعبون من الهجوم على هذه "الإرادة الاصلاحية". ففي خطبة جمعة قال الشيخ خزعلي عضو مجلس صيانة الدستور: "لا يمكن إلغاء الدستور بإلقاء الكلمات والخطب، ولا يمكن تغيير مجلس الخبراء عن هذا الطريق". ووصل الأمر بالشيخ خزعلي الى حد مطالبة الرئيس خاتمي بالاعتذار علناً عما حصل خلال احتفالات مرور عام على انتخابه عندما لم يعترض على التصفيق وهتافات الشبان المستمعين الى خطبته.
ولا يرى محمد علي ابطحي ان "انتخابات مجلس الخبراء تشكل معركة رئيسية، بمعنى ان أحداً لا يفكر بتغيير القائد خامنئي، نحن نريد ان نشجع الناس على المشاركة في هذه الانتخابات. اذا سمحوا بالتنافس بين مرشحين من التيارين فإن مشاركة الناس هي دعم للقائد اذ لا يجب ان يكون هذا الدعم أقل مما هو لرئيس الجمهورية.
وخلاصة هذا الكلام، كما يحدده ابطحي "ضرورة ادخال التعددية الى مجلس الخبراء".
ويكمل الاصلاحيون هذا الرأي بالقول: "إن تركيبة المجلس وألوانه بإمكانها ان تلعب دوراً كبيراً في توجهات المرحلة المقبلة للقيادة".
ويشير ديبلوماسيون في طهران، الى ان المجلس الحالي لا علاقة له بانتخاب خامنئي، لكن له كلمة الفصل في العزل في حال فقدان المرشد أحد شروط الأهلية، مثل "العدالة" أو "الصحة، بمعنى الأهلية الجسدية والعقلية"، ثم ان مدته وهي ثماني سنوات قد تسمح له في ظرف من الظروف بانتخاب "قائد" جديد، أو "مجلس قيادة جديد". ومن المفارقات التي زادت من حدة المعركة ان المرشد خامنئي، أصيب بعارض صحي اثناء الاحتفال بذكرى وفاة الامام الخميني، في الخامس من الشهر الجاري، مما فتح الباب على مصراعيه امام الاشاعات، من نوع إصابته بأزمة قلبية أو انه يعاني من متاعب قلبية، لديه مشاكل قديمة في البنكرياس، وأخيراً لا آخراً، معاناته من آثار الاعتداء على حياته الذي شل يده قبل سنوات.
ومهما كانت نسبة الحقيقة والواقع في سوق الاشاعات، فإن الذي يؤجج عملياً معركة مجلس الخبراء هو الخلاف على طبيعة ولاية الفقيه. واذا كان المحافظون مصرين على ابقائها فوق الدستور وفي صيغة محددة هي الولاية المطلقة، فإن الاصلاحيين، وعلى رأسهم خاتمي يريدون ان تكون في اطار الدستور لأنه منتخب من الشعب بطريقة غير مباشرة، اضافة الى ان الامام الخميني كان مع الولاية المطلقة للحكومة وليس لغيرها. ويبدو هذا واضحاً في الوقائع الآتية:
- حسم لمصلحة قيام "الجمهورية الاسلامية" وليس "الخلافة الاسلامية".
- قال الخميني دائماً بأن الرأي الأخير هو للشعب وشعاره معروف في ذلك "ميزان راي ملة".
- تأكيد الخميني مراراً ان مصلحة الدولة هي الأهم.
واذا كانت خريطة القوى تبدو مختلة في ظاهرها لمصلحة المحافظين على أساس انهم يسيطرون على البازار، اي الاقتصاد المالي، والقوة العسكرية من خلال قائد الحرس الثوري وتصريحاته النارية، ورجال الدين المحافظين وهيمنتهم على الحوزة، فإن الاصلاحيين يخالفون هذا التقييم ويرون ان الخريطة في عمقها لمصلحتهم الى جانب مقولة مكملة فحواها ان "اصلاح النظام أمر حتمي لانقاذ الجمهورية من التعفن والانهيار". اما هذه الخريطة فتبدو على الشكل الآتي:
- قوة الحرس غير مجيرة للمحافظين والخلاف مع قائد الحرس خلاف مع شخص وليس مع مؤسسة، ويضيف ابطحي الى ذلك: "ان 73 في المئة من أفراد الحرس اقترعوا لخاتمي، على رغم موقف قيادته محسن رضائي الذي أبعد وجاء مكانه صفوي، لذلك لا خوف من الحرس ولا من تدخله كمؤسسة وكقوة الى جانب المحافظين ضد الاصلاحيين. والخلاصة ان خطر انقلاب عسكري أو ما شابه غير قائم.
- حصول تغيير داخل الحوزة، سواء بسبب قضية حسين منتظري أو بسبب رغبة المحافظين ونشاطهم لدمج المرجعية وولاية الفقيه في شخص المرشد خامنئي، لأن "استقلالية" المراجع هي التي أصبحت موضع السؤال، وهي التي تمنح مراجع الشيعة خصوصيتهم التي لا يمكنهم التفريط بها لأي سبب من الأسباب، لذلك يجب عدم الاستهانة بهذا التحول الذي ظهر أخيراً في الرسالة التي وقعها أكثر من 340 رجل دين للمطالبة بحل قضية منتظري ورفع الإقامة الجبرية عنه.
- إن البازار في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الناتج عن انخفاض سعر النفط اساساً وانعكاساته على سعر العملة الدولار يساوي 550 تومان يجب عليه القبول بإحداث تحولات عميقة في بناء الاقتصاد الايراني لمصلحة الرأسمالية الصناعية، وإلا فإن كل مستقبله سيكون في خطر مع اندلاع أي أزمة اقتصادية.
- ان هاشمي رفسنجاني يحسب كثيراً للمستقبل، ولذلك يلعب دائماً لعبة التوازن مع ميل الى الاصلاحيين.
في ظل هذه التركيبة هل تتعرض ايران لامتحان مواجهة جديد، خصوصاً مع اقتراب استحقاق انتخاب مجلس الخبراء؟
يرى ايرانيون مطلعون ويشاركهم ديبلوماسيون متمرسون في رأيهم، ان المجتمع الايراني على رغم عملية التسييس العميقة التي حصلت داخله منذ الثورة، يبقى مجتمعاً توافقياً وليس صدامياً، وان الأمر سينتهي الى صيغة ما تحدث تغييراً في داخل المجلس من دون ان يحصل بالضرورة التعديل في نظامه. ولعل الإشارة الى ذلك تكمن في الصيغة التي طرحها المرشد خامنئي خلال انتخابات رئاسة مجلس الشورى والتجديد لناطق نوري، عندما قال لأعضاء المجلس: "عليكم تطبيق "رحماء بينهم" تجاه بعضكم بعضاً. وكان ان تم التجديد له بأصوات 165 نائباً من أصل 258 نائباً. ولم تحدث المواجهة المتوقعة!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.